من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

دور الزوايا والطرق الدينية في محاربة الإحتلال الفرنسي في الجزائر



دور الطرقية في مقاومة الاستعمار الفرنسي ـ
بقلم الأستاذ الدكتور: عبد المنعم قاسمي الحسني.

ـ يذكر حمدان خوجة في كتابه المرآة أن شيوخ الطرق الصوفية هم الذين أمروا جميع المواطنين الجزائريين بالتعبئة العامة والدفاع عن مدينة الجزائر العاصمة بعد تخلي الأتراك عن هذه المهمة.

ـ كشف الضابط دي نوفو في كتابه الإخوان الصادر سنة 1845 عن الدور الرئيس الذي أدته الطرق الصوفية في مقاومة الاحتلال، وتحدث النقيب ريتشارد عن ثورة الظهرة التي قامت سنة 1845 مبرزا الدور المهم الذي قامت به الطرق الصوفية في هذه الثورة.

ـ ومن تقرير للمفتشية العامة حرر بالجزائر سنة 1864 يعترف بالدور الخطير الذي تقوم به الطريقة الدرقاوية: " الدرقاوية كانوا معادين لنا كل العداء لأن غايتهم كانت سياسية بوجه خاص، أرادوا ان يشيدوا من جديد صرح امبراطورية إسلامية ويطردوننا، إن هذه الطريقة منتشرة جدا في الجنوب ومن الصعب جدا مراقبتهم، لقد كانت ندوات الإخوان سرية وكانت أغلبية رؤسائهم معروفة".

ـ " إن مشائخ الزوايا يختارون في تدريسهم للقراءة نصوصا من القرآن معادية لنا، مما يحطم فيهم وبسرعة الشعور الذي سعينا لتطويره فيهم من طرف مؤسساتنا وتعتبر التأثيرات الدينية من ألد أعدائنا والتي يجب أن نخشاها ونخطط لها سياستنا، ولقد كانت القبائل الأشد عداء لنا هي التي تلك التي ينتشر فيها التعليم الإسلامي". من تقرير الملازم " بوسري" بعد ثورة 1846.

ـ وجاء في تقرير القائد الأعلى " دي توربيل" بتاريخ 4 أوت 1859، بعد الاضطرابات التي رافقت المعارك التي خاضوها ضد الجزائريين ما يلي: " إن مبعوثين وفدوا من مختلف أنحاء الشرق وينتمون إلى مجموعة سيدي عبد الرحمن بوقبرين الدينية الرحمانية، التي يسكن مقدمها الأكبر سي المختار بواحة أولاد جلال (بسكرة) ليسوا غرباء عما يجري، وقد كانت أشغال لجان التجمعات التي شرع فيها من نواح عدة في نفس الوقت موضوعا لخطبهم ومواعظهم".

ـ لقد كانت السرية التامة التي تحيط بالزوايا، وما يجري داخلها، من نشاط شيوخها والتي لم يستطع الاستعمار بما لديه من إمكانيات ووسائل الإطلاع عليها، يقول ماك ماهون سنة 1851: " يجب على الإنسان أن يقضي حياته كلها في الزاوية حتى يعرف ما يجري فيها وما يقال فيها".

ـ ويقول المؤرخ الفرنسي مارسيل إيميري:

" إن معظم الثورات التي وقعت خلال القرن التاسع عشر في الجزائر كانت قد أعدت ونظمت ونفذت بوحي من الطرق الصوفية، فالأمير عبد القادر كان رئيسا لواحدة منها وهي الجمعية القادرية، ومن بين الجمعيات المشهورة التي أدت دورا أساسيا في هذه الثورات: الرحمانية السنوسية الدرقاوية الطيبية".

ـ ويؤكد السيد أوكتاف ديبون المفتش العام للبلديات الممتزجة بالجزائر ـ ومن مؤلفي كتاب الطرق الدينية في الجزائر 1897 ـ في تقرير بعث به إلى لجنة مجلس الشيوخ المكلفة بالجيش والتي كان يرأسها "كليمانصو": " إننا سلفا نجد يدا مرابطية وراء كل هذه الثورات التي يقوم بها الأهالي ضدنا".

ـ الشيخ محي الدين حمل راية الجهاد ويحملها بعده ابنه الأمير عبد القادر، وكان من أبرز المجاهدين في جيش الأمير عبد القادر سيدي محمد بن علال بن الولي الصالح سيدي مبارك دفين القليعة وشيخ زاويتها، الذي تولى قيادة الجيوش وخاض كبريات المعارك في نواحي وهران إلى أن سقط شهيدا في معركة وقطعت رأسه ووضعت في حراب من جلد وأرسلت إلى مريديه وأتباعه،

ـ في شهر يناير من عام 1845 شهدت منطقة الظهرة معركة هامة أطلق عليها الفرنسيون " انتفاضة الطرق الصوفية"، وذلك لمشاركة العديد من الطرق فيها كـ: الرحمانية، القادرية، الطيببية، وانتقم المحتل من عرش أولاد رياح الساكن جنوب مدينة تنس والذي كان له شرف المشاركة في هذه الثورة.




ـ ثورة الشريف محمد بن عبد الله المعروف بـ " بو معزة" في منطقتي الشلف والونشريس (1846 ـ 1847): من أتباع الطريقة الطيبيبة، استنفر القبائل والأعراش بمنطقة الظهرة والشلف والونشريس، واتسعت لتشمل التيطري والحضنة وجبال ديرة وسور الغزلان، ثم امتدت إلى نواحي أولاد جلال، حيث وجدت الزاوية المختارية وشيخها الجليل الشيخ المختار بن عبد الرحمن مقدم الطريقة الرحمانية كامل الدعم والمساعدة.

ـ ثورة البطل الشيخ بوعمامة، انتشرت ثورته عبر مناطق عين الصفراء وتيارت وفرندة وسعيدة وعين صالح وتوات، وكرزاز, توفي سنة 1908 بعد ثلاثة عقود من الكفاح. وكانت ثورته امتداد لثورة سبقتها بقيادة أولاد سيدي الشيخ جنوب وهران، استمرت من سنة 1864 إلى 1880، وامتدت إلى جبل عمور التيطري متليلي, ورقلة, أدرار، سعيدة، غليزان، سور الغزلان....

ـ ثورة بن ناصر بن شهرة من الطريقة القادرية، بدأ يعد للثورة سنة 1846 اعتقل سنة 1851 ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من " بوغار". قال عنه الضابط الفرنسي " لويس رين": " كان ابن ناصر بن شهرة الملاح الحقيقي للصحراء". كما وجد المساعدة في الزاوية الرحمانية بنفطة لشيخها مصطفى بن عزوز التي كانت قبلة الثوار والمجاهدين، واستمر بن شهرة في كفاحه ضد الاستعمار إلى سنة 1875 حين أرغمه باي تونس على مغادرة بلاده، فيختار التوجه بحرا إلى بيروت ثم دمشق التي توفي بها سنة 1882.




الطريقة الرحمانية:

موضوع الطرق الصوفية من الموضوعات التي تشغل بال الكثير من الناس، والعديد من الباحثين والأساتذة والدارسين داخل الجزائر وخارجها، والحق أن للطرق الصوفية أهمية بالغة في الإسلام، وذلك أنها تمثل الجانب العملي من التصوف، وهو جانب ارتبط بحياة المجتمعات الإسلامية وجماهير الناس، ويسجل التاريخ لكثير من الطرق الصوفية مواقف لا تنقصها الشجاعة إزاء مواجهة العدو أو الظالم، ورد الظلم والدفاع عن مصالح الطبقات الفقيرة المستضعفة، وذلك في عزة مدهشة قل أن توجد في هذا العصر، ولا يخفى علينا دور الطريقة القادرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ودور السنوسية في ليبيا غير خاف على أحد، ونجد الدور نفسه قامت به الطريقة الشاذلية في مصر تجاه المحتل، وحفاظا على مصالح العباد، في عصر الشاذلي نفسه, والطريقة الرحمانية من ضمن هذه الطرق الصوفية التي أدت دورا هاما في المجتمع الجزائري والمجتمع التونسي.

وهي تمثل أحد المعالم الرئيسية البارزة وظاهرة دينية روحية اجتماعية وسياسية هامة في تاريخ الجزائر المعاصرة، فمن أي زاوية تناولها وجدنا الكثير من الفوائد والفرائد التي تساعدنا على فهم الكثير من الحقائق في الناحية الدينية، الناحية السياسية، الناحية الاجتماعية.

والطريقة الرحمانية هي طريقة دينية صوفية، نشأت في الجزائر في أواخر القرن الثاني عشر الهجري = الثامن عشر الميلادي، على يد مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري ( ومنه أخذت اسمها )، ففي سنة 1183 هـ أسس الشيخ زاويته بقرية آيت إسماعيل ومنها انطلقت الطريقة الرحمانية التي كانت تسمى في البداية الطريقة الخلوتية.

وهي طريقة تدعو إلى الصفاء والعودة إلى المنابع الأولى للإسلام ـ كما نجد ذلك في مصادرها ومراجعها الأساسية ـ، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق تطهير النفس وتخليصها من الشوائب والرعونات التي تمنعها من الوصول إلى جناب الحق، ويجب عليها قطع سبع مراحل أو أنفس بواسطة سبعة أسماء، شرح هذه الطريقة وفصلها في رسائله الكثيرة والمتعددة التي كان يرسلها إلى أتباعه ومريديه، والذين كان يطلب منهم ألا يبقوها بأيديهم بل يبعثوا بها إلى غيرهم لكي يستفيدوا منها، ثم تعود إليه في آخر المطاف، وهي طريقة عرفت نجاحا كبيرا، وطبقها أتباعه بالحرف، مما أدى إلى سرعة انتشار الطريقة الرحمانية في القطر الجزائري، وقد عرفت هذا الانتشار الواسع في حياة مؤسسها نفسه.

والشكل العام في التنظيم في الطريقة الرحمانية متشابه مع بقية الطرق الأخرى، فهناك الشيخ أو المعلم الذي يكن له المريدون كل الطاعة، وهناك المقدم وهو الذي ينوب عن الشيخ في بعض المهام والوظائف، وهناك المريد وهو محور العلملية التربوية في الطريقة.

وتهدف الطريقة الرحمانية ـ على ما يذكره أتباعها ـ إلى الجمع بين المنهجين المعروفين في الفكر الإسلامي:

1 ـ منهج العلماء الذين يرون ضرورة التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية.

2 ـ منهج الصوفية الذين يرون ضرورة التمسك بالتجربة الدينية.

ثـورات الطريقـة الرحمانيـة:

كان للانتفاضات والثورات الشعبية التي قامت بها الطريقة الرحمانية خلال القرن التاسع عشر أسس دينية، وهي الجهاد ضد النصارى المعادين للإسلام، وبناء على ذلك أدت الزوايا الرحمانية دورا كبيرا ورائعا في معظم تلك الانتفاضات وأثّرت بشكل جلي على مسارها واستمرارها، فثورة المقراني مثلا كان لزعيمها الروحي الشيخ الحداد الدور الرائد في قيام هذه الثورة التي خرج طلاب الزوايا من سيدي موسى اويدير وآث وغليس وغيرها من الزوايا التابعة للطريقة الرحمانية استجابة لدعوة الجهاد، وبفضل هؤلاء المجاهدين استمرت الثورة....

1 ـ ثورة الحاج عمر:

وتعتبر زاوية امحمد بن عبد الرحمان في ذراع الميزان هي الأخرى كغيرها من الزوايا، أدت دورا كبيرا في المقاومة, إذ تزعم قيّمها الحاج عمر عام 1851 حركة ثورية ضد القوات الفرنسية، وكان قد عُيَّن في عام 1854 مقدما للرحمانيين، وهو زوج الشيخة فاطمة إحدى بنات الشيخ علي بن عيسى الخليفة الأول لمؤسس الزاوية، وكان شديد الحيوية والنشاط، ومال إلى تأييد الثوار أثناء ثورة الشريف بوبغلة واعتصم بالمناطق الجبلية الحصينة قرب الزاوية حتى أرغمته القوات الفرنسية على الاستسلام يوم 14 نوفمبر 1851 في بني كوفي بآيت إسماعيل.

وقد احتفظ برئاسة الزاوية والإخوان حتى عام 1856، حيث تزعم من جديد الثورة بنفسه، ربط صلاته بالشيخ واعراب في اث ايراثن ولالا فاطمة والشيخ محمد بن عبد الرحمان شيخ بني منقور وقادوا جميعا في جبال جرجرة جماهير الرحمانيين ضد الجيش الفرنسي الذي كان يقوم بعمليات استكشافية في جبال جرجرة تمهيدا لغزوها، وزحف الحاج عمر بنفسه يوم الثاني من سبتمبر 1856 على رأس إخوانه إلى ذراع الميزان، وتواصلت المعارك حول هذه المدينة إلى غاية، يوم 22 من نفس الشهر وقام الجنرال يوسف بالزحف على زاوية آيت إسماعيل وعسكر حولها، وقد اختارته فرنسا لمثل هذه المهمة لشدة حقده على الإخوان خاصة وعلى الجزائريين بصفة عامة.

2 ـ ثورة لالا فاطمة نسومر:



ولدت لالا فاطمة بقرية ورجة سنة 1246هـ/1830م وتربت نشأة دينية. ولما واتتها الظروف انضمت إلى المقاومة حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقة جرجرة وفي صد هجومات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق المواصلات و لهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ الزوايا و القرى، و لعل أشهر معركة قادتها فاطمة نسومر هي تلك التي خاضتها إلى جانب الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين روندون و ماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمزقيدة حيث أبديا استماتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القوات عدة وعددا اضطر الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الانسحاب نحو بني يني ، وهناك دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا ووكلاء مقامات أولياء الله فجندوا الطلبة والمريدين وأتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين روندون ويوسف التركي ومعهما الباشا آغة الخائن الجودي، فاحتدمت المعركة وتلقت قوات العدو هزيمة نكراء، و تمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في المعركة..

بالرغم من الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات روندون يتشكرت ، إلا أن ذلك لم يثنه من مواصلة التغلغل بجبال جرجرة، فاحتل عزازقة في سنة 1854 فوزع الأراضي الخصبة على المعمّرين الوافدين معه، و أنشأ معسكرات في كل المناطق التي تمكّن منها، وواصل هجومه على كل المنطقة . بالرغم من التغلغل والزحف لم يثبّط عزيمة لالة فاطمة نسومر من مواصلة هجوماتها الخاطفة على القوات الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن و الأربعاء و تخلجت وعين تاوريغ وتوريرت موسى، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة وعتاد حديث، إضطرت على إثرها فاطمة نسومر إلى إعطاء الأوامر بالإنسحاب لقواتها إلى قرية تاخليجت ناث عيسو، لا سيما بعد إتبّاع قوات الاحتلال أسلوب التدمير والإبادة الجماعية، بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز ولا رحمة.



ولم يكن انسحاب فاطمة نسومر انهزاما أو تقهقرا أمام العدو أو تحصنا فقط بل لتكوين فرق سريعة من المجاهدين لضرب مؤخرات العدو الفرنسي وقطع طرق المواصلات و الإمدادات عليه.

الشيء الذي أقلق جنرالات الجيش الفرنسي و على رأسهم روندون المعزز بدعم قوات الجنرال ماكمهون القادمة من قسنطينة . خشي هذا الجنرال من تحطم معنويات جيوشه أمام هجمات فاطمة نسومر، فجند جيشا قوامه 45 ألف رجل بقيادته شخصيا، اتجه به صوب قرية آيت تسورغ حيث تتمركز قواة فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7000رجل و عدد من النساء وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين خرجت فاطمة في مقدمة الجميع تلبس لباسا حرير يا أحمر كان له الأثر البالغ في رعب عناصر جيش الاحتلال.

على الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة فاطمة نسومر فإن الانهزام كان حتميا نظرا للفارق الكبير في العدد و العدة بين قوات الطرفين، الأمر الذي دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات و إيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان.

إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهود ،إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر حيث تمّ اعتقالهم جميعا ، ثم أمر الجنرال روندون بمحاصرة ملجأ لالا فاطمة نسومر وتم أسرها مع عدد من النساء ....

وخوفا من تجدد الثورة بجبال جرجرة أبعدت لالا فاطمة نسومر مع 30 شخصا من رجال ونساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وبقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة ، على إثر مرض عضال تسبب في شللها.

3 ـ ثورة الشيخ بن جار الله:

من ثورات الأوراس ضد الاحتلال الفرنسي تلك التي دعا إليها وقادها المجاهد البطل محمد امزيان من قرية جار الله نواحي تكوت، وهو من إخوان زاوية الشيخ المصمودي، وكان إماما ومدرسا بجامع سيدي عيسى بوقبرين, وكان وثيق الصلة بالزاوية الرحمانية بتبرماسين.

اندلعت الثورة يوم 30 ماي 1879م في قرية الحمام جنوب إيشمول، وامتدت حتى شملت جنوب شاشار، والتف حولها أعراش أولاد داود، بني بوسليمان واحمر خدو، وجماعة من بني وجانة، ومن الزوايا زاوية بوزينة بقيادة الهاشمي بن دردور، لكن العدو باغت المجاهدين بقوات لا قبل بها، وقد سقط من الشهداء يومئذ 120 شهيدا.

أما القائد بن جار الله فقد تسلل إلى تونس، حيث أقام بزاوية الشيخ إبراهيم ولد الشريف وهي زاوية رحمانية بقابس، ولكن عيون فرنسا كانت تلاحقه فألقي عليه القبض رفقة أخيه ونخبة من المجاهدين، ونقلوا إلى قسنطينة حيث حوكموا، وصدرت الأحكام في 26 جوان 1879م، وكانت كالتالي:

14 حكما بالإعدام، 26 حكم بالأشغال الشاقة، 16 حكم بالبراءة، وبعد صدور عفو من رئيس جمهورية فرنسا في 09 نوفمبر 1880 خففت أحكام الإعدام إلى الأشغال الشاقة والنفي، وهكذا نفي المجاهدون إلى كورسيكا وكايان ومن هذا الأخير فر القائد بن جار الله إلى مكة أين توفي بها سنة 1889.

4 ـ ثورة الهاشمي بن علي دردور([1]): (1230/ 1317 هـ =1815/ 1899م).

من زعماء الجهاد في الجزائر، وكبار رجال الطريقة الرحمانية، وإليه تنسب الطريقة الدردورية إحدى فروع الطريقة الرحمانية. ولد سنة 1230 هـ = 1815م بمدرونة بمنطقة وادي عبدي في قلب الأوراس بالشرق الجزائري، حفظ القرآن بمسقط رأسه، ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره, ثم التحق بزاوية الشيخ محمد بن عزوز البرجي, ومنها انتقل إلى زاوية الشيخ عبد الحفيظ الخنقي بخنقة سيدي ناجي, ثم زاوية بوحجر نواحي قالمة ليعود بعد ذلك إلى مسقط رأسه.

سافر إلى مصر لمواصلة تعليمه, وبالضبط جامع الأزهر, وبعد تخرجه تولى التدريس بالإسكندرية إلى غاية سنة 1870, حيث عاد إلى أرض الوطن, وأسس زاوية ببلده سنة 1289 هـ= 1876م([2])، أصبحت تشكل خطرا على الاحتلال الفرنسي، شارك في انتفاضة الأوراس سنة 1879م بإخوانه ومريديه، مما أدى بالسلطات الاستعمارية إلى نفيه إلى جزيرة كورسيكا سنة 1293 هـ= 1880م، وفي سنة 1303 هـ= 1890م وبعد أن قضى في المنفى أكثر من عشر سنوات، أطلق سراح الشيخ الهاشمي وعاد إلى أرض الوطن, استأنف نشاطه بالزاوية, وتعود السلطات الفرنسية إلى اعتقاله ثانية سنة 1895 ونقلته إلى باتنة غير أن سكان الأوراس قاموا بمظاهرات لإطلاق سراحه وكان في طليعة المحتجين جماعة من الأعيان من بينهم الشيخ المبارك بن محمد بن بلقاسم من زاوية ثنية العابد وتحت ضغط الجماهير تم الإفراج عن الشيخ الهاشمي.

واصل الشيخ مهمته التعليمية والجهادية إلى أن وافاه الأجل سنة 1317 هـ= 1899م. عن عمر يناهز الخامسة والثمانين.

وصفه كل من ديبون وكوبولاني بأنه من ألد أعداء فرنسا ويحمل لها حقدا شديدا


_______________________________________

[1] ) أنظر: ديبون وكوبولاني 412، تاريخ الجزائر الثقافي 7 / 156، 158.

[2] ) يذكر الأستاذ صلاح مؤيد العقبي في كتابه الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر عند الحديث عن زاوية الشيخ علي دردور أن مؤسس زاوية مدرونة هو الشيخ علي دردور والد الشيخ الهاشمي وذلك في نهاية القرن الثامن عشر، وأن الشيخ الهاشمي قد حفظ القرآن بها وتولى التدريس بها وهي التي قامت بالمشاركة في ثورة ابن جار الله 1879م.
تكملة الموضوع

نفطة مدينة العلم و العلماء



نفطة مدينة تقع في ولاية توزر بالجنوب التونسي.

تقع مدينة نفطة في أقصى الجنوب الغربي للجمهورية التونسية ويحدها:

- شمالا: شط الغرسة

- غربا: حزوة

- شرقا: توزر

- جنوبا: شط الجريد

واحة " نفطة " بوابة الصحراء للقادم من الشمال، وتبدو وكأنها سجاد مخملي بسطته الطبيعة على عتبات الصحراء، حيث يتدفق فيها الماء من عيون طبيعية ثم ينساب في سواقي صافية يروي الواحة الجميلة المزدانة بأنواع النباتات المختلفة.

تاريخ المدينة وأهم المواقع التاريخية والأثري
اتفق عدة مؤرخين وفي طليعتهم ابن الشباط التوزري بأنه مؤسس مدينة نفطة كان"قسطل بن مام ابن نوح عليه السلام بعد الطوفان. وعرفت في ذلك العهد باسم مؤسسها (قسطيلية) الرومانية. باللغةKASTEL أن التسمية من "القصور" والأرجح ورد أن مدينة قسطيلية اختفت بعد ثلاثة قرون من تأسيسها وظهر شمالها (مكان زاوية سيدي حمد الآن مدينة" كتهاور"2300 قدم أسسها النفتوهيم الفارون من مصر اتقاء غزو سلطان الرعاة .

وانقرضت"كتهوار" بعد خمسة قرون من تأسيسها وظهرت مكانها "أقارصل نبت" وهي التي أدركت الغزو الروماني وهي التي صالح أهلها عقبة بن نافع سنة 65 هـ ، وهي التي ولد بها طارق بن زياد البربري مولى موسى بن نصير وقائد الفتح للأندلس كما ذكره البارون ديكلام.

نفطة كانت تعرف بالكوفة الصغرى لكثرة علمائها وبثغر الصحراء وهي الرابطة بين غرب الشمال الإفريقي وشرقه وبين القيروان وجنوب الصحراء من بلاد السودان وعرفت ثراء واسعا لذلك ولكثرة مياهها وخصوبتها وجمال واحاتها.

وأنجبت علماء من أوائل العصور الإسلامية مثل أبي الحسن إسماعيل القرشاني في 240 هـ وعبد الرحمان ابن الصائغ النفطي تولى خطة قاضي الجماعة بتونس 646 هـ 1248 م. وإبن الإمام أبو القاسم عبد الرحمان الذي أتم أول شرح لصحيح مسلم سنـة 531هـ. والعالم السني قمة التصوف العملي والذي ركز المذهب السني بالجريد ونفزاوة في 610 هـ. وأبو العباس الدرجيني القرن 7 للهجرة، وصاحب كتاب الطبقات، واستمر عطاء نفطة وإشعاعها العلمي في مختلف العصور. نفطة مسقط رأس ( الشيخ المكي بن نصر) ولد "الشيخ المكي بن نصر" بنفطة، وهي ثاني مدن الجريد، بعد مدينة توزر بالجنوب الغربي من البلاد التونسية.

ومدينة نفطة معروفة منذ تاريخ قديم بمشائخها الأجلاء وبعلمائها الأفاضل، منهم الولي الصالح ابوعلي السني ، المعروف بسيدي بوعلي السني، المعروف بسيدي بوعلي، والعالم الجامع الشيخ المكي بن عزوز والشيخ الصالح الخضر بن الحسين الذي تولى مشيخة الجامع الأزهر بالقاهرة. ومدينة نفطة مشهورة أيضا بعدد جوامعها الكبيرة وكذلك مساجدها وأضرحة أوليائها الصالحين وأيضا بمجالس تدريس العلم و الفقه في الدين التي يقوم بها عدد من المشائخ والعلماء بمدينة نفطة لهذه الأسباب أطلق على مدينة نفطة تسمية الكوفة الصغرى تشبيها بمدينة الكوفة الموجودة بالعراق من ناحية انتشار مجالس العلم وتعداد بيوت الله. وخير ما تقدم به مدينة نفطة بعض ما جاء في القصيدة المطولة نظمها الشاعر الليبي علي نور الدين الفكيني في أكتوبر 1930م حيث قال:

فإذا نزلت بنفطـــة فاقصد بهــا أهل الوفــا والجـــود والإحســان قوم كرام قد علت أحسابهـــــم بنزاهـــة وتقى وصدق لســـان هـــم آلفوا بينهم بمجالـــس مزدانة بفصاحــــة وبيــــــان في كوفة الغرب التي قــد فاخرت بأبي علـي صاحـــب البرهـــان علم همام مصلح ذو همــــــة روحية، فذ، عظيم الشــــــان وبه الجريـــد زهي بإرشاداتــه متمتـعا باليسر والعمـــــــران واحاته وافــت بوافر دقلــــة ومراتع للغيد والغــــــــزلان

ويصف السيد علي نور الدين فاكيني بموضع آخر مدينة نفطة ومدن وقرى الجريد أخرى كما يلي : بها بساتين جميلة مزدهرة تشرب من العيون والآبار ....ومائها عذب زلال وتحيط بالواحات الرمال والسباخ وأرض من مراعي الإبل . وفي القرن العشرين أنجبت نفطة الشيخ محمد المكي بن عزوز ق/1915 م، من أصحاب خير الدين باشا و تلميذ و صديق الشيخ سالم بوحاجب زعيم الإصلاح . و الشيخ محمد المكي خال الشيخ الخض حسين الذي تولى مشيخة الأزهر سنة 1952 والذي نشر له الأستاذ علي الرضا الحسيني 26 تأليفا و كان رئيسا لمكتب تحرير المغرب بالقاهرة و شيخ كبار علماء الازهر و الشيخ النوري بن بلقاسم و محمد بن إبراهيم الذي كان يلقب بجنرال العلماء ، و عمر زعيبط و العروسي العبادي و التابعي الوادي و إبراهيم الحداد و التارزي بن عزوز و إبراهيم بن حسن و إبراهيم خريف و إبراهيم صمادح والشيخ محمد بن حمد والموثق المؤرخ محمد الصالح المهيدي صديق الشاعرين مصطفى خريف و أبي القاسم الشابي والطاهر الحداد و الشعراء الكثيرون منهم محي الدين خريف وعبد الباقي خريف و الشاعر الاجتماعي والسيد التابعي وعبد الحميد خريف الشاعر الصحافي واحمد عامر الصحافي الشهير .

ومن الشعراء الفحول مثل محمد بن رمضان في عهد الدولة الفاطمية الذي كان قاضيا على طبنة ( بالجزائر) و مصطفى خريف صديق أبي القاسم الشابي و صاحب الديباجة والمتانة و المنور صمادح و الميداني بن صالح رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الآن . و القصاص المبدع البشير خريف و الهادي بن صالح و التابعي الأخضر ، والدكتور عبد الحميد الأرقش رئيس قسم التاريخ بجامعة منوبة وصاحب التآليف الدقيقة مثل كتابه المطبوع بالغة الفرنسية: "المهمّشون بتونس" والدكتور عبد الكريم قابوس والمختص في المسرح والسينما والأديب التابعي الأخنش الذي كان ينظم الشعر الجيد باللغة الفرنسية وكان من أوائل التونسيين الذين درسوا بجامعة مونبيليى بفرنسا، وفتى الواحة(عبد الرحمان عمار) الأديب المتعدد المواهب والصحفي المناظل نجيب بن السعيد بن عزوز صاحب جريدة الإعلان. والأستاذ أحمد جليد رئيس قسم الدوريات بالمكتبة الوطنية بتونس والذي كان نعم المعين لكل الباحثين ، بكل تفان وإخلاص.


نفطة كانت تعد 50 مسجدا و 16 جامعا ( إلى أول عهد الاستقلال ) و آهل مالي يعدون نفطة خامس بلد في الإسلام ، و بها من الفرق الصوفية العلوية و القادرية و الرحمانية (العزوزية) نسبة إلى مؤسسها العلامة الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي والسلامية. و كانت نفطة بيت العلوم الإسلامية و حفظ القرآن و خاصة للطلبة الجزائريين و أولاد بويحيى وتمغزة و الفراشيش و الجنوب الشرقي من أهل مدنين و تطاوين و بن قردان و قد تخرج منها أمثال الشيخ العربي التيسي الذي كان نائب الشيخ ابن باديس في جمعية العلماء و اغتاله الاستعمار الفرنسي ، و الدكتور الإقبال موسى مدير البحث العلمي بجامعة الجزائر و الطاهر الزردومي من قادة الثورة ، استشهد في معركة تحرير الجزائر و غيرهم كثير. وكانت مأمنا لــ700 مهاجر من الإخوان الجزائريين حيث يجدون الأمن والمعونة كما كان الطلبة يجدون الرعاية و ضمان السكن و المئونة والتعليم مجانا لوجه العلم كما هو الشأن في جميع ربوع الجريد.

------
المصدر:
موسوعة المعرفة (mohtawa.org)
تكملة الموضوع

طريق الوصول إلى محبة سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله سلم



طريق الوصول إلى محبة سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله سلم

بقلم : محمود حسين الكتانى.

الحمد لله ولى من كان تقيا وأصلى وأسلم على من قربه ربه نجيا وكان به حفيا وعلى آله وصحبه الذين رضوا بالله ربا فكان ربهم عنهم راضيا مرضيا.

مما لاشك فيه أننا نحب النبي الأعظم الفاتح الخاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلنا يحاول أن يبرهن على تلك المحبة بشتى السبل ولكن يثور التساؤل هل محبته صلى الله عليه وآله وسلم كمحبة بعضنا البعض أم أن هناك معان أخرى يمكن أن تكون هي طريق الوصول إلى محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والإجابة أن المعني الحقيقي الدال والموصل إلى إظهار محبته صلى الله عليه وسلم هي القيام بأداء حقوقه صلى الله عليه وآله وسلم..
فتعالوا بنا نتعرف على حقوقه صلى الله عليه وآله وسلم حتى نصل سويا إلى محبته الخالصة بغير عناء
فتعالوا بنا نتعرف على تلك الحقوق التي هي طريق الوصول إلى محبة الرسول صلى الله عليه وآله سلم وننظر هل أدينا تلك الحقوق...

الحقِّ الأول :

أن على الناس أن يؤمنوا به ويصدقوه فيما أخبَرَ عن ربِّه، وأن يطيعوه ولا يعصوا له أمراً، وأن يحتكموا إليه ، وأن لا يقدموا بين يديه بقولٍ أو فهم أو فعل ينمُّ عن الاعتراض أو المخالفة لحكمه وأمره وسنَّته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهي كل ما صح عنه من قول، أو فعل، أو إقرار. وبالتالي فإن التعقيب على سنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وردها يكون كمن يرد سنَّته ويُعقِّب عليه في حياته وحضرته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال رب العزة جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ رُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء:59 .
وقال عز من قائل : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور:63.
وقال جل وعلا : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }النساء:65.
فقد أقسم الله سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكِداً النفي قبله ، فقال : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يؤمن الخلق حتى يحكموا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل ما شجر بينهم ، واشترط ألا يبقى في النفس من حكم الله أدنى حرج فقال : ( ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ) أي مما قضى به الله ، ثم أكد التأكيد على التسليم بالتسليم فقال : (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) فالتسليم والإيمان هما صفة أساسية من صفات المسلم الحق الذي ينقاد لله تعالى فيما دعاه إليه ، قال جل وعلا : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور51
وقال تعالى أيضا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَـوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} الحجرات:1-2.
فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يُخافُ منه أن تحبط أعمال صاحبه وهو لا يشعر ، فوجب الحذر من ذلك ، فمن المعلوم أن ذلك لِمَا ينبغي له (صلى الله عليه وآله وسلم) من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال والإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واجب وحق على كل من سمع به فقد روى مسلم ، عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنه قال: (( والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار )).
فمجرد السماع بالنبى (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوم به الحجة على السامع ويُدفع به الجهل عنه أى عن السامع ، ويحقق عنده العلم بحقيقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقيقة دعوته .
خلاصة الأمر أن الإيمان بالنبي حق من حقوقه (صلى الله عليه وآله وسلم) روى الترمذي، وابن ماجه، في حديث صححه الحاكم : عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( لا يؤمنُ عبدٌ حتى يؤمنَ بأربعٍ: يَشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموتِ والبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدَرِ )) .

الحق الثانى :

مبايعته صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمنا كيف نبايعه ، روى عن عبادة بن الصامت في حديث متفق عليه ، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحوله عصابة من أصحابه: (( بايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئاً، ولا تَسرقوا، ولا تَزْنوا، ولا تقتلوا أولادَكــــــم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروفٍ ، فمن وفىَّ منكم فأجره على الله، ومن أصابَ من ذلك شيئاً فعُوقِب به في الدنيا، فهو كفَّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله عليه في الدنيا ، فهو إلى الله إن شاءَ عفا عنه وإن شاء عاقبَهُ )) ، قال عبادة بن الصامت فبايعناه
على ذلك ، إذن فبيعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي العمل بكل ما أمر به صلوات ربى وسلامه عليه بذلك الحديـث ،

الحق الثالث :

حق للنبي صلى الله عليه وسلم طاعته طاعة كاملة أخرج البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ((" كلُّ أمتي يَدخلون الجنة إلا من أبى " قيل: ومن يأبى يا رسولَ الله؟ قال:"من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" )) ،
وأول من أطاع النبى صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال ومافعل هم صحابته رضوان الله عليهم وكانوا يدافعون أشد الدفاع عن سنته ومن أمثلة ذلك
ماأورده ابن ماجة فى السنن عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه نهر رجلا كان يترك الحديث ويضرب الأمثال ، قال أبو هريرة : يا ابن أخي ، إذا حدثتُكَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثاً فلا تضرب له الأمثال .
وما روى ابن ماجة أيضا فى سننه عن ابن عمر، أن رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (( لا تمنعوا إماءَ الله أن يصلين في المسجد )) . فقال ابنٌ له : إنا لنمنعهنَّ ، فغضب ابن عمر غضباً شديداً ، ونهر ابنه وقال : أحدث عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول إنا لنمنعهنّ ؟‍! .
روى الدارمي ، مشكاة المصابيح: 194، صحيح الجامع الصغير: 5308 . عن جابر،أن عمر بن الخطاب ، أتى رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفى يده نسخةٍ من التوراة، فقال: يا رسولَ الله ! هذه نسخة من التوراة ، فسكت النبى، فجعل عمر يقرأ ووجه النبِّي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتغير، فقال أبو بكر لعمر : ثكلتك الثواكل ! ما ترى ما بوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! فنظر عمر إلى وجهِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: أعوذُ بالله من غضب اللهِ وغضب رسوله ، رضينا بالله رباً ، وبالإسلامِ ديناً ، وبمحمدٍ نبياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيَّاً وأدركَ نبوتي لاتّبعني )) .
فإذا كان هذا ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن يتبع نبي الله موسى ويترك محمداً صلوات ربي وسلامه عليه ، فكيف بمن يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه .. ويتبع من يحاولون فرض فكر بعينه على الناس متسترين تحت مسمى السلف وهم عن السلف ببعيــد ..
وانظروا أحبتي في الله إلى ذلك المشهد لصحابي جليل في طاعته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي صحيح سنن أبي داود 966عن جابر، قال : لما استوى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة ( أي على المنبر ) ، قال: ( اجلسوا ) ، فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، وكان قادما ولم يكن دخل المسجد بعد ، فجلسَ على بابِ المسجد ، فرآه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فقال له : (( تعالَ يا عبدَ الله بنَ مسعود )) .
فانضروا الى ابن مسعود وشدة حرصه (رض)، على امتثال أمر النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسرع ما يمكن ؛ حيث وافق أمر النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لحظة دخوله باب المسجد فجلس فى مكانه ، وفي ذلك دلالة على مدى قدسية أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفوس أصحابه ، وشدة انقيادهم له صلى الله عليه وآله وسلم .

الحق الرابع :

وهو حق يعد من لوازم الإيمان وشروطه حُبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوقيرُه. قال تعالى: { قُلْ إِنْ كَـانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْــرِهِ وَاللَّهُ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة:24.
وقال تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } الفتح:9.

وروى عن أنس ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولده، والناسِ أجمعين )) متفق عليه.
وفي رواية مسلم: (( لا يؤمنُ عبدٌ حتى أكونَ أحبَّ إليه من أهلِه ومالِه والناسِ أجمعين )) .
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحبونه صلى الله عليه وآله وسلم ويوقرونه ويعظمونه حتى أن عروة بن مسعود لقريش حين أرسلوه ليفـاوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ، قال : (( دخلت على الملوك : كسرى وقيصر والنجاشي ، لم أرى أحدا يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدا ، كان إذا أمرهـــم ابتدروا أمره ( اى كلهم يتهافت على التنفيذ) وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما لـه ))
هكذا كانوا يحبونه يعظمونه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع ما جبله الله عليه من الأخلاق الكريمة ولين الجانب وسهوله النفس ، ولو كان فظا غليظ القلب لا نفضوا من حوله .

واليكم صُوَرٌ من احترامِ وتوقِير السَّلفِ الصالحِ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما نقله القاضي عياض ، من كتب أصحاب مالك قال :

كان الإمام مالكُ رحمه الله إذا ذُكِرَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يتغير لونُه وينحني حتى يَصعُبَ ذلك على جُلسائه ، فقيل له يوماً في ذلك ؟ فقال : لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون ؛ لقد كنتُ أرى محمد بن المنكدر وكان سيِّدَ القُرَّاء ، لا نكادُ نسألُه عن حديثٍ أبداً إلا يبكي حتى نرحمَهُ ، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد ـ وكان كثيرَ الدُّعابة والتَّبسُّمِ ـ فإذا ذُكِرَ عنده النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اصفر لونُه!
ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم، يَذكرُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيُنظَرُ إلى لونِه كأنَّه نزفَ منه الدم، وقد جفَّ لسانُه في فمِه هيبةً لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولقد رأيتُ الزُّهريَّ ـ وكان لمن أهنأ الناس ـ فإذا ذُكِر عنده النبيُّ، فكأنه ما عرفَك ولا عرفتَهُ.
ولقد كنتُ آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكِر عنده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بكى حتى لا يبقى في عينهِ دموعٌ .
ولقد كنت آتي صفوان بن سليم ـ وكان من المتعبدين المجتهدين ـ فإذا ذُكِر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، بكى فلا يزالُ يبكي حتى يقومَ الناسُ عنه ويتركوه .
هكذا كان احترام السلف وتوقيرهم لشخص النبى صلى الله عليه وسلم

الحق الخامس :

من حقُوقهِ صلى الله عليه وآله وسلم ألا يُغَالُى الناس في إطرائه ، فقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ): (( لا تَطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه؛ فقولوا عبد الله ورسوله )) ، أي لا تغالوا في مدحي ، كما غالت النصارى في عيسى ابن مريم ، وادعت له الألوهية ، أما مدحه صلى الله عليه وسلم بذكر محاسنه وصفاته وأخلاقه وما إلى ذلك فذلك كله ليس فيه شئ من المغالاة فقد مدحه ربه جل وعلا في عديد من آيات القرآن الكريم بذكر تلك الصفات .
فقد روى البخاري عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعوِّذٍ رضي الله عنها ، قالت : دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غداة بُنِيَ عليَّ ، وجويرات يضربن بالدُّف ، يَندُبْنَ من قُتل من آبائي يومَ بدر ، حتى قالت جارية : وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غدِ ! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تقولي هكذا ،ـ وقولي ما كنتِ تقولين ". فنهاها عن ذلك لأن علم ما في غدٍ من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، كما قال تعالى: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } الأعراف188
وروى رواه أحمد، والنسائي عن أنسٍ رضي الله عنه، أن ناساً قالوا: يا رسول الله يا خيرَنا وابنَ خيرنا، وسيدنا وابنَ سيدنا، فقال: (( يا أيها الناس قولوا بقولِكم ولا يستهوينَّكم الشيطانُ [ أي فتقولون ما لا ينبغي قوله ] ، أنا محمد عبد الله ورسولُه، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجـل ))

ذلك هو خلق النبي وتواضعه لله فقد روى أحمد، وابن ماجه، والبيهقي، والطبراني في الكبير ، عن ابن عباس، قال : جـاء رجـلٌ إلى النبي ( ص) ، فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاءَ اللهُ وشِئتَ ! فقال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل : (( أجعلتني مع الله ندَّاً ؛ لا بل ما شاء اللهُ وحده ))
و روى ابن ماجه والحاكم في المستدرك عن أبي مسعود البدري ، قال أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ ، فكلمه فجعلَ ترتعدُ فرائِصُه، فقال له : (( هوِّن عليك؛ فإنِّي لستُ بملِكٍ، إنَّما أنا ابنُ امرأةٍ من قريش، كانت تأكلُ القديدَ )) . ،. والقديد : هو اللحم المملح المجفف في الشمس .

الحق السادس :

إذا كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد حذر من إطرائه فإن سادس حق من حقوق النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا ننتقص شيئا من قدره (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن انتقص شيئاً من قَدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو شتمَه، أو استهزأ به، أو قلَّل من شأنه أو قال كلاماً بحقه على وجه التهكم والسخرية .. فهو كافر مرتد ، يُقتل حداً وكفراً. شاتم النبي ( ص) يُقتل حداً وكفراً ، فإن تاب وصدق في توبته نفعته توبته ، وسقط عنه حكم الكفر، ويبقي الحد قصاصاً وحداً من حدود الله لا بد منه حصانة للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ولحرماته ، وحقاً من حقوقه .. وهذا الحد حق لكل نبي من أنبياء الله تعالى؛ فمن تَعرَّض لنبي من أنبياء الله تعالى بالطعن والسب أو الاستهزاء فحكمه كحم من يتعرض لنبينا صلوات الله وسلامه عليه وآله بشيءٍ من ذلك ، ذلك لأن الله جل وعلا حذر من ذلك فقال : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } التوبة:66.

وانظروا أحبتي في الله إلى ما فعله زوج مع زوجته دفاعا عن حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) روى أبو داود، والنسائي، وفى صحيح سنن أبي داود: ، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن أعمى كانت له أمُّ ولد ( زوجة حامل )، تشتمُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتقعُ فيه ، فينهاها فلا تنتهي ، وِيِزْجُرُها فلا تنزجر. قال : فلما كانت ذات ليلة جَعَلَتْ تقع في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشتمُه ، فأخذ المعْوَلَ فوضعه في بطنها ، واتكأ عليها فقتلها ، فوقع بين رجليها طفلٌ ( سقط حملها )، فلطَّخت ما هناكَ بالدم ، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجمع النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الناسَ ودعا الرجل فقال : (( أُنشدُ اللهَ رجلاً فعلَ ما فعل ، لي عليه حقٌ إلا قام )) ، فقام لأعمى يتخطَّى الناسَ ، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدَي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال : يا رسول الله ! أنا صاحبها ، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجُرُهِا فلا تنزجر ، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، وكانت بي رفيقة ، فلما كانت البارحة جَعَلَتْ تشتِمُك وتقعُ فيك ، فأخذت المعْول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها ، فقـال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( ألا اشهدوا أن دمَها هَدْرٌ )) ـ أي لا قصاص ولا ديّة على قاتلها ـ وذلك لأنها كانت تسب وتشتم النبى صلى الله عليه وسلم فذاك حدها فوجب قتلها .
وفى صحيح سنن النسائي عن أبي برزة الأسلمي ، قال : أغلظ رجلٌ لأبي بكر الصديق ، فقلت : أقتلُه : فانتهرَني أبو بكر، وقال : ليس هذا الحد لأحد بعد الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم). وقوله " بعد الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم) " ؛ أي من غير الأنبياء فمن تَعـرَّض لنبي من أنبياء الله تعالى بالطعن والسب أو الاستهزاء فحكمه كحم من يتعرض لنبينا صلوات الله وسلامه عليه بشيءٍ من ذلك .

الحق السابع :

فمن حقه صلى الله عليه وآله وسلم ألا نتحدث عنه كذبا ففى صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( مَن كذبَ عليَّ متعمِّداً فليَتبوَّأ مقعدَهُ مِنَْ النَّار )) .
و أخرج الإمام أحمد عن أبي قتادة، قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إياكم وكثرة الحديث عني ؛ من قال عليَّ فلا يقولنَّ إلا حقَّاً أو صدقاً، فمن قال عليَّ ما لم أقُل، فليتبوَّأ مِقْعَدَهُ مِنْ َالنَّار))..
فكل من يتقول على النبى صلى الله عليه وسلم بما لم يقل، أو يفتي في مسألة من المسائل وينسب فتواه من غير علم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أكثر من يفعل ذلك في زماننا فمن فعل ذلك فليتبوأ مقعده من النار !!

الحق الثامن :

أن يُصلَّى عليه صلى الله عليه وآله وسلم كُلَمَا ذُكِرَ .. فمن لم يفعل ذلك فهو بخيل، وقد ظلمَ نَفْسَه ، قال جل وعلا : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما } الأحزاب: 56. فصلاة الله على عبده ونبيه ثناء عليه ، ورفع لمقامه وذِكره ، في الأرض وفي السماء .. وصلاتنا والملائكة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثناء عليه ، وإظهار لفضله وشرفه ، ولعظيم حقه علينا .. ودعاء منا بأن يثني الله عليه .. ويُعلي من ذكره ومقامه (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد قال بهذا المعنى البخاري في صحيحه .. كما ثبت أن الدعاء إلى الله لا يصعد إلا بالصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي صحيح الجامع الصغير عن علي رضي الله عنه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (( كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) )) .

وروى الترمذي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً، قال : (( إن الدعاءَ موقوفٌ بين السماء والأرض؛ لا يَصعدُ منه شيءٌ حتى تُصلِّي على نبيِّك
( صلى الله عليه وآله وسلم) )) .
فابتداء الدعاء بالصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم جعل حاجة الداعي ومسألته في الوسط بين أول دعائه وآخره وختمه بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر واجب لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويجعل دعائه أحرى بالقبول ؛ فالله تعالى أكرم من أن يقبل أول الدعاء وآخره ، ثم يرد وسطه ، والله تعالى أعلم.
وروى النسائي وغيره عن أبي بُردة ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( مَن صلَّى عليَّ من أمتي صلاةً مخلصاً من قلبه؛ صلَّى الله عليه بها عَشر صلواتٍ، ورفعه بها عشْرَ درجاتٍ، وكتبَ له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشرَ سيئاتٍ )) .
وروى الطبراني، عن أنسٍ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( أكثروا الصلاةَ عليَّ يومَ الجمعةَ؛ فإنه أتاني جبريلُ آنفاً عن ربِّه عز وجل فقال: ما على الأرضِ من مسلمٍ يُصلي عليكَ مرةً واحدة ؛ إلا صلَّيْتُ أنا وملائكتي عليه عشراً )) .

يا ألله.....انظروا أحبتي في الله فلا يعلم كم عدد الملائكة إلا الله ؛ وإذا كان كل ملكٍ يُصلي على من صلى على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر مرات ، فهذا يعني أن من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرةً يُصلَّى عليه مئات الملايين من المرات من قِبَلِ ملائكة الله تعالى .. وعلى قدِّر عددهم .. هذا غير صلاة الرب عـز وجل على عبده .. وصلاته ( صلى الله عليه وآله وسلم) تكفي وزيادة .. فأين المغترفــــــــون ؟!! ألا ترون معي أن في ذلك رد على الجهلاء الذين ينكرون كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دون وعى ولا علم .

وروى الترمذي عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أولى الناسِ بي يومَ القيامة أكثرُهم عليَّ صلاةً )) .

وأخرج أحمد ، والترمذي، والحاكم عن أُبي بن كعب ، قال : قلت يا رسول الله ! إنِّي أُكثِرُ الصلاةَ عليكَ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال: " ما شِئتَ "، قال: قلتُ الرُّبعَ ؟ قال: " ما شِئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك "، قلت: النُّصفَ ؟ قال: " ما شِئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك "، قال: قلتُ ثُلُثَين ؟ قال: " ما شِئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك "، قال: أجعَــل لك صلاتي كُلَّها؟ قال: " إذاً تُكفَى همُّكَ، ويُغفَر لك ذنبُكَ ".
و أخرج ابن ماجة عن أبي الدرداء قال : قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " أكثروا من الصلاةِ عليَّ يومَ الجمعة؛ فإنه مشهودٌ تشهدُه الملائكةُ، وإنَّ أحداً لن يُصلي عليَّ إلا عُرِضت عليَّ صلاتُه حتى يفرغَ منها " قال: قلت وبعد الموت ؟ قال: إنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء" ، فنبيُّ الله حيٌّ يُرزَق.
وروى البزار ، عن عمار بن ياسر، قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
(( إن الله وكَّلَ بقبري ملَكاً أعطاهُ الله أسماءَ الخلائقِ؛ فلا يُصلِّي عليَّ أحدٌ إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلانُ ابنُ فلانٍ قد صلَّى عليكَ )) .
وروى الطبراني، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) :
(( أتاني جبريل فقال: يا محمد ! من ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليكَ فماتَ فدخل النار فأبعدَهُ الله، قل: آمين، فقلت: آمين )) .
وعن جابر بن عبد الله أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: " لما رقيتُ الدرجةَ الأولى ـ أي من المنبر ـ جاءني جبريل فقال:" شَقِيَ عبدٌ ذُكِرْتَ عنده ولم يُصلِّ عليك، فقلت: آمين ". فصلوا عليه عباد الله وسلموا تسليما .

أما تاسع حقُوقِه (صلى الله عليه وسلم ) :

أن يُطلب له من الله الوسيلة روى أحمد والبخاري، وأصحاب السنن ، عن جابر، قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم): (( من قال حينَ يسمعُ النداءَ: اللهمَّ رب هذه الدعوة التامَّةِ، والصلاةِ القائمةِ، آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة )).
" والوسيلة " ؛ هي منزلة في الجنة لا تُعطى إلا لعبد واحدٍ، كما ورد ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : (( سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله تعالى ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له شفاعتي )) .

" أما المقام المحمود "؛ هو الشفاعة الأولى التي يُعطاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويعتذر منها الأنبياء، إلا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فيقول: " أنا لها، أنا لها " فيحمده الناس على ذلك ؛ أن أراحهم الله تعالى ـ بشفاعة نبيه ـ من شدة هول يوم الحشر والزحام ، وما هم فيه من موقف عصيب ..

وأخيرا وليس بآخر :

فإن من حقه صلى الله عليه وسلم أن نحيى سنته ونعمل بما أحل وننتهى عما حرم ففى صحيح سنن ابن ماجه : عن المقدام بن معد يكرب الكندي ، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " يُوشِكُ الرجلُ مُتكئاً على أريكَته يُحَدَّثُ بحديثٍ من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتابُ الله عز وجل ، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحلَلْناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه، ألا وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل ما حرَّم الله ".

فالأحكام الشرعية ـ من تحليل وتحريم ، وبيان ما هو واجب وما هو مندوب كما تؤخذ من كتاب الله تعالى ، كذلك فهي تؤخذ من سنة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكما أن القرآن حجة، كذلك السنة فهي حجة، من ردها فقد رد حجة القرآن ولا بد من الطاعة ، كما قال جل وعلا : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } الحشر:7. وفي صحيح البخارى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله " وفى ذلك رَدٌ على القرآنيين ؛ الذين ينكرون السنة ويبطلون العمل بها ، ويزعمون أنهم لا يؤمنون ولا يعملون إلا بالقرآن .. وهؤلاء كذابون ومتناقضون إذ أن الإيمان بالقرآن يؤدي بالضرورة إلى الإيمان بالسنة... ومن كان هذا قوله واعتقاده لا شك في كفره وزندقته وخروجه من الإسلام لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( أوتيت القرآن ومثله معه )).. لذلك فإن من حقوقه صلى الله عليه وسلم الدفاع عن شريعته وهديه فليس لأي مسلم حين يسمع من يهاجم شريعة النبي صلي الله عليه وسلم أو شخصه الكريم أن يسكت على ذلك مع قدرته على الدفاع { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ } التوبة40.

------------------

اللهم ارزقنا حب نبيك وطاعته وارزقنا في الآخرة شفاعته
اللهم اجعلنا ممن يردون حوضه
واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا
اللهم إنا نسألك محبته بقدر ما آمنا به ولم نره
ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله
آمين آمين آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلِّ اللهمَّ على عبدكَ ونبيِّك محمد عدَدَ خلقِك ، ورِضا نفسِك ، وزِنَةَ عَرْشِك ومِدادَ كلماتكِ، السَّاعَةَ وكلَّ ساعةٍ، وإلى أن تقوم الساعة ، وسلِّم تسليماً كثيراً
تكملة الموضوع

ورد الطريقة الخلوتيّة الرحمانيّة



ورد
الطريقة الخلوتيّة الرحمانيّة
لشيخ الطريقة سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري


سيدي محمّد بن عبد الرحمن بن أحمد بن يوسف بن أبي القاسم بن علي بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين بن طلحة بن جعفر بن محمد العسكري بن عيسى الرضى بن موسى المرتضى بن جعفر الصادق بن محمد الناطق عبد الله بن حمزة بن ادريس بن ادريس بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأزهري مجاورة، الاسماعيلي عرشا، القجطولي قبيلة، الزواوي إقليما

سأل الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن شيخه سيدي محمد بن سالم الحفناوي: "هذه الإجازة التي أجزتني بها بلسانك المبارك وكتبتها لي ببنانك المبارك ما كيفيتها يا أستاذي هل هي مقيدة في بعض العلوم دون بعض، أو عامة في سائر العلوم والأوراد...لنفسي ولغيري من سائر تلاميذي وإخواني وغيرهم؟ فقال لي:"أذنتك إذنا عاما دائما لك ولغيرك ممن انتمى إليك لا ينفعك إلا الإطلاق طول عمرك في كل زمان ومكان، الباب مفتوح لك ولمن أصدفك، وقال لي: خذ كتابي هذا فيالأسانيد فانسخه لنفسك لتحمله معك أين ما توجهت"

ندعو مشايخ ومقاديم وجميع الإخوان والمحبين للطريقة إلى توحيد الورد سواء في الجزائر أو خارجها وهذا لتعميم الفائدة والأجر وإحياء للطريقة، ومن زاد عليه من الوظائف ففي الزيادة بركة، والحمد لله رب العالمين.


آداب الذكر:

اعلم أن الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذه الطريق، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر

إن آداب الذكر مطلقا 20 أدبا تقريبا، 5 واجبة لازمة قبل الشروع في الذكر، و12 منها واجبة أثناء الذكر، و3 منها عند الفراغ منه. أولها التوبة والإنابة من كل الذنوب والآثام خافيها وظاهرها. والثاني الغسل إن كان الذاكر عليه جنابة والمقصود الطهارة الكاملة ظاهرا وباطنا. والثالث الصمت وهو السكوت عن غير ألفاظ الذكر بالقلب. والرابع أن يطلب المدد من شيخه بقلبه بأن يشخصه أمامه ليكون رفيقه في السير. والخامس أن يرى استمداده من شيخه هو حقيقة استمداده من النبي صلى الله عليه وسلم.. أما 12 أدبا في حالة الذكر، فأولها الجلوس على مكان طاهر كالجلوس حالة الصلاة أي على ركبتيه أو متربعا. الثاني أن يضع يديه على فخذيه باسطا أكفهما ولا يضم أصابعه، الثالث تطييب مجالس الذكر الطيبة لأنه أحيى للأرواح وأبعث لحضور الملائكة. الرابع لبس اللباس الطيب. الخامس اختيار مكان مظلم إن أمكن لأجل سر باهر وهو أن الظلمة محل هدوء الحركات واستجماع القوى النفسية وطروق الوارد فيه أكثر. السادس تغميض العينين لئلا يتفرق النظر للمرئيات. السابع أن يخيل صورة شيخه نصب عينيه ولا يغفل عنه ما دام ذاكرا. الثامن الصدق وهو مطابقة اللسان للقلب. التاسع الإخلاص وهو تصفية العمل من شوب الرياء الذي هو الشرك الخفي. العاشر الذكر بالجلالة أي لا إله إلا الله فإنها مفتاح الهدى وطريق الاهتداء. والحادي عشر استحضار معنى الذكر بالقلب على حسب اختلاف درجات المشاهدة في الذاكرين، وآخر الآداب نفي كل موجود من الخلق حال الذكر من القلب سوى الله تعالى والواسطة وهو الشيخ، فإن الحق غيور لا يحب أن يكون في قلب الذاكر له غيره..أما الثلاثة آداب بعد الذكر، فالأول منها السكوت أي عدم التكلم مع الخشوع وانتظار وارد الذكر. الثاني عقب الذكر وبعده يزم نفسه بعد الذكر مرارا 3 أنفاس إلى 7 إلى أكثر من ذلك. والثالث منع شرب الماء لأن الذكر يورث حرقة وهيجانا إلى المذكور والماء يطفئه.

آداب الحضرة:

من آداب الذكر جماعة، استدارة الذاكرين بأن يتحلقوا كحلقة الخاتم، وأن تكون الحلقة دائرة مستقيمة لا اعوجاج فيها، وألا يدعوا فرجة، فإن الشيطان يتخلل الفرج . وغلق باب المكان الذي يذكر فيه اسم الجلالة جماعة، لأن عدم غلقه ربما يكون مانعا من الحضور وجالبا للتشويش، وموقعا في الرياء، والمراد به تفريغ القلب من ملاحظة متعلقات الحياة الدنيا، لأنه لا يجتمع في القلب مراقبة الحق وملاحظة الخلق، ومنها أن المريد إذا توجه إلى الذكر جماعة يتجرد من علمه وعمله وجاهه، وكل متعلقات الحياة الدنيا ويدخل الحلقة خاشعا خاضعا، ساكنا مسكينا، بوقار وتذلل لأنه مجالس لله عز وجل، وطالبا شهود تجليات أنوار الجمال، والتحقق أن سيره ليس إلا إلى الله وفي الله وبالله.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

ورد الطريقة الخلوتية الرحمانية


على الذاكر أن يأتي بهذا الذكر كل يوم صباحا ومساء

1- فيقول الذاكر "فاعلم أنه لا إله إلا الله" –الآية 19 من سورة محمد- مرة واحدة.

2- ثم يذكر لا إله إلا الله 300 مرة على الأقل صباحا ومساء من عصر يوم الجمعة إلى عصر يوم الخميس(1)

3- ومن عصر يوم الخميس إلى عصر يوم الجمعة، يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والرواية المأثورة هي: " اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" يأتي بها المريد على العدد الذي ذكر به لا إله إلا الله، ويستفتح صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم بالآية الكريمة السابعة من سورة الأحزاب " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" مرة واحدة (2)

4- قبل قيام الذاكر من مجلس صلاة عصر يوم الجمعة يأتي بصلاة الأمية 80 مرة وهي: " اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم" (3)

5- يقرأ المريد دلائل الخيرات ليلة الجمعة أو يومها مرة واحدة، وهي من الوظائف اللازمة للمريد – كتاب دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم للشيخ سيدي أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر سليمان الجزولي المتوفي سنة 870 هـ

يأتي الذاكر بالمسبعات صباحا ومساء بعد صلاة الصبح والعصر كل يوم، وهي من الأمور الآكدة على المريد في الطريقة، ففيها من الأسرار والعجائب ما لا يدخل تحت الحصر خصوصا تسهيل السير، كما أنه يوجد بغض بين الإنس والجن ومن حافظ على المسبعات انقلب ذلك البغض حبا بإذن الله. وهي:

(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له " رواه الإمام مالك في الموطأ

(2) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة، وفي رواية {أكثروا من الصّلاة عليّ في اللّيلة الغرّاء واليوم الأزهر} قالوا يا رسول الله وما هي اللّيلة الغرّاء واليوم الأزهر، قال صلّى الله عليه وسلّم {ليلة الجمعة ويوم الجمعة}

(3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {مَن صلّى صلاة العصر يوم الجمعة فقال قبل أن يقوم من مجلسه اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد النّبيّ الأمّيّ وعلى آله وصحبه وسلّم ثمانين مرّة غفرت له ذنوب ثمانين سنة وكتبت له عبادة ثمانين سنة}

بسم الله الرحمن الرحيم

" اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( الآيات 255 – 256- 257 من سورة البقرة ) ثلاثا

" لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ " (الآيات 284 – 285 – 286 من سورة البقرة) ثلاثا

" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ "

(الآيتان 26- 27 من سورة آل عمران) ثلاثا

" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ " (سورة الفاتحة) ثلاثا

" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ " (سورة الإخلاص) ثلاثا

" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ "

(سورة الفلق) ثلاثا

" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ"

(سورة الناس) ثلاثا

وأخيرا الصلاة الكاملة وهي: "اللهم صل على سيدنا محمد وآله صلاة أهل السماوات والأرضين عليه واجر يارب لطفك الخفي في أموري" ثلاثا

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، مرة واحدة

ومما أقر الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري رحمه الله تعالى للتلاميذ من الأدعية
وهي تقرأ بعد السنة، أي بعد أن يسلم من الصلاة يأتي بالاستغفار والشهادة ويقول: "آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبالكعبة قبلة وبالقرآن إماما وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، اللّهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك و أنبيائك وكتبك ورسولك وجميع خلقك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك أستغفرك و أتوب إليك الحمد لله الذي نور قلبي وجعلني من المؤمنين ولم يجعلني ضالا الحمد لله الذي خلقني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي لم يجعل رزقي على يد غيره الحمد لله الذي غفر لي ذنوبي وستر لي عيوبي"

أما هذا الدعاء وهو دعاء صحيفة الشيخ القاضي عبد الوهاب، فيؤكد ويوصي به سائر التلاميذ بعد سنة الفجر وبعد صلاة العصر ثلاثا تقرأ بعدهما.

وهو: "لا إله إلا الله المعبود في كل مكان لا اله إلا الله الموجود في كل زمان لا إله إلا الله المذكور بكل لسان لا إله إلا الله المعروف بالإحسان لا إله إلا الله الحنان المنان لا إله إلا الله ذو الجلال والإكرام لا إله إلا الله كل يوم هو في شأن لا إله إلا الله أمان الأمان أعوذ بك من زوال الإيمان ومن الرجيم الشيطان (ثلاثا) يا عزيز يا غفور يا رحمان يا رحيم"

وزاد لبعض التلاميذ قراءة دعاء سيدنا الخضر عليه السلام مع هذه الأدعية المذكورة وهو:

"اللهم أسبل علينا سترك وأدخلنا في مكنون غيبك و احجبنا من جميع خلقك بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم يا حفيظ يا حفيظ يا حفيظ احفظنا بما حفظت أولياءك واسترنا بما سترت به عبادك الصالحين يا حفيظ" (ثلاثا)

وإنما ذكر هذا ليتعين ما ينبغي للمريد في الطريقة الخلوتية الرحمانية ، وتوجد أذكار أخرى منها ورد السحر والشروق لسيدي مصطفى البكري رضي الله عنه وغيرهما.. ولكن من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم..

ويتعين على المريد السالك بعد أخذه التلقين من شيخ مربٍ مأذون إذنا كاملا في التربية، قطع مراحل النفوس السبع: أولها النفس الأمارة بالسوء ثم اللوامة ثم الملهمة ثم المطمئنة ثم الراضية ثم المرضية وأخيرا النفس الكاملة. وهذا بذكر سبعة أسماء توافق مقامات النفوس السبعة المعروفة في الطريقة: لا إله إلا الله، الله ، هو، حق ، حي ، قيوم ، قهار.
تكملة الموضوع

ترجمة مولاي الشريف الرقاني شيخ الزاوية النور بـ:تمنراست



أولا تعريف بالزاوية ومؤسسيها:

الحمد لله كاشف الخبايا، غافر الخطايا، ماحي الرزايا، جاعل أعمال العباد بالنوايا، فمن حسنت نيته ففي الجنان ومن ساءت ففي الخزايا،واشهد أن لا إله إلا الله تنزه عن الأشباه والسوايا، واشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أنقى النقايا، بعثه الله هادي للبرايا، فقسم بسوية وعدل في العطايا، ورث علمه شيوخا أصفى من المرايا،وأحلى منالشدايا،فأسسوا الزوايا ونشروا العلم بلا تقصير ولا سوء نوايا، فصلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تصير فيه السماء كالسجلات الطوايا.
أما بعد:

مؤسس الزاوية:

هو العارف بالله الشيخ القدوة ، والإمام الأسوة،سيد ي محمد بن الشيخ القدوة العالم سيدي مولاي زين الدين و أبنه الفهامة المرشد الشيخ مولاي إدريس ،ابن الشيخ المرشد المربي سيدي محمد ،ابن الشيخ الإمام العلامة والعارف الفهامة الوالي الصالح والشيخ الناصح سيدي مولاي (زين الدين) ابن الشيخ الغوث حامل أسرار الله الباهرة وعلومه الناضرة ، سيدي مولاي الشريف، ابن القطب الرباني والولي الصمداني الدال على الله بالشريعة والحقيقة، سيدي مولاي عبد الله بن سيدي مولاي أعلي ، الشهير بالرقاني مؤسس الطريقة الرقانية ، بالبرهان والحقيقة ،ذو الكرامات الوثيقة، صارت بأحاديثها الركبان وتخلد شرفها في جميع الأقطار والأزمان، مذكور بمآثر عجز عن عدها لسان قلم،وكرامات ماسمعتها أذن ولا قالها فم، شيخ الطريقة وإمامها،الحامل لأسرارها وإلهامها، سقاه الله من فيض رحماته وأعاد على المسلمين من وافر بركاته ، قدس الله سره، وأنار ضريحه.

مولده:

ولد الإمام حوالي سنة 1885م بأولف نشأ في بيت مجد وشرف وعلماء صالحين، وأهل ناصحين، شب متخلقا بأدب الإسلام والتصوف، حفظ القرآن في سن مبكرة، ثم بعثه أبوه إلى أقاربه بأقبلي حتى يستكمل دراسة المتون وشرحاتها، كان ذالك على يد خاله فأحسن رعايته وأفاد من خبرته وتجربته الفقهية ، وقد لزمه يروي عنه ويحفظ فشب على ذلك،منذ نعومة أظافره،فكان له دافعا لحب الذكر والمذاكرة الذي أبلغه اكتساب علم الحقيقة أستأذن له والده لينتقل إلى موطن أخر بغية تنوع المصادر وفي هذه المرة إلى تمسنا ولم يمكث فيها كثيرا وغادرها في وقت مبكر وأستقر بأرض الهقار يأمرا من أبيه، لما كان فيها من جهل وعصيان ،وتشتت وضعف إيمان وعدم إتباع الطريق المستقيم والحملات التبشيرية المسيحية، بدأ الدعوة إلى الله بالإصلاح والإرشاد والحرص على الدين والبلاد والعباد من مظالم الأعداء ،عن طريق حلقات الذكر ، والتواصي بالتراحم والتعاطف بين افراد المجتمع ،ونشر الطريقة الرقانية في أرجاء البلاد.

كان يتردد على المداشر والقرى المتفرقة في المعمورة بإرشاد الأمة وإصلاحها، بتعلم أبنائها والدعوة إلى التخلص من الهجمات التبشرية المسيحية وإحتلال الكفار للمسلمين، كان التشاور قائم بينهم وبين أهله وأهل التقوة في الأقطار ، عندما بلغه وفات والده هما بالرجوع إلى مسقط رأسه فأخبر بذلك أعيان القبائل فكانت مفاجئة لهم ولم يرضوا مغادرته للمنطقة كان ذهابه عنهم شيء لا يتصور ومن المستحيل إلا أن الضرورة كانت مبرر فاصلا، وعندما رأهم بهذه الحيرة والحزن أستلطفهم بخبر مفاده أنه سيأتي من يخلفه وسيكون خيرا منه عند مغادرته شيعه أعيان القبائل حتى إلى قرية "عين أمقل" حاليا أين وجد فيها مولاي عبد الله بن مولاي هيبة قادما من أولف ، فقال لهم الشيخ هو صاحبكم شرط أن أن تبايعوه على الطاعة والولاء فبايعوه على ذالك وكان رمز البيعة سنابل القمح .

بعد أن وصل بلاده، فكر في أمر الزاوية التي تركها ورائه ،لأنهلم يخلف ذكور لمن يسند مشيختها فأعطاها إلى أبن أخيه سيد محمد بن مولاي الوثيق، فقبلها منه بشرط أن يكون أبنه مولاي هاشم الذي يقوم بتنظيمها بشيخها حينها قال الشيخ:ماقلت لك ذلك إلا إحترامالك لقد نويتها له وانا في طريق إلى هنا ، حقق الله رغبة الشيخ في أبن عمه .

تداولت مشيخة هذه الزاوية بين مولاي هاشم وأخيه مولاي زين الدين ، لم يمكث مولاي هاشم كثيرا في هذه الزاوية لأن والده أذن له بتأسيس الزاوية في الأزواد بمنطقة تاركنت "تلمسي" وبقية للأخ الأصغر مشيخة الزاوية قام بدوره في تربية وإرشاد مريديه على أحسن مايرام فأهتدى من صح له النظر .

وبعد تفكير طويل عنه أرجع الأمانة إلى أهلها أي بارجاع مشيخة الزاوية إلى ابن أحيه سيدي محمد بن مولاي هاشم في:12أفريل 1971م والسبب في ذلك أنه لم يخلف ذكور ،وأسس زاوية بقرب ضريح مولاي لحسن بتسنو "الرقاني" وذلك عام 1972م عندما أرجع زاوية الشيخ مولاي الشريف إلى صاحبها سيدي محمد بن مولاي هاشم ، ثم أذن لأبنه مولاي الشريف سنة 1989م كشيخ لهذه الزاوية حتى الآن والحمد لله :

لسنا وإن كرمة أوائلنا *** يوم على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ونفعل مثلما فعلوا

03- سنة التأسيس: أسست زاوية الشيخ مولاي الشريف الرقاني حوالي سنة 1924م-1927م ، شهدت فتورا نوعيا بمقتضيات المستعمر الكافر لكن رغم ذالك لم يمنعها بالقيام بدورها بصفة كاملة .



مقر الزاوية:

نظرا لطبيعة المنطقة لم يكن للزاوية مقر معين وكان بين قرية "عين أمقل" و"أبلسة " و"تغهوهوت"ومن1949 إلى 1954 وبعد ذلك أستقر بها المقام بقرية صوروفي سنة 1958 و قبل ذلك كانت المشايخ تجوب المد اشر والقرى لتأدية مهامهم حتى رغم مضايقة المدمر لنشاط الذي تقوم به حتى سنة 1962م-1963م استقر مقرها لصورو زين الدين نسبتا لشيخ الزاوية حيث بنا ء بها مسجد ومدرسة قرآنية يدعىبمسجد "سيدنا حمزة بن عبد الطلب" موجودة إلى يومنا هذا كل سكان الأهقار يشهدون له بالصلاح والفلاح ويوجد كذلك بستان هبة منه للمشائخ ،ومذ تولى الشيخ الرقاني مولاي الشريف مشيخة الزاوية أنتقل مقرها إلى صورو زين الدين الساحلي،وبدأت هيكلتها من جديد إعتماد الزاوية:إعتمد الشيخ مولاي الشريف الزاوية بعد واجدت عراقل جمة للحصل على الأعتماد إلا بعد جهد كبير و الإتصال . ورفض الملف سنة 1988م, وفي سنة 2001 حصلت الزاوية على الأعتماد , بتدخلات من طرف الشيخ الزاوية والحمد لله.

دورها التاريخي:

لعبت الزاوية أدوارا هامة عبر تاريخها المجيد ومن ذالك:

01 . المحافظة على البنية الأساسية الإسلامية للمجتمع الجزائري.
02 . إرشاد وتعليم أبناء المجتمع بالدعوة إلى الله والتخلص من الاحتلال الكافر .
03 . التصدي إلى الحملات التبشيرية المسيحية النصرانية بإرساء قواعد الدين الحنيف وطرد شبح الجهل بضده نور العلم والطريق المحمدية والتمسك بالعروة الوثقى (الكتاب والسنة)
04. دورا رائد في تحريض وتشجيع السكان عن طريق حلقات الذكر بالجهاد ضد المستدمر الفرنسي وتحفيذهم على الأنضمام إلى صفوف المجاهدين والمشاركة في ثورة التحرير.
05 . تدعيم جبهة التحرير الوطني والثورة المباركة.ولم علم المستدمر ذلك من الشيخ مولاي إدريس طاردوه حتى مسقط رأسه ومن الطرائف المشهورةأن الذي وكل بملاحقته النقيب "برت" بعث في إستدعائه فأبى الإستجابة فأرسل إليه دورية ليأخذوه عنوة فقال لهم: " قولوا لسيدكم : إن كان هو برطة أنا أنسرطوا سرطة " وكان في هذه الحادثة المشهورة أمور عجيبة من كرامات الشيخ –رضي الله عنه-.
06 . نشـر الطـــــريقة الرقـانـية.

الدور الحالي للزاوية:

بصفتها زاوية أشعرية صوفية تستمد قوامها من هذين المبدئين الأساسيين فأن تقوم بتعليم القرآن الكريم وأحكامه والفقه المالكي والحديث والسيرة النبوية ،ومساعدة الأيتام والتكفل بهم حسب الإمكان، إطعام وإواء الطلبة ، عابري السبيل لثلاثة أيام ومساعدتهم، تنظيم ملتقيات منها : الوعدة السنوية(الزيارة) ،ختمة البخاري،والأحتفال بالمولد النبوي الشريف، ملتقاء للعلماء والمشائخ واحد كل مرة، مع الندواة الشهرية والنص الشهرية .

إن كامل الأمر العزيمة *** فـــــأن الـــــــتردد هو الـــــــفشـــــل
ولـو أنني فــوضت لله وحـده *** كفـاني ولم أرجـع من الله خائبا.

تضطلع زاوية الشيخ مولاي الشريف الرقاني لتعليم القرءان – النور- حي زين الدين الساحلي ولاية تمنراست بتعليم القرءان وأحكامه بأن شيخ الزاوية والطريقة الرقانية بولاية تمنراست تقوم الزاوية منذ عقود برسالة نبيلة تتمثل في نشر الدعوة الى الدين الاسلامي الحنيف في كثير من البلدان الافريقية كمالي والنيجر وكينيا وبوركينافاسوا واوغندا والكونكوبرازافيل واللومي .

من المهام الاساسية التي تقوم عليها هذه الزاوية ومؤسسها سيدي مولاي ادريس وابيه سيدي محمد وجده سيدي الشيخ مولاي زين الدين بن مولاي الشريف بن مولاي عبد الله الرقاني وبعدهم أحفادهم ومنهم سيدي مولاي زين الدين بن سيدي محمد بن مولاي الوتيق وسيدي محمد بن مولاي هاشم ويليهم في الوقت الحاضر مولاي الشريف بن محمد بن مولاي هاشم .

ان الدعوة الى الاسلام كانت ممتدة من الاجداد الى الاحفاد اي من الشيخ مولاي ادريس بن سيدي محمد بن سيدي زين الدين باراضي الهقار حيث وجد فيها استفحال الجهل التبشيرية ومنها بدأ الدعوة الى الله بالاصلاح والارشاد والحرص على وحدة الدين والبلاد والعباد من مظالم الاعداء عن طريق حلقات الذكر والتواصي بالتراحم والتعاطف ونشر الخير بين افراد المجتمع والطريقة الرقانية في ارجاء البلاد حيث تردد على القرى والمداشر المنتشرة المتفرقة والمتناثرة في ارجاء المعمورة بارشاد الامة واصلاحها وتعليم ابنائها والدعوة الى التخلض من الهجمات التبشيرية المسيحية لتبقى هذه الرسالة التي عكف عليها مشائخنا هي العنوان والنبراس خاصة التي قام بها سيدي مولاي ادريس بن سيدي محمد وغيره وآخرهم سيدي مولاي الشريف العمود الفقري للزاوية حيث اسلم علي ايديهم العديد من سكان افريقيا وحتى من اروبا في المدة الاخيرة ثلاثة اروبيين اسلموا على يد الشيخ مولاي الشريف من المانيا وايطاليا وفرنسا وكانوا في اطار جولة سياحية بالمنطقة وان اسلامهم كان على حقيقة ويقين واقتناعا بمبادئ الدين الحنيف بعد ان اطلعوا على تفسير القرءان الكريم والحديث النبوي الشريف ومن بين اساليب الدعوة التي تعتمدها الزاوية ان الشيخ يوفد دعاة ذو تكوين ديني عال للقارة من شرقها لغربها ومن شمالها الى جنوبها مستعينين بدعوات الخير والكرمات الالهية لاوليائه التي ترافقهم .

ان تاريخ الزاوية حافل بالانجازات العلمية العظيمة سابقة ولاحقة وحاضرة أي الزمن الذي نعاصره كما اسلم على يد هذا القطب الشريف عددا طبيا من الافارقة السود كانوا يدينون بديانات متعددة ، الا في الاونة الاخيرة راود الزاوية طمس لاعمالها و مجهوداتها من قبل المديرية الوصاية ا, ورغم ذالك تواصل مجهوداتها لتكون في المستوى الذي كانت عليه لأن العمل لله وهذا الطمس محصورا مسلط على هذه الزاوية خاصة رغم أن الولاية تشجع ونثمن مجهودات بالإعانات المعنوية , كذا العناية الكبيرة التي توليها وزارة الشؤون الدينية والاوقاف وسيادة الوزير خاصة الا لابد ان يكون من الابناء من يعق والده. أخل بالمسؤولية المتعلقة بواجبه وهذا باقيا للتاريخ يشهد عليه كما هو حال مسير مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بتمنراست وفي كل الحالات الله المستعان وعليه الاتكال حسبتا الله و نعم الوكيل ولأحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

ومن بين نشاطاتها الثقافية الإعلامية تنظيم ملتقيات وندوات وايام دراسية علمية كالتالي :

ملتقيات :

ملتقى الشيخ مولاي عبد الله الرقاني / الأب والجد الأول
مؤسس الطريقة الرقانية وشيخها / 10 محرم من كل سنة

ملتقى الشيخ مولاي الشريف الرقاني / الابن الثاني
آلت اليه الطريقة بعد اخيه الاكبر 15 شعبان من كل سنة
ندوات :
الشيخ مولاي عبد المالك الرقاني / الابن الاكبر
الشيخ الولي الذي آلت اليه الطريقة عن والده

الشيخ سيدي محمد بلكبير
العلامة الهمام وشيخ الزمان

الشيخ بكثة بن ابراهيم الفوغاسي
علامة الاهقار الجليل
الايام الدراسية :
الشيخ الحاج احمد البكري الفوغاسي
العالم السلطان مؤسس قرية تازروك

الشيخ العبادي محمد القوراري

الشيخ التوهامي والطالب ناجم.

وهناك أيام أخرى تخص بعض الرموز والاعيان كموسى قمستان وأخموك وبعض علماء المنطقة.

ملاحظة :

مشروع ملتقى الدروس السنية والمواعظ القرءانية درس ونحن في انتظار من يرعاه ومشاركة بعض المؤسسة لان امكانيات الزاوية محدودة وتبقى هذه الصدقة الجارية طموحا في المستقبل .

أسم الشيخ الذي آلت إليه مشيخة الزاوية:

هو رقاني الشريف المدعو: الشيخ مولاي الشريف بن سيدي محمد بن مولاي هاشم المولود حقيقة بتاريخ: 04/12/1959م ووثق بالحالة المدنية خلال 1962م بزاوية الرقاني –رقان- ولاية أدراد.


المستوى التعليمي:

أستاذ خريج المعهد التربية. دراساته الدينية: بدأ القرآن الكريم على يد السيد: حينوني أحمد بن عبد القادر-رحمه الله- وحفظه على يد الشيخ الحاج بن عبد الكريم عبد القادر بن سيدي سالم المغيلي تلميذ مولاي أحمد الطاهري –قدس الله سره- والمتون والحديث استكمل دراستها على يد سيدي محمد بن لكبير –قدس الله سره وأنار ضريحه- والحاج سالم الأبراهيمي إجازة في الفقه والمتون.

الموارد المالية للزاوية:

كانت لله فأعنها الله فلا مورد لها يذكر، إلا ما أنفقه الشيخ، وفي الأونة الأخيرة ساهمة وزارة الشؤون الدينية .
عـدد تلاميذها: يقدر عدد التلاميذ بـ:189 طالبا.
-18 طالب داخليا.
- 16 " نـصف داخلي.
-164 " خارجيين.

مــــلاحظـة:

إن الشيخ مولاي الشريف الرقاني الذي تحمل الزاوية أسمه لديه مخطوطا فقهيا موجود في خزانة الزاوية مع مخطوط أبيه مولاي عبد الله الرقاني –قدس الله سره ونفعنا به و مخطوطات أخرى لأعلام الأهقار نفعنا الله ببركاتهم وجميع المسلمين-.

إن جميع الزوايا الحاملة لأسم الرقاني تستمد أصلها من الزاوية الأم بزاوية الرقاني .
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |