من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة العلامة الشيخ سي عطية مسعودي (مفتي أولاد نائل)


هو الشيخ الكامل و الإمام العارف الفاضل عطية ابن مصطفى مسعودي الإدريسي الحسني ( نسبة إلى إدريس الأكبر و إلي الحسن السبط ) ابن على بن أبي طالب كرم الله وجهه و هو من قبيلة أولاد نائل.

ولد بالبادية قرب زاوية الجلالية على مشارف مدينة الجلفة سنة 1900 م ، من أسرة كريمة عريقة في المجد، و نشأ نشأة صالحة في عائلته بين أبيه و إخوته.

ختم القرآن الكريم و حفظه و عمره لا يتجاوز تسع سنوات على يد أخيه الأكبر العلامة سي الهادي، أستاذ الزاوية المذكورة، وأخذ عنه بعض المبادئ في العلوم الدينية ثم إنتقل إلى زاوية الشيخ عبد القادر بن مصطفى طاهري مؤسس زاوية الزنينة (الإدريسية حاليا) و درس عنده علم التوحيد و الفقه.

اتصل به الشيخ نعيم النعيمي و لزمه سبع سنوات كانت كلها دراسة و بحثا في علوم الشريعة الإسلامية و قد كانت فترة ذهبية للتزود بالمعرفة.

سياحته:

دفعته رغبته في طلب العلم إلى السفر إلى مختلف جهات القطر الجزائري حيث درس في زوايا بلاد القبائل وقرر الذهاب إلى جامع الزيتونة بيد أن ظروف الحرب منعته من ذلك.

ثم عاد إلى العاصمة و درس عند العلامة عبد الحليم بن سماية مفتي العاصمة في العشرينيات ( أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده) الذي كان يتجوّل يوميا بين أحياء العاصمة ممتطيا فرسه لإلقاء دروس في فنون مختلفة على الطلاب في مساجد العاصمة، فكان الشيخ عطية مسعودي من بين أولائك الطلبة الذين يحضرون تلك الدروس.

مكث أكثر من سبع سنوات عند عائلة سيدي محي الدين أولاد الباي حيث كان يذكرها دائما بكرم الضيافة و حسن الرعاية ، و انتقل إلى زاوية الشيخ عبد القادر الحمامي و درس بها . و اجتمع بالعالم الأصولي الشيخ بن اشيط أثناء رجوعه إلى مدينة الجلفة توقف بالبليدة ليحضر دروس الشيخ الفقيه سيدي محمد بن جلول حيث تعلم منه الكثير.

تولّى التدريس بالمدرسة الحرة الوحيدة بمدينة الجلفة التابعة لجمعية العلماء المسلمين بتاريخ افتتاحها سنة 1943م، و حضر له بعض الدروس الشيخ عبد الحميد ابن باديس، و قد أُعجب الشيخ الإمام أيّما إعجاب بأدب و ذكاء أستاذنا حيث التمس منه أن يقترح له عنوان المحاضرة التي يريد إلقاءها على مسامع الجمهور الحاضر ، فاقترح أستاذنا على الشيخ الإمام قول الله تبارك و تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرّقوا" فقال له الشيخ بن باديس : بورك في اختيارك لهذه الآية الكريمة.

عين إمام خطيبا بالمسجد الكبير بالجلفة و أسند له بعض المجاهدين في جيش التحرير الإفتاء و القضاء بين الناس في تلك الفترة ( إبان الثورة التحريرية ) و استمر في القضاء حتى الفترة الانتقالية لتشكيلة الحكومة.

مراسلاته:

كانت له اتصالات و مراسلات مستمرة مع شيوخ الزوايا و العلماء منهم من لحق بالرفيق الأعلى و منهم من ينعم بالصحة و هؤلاء منهم :الشيخ سيدي المختار بن علي حسني بوشندوقة الحمدي الذي كان قاضيا بمدينة البيض، و الشيخ بلكبير بأدرار و الشيخ بيوض ( شيخ المذهب الإباضي ) و الشيخ عبد القادر عثماني بزاوية طولقة و شيخ زاوية الهامل و الشيخ الطاهر العبيدي (الذي أجاز الشيخ سي عطية لما زار مدينة الجلفة) و شيوخ الزاوية التيجانية و الشيخ الصالح ابن عتيق و ابن أشبط و الشيخ الرابحي مفتي مدينة البليدة و الشيخ الزبير بالبليدة أيضا و الشيخ سي أحمد الخطابي و بعض علماء باكستان و الأزهر الشريف و العراق .

وقد استشهد به الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في عدة محاضرات.

توفي أسبغ الله عليه رضاه يوم الأربعاء بعد صلاة الفجر لسنة 1989 م يوم 27 من شهر سبتمبر ، و ترك وراءه مكتبته الخاصة و التي تحتوي أكثر من ألف عنوان، ومن عينات شعره ديوانه قصيدة "الأخبار المذاعة في أشراط الساعة" و كذا "القصيدة المزدوجة" في علم الكلام أي فن التوحيد، و قصيدة "نصيحة الشباب و حلية الآداب " التي تحوي نصائح عالية و توجيهات غالية... وبعض المؤلفات التي ستطبع مستقبلا منها : - باقات من الشعر - مجموعة أحاديث نبوية و بعض المخطوطات - فتاوى شرعية في فقه المالكية ..الخ .

*.*.*

الترجمة من كتاب الشيخ سي عبد القادر بن أبي زيد الشطي

عن موقع الجلفة للاخبار
تكملة الموضوع

ترجمة سلطان الأولياء سيدي عبد الرحمن الثعالبي قدس الله سره



سلطان الأولياء فخر الجزائر المحروسة سيدي عبد الرحمن الثعالبي قدس الله سره
(786هـ / 1385م - 875هـ / 1471م )


أ ـ نسبـــه:

هو القطب الغوث الجامع بين الشريعة والحقيقة الولي الصالح الزاهد سيدي أبو زيد عبد الرحمان، بن محمد،بن مخلوف، بن طلحة، ابن عامر ابن نوفل ، بن عامر، بن موصور بن محمد، بن سباع، بن مكي ابن ثعلبة بن موسى، بن سعيد بن مفضل، بن عبد البر، ابن فيسي، ابن هلال، ابن عامر، بن حسان، بن محمد بن جعفر، بن أبى طالب ، فهو جعفري النسب.

ب ـ مولده ونشأته :

ولد الثعالبي في سنة 785هـ الموافق لـ : 1384 م بواد يسر على بعد 86 كلم بالجنوب الشرقي من عاصمة الجزائر. ونشأ هناك بين أحضان أبويه، نشــأة علم وصلاح وأخلاق مرضية، وقد تلقى مبادئ قراءته وتعلمه بالجزائر العاصمـــة وضواحيها، وقد كان حاضرا يوم غزى الاسبان " تـدلس " في دولة بنى عبد الـواد ، واخوتهم من بنى مرين، وكان عمره 15 سنة .

ج ـ رحلته لطلب العلم :

نزح الثعالبي من مسقط رأسه صحبة والده محمد بن مخلوف في أواخر القرن الثامن الهجري وأواخر القرن الرابع عشر الميلادي طالبا المزيد من العلوم والعـرفان باحث عن مكانها في مناكب الأرض وقصد المغرب الأقصى حـيث اجتمع ببعض علمائها الفطاحل وأخذ عنهم ما تيسر أخذه وقد سمع ورأى هناك عن عالم الدنيا، محمد بن احمد بن محمد ابن مرزوق العجيسي التلمساني المعروف بالحفيد وكان الثعالبـي إذ ذاك يناهز البلوغ ثم يمم شطر بجاية فدخلها صحبة والده أيضا سنة 802 هـ الموافق لـ1392م فـمكث بها زهاء سنة ثم توفى والده ودفن هناك، وعلى إثر وفاة والده عاد إلى الجزائر قصد زيارة أقاربه ثم رجع إلى بجاية أيضا، حيث قضى ما يقارب من السبع سنوات تلقى خلالها دروسا شتى في مختلف الفنون عن زمرة من فطاحل العلماء وفي سنة 809 هـ الموافق لـ 1406م انتقل إلى تونس حيث مكث حوالي ثماني سنوات انتفع خلالها بمعظـم علمائها وأجازوه فيما هو أهل أن يجاز فيه، وفي سنة 817 ـ 1414 م توجه إلى مصر حيـث أفاد واستفاد وأجازه بعض علمائها ولم يلبث طويلا هناك بل يمم شطر تركيا، ونزل بـ "بورصة " حيث استقبل استقبالا كريـما، وقد أقيمت له زاوية هناك، وما تزال تـلك الزاويـة وقـفا محبسا على الثعالبي إلى يومنا هذا. ومن هناك توجه صوب الحرميـن الشرفيـن ، حيث أدى فريضة الحج واغتنم الفرصة فأخذ عن بعض علماء الحجاز وأجازه فـي فنون شتى ثم عاد إلى مصر وفي سنة 819 هـ 1414م عاد إدراجه إلى بلده المحبـوب الجزائـر بعدما غاب عنه حوالي عشرين سنـة قـضاها كلها في اكتناز المعـــارف واغتـراف العلوم ، أين كانت وحيث بانت ، وهكذا استقر بمدينة الجزائر، حيث راح يشتغل بعبادة ربه ، وبث العلوم الشريفة بين أبناء ملته خصوصا في الجامع العتيق ( الكبير) الذى ألف فيه كتابه "العلوم الفاخرة في النظر فى أمور الآخرة " و "الجامع الكبير" وغيرهــم من المصنفات، وقد زاول التعليم إلى أن ناداه آجله المحتوم صبيحة يوم الجمعة 23 من شهر رمضان المعظم سنة 875 هـ الموافق لـ : 15 مارس لسنة 1479 م بعد أن قضى تسعين ربيعا، كانت كلها طاعة ومرضاة لله عز وجل ووقفا على مصالح العباد.

نقلت جتثه الكريمة من منزله إلى مكان يقع على ربوة خارج "باب الواد " تعرف آنذاك بجبانة الطلبة ودفن هناك، ومنذ ذلك اليوم أصبح ضريحه مزارا يتبـرك به ولم يـزل الزائـرون يقصدونه ذكور وإنـاثا يوميا وطوال السنة إلى وقت غـير معلوم ، رحم الله الـولى الصالـــح، سيدى عبد الرحمان الثعالبي وقد دفن معه شيخه المسمى أبي جمعة المكناسي رحمهم الله.

رحل رحمة الله مخلفا وراءه مؤلفات ومصنفات له تقريبا مائة كتاب فى علم التألـيف ومن أهم مؤلفاته "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" وله العلوم الفاخرة في النظر في أمـور الآخرة .

وقد دفن معه شيخه المسمى بأبي جمعة ابن الحسين المكناسي رحمهما الله في الضريح المسمى بإسمه، وقد بناه له الأتراك وأعيد ترميمه في كل مناسبة عندما تطول المدة ، يعاد ترميمه وإصلاحه إلى يومنا هذا وهو بصدد الترميم والإصلاح ومن بين المدفونين معه بعض بناته وبعض الأتراك وبعض من الأولياء الصالحين .

من مخلفــاتـــه :



لقد اهتم سيدي عبد الرحمن الثعالبي رضي الله عنه بالتدوين والتأليف لخدمة الشريعة الإسلامية المطهرة وله في ذلك الباع الطويل. فلقد ترك رضي الله عنه ما يزيد عن المائة مؤلف بين رسائل وشروح وحواشي وتعاليق وكتـب مستقلة في الوعظ والرقائق والتذكير والتفسير والفقه والحديث واللغة والتراجم التاريخ وغيرها...

منها :

01 كتاب: "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" في أربعة أجزاء
02 كتاب: المعجم الغوي
03 كتاب: الرؤى
04 كتاب: "روضة الأنوار و نزهة الأخيار" في الفقه
05 كتاب: "جامع الهمم في أخبار الأمم" في سفرين ضخمين
06 كتاب: جامع الأمهات في أحكام العبادات
07 كتاب: الإرشاد في مصالح العباد
08 كتاب: رياض الصالحين و إرشاد السائلين
09 كتاب: جامع الخيرات
01 كتاب: التـقاط الدرر
11 كتاب: نور الأنوار ومصابيح الظلام
12 كتاب: الأنوار المضيقة بين الشريعة والحقيقة
13 كتاب: تحفة الإخوان في إعراب بعض الآيات من القرآن
14 كتاب: الذهب الإبريز في غرائب القرآن العزيز
15 كتاب: العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة
16 كتاب: الأربعين في الوعظ
وكتب أخرى كثيرة لا تحصى بين مطبوع ومخطوط وما هذه إلا نقطة من بحر لا ساحل له وأغلب هذه الكتب ألفها بأرض السودان...

لقد كانت كتبه عبارة عن خزانة علم عظيمة لا يقدر قدرها فكان الكتاب قبل أن ينتهي النساخ من نسخه ينتظرونه لشرائه والانتفاع به وما هذا إلا سر إلاهي لم يتسنى لمن سبقه كالغزالي وغيره من أئمة الهدى.

II ـ وصفه عام لمحيط الثعالبي :

تولى سيدي عبد الرحمن الثعالبي القضاء بالجزائر ومشيختها ولكنه تخلى عنهما ورفضهما وفضل القيام بالتعليم، فالقضاء والمشيخة رأى أنه موجود من يقوم بهما وبقي في وسعه أن يصلح بين الناس ويرشدهم لما فيه الخير والفلاح(1) ولهذا أصبح الثعالبي يتمتع باحترام تام لدى الخاص والعام وخاصة وجهاؤهم، وقد دفع هذا الاحترام والتبجيل إلى بناء مسجد قرب منزله وأسموه باسمه "مسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي" وبعد موته دفن بالمكان الذي كان يعلم فيه الطلبة وكان يمسى آنذاك بـ :"جنان الطلبة" قرب بيته.

نظرا للمكانة الخاصة التي يتمتع بها الثعالبي لدى كل الجزائريين دفعتهم إلى أن يبنوا حول ضريحه المبارك مقاما يكون لهم بمثابة تعبير صادق عن شعورهم الخاص ولباسهم الروحي نحو طاعة شيخهم الموقر حيا وميتا(2) كان الضريح في السنين الأولى ـ يتوسط المقام ـ وبعد تجديد بنيان المقام على عهد الأتراك زيد في مساحته في ناحية الشرق، فأصبح الضريح جانبا كما و الآن، نجده عن اليمين عند دخولنا المقام.

تظم القاعة ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي المغطى بتابوت خشبي وعند قدميه يوجد قبر سيدي أبي جمعة بن الحسين المكناسي، وعند شمال المحراب يوجد قبر السيدة روزة بنت محمد الخزناجي زوجة يحي آغا وعند منتهى الشمال الشرقي يوجد الشيخ علي بن الحفاف، وقبور أخرى منها قبر لحسن باشا، وقبر لمصطفى باشا، وقبر لعمر باشا وقبر للحاج أحمد داي(3).

1 ـ الحياة السياسية لعصر الثعالبي :

سقطت الدولة المؤمنية في القرن السابع للهجرة فبدأ الانحطاط وكثر الملوك واشتد الصراع على السلطة، وسادت الفوضى، كما شهد المغرب الإسلامي في هذا القرن انقساما سياسيا جديد إلى ثلاث دول مستقلة، سببها انهيار دولة الموحدين، وبهذا يكون القرن الثامن للهجرة عصر صادت فيه الفتن والحروب بين القبائل والولاة، خاصة بين الحفصيين، الزيانيين والمرنيين الذين كانوا يتنافسون حول السلطة، وفي هذه الظروف ولد عبد الرحمن الثعالبي.

نتيجة لهذا الصراع ضعفت مملكة الموحدين وظهرت على انقاضها دويلات جزأت المغرب فاستقل الحفصيون في تونس "واستقل بنو عبد الواد تحت قيادة" يغمراسن مؤسس هذه الدولة بتلمسان وضواحيها واستولى بنو مرين على فاس (4).

وبهذا اقتسم بنو مرين وبنو عبد الواد بلاد المغرب فاختص بنو مرين بالمغرب الأقصى، في حين استقل بنو عبد الواد بالمغرب الأوسط، وهكذا تم انفصال المغربين عن دولة الموحدين التي استقلت عنهم بقيادة زكريا الحفصي.

وكان قادة هذه الدويلات يهدفون إلى إعادة توحيد المغرب العربي وكل يمني نفسه بوضعه موحدا تحت سلطته.

وفي هذه الأثناء كان للثعالبة دورا كبيرا في الحرب التي خضوها ضد المرنين والحفصيين وبني عبد الواد لهذا بدأت الجزائر العاصمة تتقهقر خاصة بعد قتل زعيمهم "سالم التومي" وتتبع إخوانه وقبيلته فأصبحت الجزائر لا تستطيع فرض نفسها كمدينة مستقلة تحت سلطة الثعالبة، المتمركزة في متيجة.

فالملاحظ أن عبد الرحمن الثعالبي عاش في عصر يسوده الانحطاط الحضاري في مختلف الميادين، لكن كل هذا لم يمنعه بأن يكون علامة كبيرا ونابغة في علم التصوف، بل كان منقذا للدولة الجزائرية خاصة بخطابه الواقعي الذي كان يلقيه أمام الجماهير التي تؤيده(5).

2 ـ الحياة الاجتماعية لعصر الثعالبي :

لقد ولد الثعالبي في عصر يموج بالفتن وكل مظاهر التخلف الحضاري بسبب الحروب القبلية الدائرة بين المغرب العربي وخاصة بين الحكام والولاة، هذا ما دفع بالمواطن المغربي للهروب إلى أشياء أخرى كالتصوف وأهل التصوف وإلى التصديق بالكرامات والمعجزات، وتقديس الأولياء(6) سيما من له شرف النسب كأبي مدين التلمساني والشيخ أحمد بن يوسف الملياني واشيخ بعد الرحمن الثعالبي.

3 ـ الحياة الثقافية لعصر الثعالبي :

كانت الحياة الثقافية في المغرب الإسلامي في الفترة ما بين القرن الثالث عشر والقرن السادس عشر ميلادي تتميز بظهور مدارس في فاس وتلمسان وبجاية وتونس على غرار المدارس التعليمية الدينية، التي عرفها المشرق الإسلامي اتسمت هذه المدارس بالإشراف الرسمي للحكام، وبهذا انتصر الإسلام السني وساد المذهب المالكي واستعملت المدارس الرسمية منهجين متعارضين : هما الاجتهاد والاعتقاد، فبالرغم من إن شاء المدارس لتعليم القوانين الشرعية والعلوم اللغوية، فقد انتشر فيها التصوف أكثر بالرغم من معاداة الفقهاء للمتصوفين، فظهر عدد من المتصوفين في القرن الخامس عشر ميلادي فكان الحكام في الممالك الثلاث يخصون الصوفيين بتقدير خاص.

خاصة بعد انتشار تصوف الغزالي ابتداءا من القرن الثاني عشر ميلادي.

فتأثر الشيخ عبد الرحمن الثعالبي آنذاك كثيرا بالحركة الصوفية التي كانت في أنشط فتراتها. فظهرت بعض المدارس التي أنجبت شعراء ورجال التربية كما عرفت اللغة العربية ازدهارا بعدما كانت تتخبط في طي النسيان فأسس مجمع العلم والبحث والثقافة إذا كان يقصده كل طالب علم ومحو الأمية(7).


III ـ انتشار التصوف السني :

خلال القرنين الثالث والرابع للهجرة نجد أن مشايخ الصوفية الكبار كالجنيد والسري السقطي والخراز وغيرهم اهتموا بجمع المريدين حولهم من أجل التربية والإصلاح، ومن هنا ظهرت الطرق الصوفية المتمثلة في المدارس التي تلقن المريدين أصولا في التربية والتكوين علما وعملا.



1 ـ الإمام الغزالي والتصوف السني :

وجاء بعده حجة الإسلام الإمام الغزالي، حيث أقام للصوفية الصحيحة بنيانها وبين لها شروطها وأركانها ورفض رفضا قاطعا الأفكار الدخيلة ونزهها عن كل ما يتنافى مع الشرع، وكرس لسانه وقلمه في خدمة التصوف الحقيقي، فألف العديد من الكتب تظهر الأفكار الإسلامية الصوفية الصحيحة كما قام بتطبيق سلوكيات الصوفي ودعا إلى التصوف الحقيقي القائم على الشريعة.

إذ يرى الغزالي أن التصوف الحقيقي يكمن في تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، واستغراقه في ذكر الله وعدم انشغاله إلا بذكر الله، ويوضح الغزالي طريقة التصوف فيقول "طريقة طهارتها ـ وهي أول شروطها تطهير القلب بكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها ـ مجرى التحريم من الصلاة ـ استغراق القلب بالكلية بذكر الله وآخرها الفناء بالكلية الله" (11).

أقام الإمام الغزالي مدرسة تربي فيها المئات من طلبة العلم والحقيقة فهؤلاء نشروا التصوف وازدهر بهم، فانتشر التصوف الحقيقي بعده، وبعده انتشر التصوف السني الصحيح، هذا التصوف القائم على الكتاب والسنة.

فاختص الصوفية المحققون من أهل السنة في معتقدهم وسلوكهم الذي يجب أن يكون مؤسس على الشرع باستنباط حقائق الشرع من ظاهر معاني الكتاب ومدلولاته العقلية : وجعل الشرع بألفاظه ومعانيه معيارا لتلك الحقائق العليا المستنبطة في مجموع الشريعة كتابا وسنة : وإرجاع القضايا إلى نصوص الشرع بعد التفقه فيه و التأدب بأدبه، قبل أن يسلكوا طريق التصوف، ثم الاهتداء ثانيا بهدي الكتاب والسنة حال سلوكهم.

فكان صوفية أهل السنة علماء بعلوم الشرع، وعلماء بنظم المعتقد على أساس العقل، وعلماء بالله والنفس (12).

2 ـ تصوف الثعالبي :

ألف سيدي عبد الرحمن الثعالبي العديد من الكتب منها "تفسير الجواهر الحسان" و "روضة الأنوار ونزهة الأخيار" وكتاب "الأنوار في معجزات النبي المختار" و"الأنوار المضيقة بين الشريعة والحقيقة".

نظرا لما لهذه المؤلفات من فوائد فإن العديد من العلماء أجازوا سيدي عبد الرحمن الثعالبي منهم الشيخ أبي زرعة العراقي بقوله : "الشيخ الصالح الأفضل الكامل المحرر المحصل الرحال أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي ..".

وحلاه الشيخ العلامة الإمام سيدي عيسى بن سلامة البسكرى في كتابه "لوامع الأسرار في منافع القرآن والأخبار" "بالشيخ الصالح الزاهد العالم العارف أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي"(13).

وقال هو عن نفسه :"ولم يكن بتونس يومئذ من يفوتني في علم الحديث إذا تكلمت انصتوا وقبلوا ما أرويه تواضعا منهم وإنصافا واعترافا بالحق"(14).

تعد أعمال الثعالبي في إطار تصوف إسلامي صحيح يسند أصوله من الكتاب و السنة إذا استوحى الثعالبي تصوفه من المدرسة الغزالية فنلمس ذلك من جل كتبه خاصة و أن النزعة الغزالية كانت سائدة آنذاك وما دفع الثعالبي إلى التصوف والزهد حالة العصر التي كانت سائدة آنذاك، وتتمثل في الركود والضعف في المجال السياسي والتمزق الاجتماعي، وخاصة معالم البذخ والانحلال في المجتمع الجزائري التي حملها النازحون من بلاد الأندلس، كما كان التصوف الثعالبي ضد الفتن والأجواء السياسية والمجادلات العقلية والعصبيات المذهبية لا سيما ما كان منها يعود إلى الحياة الاجتماعية والحضارية عامة من ألوان الترف والبذخ.

فحاول الثعالبي أن يتفلسف في إطار الكتاب والسنة، كما فعل من قبله شيخه الروحي الغزالي.

*منهج الثعالبي : لقد سلك الثعالبي في منهجه الصوفي مسلك معظم المتصوفة فاتخذ من التوبة والورع والزهد والتوكل وسائل لبلوغ غايته، كما أنه اعتنى عناية كبيرة بعلم الكلام وهذا ما نكتشفه من مؤلفاته في التعريف تشمل أكثرعلى تحديد المصطلحات الكلامية بالإضافة إلى تحديد مصطلحات في التصوف فيعرف علم الكلام فيقول "هوالعلم بأحكام الألوهية، وإرسال الرسل، وصدقهم في جميع أخبارهم، وما يتوقف عليه شيء من ذلك خالصا له بقوة هي مظنة لرد الشبهات وحل المشكلات وجلى الشكوك"(15).

لقد كان تصوف الثعالبي يقوم على توفيقه بين الشريعة والحقيقة الصوفية والدعوة إلى التحرر من الحياة المادية كمظاهر البذخ والترف والغفلة عن ذكر الله والتمسك الشديد بالكتاب والسنة في كل أحكامه وموافقة الظاهر للباطن في جميع تصرفاته تحقيقا لكسب رضى الله(16).

كما أن الثعالبي ربط بين الدين والأخلاق بل اعتبر الأخلاق جزءا أساسيا من الدين منها أخلاق اجتماعية، وهي التي تتعلق بالقلوب والأقوال والأفعال، وإلى أخلاق نفسية وهي ما يتصل بالخوف والرجاء والصبر والشكر والمحبة.

2 ـ علاقة المؤسس بالإرشاد الديني :



في عصر بني عبد الواد الجزائر عرفت بعض التوترات عندما كان أبو حمو الأول مضطر لمواجهة المرينيين في الغرب والحفصيين في الشرق، وبهذا السبب بدأت الجزائر العاصمة تتقهقر عندما أصبحت عاجزة عن فرض نفسها كمدينة مستقلة تحت سلطة الثعالبة التي كانت متمركزة في متيجة، كل هذه التوترات أدت إلى ظهور عبد الرحمن الثعالبي كمنقذ لها، وما ساعده في ذلك الخطاب الواقعي الذي كان يلقيه أمام الجماهير، وكانت الجزائر بالمقابل تستعد لتصبح عاصمة المغرب العربي للبحر الأبيض المتوسط بفضل التوسعات التي كانت تكتسبها عن طريق ربط علاقات مع الدول الأوروبية المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، حيث كان ميناء الجزائر يتمتع بمركز استراتيجي نظرا لمرور السفن الأوروبية فكانت تربط الجزائر علاقات اقتصادية مع الدول الأوروبية الأخرى(الايطالية والاسبانية)، فضلا عن إدخال ميناء الجزائر ضمن الخرائط البحرية عند الأوروبيين لأهميته الاقتصادية.

كما عرفت الجزائر في هذه الفترة إشعاعا علميا وثقافيا موازيا للدول الإسلامية والأخرى في الشرق الأوسط، والمغرب العربي بفضل العمل الكبير الذي قام به عبد الرحمن الثعالبي، فعرفت الجزائر العاصمة ظهور بعض المدارس والمراكز الثقافة التقليدية منها المدرسة الثعالبية التي تدرس فيها كل المواد العلمية والروحية والتدريس التقليدي (كعلم النجوم، التاريخ والجغرافيا، والقواعد) أصبحت هذه المدارس تثير اهتماما كبيرا من طرف الجماهير خاصة بعد اختصاصها في تدريس مادة أو مجموعة مواد، لهذا أصبح طلبة سيدي عبد الرحمان الثعالبي يمثلون فئة كبيرة من السكان، فأسس الجزائريون آنذاك ما سموه بـ (مجمع العلم والبحث والثقافة) حيث كان يقصده كل طالب علم ومحو الأمية، فلقد زاره أحد وزراء المغرب وهو أبو الحسان العالي، ابن محمد التمكروتي عندما كان متوجها إلى اسطمبول فقال عن ذلك المجمع "الجزائر مكتظة بالسكان كثر طالبي العلم إذ أصبح عددا هائلا من الطلاب مثقفين، كما كانت الجزائر موسوعة علمية لوجود عدد هائل من الكتب"(17).

ساهمت المدرسة الثعالبية في جمع عدد هائل من الطلبة، وبالتالي من السكان وكذلك المسجد الذي يسمى باسمه "مسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي" الذي أصبح مركزا عمرنيا بدأت البنايات حوله تكثر وتزداد يوما بعد يوم حتى شكل هذا النسيج العمراني الملتف حول المسجد مدينة، لذا قيل أن بناء المسجد في الإسلام أساس العمران في المدن الإسلامية، إذ لا يلبث العمران أن ينموا حول المسجد حتى صار المسجد نقطة التحول في الدراسة الطبوغرافية التاريخية للمدينة الإسلامية(1.

نستنتج من هذا أن لسيدي عبد الرحمن الثعالبي دورين هامين في مدينة الجزائر العاصمة تمثلا في التمركز السكاني والتمركز الثقافي.

ولهذا أصبحت مدينة الجزائر العاصمة مقترنة في اسمها بعبد الرحمن الثعالبي إلى اليوم" مدينة سيدي بعد الرحمن ـ أولاد سيدي عبد الرحمن".

لقد كثر هذا التعبير في الأغاني والأهازيج الشعبية إذ لا يكاد أحد من عامة الشعب أن يذكر الجزائر إلا مقترنة بعبارة "مدينة سيدي عبد الرحمن الثعالبي".


ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي قدس الله سره

الهــــوامــــش

نور الدين (عبد القادر) صفحات في تاريخ مدينة الجزائر (من أقدم عصورها إلى إنتهاء (العهد التركي) مطبعة البحث، قسنطينة ط2 ، ص 1956 ص 171.
محمد (بن ميمون) التحفة المرضية في الدولة البكداشية في بلاد الجزائر المحمية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ، ط2 ،1981، ص 348.
محمد بن ميمون مرجع سابق، ص : 351.
عبد الرزاق (قسوم) ، عبد الرحمن الثعالبي والتصوف، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1978 رقم النشر 701 ـ 78 ساند ص 13.
عبد الرزاق (قسوم) مرجع سابق ، ص 16
علي محي الدين (القرة الداعي) ، للإمام أبي حامد الغزالي، الوسط في المذهب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدولة قطر الجزء الأول ، 1993، ص : 201
علي محي الدين (القرة الداعي)، مرجع سابق ، ص : 202
علي محي الدين (القرة الداعي)، المرجع نفسه، ص : 202
علي محي الدين (القرة الداعي)، مرجع سابق ، ص : 201
محمد جلال (شرف) دراسات في التصوف الإسلامي (شخصيات ومذاهب)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت ، 1984، ص : 154
عبد الرحمن (الجيلالي) تاريخ المدن الثلاث : الجزائر ومليانة والمدية ط2 ، 1972 ص : 273.
الحفناوي ، تعريف الخلف برجال السلف، غير موقع للنشر ج1، 1991، ص : 74 – 75
عبد الرزاق (قسوم) عبد الرحمن الثعالبي والتصوف ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر ، 1978 ، ص : 42.
عبد الرزاق (قسوم) عبد الرحمن الثعالبي والتصوف ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1978، ص : 75.
عبد العزيز (سالم) تاريخ المسلمين وأثارهم في الأندلس ، من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة بقرطبة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ص ت
مكتبة الأبحاث التاريخية والأثرية ، 1981 ، ص : 376
تكملة الموضوع

كرامات أولياء الله الصالحين



بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد نقطة دائرة الوجود الخلقي ومستودع سر الوجود الحقي صلاة نصعد بها في المعراج الحبي و مدارج الإقبال الصدقي ويمتزج بها العلم اليقيني في المشرب الذوقي.

وبعد/

قال الله تعالى في القرءان الكريم: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ‏آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ ‏الْعَظِيمُ (64)} [سورة يونس].‏‎ ‎

وقال الإمام القشيري رضي الله عنه : الولي من توالت طاعاته، ومن تولى الحق سبحانه حفظه، وإنّما يديم توفيقه ‏الذي هو قدرة الطاعة قال الله تعالى: { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} [سورة الأعراف] ولا يكون ‏معصوما كالأنبياء بل يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب.‏‎ ‎

*.*.*

وقال الله تعالى: { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ‏ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا(16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت ‏تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ (17)} [سورة الكهف] الآية.

*.*.*‎ ‎

وقد بسط الكلام في تفسير هذه الآية على إثبات كرامات الأولياء الفخر الرازي في تفسيره الكبير ‏فقال: "احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات".

*.*.*

ومن دلائل الكرامات نص القرءان في قصة صاحب سليمان عليه السلام "آصف بن برخيا" في قوله ‏تعالى: { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40)} [سورة النمل] ولم يكن نبيا، والأثر عن أمير ‏المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيح أنه قال: يا سارية الجبل الجبلَ في حال خطبته يوم ‏الجمعة، وتبليغ عمر إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرزوا من مكامن العدو من الجبل تلك الساعة.‏‎ ‎

*.*.*

وأنشدوا: (الرجز)‏‎ ‎

وأثبتن للأوليا الكرامهْ ... ومن نفاها فانبذن كلامهْ‎ ‎

واعلم أن كرامات الأولياء ثابتة بالقرآن والحديث وما تواتر من أخبار على مر العصور والأزمان، ‏وهذا هو الحق عند جمهور أهل السنة، وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو ‏مقدمة لها يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم متابعة نبيّ كلف بشريعته، مصحوب بصحيح ‏الاعتقاد والعمل الصالح علم بها أو لم يعلم، فامتازت بعدم الاقتران (أي بدعوى النبوة) المذكور عن ‏المعجزة، كما وأنها تختلف عن الإرهاص، والإرهاص ما يحصل للنبي قبل نزول الوحي عليه ‏كتسليم الحجر على رسول الله في شعاب مكة، وامتازت بظهور الصلاح عما يسمى معونة كالتي ‏تظهر على يد بعض عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره، وبالتزام متابعة نبي كلف ‏بشريعته عن الخوارق المؤكدة لكذب الكذابين وتسمى إهانة كبصق مسيلمة الكذاب في بئر عذبة الماء ‏ليزداد ماؤها حلاوة فصار ملحا أجاجا.‏‎ ‎

وليس إنكار الكرامة من أهل البدع بعجيب إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم ولم يسمعوا به من رؤسائهم ‏مع اجتهادهم في العبادات صورة واجتناب السيئات بزعمهم، فوقعوا في أولياء الله تعالى أهل ‏الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم جاهلين كون هذا الأمر مبنيا على صفاء العقيدة ونقاء ‏السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة.‏‎ ‎

*.*.*




وقال الإمام القشيري: قال أوحد فنه في وقته القاضي أبو بكر الأشعري رضي الله عنه: ان المعجزات ‏تختص بالأنبياء، ولا تكون للأولياء معجزة لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها، ‏والمعجزة لم تكن معجزة لعينها إنّما كانت لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك ‏الشرائط لا تكون معجزة وأحد تلك الشرائط دعوى النبوة، والولي لا يدعي النبوة، فالذي يظهر عليه ‏لا يكون معجزة، قال القشيري: وهذا القول الذي نعتمده ونقول به، فشرائط المعجزة شكلها أو أكثرها ‏توجد في الكرامة الا هذا الشرط الواحد.‏‎ ‎

واعلم أن كل كرامة لولي هي معجزة للنبي الذي يتبعه ذلك الولي، وما جاز أن يكون معجزة لنبي ‏جاز أن يكون كرامة لولي الا ما كان من خصائص النبوة.‏‎ ‎

وانشدوا قولهم: (الكامل)‏

- والأوليا اذكرهم بخير انهم *.*.* تبعوا الرسول بصحة الآداب‎ ‎
خدموا الشريعة وما اتبعوا الهوى *.*.* مـتمسكين بأشرف الأنساب‎
صـحت ولايتهم بشاهد حالهم *.*.* فَـعَلَوا وصاروا وجهة الطلاب‎‎
لهم الكرامات التي ظهرت بنا *.*.* كـالشمس ما حجبت ببرد سحاب.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرءان والأخبار والآثار.‏‎ ‎

فأما الأول: ما جاء في قصة مريم عليها السلام وولادتها عيسى دون زوج، وكفالة زكريا لها عليه ‏الصلاة والسلام، وكان لا يدخل عليها غيره وإذ خرج من عندها أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يجد ‏عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، ومن قصة أصحاب الكهف ولبثهم‎ ‎في ‏كهفهم سنين بلا طعام ولا شراب، ومن قصة آصف بن برخيا وإتيانه بعرش بلقيس قبل ارتداد ‏طرف سليمان عليه السلام، وكذلك قصة إماتة عزير مائة عام ، ومن ذلك قصة ذي القرنين وتمكينه ‏في الأرض وملكه تلك المساحة الشاسعة في المدة القليلة.‏‎ ‎

والثاني: ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الصالح جريج الذي ‏أكرمه الله بأن أنطق له غلاما في المهد وخبر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فسدت ‏عليهم الغار صخرة فأكرمهم الله بأن نجاهم بصالح أعمالهم.‏‎ ‎

وكذلك قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" رواه ‏مسلم والأخبار كثيرة، ومنها ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه أنّه قال: "فاذا أحببته ‏كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها" رواه البخاري، ويقول الإمام ‏الرفاعي رضي الله عنه في شرح هذا الحديث: "الصقوا بأولياء الله، الولي من وادَّ الله وآمن به ‏واتقاه، فلا تحادّوا من وادّ الله. الله ينتقم لأوليائه ممن يؤذيهم، عليكم بمحبتهم والتقرب اليهم تحصل ‏لكم البركة، أما الآثار فمنهما أن الملائكة كانت تسلم على عمران بن الحصين، وكان سليمان وأبو الدرداء يأكلان ‏في صحفة فسبحت الصحفة وسبح ما فيها، وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا اقترق الضوء معهما رواه ‏البخاري وغيره، وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما ‏كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فاذا دلو برشاء أبيض معلق فشربت ‏منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها، وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرَ الأسدَ ‏أنه رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه الأسد حتى أوصله إلى مقصده، وخالد بن الوليد ‏حاصر حصنا فقالوا: لا نسلم حتى تشرب السم، فشربه فلم يضره، وعمر رضي الله عنه نادى سارية ‏من المنبر والقصة مشهورة، ومثله كثير...

*.*.*



صورة أغرب من الخيال مأخوذة من أرشيف المكتبة الوطنية (فرنسا) مكتوب عليها "أسد الأولياء" بالجنوب الوهراني ... مدينة (وهران) بالجزائر.

ومثل ما جرى لأبي مسلم الخولاني الذي مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمى ‏بالخشب من مدها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعوا الله فيه، فقال ‏بعضهم: فقدت مخلاة فقال: اتبعني فاتبعه فوجدوها قد تعلقت بشيء فأخذوها، وطلبه الأسود العنسي ‏الذي ادعى النبوة فقال له: أشهد أني رسول الله فقال: ما أسمع، فأمر بنار فألقي فيها فوجده قائما ‏يصلي وقد صارت بردا وسلاما، قال عمر رضي الله عنه حين علم بذلك: الحمد لله الذي لم يمتني ‏حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله، وكذلك وصلة ‏بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق عليّ منة ودعا الله سبحانه فأحياه له، ‏فلما وصل إلى بيته قال: يا بني خذ سرج الفرس فإنّه عارية، فأخذ سرجه فمات (أي الفرس)، وكان ‏سعيد بن المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة وكان ‏المسجد قد خلا فلم يبق غيره، وكان إبراهيم التميمي يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئا، وكان ‏عبد الواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه سبحانه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء و الصلاة، فكانت ‏تطلق له أعضاؤه.

*.*.*

و نذكر أيضا ما حصل أيضا لعبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه رجع من سفر كان فيه ‏مرة فوجد جماعة على الطريق فقال: ما هذه الجماعة، فقالوا: الأسد قد قطع الطريق عليهم فنزل عن ‏دابته ومشى إليه فأخذ بأذنه ونحاه عن الطريق، ولا يخفى ما وقع للإمام علي الرضا ابن الإمام ‏موسى الكاظم حيث روي أن المتوكل أمر خدام السباع أن يجوعوا منها ثلاثة ويحضروهم إلى قصره ‏ففعلوا وقعد هو في المنظرة مع أصحابه وأغلق الدرج، وبعث إلى الإمام علي الرضا حتى يحضر ‏وأمر أنه إذا دخل من باب القصر يغلق الباب، فلما دخل أغلق الباب ودخل بين السباع وقد أصمت ‏بزئيرها الأسماع فلما مشى في الحصن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكتت وما سمع لها حس ‏حتى تمسحت به ودارت حوله وهو يمسح رءوسها بكمه ثم ضربت السباع بصدرها الأرض ‏وربضت، فما هاجت ولا زأرت حتى صعد الدرجة وتحدث عند المتوكل مليا ثم نزل ففعلت السباع ‏كفعلها الأول وربضت وما سمع لها حس ولا زئير حتى خرج الإمام رضي الله عنه، وقال أويس ‏القرني لهرم بن حيان حين سلم عليه: "وعليك السلام يا هرم بن حيان" ولم يكن رآه قبل ذلك، وهذا ‏من باب الكشف وهو من الكرامات.‏‎ ‎

*.*.*

ولا يخفى ما حصل لشيخ العريجا السيد الجليل أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ما أخبر به الامام ‏الرافعي من أن امرأة وضعت بنتا لها حدباء، فلما كبرت وآن أوان مشيها اذا بها عرجاء، ثم سقط ‏شعر رأسها لعاهة، ففي يوم من الأيام حضر السيد أحمد الكبير محلة الحدادية حيث البنت‎ ‎‏ فاستقبله أهلها والعرجاء فاطمة بين الناس وبنات الحدادية يستهزئن بها، فلما أقبلت قالت للسيد أحمد ‏رضي الله عنه: أي سيدي أنت شيخي وشيخ والدتي وذخري أشكو إليك ما أنا فيه لعل الله ببركة ‏ولايتك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعافيني مما أنا فيه فقد زهقت (تعبت) روحي ‏من استهزاء بنات الحدادية، فأخذته الشفقة عليها وبكى رحمة لحالها ثم ناداها: ادني مني فدنت منه ‏ووضع شيئا من ردائه عليها ومسح بيده المباركة على رأسها وظهرها ورجليها فنبت بإذن الله ‏شعرها وذهب احديدابها وتقومت رجلاها وحسن حالها. وكراماته كثيرة رضي الله عنه.‏‎ ‎

هذا وفي القدر كفاية وصلى الله على سيدنا محمد سر الوجود والسبب الأعظم لكل موجود صلاة أهل السموات والارضين عليه اجري يارب لطفك الخفي في أموري والمسلمين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
تكملة الموضوع

حمل كتاب حياة الأمير عبد القادر (د.أبو القاسم سعد الله)



بيانات الكتاب:

- كتاب: حياة الأمير عبد القادر.
- المؤلف: شارل هنري تشرشل.
- ترجمة وتحقيق وتقديم: أ.د.أبو القاسم سعد الله ~ رحمه الله.
- الناشر: الدار التونسية للنشر ~ تونس.
- تاريخ النشر: 1974.
- عدد الصفحات: 336.
- حجم الملف: 12 ميجا.
- حالة الفهرسة: منسقة ومفهرسة.


رابط آخر للكتاب 


تكملة الموضوع

حمل كتاب أنيس الخائفين وسمير العاكفين فى شرح شطرنج العارفين

 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تعريف بالمؤلف:


هو العارف بالله و الدال عليه سيدي الشيخ محمد بن أحمد بن الهاشمي بن عبد الرحمن التلمساني أصلاً، الدمشقي سكناً، الشاذلي العلوي طريقة، عالم دين سني متصوف، وشيخ الطريقة الشاذلية في بلاد الشام في عصره .... ولقد سبق وأن أفردنا له ترجمة خاصة هنا بالمدونة على هذا الرابط


- عنوان الكتاب: كتاب أنيس الخائفين وسمير العاكفين في شرح شطرنج العارفين للشيخ الأكبر ابن عربي.


- المؤلف: سيدي محمد الهاشمي التلمساني.
- عدد الصفحات: 63.

- تعريف موجز:

كتاب في التصوف يهدف مؤلفه إلى الدلالة على الله والإرشاد إلى صراطه المستقيم بصدق التوجه إلى الله بما يرضاه، وبمجاهدة النفس الأمارة فيما تهواه، ومعرفة دسائسها ومفازات الطريق وآفاتها وقد تناول موضوعات شتى منها:

- العبد وأقسامه
- العدم وأقسامه
- الوجود وأقسامه

رابط التحميل


تكملة الموضوع

ترجمة الشيخ العلامة سيدي أحمد مرزوق الحبيباتني رضي الله عنه



مقدمة:

أولا: تعريف بالمنطقة.

- جيجل هي مدينة ساحلية تقع شرق الجزائر، تعداد سكّانها نحو 147000 نسمة، ويمكن اعتبار موقعها رابطا بين شرق الجزائر ووسطها، يعود تاريخ إنشائها إلى القرن السادس قبل الميلاد حسب أرجح الروايات التاريخية، ويعزو المؤرخون بناءها إلى الفينيقيين الذين اتخذوها مركزاً تجارياً ومرفأ آمناً على الساحل الشمالي لغرب المتوسط. ومن الآثار التي تدل على الوجود الفينيقي بالمدينة مقبرة في قمة صخرية تسمى الرابطة بالجهة الشمالية الغربية لمدينة جيجل ما تزال تحتفظ بمجموعة من القبور المحفورة في الصخر، والموقع مصنف ضمن المعالم الأثرية.

الجمعة بني حبيبي:

هي بلدية تقع في جيجل، اسمها مركب من العبارتين "الجمعة" و"بني حبيبي"، أما الجمعة بفتح الجيم فهو في الحقيقة يوم الجُمعة، وقد اقترن هذا اليوم بهذه المنطقة نسبة إلى السوق التي كانت تُقام بها في هذا اليوم من كل أسبوع، حيث يلتقي سكان المناطق الأخرى بالسكان المحليين يبيعون ويبتاعون ويتبادلون المنتجات الفلاحية والنسيجية وغيرهما، كما أن هذا الملتقى كان عبارة عن فرصة للتعارف وتبادل الأخبار حيث لم تكن وسائل الاتصال متوفرة كالآن، ويعود هذا التقليد في المنطقة إلى ما قبل القرن التاسع عشر ولا يزال إلى يومنا هذا، وأما عن الشطر الثاني "بني حبيبي" فهو اسم التجمع القبلي الذي عاش في هذه المنطقة من القرون الوسطى إلى عهد البايات العثمانيين ثم إلى ما بعد ذلك، ولا تزال بعض العائلات البالغ نسبها إلى هذا الأصل تعيش في هذه المنطقة إلى اليوم.

المصدر/

موسوعة ويكيبيديا الحرة

*.*.*

ثانيا : ترجمة الشيخ العلامة سيدي أحمد مرزوق الحبيباتني رضي الله عنه الذي هو أحد أبناء هذه المدينة.




- هو الشيخ العارف بالله الحجة القدوة سيدي أحمد مرزوق الحبيباتني ، شيخ صوفي وفقيه مالكي، وُلد رضي الله عنه في منطقة «الجمعة بني حبيبي»1 بولاية جيجل شرق الجزائر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي ، سنة (1867 م-1284 هـ) حفظ القرآن في سن مبكرة على يد مشايخ وعلماء منطقته وتلقى أولى مبادئ اللغة العربية والفقه، درس الفقه بالزاوية العيساوية ومجموعة من المساجد، كان له الفضل في تكوين مجموعة من شيوخ المنطقة.

*.*.*



- ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة قسنطينة لإكمال تعليمه، فكان له ذلك، حيث تتلمذ على يد أهم أقطابها وفقهاءها ومحدثيها أمثال الشيخ العلامة عبد القادر المجاوي التلمساني وغيرهم.

*.*.*

- استقر الشيخ احمد الحبيباتني في مدينة قسنطينة أين كان يؤم الناس ويدرس القرآن الكريم والفقه في كثير من المساجد كجامع سيدي عبد المؤمن في حي السويقة، هذا وقد حظي في زمانه بمكانة واحترام كبيرين بين سكان مدينة قسنطينة والشرق الجزائري كله، فكان يعتبر أهم ملجأ للناس يستفتونه في أمور دينهم ودنياهم، وكان على ذلك حتى وافته منيته في العاشر من شهر محرم سنة 1355 هـ الموافق للفاتح أبريل 1936 م.

*.*.*

- كان للشيخ احمد الحبيباتني الفضل في تكوين جيل من الفقهاء والعلماء ممن ساهموا في توجيه الأمة كجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، رغم أن الاستعمار الفرنسي حاول كثيرا إثارة الفتنة وتدبير المكائد بين الشيخ وبعض أعضاء الجمعية وبخاصة عبد الحميد بن باديس، حيث اتهم الأخير بالتخطيط لمحاولة اغتيال الشيخ الحبيباتني، لكن الجميع تفطنوا وتيقنوا أن ذلك كان من كيد المستعمر للنيل من مكانة ابن باديس وعمله الإصلاحي.

*.*.*

كراماته :

- يحكى أنه في أحد الأيام دخل الشيخ الحبيباتني المسجد للصلاة، فنزع «البرنوس»2 الذي كان يرتديه و ألقاه على الحصير و ذهب للوضوء، في أثناء ذلك تسلل أحد اللصوص إلى المسجد و سرق البرنوس و فر به هاربا ، و عندما عاد الشيخ إلى المكان الذي ألقى فيه برنوسه لم يجده، فما كان منه إلا أن قال « لا حول و لا قوة إلى بالله »، ولما كان يوم الغد وعندما كان أحدهم يتجول في سوق «رحبة الجمال»3، و جد بالمصادفة سارق البرنوس يبيع في مسروقه، ولم يكن يدري أنه للشيخ حيث أنه لم يكن بعلم بتلك السرقة فأعجبه ذلك البرنوس و اشتراه منه وهو يقول في نفسه « والله لا يليق هذا إلا بسيدي احمد لحبيباتني»، و بالفعل ذهب باحثا عن شيخنا ليعطيه هديته، فقيل له أنه في المسجد، فدخل المسجد لكن الشيخ كان حينها في بيت الوضوء، فطرح البرنوس على الحصير الذي اعتاد شيخنا الجلوس عليه و جلس هو مقابل المكان يترقب عودة الشيخ، و ما هي إلا هنيهة حتى أقبل شيخنا متمايلا نحو برنوسه و التقطه بيده و هو يقول « سبحان الذي لا تضيع ودائعه ». و هكذا يكون برنوس الشيخ قد عاد بقدرة قادر إلى المكان و في نفس الزمان الذي اختفى فيه بالأمس.

*.*.*

هوامش/
1«الجمعة بني حبيبي» : منطقة بولاية جيجل شرق الجزائر.
2«رحبة الجمال»: أحد الأزقة المشهورة في مدينة قسنطينة.
3«البرنوس»: لباس تقليدي مثل البردة يصنع من الصوف.


المصدر/
منقول بتصرف عن موسوعة وكيبيديا الحرة.
تكملة الموضوع

ترجمة شيخ الزاوية الطيبية "سيدي بن عمر" ندرومة - تلمسان



مقدمة:

تقع الزاوية الطيبية ''سيدي بن عمر'' في منطقة نائية معزولة بين أراض منبسطة وجبال وعرة المسالك وسهول ووديان، وهي قرية صغيرة تابعة إداريا إلى عين الكبيرة إحدى بلديات ندرومة، وقد اختار مؤسس زاوية ''سيدي بن عمر'' الصوفي الشيخ سيدي داود هذا المكان الخالي وهذه المنطقة المعزولة حتى يكون بعيدا عن الناس، ويتمكن من السيطرة على نفسه ونوازعها، فذلها بالابتعاد عن ملذات الحياة ونعيمها قصد التقرب من الله الواحد الأحد فلا يبقى بينه وبين خالقه حجاب، حيث يتميز المكان الذي بنيت به الزاوية بخاصية تفتقر إليها المناطق الأخرى وهي عذوبة مائها، فالزاوية والمسجد يأتيهما الماء من عين تقع في أعلى الجبل، وهي عين أقرّ العارفون بالمنطقة أنها قديمة، يعود تاريخ ظهورها إلى مئات السنين.

01) الموقع الجغرافي للزاوية:

الزاوية تقع بالشمال الغربي لولاية تلمسان، وتبعد عن ندرومة مقر الدائرة بحوالي ثلاثة عشر كيلومترا، وعن تلمسان مقر الولاية بستة وأربعين كيلومترا، وعن الغزوات بثلاثين كيلومترا، ويحدها شمالا جبال ترارة ومرسى هنين، وجنوبا جبل فلاوسن الشامخ، وشرقا مدينة تلمسان، وغربا مدينة ندرومة، فيما يعود أصل الزاوية إلى ذرّية السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوجة الإمام على كرم الله وجهه.



02) زاوية سيدي بن عمر رضي الله عنه شيوخها ومناقبها:

المؤسس الأول للزاوية:

- يرجع الفضل في تأسيس هذه الزاوية المباركة إلى الصوفي الجليل الشيخ سيدي داود قدس الله سره الإبن الحادي عشر لمؤسس مدينة فاس المولى إدريس الثاني، ولم يعثر لحدّ الآن على مصدر أومرجع يؤرخ لميلاد أو وفاة الشيخ سيدي داود، ولعل ذلك يعود إلى تغافل أحفاده عن تدوين تاريخ هذا القطب، وما نعرفه عنه أنه هاجر من مدينة فاس واستقر بجبال ترارة المعروفة بطابعها الصخري الصلب، ومكانها الموحش، ومسالكها الوعرة... لقد اختار الولي الصالح سيدي داود هذا المكان المنزوي رغبة في التدبر والتفكر والتجرد، فقد ثبت في الحديث النبوي الشريف أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في أول أمره قبل النبوة يتدبر في غار حراء، وبهذه البقعة المباركة من أرض الله كان ظهور أسرة أولاد سيدي بن عمر.

03) المشرب الصوفي للزاوية:

- وعن المسلك الصوفي الذي نهجته الأسرة في بداية الأمر تشير بعض المصادر التي اهتمت بتاريخ زاوية سيدي بن عمر إلى أن شيوخ هذه الزاوية المباركة ساروا على الطريقة القادرية المنسوبة إلى الولي الصالح مولاي عبد القادر الجيلاني المولود بقرية جيلان الواقعة على ضفة بحر قزوين عام 1075م والمتوفى عام 1165م بمدينة بغداد، حيث يوجد ضريحه المقصود من الزوار من كل حدب وصوب، وفي عام 1027هـ /1618م نهجت أسرة سيدي بن عمر منهج دار الضمانة بوزان المغربية التي كان على رأس مشيختها مولاي عبد الله الشريف الوزاني، وهذا ما يؤكده شيوخ زاوية سيدي بن عمر بالتواتر.

04) تاريخ الزاوية:

- يبدأ تاريخ زاوية سيدي بن عمر رضي الله عنه قبل سنة 1104هـ/1690م، وهو تاريخ وفاة الشيخ سيدي محمد بن عمر أول جدّ لهذه الأسرة الكريمة، وعرف عن هذا الرجل أنه كان صوفيا من أولياء الله، ودامت ولايته لهذه الزاوية حوالي سبعين سنة، وكان في هذه الفترة متمسكا بنهج أبيه الشيخ سيدي داود، وبعد وفاة سيدي محمد بن عمر انتقلت المشيخة إلى ابنه الشيخ سيدي محمد الذي تولى القيام بشؤون الزاوية مدة ستين سنة، وكانت وفاته حوالي 1161هـ/1748م، وفي عهده توسعت رقعة الأراضي المحيطة بالزاوية وكثرت المحاصيل الزراعية وتنوعت، فذاع صيت الزاوية وأصبحت مزارا يقصدها الناس من أماكن بعيدة للتبرك، ويأتي بعد هذين القطبين الشيخ الحاج محمد بن عمر ابن الشيخ سيدي محمد وحفيد الشيخ سيدي محمد بن عمر ودامت مشيخته لهذه الزاوية مدة ستة وأربعين سنة وتوفي رحمه الله بمكة وبها دفن سنة 1209هـ/1794م، وقبل السفر إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج ودع أهله من لا يأمل في العودة إلى البلد، وأخبرهم بأنه سيلتحق بالرفيق الأعلى في تلك الأرض الطاهرة، وعيّن ابنه سيدي الحاج محمد العالم خليفة له على مشيخة الزاوية، وعاش الأقطاب الثلاثة ونعني بهم سيدي محمد بن عمر وبسيدي محمد والحاج محمد بن عمر في عهد الأتراك.

- ويعتبر الشيخ سيدي الحاج محمد العالم حلقة وصل بين الشيوخ الذين عاشوا في عهد الأتراك والشيوخ الذين عاشوا في عهد الإحتلال الفرنسي.

- وفي العام 1209هـ / 1794م تولى مشيخة الزواية الشيخ سيدي الحاج محمد العالم ودامت مشخيته لزاوية ''سيدي بن عمر'' مدة تزيد على الثمانين سنة، وعرف هذا الرجل الصالح بحبه لطلب العلم، وهذا ما حفزه على السفر إلى مدينة ''مازونة'' التي تتلمذ بها على يد عالمها الشهير آنذاك الشيخ الحاج محمد بوراس الكبير، وفي فترة مشيخته طلب منه أخوه الحاج أحمد الانفصال عن الزاوية واقتسام تركة أبيهما وكان له ما أراد، وبذلك وقع الانفصال في الأسرة، وكون الحاج أحمد مع أحفاده قبيلة أولاد بن داود ويسمّون أيضا بـ ''أولاد سيدي بن عمر التحاتة''. اتهمت السلطات الاستعمارية الفرنسية الشيخ سيدي محمد العالم بالتواطؤ مع قبيلة بني يزناسن المغربية الثائرة ضد الحكم الفرنسي وبتموين ثورة الأمير عبد القادر فأبعدته إلى مدينة قسنطينة وقضى في السجن سنتين كاملتين أفرج عنه بعد ذلك وعاد إلى الزاوية، حيث توفي رحمه الله سنة 1293هـ/1876م مخلفا خمسة أولاد. و

هم:

1) سيدي المصطفى
2) سيدي المنور
3) سيدي عبد السلام
4) سيدي الدريوش
5) سيدي الحاج بن عبد الله

- وبعد هذه الفترة تولى شؤون الزاوية الشيوخ الذين عاشوا في عهد الاحتلال الفرنسي وكان أولهم الشيخ سيدي المصطفى الذي خلف والده الشيخ سيدي محمد العالم على رأس الزاوية تولى هذا الرجل الصالح المشيخة مدة ثلاثين سنة اهتم خلالها بتوطيد أسس الزاوية وتقوية نشاطها، وتوفي رحمه الله سنة 1324هـ/1906م.

05) يتولى الزاوية ويكسب قلوب أهل ندرومة:

- وفي سنة 1324هـ/1906م تولى مشيخة الزاوية الشيخ سيدي الدريوش رضي الله عنه خلفا لأخيه الشيخ سيدي المصطفى ودامت مشيخته لزاوية سيدي بن عمرو مدة أربعة عشر سنة، وعرف عن هذا الشيخ قدرته الفائقة في شفاء المرضى وحسن معاملته للناس غنيهم وفقيرهم، ومع سنة 1912م ثار أهالي ندرومة وضواحيها على السلطات الاستعمارية، ويعود سبب هذه الثورة إلى رفض الأهالي قانون التجنيد الإجباري على شباب المنطقة، ولم تخمد هذه الثورة إلا بعد تدخل الشيخ سيدي الدريوش الذي استطاع بحكمته امتصاص غضب الأهالي وإقناعهم بالعودة إلى ديارهم وترك هيئة الجيش تقوم بعملها، وفي سنة 1339هـ/1920م توفي الشيخ سيدي الدريوش وخلفه في القيام بشؤون الزاوية الشيخ سيدي بن عمر ولد مصطفى، ودامت مشيخته للزاوية مدة اثنين وعشرين سنة، وعرف عن هذا الشيخ أنه كان رجلا تقيا يدير شؤون الزاوية نهارا ويقرأ القرآن ليلا، وفي سنة 1940م نزل بالزاوية جماعة من سكان مدينة الغزوات الساحلية وقصدوا الشيخ سيدي بن عمر ولد مصطفى وهم في حالة من القلق ليعبروا له عما يلحق بمدينتهم من جراء القصف الجوي، فطلب منهم الشيخ وضع حواجز رملية فوق سطوح منازلهم حتى يتمكنوا من تجنب الحرائق الناجمة عن القذائف التي كانت تطلقها الطائرات الحربية، واستطاع بذلك أن يهدئ من روعهم ويعيد الثقة إلى نفوسهم مؤكدا أن العدو الفرنسي لا يستطيع تدمير أراضيهم والإقامة بها.

06) الزاوية وتداول الخلافة عليها:

- وتوفي رحمه الله سنة 1361هـ/1942م، وبعد وفاة الشيخ سيدي بن عمر ولد مصطفى تولى مشيخة الزاوية ابن أخيه سيدي مولاي علي ولد سيدي العربي ودامت مشيخته لزاوية سيدي بن عمر مدة سبع وعشرين سنة، حيث لعبت في عهده الزاوية دورا كبيرا في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الدينية بحكم أنه ولد بها سنة 1898م، ومن فضائله فتحه باب الحج إلى بيت الله الحرام لأفراد هذه الأسرة الشريفة بعدما انقطعت مدة من الزمن، وأدى فريضة الحج مرتين بصحبة ابنه الأكبر الحاج أمحمد، وفي طريق رجوعهما من الحجة الثانية عرجا على بيت المقدس، كما لعب الشيخ سيدي مولاي علي دورا بارزا في الثورة التحريرية المباركة، وتمثل دوره في تموين المجاهدين الذين كانوا يعملون تحت قيادة عباس وبعثمان ورضوان والوهراني ونعناع، وتوفي رحمه الله سنة 1389هـ/1969م، تاركا السرّ بعده لولديه الحاج امحمد وسيدي بن عمر.

- تولى الشيخ سيدي بن عمر ولد الشيخ سيدي مولاي علي والأخ الأصغر للشيخ الحاج امحمد مشيخة زاوية حمام بوغرارة الفرع وبقي يرعى شؤونها حتى وفاته سنة 1986م، وقبل وفاته طلب من أخيه الشيخ الحاج امحمد شيخ الزاوية الأصل أن يقبل بتعيين ابنه الشيخ سيدي عبد العزيز على رأس زاوية حمام بوغرارة ويسمح له بمداواة المرضى، ولا يزال هذا الشاب المفعم بالحيوية والنشاط يدير شؤون الزاوية إلى يومنا هذا.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |