من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

الحضور الصّوفي في الجزائر على العهد العُثماني - د.مختار حبّار






اتسم العهد العثماني في الجزائر بانتشار ظاهرة التصوف، وسيطرتها على توجيه مسار الحياة السياسية والاجتماعية والروحية بوجه لم يسبق لهذه البلاد أن عرفت مثيلاً له، رغم أنه كان منتشراً قبل وبعد هذه الفترة التي ندرسها. ولذلك لا يبدو عجيباً أن تتميز بداية هذه الفترة بنهاية حياة متصوف جزائري شهير، هو عبد الرحمن الثعالبي (ت 875ه)(1)، وتنتهي - بعد مرور زهاء ثلاثة قرون- ببداية حياة مجاهد ومتصوف جزائري آخر شهير أيضاً هو الأمير عبد القادر الجزائري (ت 1300ه)(2)، الذي قضى من عمره أربعاً وعشرين سنة في هذا العهد العثماني، وبقية العمر في عهد الاحتلال الفرنسي. وكأن اليد التي صافحت العثمانيين، ومهدت لدخولهم إلى الجزائر، هي نفسها اليد التي ودعتهم عند خروجهم منها، وهي اليد الصوفية.

قد يعترض المؤرخون المتمسكون "بالرسميات" على هذا الطرح بادعاء أن الوجود العثماني الرسمي في الجزائر يبتدئ بالضبط سنة 920 هجرية، لمَّا وطئت أقدام الأخوين: عروج وخير الدين بربروس، بلاد الجزائر(3) وينتهي سنة 1246 هجرية، عندما خرج هؤلاء، ووطئت أقدام الغزاة الفرنسيين أرض الجزائر(4). إن هذه أحداث تاريخية ثابتة لا جدال فيها، لكن الاستعمار الفرنسي لمَّا دخل الجزائر سنة 1830م، لم يعمّ حينئذ القطر الجزائري بأكمله في تلك السنة، بل ظل محاصراً في منطقة (متّيجة) أمداً طويلاً، ويكفي أن نذكر أن الأمير عبد القادر ظلَّ مستقلاً بالجزائر الغربية زهاء سبع عشرة سنة، عقد خلالها الجانبان (الأمير وفرنسا) معاهدات، وتبادلا السفراء.

كذلك الأمر بالقياس إلى العثمانيين فقبل وجودهم الرسمي بالجزائر سنة 920 هجرية كانت أساطيلهم تجوب البحر المتوسط، وكانت لهم علاقات جهادية مع أمراء وزعماء المدن والحصون المحاذية للبحر، لأن المدّ الصليبي الأوروبي عامة كان يهدد مدن شواطئ شمال أفريقيا بالسقوط والاحتلال، قبل ذلك التاريخ بأمد طويل، إذ يذكر بعض المؤرخين(5) أن: "سقوط مرفأ عنابة (كان سنة 867ه" قبل وفاة الثعالبي، وقد سقط إلى جانب مرفأ عنابة عدد من المدن الساحلية الأخرى: كالمرس الكبير، ووهران، وبجاية، وغيرها، وقد تكثفت الحملات الصليبية على الشواطئ المغاربية منذ "سقوط غرناطة سنة 897ه"(6).

ولذلك فقد ألفينا بعض الباحثين(7) يرون أنه "من الخطأ أن نبدأ تاريخ الجزائر العثمانية سنة 920ه/1516م، كما تذهب معظم كتب التاريخ فالوجود العثماني في الجزائر، وفي الحوض الغربي للبحر الأبيض أقدم من هذا التاريخ، فهو يعود في الحقيقة إلى أواخر القرن التاسع" ثم يقول: "وفي بعض النصوص المحلية وجدنا العثمانيين كانوا على صلة بأهل المدن الساحلية الجزائرية ولاسيما رجال الدين يتعاملون معهم، ويحاربون معهم العدو المشترك".

ومما لا شك فيه أن عبد الرحمن الثعالبي الذي كان آنئذ (أي أواخر القرن التاسع) على رأس إمارة "الثعالبة بمدينة الجزائر وسهول متيجة يحكم المنطقة حكماً ذاتياً(8) قد عانى كثيراً من الهجمات الصليبية، ولا يستبعد أبداً أنه كانت له اتصالات مع العثمانيين(9) بحكم رئاسته لقبيلته، وبحكم شهرته كرجل روحي كبير، له كلمته المسموعة في الأوساط الشعبية، ورؤساء القبائل المجاورة، وهو ما نلمسه واضحاً في رسالته(10) التي وجهها إلى نظيره محمد بن أحمد بن يوسف الكفيف ببجاية، ومن أهم ما يمكن استنتاجه منها، هو ذلك الفراغ السياسي، وفقدان سلطة زمنية واحدة تجمع كلمة الأهالي، والقبائل المنتشرة في ربوع هذه الأرض، فلم يجد الثعالبي سلطاناً لهذه البلاد يوجه إليه خطاب الجهاد، وحماية الشواطئ من مداهمة "بني الأصفر" لها –كما يسميهم- لمّا وجدناه فيها يشرح لنظيره "الكفيف" الخطة التي اتبعها والعدّة التي هيأها لمدافعة العدو وقتاله.

أما الربانيون الذين قيل في التاريخ، أنهم كانوا يحكمون من العاصمة تلمسان، المغرب الأوسط، أو "أهل الواسطة"(11) –مقابل حكم المرينيين للمغرب الأقصى، والحفصيين للمغرب الأدنى- فلم يكن لهم في حقيقة الأمر على هذه الربوع سلطان، ولا حتى للحفصيين، بدليل أن الثعالبي لم يستصرخ في رسائله(12) سلطاناً بعينه، بل استصرخ فيها رؤساء القبائل، مما يوضح لنا أن الحبل كان منقطعاً بين القبائل، والسلطة الزيانيّة الرسمية، وأنه لم يكن لأطراف هذه الأرض سلطان، إلا سلطان القبائل والعشائر تحكم نفسها بنفسها، ولا تخضع في أغلبها، لا لسلطان الحفصيين في الشرق، ولا لسلطان الزيانيين في تلمسان، الذين كانوا "نظرياً يحكمون المغرب الأوسط وهم في الحقيقة لا يحكمون عملياً إلا تلمسان وضواحيها، وساحل البحر إلى مقربة من مدينة الجزائر(13)، أما بقية البلاد الجزائرية، فقد كانت تتبع النظام العشائري أو القبلي، تخضع تارة عند الغزو والغلبة –للحفصيين أو المرينيين، وتارة أخرى للزيانيين، وفي أغلب الأحيان –وعندما تنتهي حملة الغزو- لا تخضع لأية سلطة، إلا لسلطة مشيختها، أو رؤساء الإقطاع والأمراء.

ومن أهم ما يمكن استخلاصه من رسالة الثعالبي أيضاً، هو شيوع الروح الصوفية وتحكمها في توجيه الأهالي إلى الجهاد، فمصدر رسالته في التحريض على القتال وإعداد العدة الموصوفة لمواجهة "بني الأصفر" لم يكن كل ذلك من تدبير عقل حكيم صقلته السياسة وحنكته تجارب الحرب، وإنما كان مصدره "رؤيا"(14) من رؤى الشيخ الصوفية، أخبر بها أولاً: قومه وعشيرته الأقربين، ثم بعد ذلك عممها فراسل في شأنها من راسلهم، وأكد لهم: إن ما يأمرهم به هو أتاه في "رؤياه" وإن العدة التي وصفها لهم: "دَرَق العُود" كذلك جاءت في الرؤيا، ويذكر أن قومه أنفسهم –بدواً وحضراً- لم يجتهدوا في إعداد العدة إلا لمَّا علموا أن ما يمليه عليهم هو من قبيل الرؤيا، لإيمانهم العميق بكل ما يمت بصلة إلى الغيب، وثقتهم العمياء في أقطابهم من رجال التصوف.

ونستخلص من كل ذلك أن الأوضاع السياسية للبلاد، كانت مضطربة، وخريطتها السياسية، لم تكن واضحة المعالم والحدود، فمثل الجزائر بمشيخة الثعالبة كان له ما يماثله من المشيخات والإمارات في مناطق أخرى من الوطن، وظلت الذهنية الشعبية مرتبطة بالسلطة الروحية المتمثلة في "مشائخ الصوفية" أكثر مما كانت مرتبطة بسلطة زمنية معينة تجمع شتات القبائل المتنافرة، فقد كان لكل مدينة رمزها الروحي، الذي يؤلف بين القلوب. فالثعالبي ظلَّ حياً –ثم ميتاً- يمثل رمز السلطة الروحية في مدينة الجزائر وأحواض متّيجة، وكان القطب الصوفي محمد الهواري يمثل تلك السلطة في وهران، وكانت مازالت قسنطينة "مدينة سيدي راشد" وتدعى تلمسان –رغم وجود سلطة زمنية بها آنئذ- "مدينة سيدي بومدين الغوث"(15)، وفي معسكر كانت "الطريقة القادرية" التي أسسها سلف الأمير عبد القادر هي التي تمثل تلك السلطة، وفي أحواض شلَف وتنَس كان يمثلها آل أبَهْلَول المجاجي(17)، وفي عنابة كانت المشيخة في عائلة "ساسي البوني" وفي غيرها من المدن والجبال والسهول كان غيرهم من الرموز الروحيين، الذين مازالت آثارهم المتمثلة في الأضرحة والقبب تدل عليهم، وتدل على ما كان لهم من سلطة روحانية على الأهالي.

وإلى جانب تلك الرموز الروحية، كانت قائمة بعض الإمارات الضيقة، والمستقلة بعضها عن بعض، فضلاً عن سلطة الزيانيين بتلمسان(18) إلا أن الوجود العثماني الفعلي والرسمي بالجزائر منذ بداية القرن العاشر الهجري عمل على تذويبها، وجمع شمل كثير من القبائل والإمارات المتنافرة لتوحيدها تحت سلطته، كما عمل العثمانيون على إعادة رسم خريطة جديدة لأقطار المغرب العربي، بقيت –مع بعض التعديلات الطفيفة- منذ ذلك التاريخ إلى الآن، ومنذ ذلك التاريخ أيضاً أصبحت الجزائر تابعة للخلافة العثمانية مثلها في ذلك مثل مجمل الأقطار العربية، بخلاف المغرب الأقصى الذي ظل مستقلاً عن العثمانيين(19).

ولكي نعرف دور الصوفية السياسي وموقفهم من الوجود العثماني كسلطة بديلة، لابد من الإشارة إلى أن الحركة الصوفية بالجزائر كانت قد انتشرت بكامل القطر قبل مجيء العثمانيين(20)، وإذا كان الحس "الوطني" كما نفهمه اليوم يكاد يكون منعدماً عند الخاصة بله العامة، فإن "الحس الروحي" المشوب بالتصوف هو الذي كان يجمع شتات القبائل والإمارات تحت مظلته، وبه كانوا يشعرون أن مصيرهم واحد إزاء الغزو الصليبي لهم، فرغم تفرقهم وتناحرهم أحياناً، من أجل توسيع نفوذهم واكتسابهم لمزيد من الإقطاعات، إلا أنهم سرعان ما توحدهم كلمة "الجهاد" في سبيل الذود عن حرمة الإسلام وحماه، وأن الصوفية في الغالب هم الذين كانوا يغذون تلك الوطنية الدينية" أو ما يمكن أن نطلق عليه "سلطة الصوفية".

ففي تلمسان مثلاً عاصمة الغرب الجزائري الثقافية، كان يغذي تلك السلطة الروحية كثيرون من أشهرهم عائلة ابن مرزوق، وتلاميذها(21)، وكان "قطب زمانه" الشيخ أحمد بن يوسف الراشدي الدار والنسب، دفين مليانة، المتوفى سنة 927ه(22) يروج للطريقة الشاذلية –التي كان يرتدي خرقتها –في كامل القطر بعامة، وفي الجهة الغربية منه بخاصة(23) وقد اشتهر "بالقطبانية" و"الولاية" في عهده، وذاع صيته في الناس، ونزل إلى العامة يستميلهم إليه، فلقنهم "الذكر"، فتبعه خلق كبير، حتى النساء، وقيل له في ذلك: "أهنت الحكمة في تلقينك الأسماء للعامة حتى النساء، فقال: قد دعونا الخلق إلى الله فأبوا: فقنعنا منهم بأن نشغل جارحة من جوارحهم بالذكر"(24).

وكان من نتيجة نشاط الشيخ ابن يوسف، أن انتشرت الطريقة الشاذلية في كامل القطر الجزائري، فضلاً عن انتشارها في المغرب والمشرق قبله بواسطة مؤسسها أبو الحسن الشاذلي، وأتباعه، ونذكر من أتباع ابن يوسف الملياني في الجنوب الغربي من الجزائر: الشيخ ابن سليمان، المعروف باسم: سيد الشيخ، صاحب "الياقوتة"، وتأسست في هذه الجهة زوايا كثيرة من أهمها الشاذلية، وقد لعبت هذه الطريقة، ممثلة في شخص ابن يوسف الملياني دوراً ريادياً في إعلاء "سلطة الصوفية". ولخطرها، فقد اتصل العثمانيون بممثلها، واستمالوه لجهتهم، فما كان منه إلا أن بارك وجودهم، وتحالف معهم على محاربة العدو المشترك: الإسبان من جهة، وسلطة الزيانيين بتلمسان المتحالفة مع الإسبان على العثمانيين من جهة أخرى(26).

وأما في قسنطينة التي كانت تابعة للسلطة الحفصية بتونس، قبل الوجود العثماني بالجزائر، كان أمر "السلطة الروحية" فيها بيد أكثر من عائلة: أهمها عائلة الباديس، وعائلة آل عبد المؤمن، وعائلة الفكون، وهذه الأخيرة هي التي عمل معها العثمانيون نفس ما عملوه مع ابن يوسف الملياني في الغرب، فقد رحبت بالوجود العثماني، وتحالفت معه، فآل إليها مصير قسنطينة "الروحي"، أما عائلة آل عبد المؤمن التي كان بيدها الحل والربط والتي انتصرت للحفصيين، فكان مآلها الخسران مع العثمانيين(27) وفي الجزائر سبقت الإشارة إلى أن صوفية الثعالبة تحالفوا مع العثمانيين، وعقدوا مع بابا عروج العثماني، معاهدة لصد الإسبان الذين كانوا متمركزين بصخرة "بنيون" على مقربة من شاطئ المدينة)(28)... وقد خان سالم التومي –الذي كان يمثل السلطة الزمنية- المعاهدة، فخنقه الترك، ولكن ثقتهم في رجال الدين بعامة، والصوفية بخاصة، بقيت على حالها ثابتة، فقد عيَّن العثمانيون أبا عبد الله محمد بن علي الخروبي سفيراً لهم مرتين على الأقل، يمثلهم لدى سلاطين المغرب الأقصى، وكان الخروبي من رجال الدين والتصوف، وهو من تلاميذ أحمد زروق، قدم إلى الجزائر من طرابلس، فاستوطنها وتوفي بها سنة 961 هجرية(29).

وأما في عنابة، فقد قصد العثمانيون عائلة ساسي البوني، التي كانت تمثل السلطة الروحية هناك، فلم تخيب العائلة قصدهم، بل توطدت بينهم علاقة حميمة على مر الزمان، وتتجلى هذه العلاقة من خلال الرسائل (30) المتبادلة بين محمد ساسي البوني، ويوسف باشا (الجزائر) من جهة، وبين أحمد بن قاسم البوني (الحفيد) ومحمد بكداش من جهة أخرى. ويمكن النظر إلى موضوع هذه الرسائل من جوانب ثلاثة:

الأول: يفيد تقرب السلطة العثمانية من الصوفية، وإضفاء هالة من التقديس الأعمى عليهم، وإيمانها العميق بهم كأولياء الله الروحيين في الأرض.

والثاني: يتمثل في ما يمكن أن نسميه "سلطة الصوفية" على كل من الحكام والرعية، لخضوع الكل لمشورتهم عند العزم.

والجانب الثالث الذي يمكن أن نستشفه منها، هو تعميق وترسيخ "التفكير الغيبي" في مقابل تعطيل التفكير العقلي، وتهميش ممثليه الذين تشتم منهم رائحة الإصلاح.

وفي داخل الوطن اقتفى كثير من مشايخ الصوفية أثر من سبق في تحالفهم مع العثمانيين، فأتباع الملياني وتلاميذه اقتفوا في أغلبهم صنيع شيخهم، نذكر منهم محمداً بن شاعة الذي أعفاه العثمانيون من الضرائب لموقفه الإيجابي منهم(31)، ومن غير المستبعد أن يكون تلميذ الملياني: محمد بن عبد الجبار الفيجيجي المتوفى سنة 950 هجرية قد تعاون مع العثمانيين اقتداءً بشيخه، فقد كانت له زاوية بمنطقة تاسالة، جعلها وقفاً على المريدين الذاكرين(32).

وفي ضواحي شلَف كان يرابط الشيخ ابن المغوفل، وهو من صلحائها الروحيين، وكان له في قومه نفوذ، لذلك كان أول من قصده العثمانيون في هذه الجهة، وطلبوا إليه مبايعتهم، ومناصرتهم على الزيانيين، ومباركة حملتهم عليهم، فكان لهم منه ما أرادوا، وجهَّز لهم حملة وبعث معهم ولديه بعد أن اعتذر الشيخ عن الذهاب معهم(33).

وفي مجاجة قرب مدينة تنَس، كانت ترابط عائلة أبهلول المجاجي، وقد أسست هذه العائلة زاوية بمجاجة، وكان من بين أهداف مؤسسيها: الجهاد في سبيل حماية الإسلام والأرض الإسلامية من الغزو الصليبي. وقد تعاونت هذه العائلة –لذلك- مع العثمانيين، وكان من أشهر رجالاتها لهذه الفترة، الشيخ محمد بن علي آبهلول المجاجي(34)، وقد ظلت هذه الزاوية تؤدي دورها في الجهاد في العهد العثماني، ولم ينقطع هذا الدور بذهاب العثمانيين، إذ برز أحفاد الشيخ كمجاهدين مع الأمير عبد القادر الجزائري، الذي تصدى للغزو الفرنسي(35).

ولقد تعمدت سوق هذه الطوائف من المتصوفة والطرق الصوفية التي سطع نجمها، وتزامن مع الوجود الفعلي للعثمانيين بالجزائر لسببين:

الأول منهما، هو أن الحركة الصوفية بهذه البلاد كانت موجودة وشائعة قبل الوجود العثماني في الجزائر، فليس العثمانيون هم الذين أوجدوها، أو جلبوها معهم، كما قد يتبادر إلى كثير من الأذهان، بسبب أن فترتهم هي التي ذاع فيها التصوف والطرق الصوفية أكثر من أي وقت آخر، فلم يكن العثمانيون في حقيقة الأمر إزاء انتشار ظاهرة التصوف بشكل يبعث على الدهشة والتساؤل، إلا كمصن يصب الوقود على النار(36).

وأما الثاني منهما، فهو أن الشعور "بالوحدة الوطنية"(37) سياسياً كان منعدماً، بمعنى أن حلقات السلطة الزمنية التي كانت تمثلها الدولة الزيانية بتلمسان كانت مفككة، ولم تكن شيئاً مذكوراً في الواقع، وإن كانت نظرياً تقوم ببعض ذلك، كما سبقت الإشارة. والذي كان يقوم مقام تلك الوحدة هو "الدين" بعامة، و"التصوف" بخاصة، أو ما يمكن أن نسميه "بالسلطة الصوفية"، التي كانت تغذي تلك الروح عن طريق "سلاسلها" و "طرقها" الصوفية"، التي كانت بمثابة الأحزاب في وقتنا المعاصر، تشعر الأتباع، والناس عموماً بالمصير المشترك كلما داهمهم خطر المد الصليبي، حتى إذا جاء العثمانيون ألفينا الصوفية هم الذين سارعوا في بادئ الأمر بحكم "سلطتهم الروحية" على الأهالي إلى مبايعة العثمانيين، والتعاون معهم، ومباركة حركتهم الجهادية، في حين أن ممثلي السلطة الزمنية مثل (الزيانيين) وبعض الأمراء مثل سالم التومي، وغيره قد تنكروا للوجود العثماني وحاربوه، بل تحالف بعضهم مع العدو (الإسبان) على أن يذعن للسلطة العثمانية(38).

ولقد شجع العثمانيون رجال التصوف، وأهل الطرق الصوفية، وذلك بانحيازهم في بادئ الأمر إلى رجال الدين والتصوف –كما أسلفنا القول- وفيما بعد شاركوا مشاركة فعلية في بناء القبب والأضرحة والمزارات، وفي "دار السجل" الوطني عدد كبير من الوثائق التي تدل على تلك المشاركة السخية. وقد تولت (المجلة الأفريقية) بنشر بعضها، ويصادف المتصفح لها كثيراً من العبارات مثل "أما بعد فهذا ضريح الوليّ الصالح الزاهد الورع (كذا) سيدي عبد الله بن منصور أدركنا الله برضاه آمين(39).

ويجد القارئ أيضاً عبارات أو نصوصاً كثيرة تدل على مشاركتهم في تشييد القبب مثل: "أمر بتشديد هذه القبة المباركة مع التابوت أمير المسلمين السيد مصطفى باي أيده (كذا) الله، ونفعه بذلك سنة ثمانية عشر بعد المائتين وألف"(40). ومثل: "أما بعد أمر ببناء هذا المقام السعيد، أمير المسلمين..." إلى آخر النص الذي يوضح أن صاحبه أمر بذلك ويقصد من وراء عمله "وجه الله، ورجاء ثوابه"(41).

كما ساعدوا "الصالحين" ببناء الزوايا والرباطات، وأنفقوا في سبيل ذلك أموالاً سخية، فرتبوا لبعضها أوقافاً خاصة(42) وأعفوا المقربين منهم من الضرائب(43) ومنحوهم حرمة وحصانة، فالمستنجد بحماهم لا يلحقه أذى ما دام في حمى "الشيخ" ولو كان المستجير مجرماً!

وبذلك وجد التصوف المجال خصباً للنماء والانتشار والشيوع بين العامة والخاصة، وتطعم بالمعتقدات الشعبية المحلية فانتشرت –لذلك بجانبه الخرافة والإيمان بالشعوذة، وعمت الطرقية، فلا نكاد نجد علَماً من الأعلام المشهورين بعلم الظاهر أو الباطن غير منتسب لطريقة معينة أو لشيخ معين، وكيف لا، وحكمة أبي يزيد البسطامي القائلة: "من لا شيخ له فشيخه الشيطان"(44). كانت رائجة على كل لسان، لذلك كان الناس يفخرون بانتسابهم إلى هذه الطريقة أو تلك، وإلى هذا الشيخ أو ذاك، وكثيراً ما نجد في تراجم الأعلام لهذه الفترة عبارة مثل: فلان "أخذ" عن الشيخ الفلاني "علم الظاهر" أو "علم الباطن" أو هما معاً، وأما العامة من الناس، وبخاصة منهم النساء، فيكتفون غالباً بالاعتقاد الراسخ في "الشيخ" أو "الضريح" القريب منهم، ويلجأون إليه كلما أصابهم ضرّ أو ألمَّت بهم مصيبة(45). وما تزال آثار هذه الاعتقادات سارية إلى اليوم في بعض الأوساط الشعبية، وأحياناً في أوساط المتعلمين (وحتى المثقفين منهم).

ولقد أعطى ذلك التجاوب بين الصوفية والسلطة العثمانية، نتاجاً ثقافياً غزيراً، مشوباً في أغلبه بالتصوف، والتفكير الباطني، المعتمد على المجاهدة وتصفية النفس بالترك والزهد والتخلي للتحلي، وقلَّما نجد نتاجاً ثقافياً يعود إلى هذه الفترة قد نجا من "حمّى" التصوف، ذلك لأن أغلب الشيوخ المتصدين للإفتاء والتدريس كانوا يجمعون بين علمي الظاهر والباطن، كما أن المؤسسة التعليمية المفضلة كانت غالباً هي "الزاوية" وكانت المواد المدرسة في أغلبها دينية مشبعة بروح صوفية، وكان التصوف من بين المواد المدرسة من خلال بعض الكتب المشهورة: كالرسالة القشيرية، وحِكَم ابن عطاء الله، وإحياء علوم الدين للغزالي، وقوت القلوب لأبي طالب المكي، وغيرها من أمهات الكتب والتراجم.

وكانت "الزاوية" إلى جانب قيامها بالتعليم، تقوم بوظائف أخرى مكملة لغرس بذرة "الفكر الباطني" في الطالب أو المريد، والذي يغرس هو عادة "شيخ الزاوية" أو "مقدمها"(46)، ففيها يتم أخذ "العهد" أو الطريقة، وتعتبر الزاوية، والشيخ، والمريد، والطريقة، من أهم الأسس التي تعدُّ الفرد في المجتمع الجزائري إبّان العهد العثماني إعداداً "باطنياً" وتجعله قابلاً لتلقي "المعرفة الوهبية" إذا "فتح" الله عليه، وفي الوقت نفسه يتقلص تلقائياً بناء العقل فيه، ويصبح دوره مقتصراً على الحفظ والتخزين والاعتقاد بلا انتقاد، ما دام أن "العلم" الذي ينشده ليس من قبيل العلم الذي يتم إدراكه بالعقل، فالعقل في نظر مجمل الصوفية يولد وهو يحمل معه عاهة قصوره، يقول الكلا بادي(47) "العقل محدث والمحدث لا يمثل إلا نفسه".

وإن كنا لا نستطيع إحصاء كل الزوايا التي كانت تقوم بتلك المهمة فإننا نحاول أن نذكر هنا أشهرها مع الإشارة إلى أهم الطرق الصوفية، ولا غرو أن أشهر طريقة من حيث الذيوع والانتشار، كانت الطريقة القادرية –الشاذلية، كما سلف القول، ليس في الجزائر فحسب بل وفي العالم الإسلامي قاطبة(48).

وحسب بعض الروايات(49) فإن الطريقة القادرية التي تنتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني المتوفى سنة 561ه(50) قد انتقلت إلى الجزائر بخاصة والمغرب بعامة عن طريق الشيخ أبي مدين التلمساني سنة 594 هجرية بتلمسان، وتقول نفس الروايات: إن أبا مدين التقى بالجيلاني في موسم من مواسم الحج، وفي الحرم المكي كان اللقاء، وأنه لمَّا عاد إلى وطنه أشاع الطريقة القادرية ونشرها في المغرب عموماً عن طريق مريديه وأتباعه، وعن طريق هؤلاء انتشرت في كامل بلاد المغرب. والمشرق، وانتشرت معها وبها الزوايا والمشيخات.

وكان من تلاميذ أبي مدين عبد السلام بن مشيش، وكان هذا أستاذاً ومربياً لأبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية(51) والذي كان قد ولد سنة 593ه بإحدى قرى المغرب الأقصى بسنة واحدة قبل موت أبي مدين التلمساني، وقد استقر أبو الحسن بمنطقة "شَاذلَة" بتونس، فننسب إليها، وظل يتردد بينها وبين الإسكندرية والقاهرة كلما طرأ طارئ، وقد وسعت حركته وتنقلاته هذه، معارفه وتلاميذه، وكثر بذلك المنتسبون إلى طريقته الشاذلية التي هي فرع من القادرية، وقد توفي أبو الحسن الشاذلي سنة (656 هجرية)(52)؛ ونريد أن نصل من كل ذلك إلى أن أغلب الطرق في الجزائر "قادرية" الأصل، رغم أنها تسمى "بالشاذلية" أو "باليوسفية" أو غيرها من الأسماء.

وقد يتساءل سائل عن سبب تسمية هذه الطرق بأسماء أصحابها من المشايخ دون الانتساب إلى الأصل أي "القادرية"؟ وأرى أن مرجع ذلك يعود إلى أحد مبادئ الطريقة القادرية التي كان يبثها عبد القادر الجيلاني في مريديه وهو "الانفصال"(53) بمعنى أن المريد بمجرد أن يصل إلى مستوى المشيخة، ويجيزه الشيخ الذي أخذ عنه، فهو في حل من أمره، بل من المستحب والواجب عليه أن (ينفصل) عن شيخه ويصبح في عداد الشيوخ الذين يعتمدون على أنفسهم في اجتهاداتهم وسلوكهم، ويمكن لهم عندئذ أن يؤسسوا زواياهم، وأن يدعوا إلى طرقهم التي تسمى غالباً بأسمائهم، كما هي الحال مع أبي الحسن الشاذلي الذي تنسب إليه معظم الطرق الصوفية الموجودة بالجزائر إبّان العهد العثماني، ولكن معظم تلك الزوايا، تسمى بأسماء أصحابها أيضاً مثل (الزاوية البكرية التي أسسها الشيخ البكري بمنطقة تمنطيط، وكان قادرياً –شاذلي المذهب، وتوفي 1133ه)(54) وقد سبقت الإشارة إلى أن سيد الشيخ الياقوتة، وكان قادرياً –شاذلي المذهب، كما أن عبد الكريم الفكون، وأحمد بن عمار، كانا مثله على الطريقة الشاذلية.

أما في الشرق الجزائري فقد اشتهرت في كل من الجزائر، وقسنطينة –الطريقة الرحمانية، التي أسسها عبد الرحمن الأزهري) (مجاورة) وتأسست بها عدة زوايا من أهمها زاوية باش تارزي بقسنطينة التي أسسها عبد الرحمن باش تارزي، والزاوية "العزوزية" بضواحي بسكرة التي أسسها تلميذها ابن عزوز البرجي المتوفى سنة 1233هجرية، وقد امتدت فروع هذه الزاوية إلى تونس وطرابلس، عن طريق أبناء ابن عزوز البرجي.

وكانت الطريقة التجانية التي أسسها أحمد التجاني المتوفى سنة 1230 هجرية من أهم الطرق التي شدّت انتباه الناس إليها، لأنها كانت من بين الزوايا أو الطرق التي ثارت في وجه الوجود العثماني. ولها عدة فروع في المغرب الأقصى والسينغال وغيرها من الدول الأفريقية، وفي منطقة القبائل نذكر الحسين الورثلاني المتوفى سنة 1193هجرية(55) الذي ورث الطريقة والزاوية عن جدوده إذ كانت لهم ببني ورثلان زاوية عامرة بالطلبة والمريدين.

وإن كنا نفتقد الآن إلى إحصائيات رسمية لكل الزوايا ومذاهبها في الجزائر فإن ذلك لا ينفي أن عددها كان كبيراً مع نهاية العهد العثماني، ونذكر على سبيل المثال أن مدينة قسنطينة وحدها كان بها زهاء ست عشرة زاوية(56) ومدينة تلمسان كان بها ما يزيد عن ثلاثين زاوية(56)، وأما بمنطقة القبائل وبجاية فقد كانت من أكثر جهات البلاد كثافة من حيث عدد الزوايا إذ بلغ عددها نحو الخمسين(56)، هذا في شمال البلاد، أما جنوبها فلم تكن تخلو عشيرة منها، بل لقد كانت الزاوية ترحل أحياناً مع الراحلين كما هو بالقياس إلى زاوية سيد الشيخ، الذي اضطرته الخلافات المذهبية إلى التنقل بزاويته.

وفضلاً عما كانت تقوم به الزاوية من وظائف متعددة تحدثنا عن بعضها فإنها كانت كذلك مخازن للكتب، ومن أشهرها مكتبة زاوية الفيجيجي التي وصفها ابن عبد السلام الناصري، وأشار إلى اعتناء آل الفيجيجي بها، ومباهاة غيرهم بما فيها من نفائس الكتب(57)، وكانت زاوية سيدي الهواري بوهران التي آلت إلى تلميذه إبراهيم التازي، تحتوي على مكتبة ضخمة(58). ومما لاشك فيه أن الاستعمار الإسباني قد انتهبها، وأكمل انتهابها الاستعمار الفرنسي بعده. وقد ذكر الكفيف في رسالته إلى الثعالبي(59) عنايته بمكتبته وتدبير أمر تهريبها خارج المنطقة الحضرية خوفاً عليها من الانتهاب لأن شواطئ بجاية كانت بدورها عرضة لهجمات الإسبان آنئذ. وكانت لعائلة الفكون مكتبة ضخمة وغنية بنفائس المخطوطات وكان اعتماد الفكون (الحفيد) في ثقافته الدينية والصوفية والأدبية عليها كبيراً وكانت مكتبة الفكون من ضمن المكتبات التي مسها الإحصاء أثناء الحملة الفرنسية على الجزائر(60) كما كانت مكتبة عبد الرحمن باش تارزي من أشهر المكتبات بقسنطينة إذ ذكر تقرير الإحصاء الفرنسي بها ما يزيد عن خمسمائة مخطوط جلَّها في الفقه والدين(61) وحسب هذا التقرير، فلا تكاد تخلو زاوية أو مسجد من مكتبة.

ولقد ساعدت هذه المكتبات على نشر الثقافة الدينية في أوساط المريدين المترددين على مشائخها، ويذكر أحد التقارير(62) أن المستوى الثقافي للجزائريين في نهاية العهد العثماني كان أفضل بكثير من مستوى الجنود الفرنسيين الذين كانوا في الجزائر أثناء حملتهم على العثمانيين بها، إذ شهد شاهد من قواد الجيش الاستعماري يومئذ أن الأمية بين جنوده بلغت (45%)، وبالمقابل كان عدد القادرين على القراءة والكتابة من الجزائريين يفوق بنسبة (55%)، ولكن بعد أكثر من قرن من الاحتلال الفرنسي يقول تقرير آخر(63): أن الأمية وصلت بين الجزائريين ما بين (70-75%) مما يدل على سياسة التجهيل التي انتهجتها فرنسا في الجزائر.

لكن إذا كانت هذه الإحصاءات تبين بعض جوانبها ارتفاع نسبة المتعلمين في العهد العثماني، فإنها لم تكشف بذلك عن درجة وعي هؤلاء المتعلمين. لقد كان جلَّ المتصوفة –الذين ندرس أثرهم- متعلمين، بل ومؤلفين، ولا أريد أن أشير هنا إلى جلَّ مؤلفاتهم(64)، ولكن أريد أن أشير إلى أنها كانت أغلبها في الدين والتصوف، وإلى أنها كانت حصيلة للفكر الباطني السائد الذي غذته المؤسسة التعليمية التي كانت غالباً "زاوية" أو مذهبها القائم على أساس "اعتقد ولا تنتقد"، كما كان قائماً أيضاً على أساس "العلم الوهبي" المنافي للتحصيل القائم على العقل. ودوافع التأليف غالباً ما كانت قائمة على أساس غيبي، أو خدمة للطريقة أو حباً لأولياء الله، ورجاء كراماتهم ورضاهم.

ولنا أن نتخذ لذلك كتاب "البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان "لابن مريم" نموذجاً لمجموعة كبيرة من المؤلفات مشابهة له مضموناً، لندرك أن الأساس الذي قام عليه تأليف كتابه –وهو في التراجم- لا يخرج عما ذكرنا آنفاً، وفي معناه يقول في المقدمة "أنه إذا كان مجرد حب الأوليات ولاية، وثبت أن المرء مع من أحب، فكيف بمن زاد على مجرد المحبة بموالاة أولياء الله تعالى وعلمائه. وخدمتهم ظاهراً وباطناً بتسطير أحوالهم، ونشر محاسنهم، في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم. نشراً يبقى على مرّ الزمان. ويزرع المودة لهم، والحب في صدور المؤمنين للاقتداء بهم بحسب الإمكان(65).

وإذا كان منطلق ابن مريم في تأليفه "لبستانه" منطلقاً باطنياً يخضع لروح العصر كما هو واضح من بعض مقدمة الكتاب، وكذلك متنه، فإننا نأتي –بالمقابل- بنموذج آخر، مناقض له، يزعم فيه مؤلفه الشيخ عبد الكريم الفكون(66) أنه سيشهر سيف العقل على كل الباطنية والدجاجلة بوجه خاص. وقد قسم الفكون كتابه إلى مقدمة، وثلاثة فصول وخاتمة، وبين في المقدمة أن الذي حمله على وضع هذا الكتاب هو ما كان يراه من انقلاب الأوضاع أمام عينيه: فالجهلة أصبحوا أدعياء للعلم، والعلماء أصبحوا في موضع الخساسة، وأهل الطريقة الحقة علاهم أهل الزندقة والبدع، وبعد ذلك يقول "كل ذلك والقلب مني يتقطع غيرة على حزب الله العلماء أن ينتسب جماعة الجهلة المعاندين الضالين المضللين لهم، أن يذكروا في معرضهم، وغيرة على جانب السادة الأولياء الصوفية أن تكون أراذل العامة، وأنذال الحمقى المغرورين أن يتسموا بأسمائهم"(67).

لكننا عندما نقرأ هذا الكتاب، نجد سيف العقل الذي سلَّه الفكون حاداً في المقدمة. مغلولاً في الفصول، وأن هذا السيف بدوره لم يتحرر من روح العصر الصوفي الذي كان مسيطراً على الثقافة العامة، وحتى لا نظلم الشيخ نعرض بعض ما جاء في الفصل الأول الذي خصه "لمن لقيه من العلماء والصلحاء المقتدى بهم، ومن لم يلقهم ممن توفوا، ونقلت إليه أحوالهم وصفاتهم يعرف بهم ويذكر مناقبهم" وقد جعل على رأس هذه الطائفة عمر الوزان (ت695ه) وهو من أعيان قسنطينة الذين عاصروا الفكون (الجد)، وقد وصفه الفكون (الحفيد) أي صاحب الكتاب، بعدة أوصاف منها قوله: "شيخ الزمان" ومنها "العالم العارف بالله الرباني" ومنها "وله في طريق القوم اليد الطولى" ومنها "ويقال أنه دعوة الشيخ الصالح القطب الغوث أبي العباس أحمد زروق" ومنها "ومن كراماته رضي الله عنه..." ثم يذكر عدداً منها(68) وللعلم فهو لا ينكر كل ذلك بل يشيد به.

وإذا واصلنا فحص كتاب الفكون محاولة منا لمعرفة المقياس الذي يحكم به ما صح عنده من التصوف، وما هو من قبيل البدع، نجده يتناقض أحياناً مع نفسه فما نسبه إلى الطائفة التي جعلها في فصل المغضوب عليهم(69) نجد له نظيره أو أكثر منه بدعة أحياناً مما نسبه إلى الطائفة التي جعلها في فصل الذين رضي الله عنهم(70)، فينكر ذلك عمن سبق، ولا ينكره عمن لحق، بل كان يميل إلى الاعتقاد به أكثر مما كان ينفر منه، فهو القائل: "وكرامات الأولياء مما يجب الإيمان بها، ورؤية الملائكة جائزة"(71) وكان ذلك تعليقاً منه على حكاية سمعها عن فقيه، قيل له: أنه رأى "جبريل وميكائيل وبين يديهما ثلاثة أباعر"، ولكنه بالمقابل يعيب على الشيخ محمد ساسي البوني أنه صار في "بلد بونة" أي عنابة "رئيس الباطن والظاهر" ويعتقد الناس في البلد ونواحيها أنه "وارث شيخه وخليفته"(72) ثم ينكر عليه أنه "ادعى مقام الأكابر من الأولياء" ثم يذكر أنه كان شاعراً، وينكر عليه أنه قد ملأ شعره بعبارات "الحانِ والدنانِ" و "يزعم أنه شرب من كأس الصفوة" وأنه "جلس على بساط القرب" وأنه "عرج به إلى السماء وكشف له عن أحوال الملكوت"(73) وكل هذه وغيرها مما يتهم به الفكون، الشيخ البوني، ويعتبر ذلك من البدع! وهو كما نرى من "شطحات" الصوفية.

وعندما حاول أن يضع مقياساً لتصديق مثل هذه الرؤى، وخوارق الكرامات والشطحات الصوفية، مرة، وإنكارها هي نفسها مرات أخرى نجد ذلك المقياس يتلخص في: أن لا إنكار على من يأتي بها أو يرويها عن نفسه وغيره، إذا "كان بالمثابة المثلى من طريق أتباع السنة والمعرفة بالله والحق أبلج والباطل لجلج"(74).

ومما يلاحظ على شيخنا الفكون –رحمه الله- أن ذلك المقياس- إن جاز تسميته كذلك- كان كثير التلجلج والاضطراب في يده، ويبدو أنه كان يعيش نوعاً من القلق والاضطراب بين عقله وقلبه، فرغم أننا ألفيناه في (المقدمة) عازماً على تنصيب (العقل) ميزاناً للحكم على الأمور الغيبية بعامة والتصوف منها بخاصة، لإسقاط سلطة العقل الباطن من عرشه، إلا أن الشيخ –وكما يبدو لي- قد أخفق في ذلك إخفاقاً كبيراً، وانتصر عليه "قلبه" انتصاراً خطيراً، لأنه لانَ أمامه واستسلم له، ولم ينكر ما ينسب إلى التصوف من علم لدني، وولاية، وكرامة، وما إلى ذلك من المغيبات، ولكنه أنكر على من يرتدي ذلك مدعياً أو ليس أهلاً له، ومن ثمَّ بات التصوف في نظر الشيخ مثل "الجبَّة" أو "الخرقة" يلبسها أحدهم فتزينه، وهي نفسها يلبسها آخر فتشينه، لا لعيب فيها، بل في من يلبسها.

وهكذا نلاحظ أن لا الفكون ولا غيره استطاع أن ينفلت انفلاتاً كلياً من طوق التصوف الذي كان يحوط العهد العثماني في الجزائر بطوقه، ويطبعه بطابعه. فظهر ذلك جلياً في مؤلفات هذا العهد، مثل مؤلف ابن مريم، ومؤلف الفكون، فضلاً، عن مؤلفات أخرى مثل رحلة الورثلاني(75) ورحلة ابن عمار(76) ورحلة ابن حمادوش(77) ورحلة العياشي(78) وتراجم الحفناوي(79) التي كتبها بعد العهد العثماني، وغيرها، وهي في أغلبها عبارة عن تراجم وأخبار، اعتنت بالحركة الصوفية ممثلة في الشخصيات المترجم لها، فإذا تصفحناها فإننا نجد العبارات الصوفية مثل (العارف بالله) و(الشيخ الرباني) و (صاحب المكاشفات والكرامات) و (من كشف له الغطاء) و (مجاب الدعوة) وغيرها من الأوصاف التي لها علاقة (بالكرامة) و (الولاية) و (القطبانية العظمى) هي العبارات الرائجة أكثر من غيرها.

كما ظهر ذلك في النظم بعامة، ومن أشهر المنظومات التي تعود لهذا العهد منظومة عبد الرحمن الأخضري المتوفى سنة 953 هجرية(80) وقد سماها "القدسية" وأطال نفَسَه فيها فجاءت في حوالي ثلاثمائة بيت، وقد اعتز الفكون بالمنظومة القدسية اعتزازاً كبيراً، وتمثل بها في منشور هدايته كثيراً. لأنه يتفق مع الأخضري. في الحملة على "الدجالة" الذين ينتسبون إلى التصوف لاستلاب الناس أرزاقهم، والأخضري في منظومته، مثل الفكون في منشوره. لم يكن ضد التصوف في حد ذاته- لأنه مثل الفكون صوفي- ولم يكن ضد النعوت الصوفية في حد ذاتها كالولاية والقطبانية وما إليهما، ولكنه كان ضد الأدعياء الذين يخالفون نهج الكتاب والسنّة، وأنه لم يقبل بغيرهما حكماً في الفصل بين الادعاء والصدق أو بين "الإفك والصواب" كما يقول في القدسية(81):

واعلم بأن الوالي الربَّاني *** لتابع السنَّة والقرآنِ

والفرق بين الإفك والصواب *** يعرفُ بالسنَّة والكتابِ

وفي بعض الأحيان نجده يعتمد على أقوال الصوفية المنصفين، لاستنتاج بعض المقاييس التي يمكن له بواسطتها أن يحكم على "صاحب الإفك من صاحب الصواب"، ومعرفة الحقيقة من الادعاء، وفي معنى ذلك يقول(82):

وقال بعض السَّادة الصوفيَّة *** مقالةً جليلةً صفيهْ

إذا رأيت رجلاً يطير *** أو فوق ماء البحر يسيرْ

ولم يقف عند حدود الشَّرع *** فإنه مستدرجٌ وبدعيْ

ويبدو لنا أن الأخضري في قدسيته قد وفق إلى تحديد المنهج الذي يجب أن يقوم عليه التصوف، ويتمثل في الحث على الرجوع إلى الكتاب والسنَّة لأن طريقة أهل السنَّة أو السلف الصالح قائمة على إقامة الشريعة أساساً للوصول أو الترقي في سلَّم الحقيقة، وذلك هو ما يقابل عند الصوفية القيام بالمقامات أساساً للوصول أو الترقي في سلَّم الأحوال المفضية بالسالك إلى الحقيقة. وبذلك يترقى الولي أو السالك على بيّنة وشرعة، لا على الادعاء الباطل(83)، ومن أهم الأبيات التي يغمز بها الدعاة الذين يركبون الدين لابتزاز الناس قوله(84):

كفَاكَ في جميعهم خيانَةْ *** أن قتلوا العبادَ بالديانةْ

وإذا كان الأخضري قد وظَّف "قدسيته" لانتقاد أباطيل العصر، فإن بعضهم الآخر قد وظَّف النظم لنشر الطريقة الصوفية التي يعتنقها، وهم الأغلب الأعم، ومن هذه المنظومات "المنظومة الرحمانية" لعبد الرحمن باش تارزي المتوفى سنة 1222هجرية(85) التي عرف فيها ناظمها بطريقته ومؤسسها، وبيَّن فيها شروط المريد الذين يسلك الطريقة الرحمانية، وتكلم فيها عن آداب السلوك، وعلاقة المريد بالشيخ، وعلاقة الشيخ بمريده، كما بيَّن فضائل الطريقة التي وصل الكثير من السالكين بفضلها إلى الحقيقة، حسب رأيه وتتضمن المنظومة فضلاً عن ذلك سلسلة الطريقة في الشريعة و الحقيقة وقد تولد شرح هذه المنظومة الشيخ مصطفى باش تارزي ابن الناظم بعد وفاة والده وبعد إلحاح كثير من محبي الطريقة كما يقول الشارح(86).

ومنها منظومة ابن عزوز البرجي المنتمي إلى الطريقة الرحمانية ولذلك فمن غير المستبعد أن يكون البرجي قد تأثر بمنظومة أستاذه باش تارزي فألَّف هو منظومة في التصوف خدمة للطريقة ولمريديه، وقد سماها "رسالة المريد في قواطع الطريق وسوالبه وأصوله وأمهاته" وقد اتخذتُ منها نموذجاً لمنظومات هذا العقد، وألحقتها بسفر للتراجم والمختارات الشعرية، لنعرف من خلالها اللون الثقافي السائد الذي كان يروِّج له أغلب أصحاب المنظومات لهذا العهد*.

وظهر ذلك بخاصة في الشعر الصوفي، عندما يجد المتصوف بعض القدرة على صياغة الشعر ونظمه. وتعتبر مجمل القصائد التي وقع عليها اختيارنا صوراً صادقة لما كان يسود العصر العثماني –الذي صنعته الصوفية- من اعتقاد راسخ بالأولياء والصلحاء والأقطاب، وبكراماتهم وخوارقهم، والتوسل بهم ورجاء بركتهم، ورحمتهم، ومنهم عليهم بالفتح عليهم، كما فتح على أوليائهم، والتقرب بهم، وجعلهم "وسطاء" بينهم وبين من ترجى شفاعته، ومن يتَّقى غضبه وعقابه، وترجى رحمته ورضاه ومنَّه.

ولقد لمست عند تعاملي مع شعر هؤلاء، أن أغلب الصوفية كانوا يعتبرون القصيدة المتدينة بعامة، والمتصوفة بخاصة، من أقدس المقدسات التعبيرية، بعد القرآن والحديث، فقد فسحوا لها المجال واسعاً، لتدخل المساجد من أبوابها الواسعة، ولتتوِّج بحضورها محافل المآدب والمناسبات الدينية، وبخاصة منها المدائح النبوية التي ينظر فيها منشئها إلى النبي? نظرة روحية خالصة، ولذلك فإن قصائد المدح النبوي هي من أكثر الشعر إنشاداً إنشاءً في هذا العهد، تليها من حيث الكثرة والأهمية، قصائد الاستغاثة والتوسل بالأولياء، ومشائخ الطرق، الأموات منهم والأحياء ثم تأتي بعض الأغراض الأخرى التي لها صلة بالتصوف، كالوقوف على الإطلال، والغزل، والرحلة، هذا فضلاً عن بعض القصائد الأخرى كالأخوانيات والمراثي، ووصف ا لطبيعة، التي لا تخلو في عمومها من النفحات الروحية أو الصوفية.

ولقد بنيت أغلب قصائد المديح النبوي –التي اطلعت عليها- على نظرية "الحقيقة المحمدية" التي يسري سريانها من قصائد السلف إلى قصائد الخلف؛ وقد نقل إلينا ابن عمار في رحلته(87) صوراً عميمة عن الاحتفال بالمولد النبوي في الجزائر إبّان العهد العثماني، ممثلة في بعض الأخبار، وفي بعض المولديات، والمدائح النبوية، التي تحتفل بسريان "النور المحمدي" في الوجود؛ وقد يختلف شكل التعبير عن ذلك من القصيدة إلى الموشح، إلى السمطية، لكن الفكرة تظل واحدة، وهو ما حاولنا دراسته في كتاب من جزئين: أحدهما، دراسة عرفانية، وآخرهما دراسة أسلوبية.

وخلاصة القول في هذا المقال، هو أن الجزائر العثمانية، قد تحولت في آخر المطاف إلى "ورشة" لصناعة طرق "علم الباطن"، وقد طغى ضجيجها، وعمَّ عجيجها أطراف البلاد، وطمس بعض الأصوات التي كانت تحاول –عبثاً- صنع "علم الظاهر". ولا عجب بعد ذلك أن خاطب المحتل الفرنسي أعيان البلاد في منشوره(88) الذي وزعه على الأهالي عشية الاحتلال، بلغة "أهل الباطن" وكان مما جاء في الخطاب "يا أيها أهل الإسلام، إن كلامنا هذا صادر عن الحب الكامل"!

*الحواشي:

(1)انظر: محمد الحفناوي –تعريف الخلف برجال السلف: مؤسسة الرسالة –بيروت-ط2- 1985- ص1-70.

(2)انظر: ديوان الأمير عبد القادر الجزائري (جمع وتحقيق د.زكريا صيام) ديوان م.ج. الجزائر 1988-ص55.

(3)انظر: أ.عبد الرحمن الجيلالي –تاريخ الجزائر العام: دار الثقافة- بيروت 1982-ص3-37.

(4)انظر: المرجع السابق –ص3-403.

(5)أحمد توفيق المدني- حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا –المؤسسة و.ظ. –الجزائر- ط3-1984. ص96.

(6)د.عبد الرزاق قسوم –عبد الرحمن الثعالبي والتصوف –الشركة و.ن.ت- الجزائر 1978- ص13.

(7)د.أبو القاسم سعد الله- تاريخ الجزائر الثقافي- ص 1- 131.

(8)انظر: د.عبد الرزاق قسوم- عبد الرحمن الثعالبي والتصوف (هامش) ص25.

(9)انظر: وليم سبنسر- الجزائر في عهد رياس البحر- تعريب: د.عبد القادر زبادية- ص31.

(10)حقق الرسالة ونشرها: د.أبو القاسم سعد الله- أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر- ص 1- 208.

(11)مذكرات الحاج أحمد الشريف الزهار- تحقيق: أحمد توفيق المدني- ص85.

(12)ذكر في رسالته التي بين أيدينا الجهات التي وجه إليها رسائله.

(13)انظر: المرحوم توفيق المدني- حرب الثلاثمائة سنة- ص 93- 95.

(14)انظر: نص الرسالة: أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر – ص1- 209 (سبقت الإشارة إليها).

(15)انظر: د.قسوم- عبد الرحمن الثعالبي والتصوف- ص25.

(16)انظر: الشيخ المهدي البوعبدلي- الجزائر في التاريخ- ص 4- 129.

(17)انظر: الجزائر في التاريخ- ص 4 -121.

(18)انظر: حرب الثلاثمائة سنة –ص 93- 95 وتاريخ الجزائر الثقافي- ص 131- 133.

(19)انظر: تاريخ الجزائر الثقافي- ص- 1- 131، وانظر: الجزائر في التاريخ- ص- 4- 126.

(20)انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص- 1- 464.

(21)انظر: رحلة القصادي- هامش 96، وابن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان- ص74.

(22)نظر: تعريف الخلف برجال السلف- ص 103- 106.

(23)انظر: ميلاد عيسى- الياقوتة (باللغة الفرنسية) المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر 1986- ص6.

(24)تعريف الخلف برجال السلف –ص 2- 106.

(25)انظر: الجزائر في التاريخ- ص 4- 181.

(26) انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص- 1- 470.

(27)انظر: محمد بن علي شغيب- أم الحواضر في الماضي والحاضر، تاريخ قسنطينة، مطبعة البعث، قسنطينة، ص 133- 134 (1980).

(28)انظر: الجزائر في عهد رياس البحر- ص31.

(29)انظر: تعريف الخلف برجال السلف: 2/489- 490. انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص، وانظر: الجزائر في التاريخ 4- 138.

(30)حققها ونشرها: د. أبو القاسم سعد الله- مجلة الثقافة (الجزائرية) عدد 51- سنة 1979- ص- 21- 29.

(31)انظر: تاريخ الجزائر الثقافي –ص 1- 741.

(32)انظر: البستان لابن مريم- ص287- 288.

(33) انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص471.

(34)انظر: ترجمته وشعره الصوفي في تعريف الخلف برجال السلف.

(35) انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص-1- 198

(36) انظر: المرجع السابق –ص 1- 464.

(37) بدأت ملامح الشعور بالوطنية تظهر في كتابات بعض الجزائريين أثناء العهد العثماني، قال الورثلاني: "وصلنا إلى مدينة قسنطينة وهي مدينة في وطننا.." الرحلة الورثلانية- ص685.

(38). انظر: عبد القادر المشرفي الجزائر- بهجة الناظر في أخبار الداخلين تحت ولاية الإسبانيين- تحقيق: محمد بن عبد الكريم- دار مكتبة الحياة- بيروت (د.ت) ص 8- 13.

(39) المجلة الأفريقية- عدد 31- السنة السادسة جانفي- 1862- ص16

(40) المرجع السابق- ص16.

(41)المرجع نفسه: 17، والرسالة مؤرخة بسنة 1174ه.

(42) انظر: تاريخ الجزائر الثقافي- ص 1/ 84- 85 وغيرها.

(43)مثل عائلة الفكون بقسنطينة.

(44)د.عامر النجار، الطرق الصوفية في مصر- دار المعارف بمصر- ط 3/1986، ص42.

(45)انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص-1- 183.

(46)المقدم: هو المريد الذي يقدمه الشيخ على غيره من المريدين لينوب عنه في القيام بكل ما يخص شؤون المشيخة أو الزاوية.

(47)التعرف لمذهب أهل التصوف: مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة –ط2، 1980- ص78.

(48)انظر: سميح عاطف الزين- الصوفية في نظر الإسلام- دار الكتاب اللبناني- ط3، 1985- ص445.

(49)رواية ابن مريم في: البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان- ص110 وما بعدها، ورواية د.عامر النجار: الطرق الصوفية في مصر- دار المعارف بمصر- ط3، 1986- ص115.

(50)انظر: الصوفية في نظر الإسلام- ص544.

(51)انظر: الطرق الصوفية في مصر- ص114.

(52) انظر: الصوفية في نظر الإسلام- ص 546- 548.

(53)انظر: الطرق الصوفية في مصر- ص117

(54)انظر: فرج محمد فرج: إقليم توات خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين- ص112.

(55)انظر: ترجمته في الرحلة الورثلانية.

(56) انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص1/261- 264- 266.

(57)انظر: أبو القاسم بن عبد الجبار الفجيجي- ألفريد في تقييد الشريد وتوطيد الوبيد- تحقيق وتقديم: د.عبد الهادي التازي- مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء- المغرب- سنة1983- ص18.

(58) انظر تاريخ الجزائر الثقافي- ص-1- 287.

(59)نص الرسالة في: أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر- ص1- 208 (سبقت الإشارة إليها).

(60)انظر: الفكون- منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية: 11، وانظر: تاريخ الجزائر الثقافي ص1- 287.

(61)انظر: المرجع السابق- ص1- 312.

(62)انظر: د.اسماعيل العربي- الدراسات العربية في الجزائر- ص67.

(63)انظر: الدراسات العربية في الجزائر- ص67، وانظر: عبد الملك مرتاض- فنون النثر الأدبي- ص33.

(64)لأن المقام لا يتسع لها هنا.

(65)البستان: تحقيق: د.محمد بن أبي شنب- المطبعة الثعالبية- الجزائر- 1908- ص6.

(66)في مؤلفه: منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية- تحقيق: د.أبو القاسم سعد الله- دار الغرب الإسلامي- بيروت- ط1- 1987.

(67)منشور الهداية: 32.

(68)المصدر السابق- ص35- 37.

(69) الفصل الثالث من المنشور –ص117.

(70) الفصل الأول من المنشور- ص35.

(71) المصدر نفسه- ص147.

(72) يقصد (بشيخة): الشيخ طراد وكان قد تحدث عنه الفكون وعن علاقته مع محمد ساسي البوني ووصفه "بكبير المتلصصة"، منشور الهداية –ص161 وما بعدها.

(73)العبارات التي بين قوسين كلها للفكون: منشور الهداية- ص 164- 165.

(74)المصدر السابق- ص147.

(75)نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار.

(76)نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب.

(77)حققها ونشرها: د.أبو القاسم سعد الله- المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية- الجزائر 1983.

(78)لعبد الله العياشي- طبع حجري- فاس 1316ه (مغربي الأصل، من تلاميذ الفكون).

(79)تعريف الخلف برجال السلف (سبقت الإشارة إليه).

(80)انظر: منشور الهداية- ص118.

(81)المصدر نفسه- ص122، انظر: الجزائر في التاريخ- ص4- 180.

(82)منشور الهداية- ص122.

(83)راجع أبياتاً في ذلك –منشور الهداية- ص124 وغيرها.

(84)المصدر السابق- ص132.

(85)انظر: ترجمته في تعريف الخلف برجال السلف.

(86)مصطفى باش تارزي- المنح الربانية، شرح المنظومة الرحمانية- طبعة تونس 1308ه.

(87)نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب.

(88)انظر: المنشور كاملاً في مذكرات الحاج أحمد الزهار- ص176 (وكان شاهد عيان).

________________________________________

* مدرس في معهد اللغة العربية وآدابها- جامعة وهران- الجزائر.

* مخطوط عندي، لم يطبع، بعنوان: مختارات الشعر الصوفي في الجزائر على العهد العثماني. جمع وتحقيق وتخريج، صاحب هذا المقال.

مجلة التراث العربي- مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب - دمشق العدد 57 - السنة 15 - تشرين الأول "أكتوبر" 1994 - جمادى الأولى 1415

3 التعليقات :

غير معرف يقول...

بحث شامل

Unknown يقول...

نحتاجه

Unknown يقول...

هل توجد هذه المجلة على شكل pdf ارجوا المساعدة اذا كانت

إرسال تعليق

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |