من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

حمل الكتاب النادر المرآة لحمدان خوجة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما


- كتاب: المرآة.
- تصنيف: حمدان بن عثمان خوجة.
- تقديم وتعريب وتحقيق: د/ محمد العربي الزبيري.
- دار النشر: ANEP - الجزائر.
- سنة الإصدار: 2005.

رابط التحميل

هنـــا

نظرة حول المصنف والكتاب:

حمدان خوجة - ( 1189 - 1255 هـ) - ( 1755 - 1841 م)

مسيرته:

ينتمي حمدان خوجة إلى عائلة جزائرية عريقة في العاصمة كان خاله الحاج محمد أمينا سكة قبل الاحتلال الفرنسي، أما والده عثمان فكان فقيها، ولد حمدان سنة 1773، حفظ القرآن وبعض العلوم الدينية على يد والده ، ثم دخل المرحلة الابتدائية التي نجح فيها بتفوق فأرسله والده مكافأة له مع خاله برحلة إلى اسطنبول سنة 1784م، ثم انتقل إلى المرحلة العليا حيث تلقى فيها علم الأصول و الفلسفة و علوم عصره.

بعد وفاة والده شغل مكانه كمدرس للعلوم الدينية ، لمدة قصيرة ثم مارس التجارة مع خاله و نجح فيها، حيث أصبح من أغنياء الجزائر، مما فتح له المجال القيام بعدة رحلات إلى أوربا، بلاد المشرق و القسطنطينية و منها استطاع تعلم عدة لغات كالفرنسية و الإنجليزية مما ساعده على التفتح وتوسيع معالمه و التعرف على العادات و التقاليد، والأنظمة السياسية السائدة في تلك البلدان، وأثناء الحملة العسكرية الفرنسية على الجزائر ساهم بكل ما لديه للدفاع عن مدينة الجزائر .

بعد الاحتلال الفرنسي اشتغل كعضو في بلدية الجزائر و فيها حاول الحفاظ على ما تبقى للجزائريين من ممتلكات، حيث رفض تسليم عدة مساجد للفرنسيين الذين اتخذوا ذلك حجة لتدميرها وإقامة بدلها مؤسسات وطرق عمومية كما شارك في لجنة التعويضات الفرنسية لتعويض الأشخاص الذين هدمت ممتلكاتهم لفائدة المصلحة العامة كما يقول الاستعمار الفرنسي، وفيها بذل حمدان جهودا لخدمة إخوانه الجزائريين ولكن الاستعمار الفرنسي تفطن لنوايا الأعضاء الجزائريين المشاركين في هذه اللجنة فحلها وأغلق باب التعويضات، بعد ذلك شارك كوسيط بين أحمد باي والفرنسيين وأرسل إلى الجنرال سولت مذكرة يصف فيها التجاوزات التي قام بها الفرنسيون في الجزائر، فكان من نتائج هذه المذكرة إنشاء اللجنة الإفريقية للبحث عن الأوضاع في الجزائر، و في باريس راسل السلطان العثماني وناشده بالتدخل لإنقاذ الشعب الجزائري ثم غادر باريس نحو القسطنطينية في 1836 و توفي هناك ما بين 1840-1845.

آثاره:
  
  

لحمدان آثار علمية قيمة تعتبر من المصادر الأساسية، لدراسة الفترة الأخيرة من العهد العثماني في الجزائر والفترة الأولى من الاحتلال الفرنسي، كما تعطينا صورة واضحة عن مستوى الفكر في العالم الإسلامي ومعظم آثاره عبارة عن مؤلفات وترجمة و مذكرة و رسائل، ومن أهم مؤلفاته: «المرآة» الذي قام بتعريبه الدكتور محمد العربي الزبيري.

حياته:

ولد في الجزائر (العاصمة) وتوفي في استانبول، قضى حياته في الجزائر وفرنسا وتركيا، تلقى تعليمه الأولي عن أبيه، ثم واصل تعليمه في المؤسسات العلمية القائمة في الجزائر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فتعلم العلوم الدينية واللغوية والمعارف القانونية والتاريخية والفلكية والطبية، كما أتقن عدة لغات منها: الفرنسية والتركية والإنجليزية.

عمل أستاذًا في العلوم القانونية والشرعية، كما كان سفيرًا دبلوماسيًا لبلاده في بلاد البلقان وفرنسا، وعمل بالتجارة، ينسب إليه تأسيس حزب المقاومة المناهض للاستعمار الفرنسي، وكان من أهم الناشطين السياسيين في الحركة الوطنية في الجزائر بعد الغزو الفرنسي 1830.

الإنتاج الشعري و أعماله:

له قصيدة وردت ضمن كتاب: «حمدان خوجة الجزائري» – دار الثقافة للطباعة – بيروت 1975م، وله عدة كتب مطبوعة بالفرنسية والعربية منها: كتاب بعنوان: «المرآة» – المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار – الجزائر 2005، كتب بالفرنسية ثم ترجم إلى العربية والتركية، و«إتحاف المنصفين والأدباء عن الاحتراس من الوباء» 1836، و«حكمة المعارف» 1837، وله عدة مقالات وترجمات بالفرنسية والتركية والعربية.

ما توفر من شعره نموذجان، وهما من شعر المدح، فله قصيدة (19 بيتًا)، في مدح السلطان محمود خان الغازي تتراوح بين معاني المدح وشكوى الدهر، فيها طابع الاستعطاف والتوسل، وله أخرى (5 أبيات) في مدح شيخه محمد بن علي، وهي من شعر الإخوانيات مطلعها من النسيب، وشعره يتسم بحسن السبك وقوة العبارة وسلاسة اللغة، صوره جزئية قليلة تتسم بفصاحة البيان.

مصادر الدراسة:

1 – أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي - دار الغرب الإسلامي - بيروت 1998.
2 – محمد بن عبد الكريم: حمدان خوجة الجزائري - دار الثقافة للطباعة - بيروت 1974.
3 – الربعي بن سلامة وآخرون: موسوعة الشعر الجزائري - دار الهدى - مليلة - 2002.
4 – مقابــلات أجراهــا الباحـث تسعديــت آيت حمودي مع بعض الباحثين - الجزائر 2003.
5 – الدوريات: حميدي عمبراوي: حمدان خوجة، حياته وآثاره - مجلة الثقافة - دار الهدى - الجزائر 2002..

مقتطف من الكتاب:

جاء في الفصل العاشر الجزء الثاني من هذا الكتاب تحت عنوان "تابع لإدارة الجنرال كلوزيل وحملاته ضد المدية والبليدة" نرى فيها مدى همجية وبشاعة ووحشية المحتل الفرنسي الغاشم اتجاه الشعب الجزائري الأبي ...

يقول حمدان خوجة:

" .... وبهذه المناسبة أذكر الحادثة التالية: لقد اضطر المدعو "محمد بن سفطة" إلى المجيء إلى البليدة ليعيش فيها، وكانت مهنته كإسكافي لا تكفي لتوفير وسائل  عيشه، وعيش امرأته وبناته الصغيرات الأربع، وكان يسكن دارا صغيرة دخل إليها أثناء الهجوم وأغلق الباب، إنه لم يكن يملك أي نوع من السلاح، ولم يكن معه سوى الأدوات التي يشتغل بها، وعندما دق الباب خرج إليهم صحبة زوجته، ولكن سرعان ما وجهت إليه طلقات عديدة أردته قتيلا، كما قُتلت طفلة لها من العمر عامان، أما زوجته فقد كسروا ذراعها، ونهبت الدار كلها، ولما بقيت الزوجة المسكينة بدون مورد بعد أن كُسرت ذراعها وأصبح عليها أن تعول ثلاث بنات، توجهت إلى القائد الأعلى، ولكن شفقته لم تزد على أنه أركبها بغلة دون أن يضمد جراحها الذي ظل يدمي طيلة الطريق.

ويتابع حمدان خوجة ويقول: " إن هذه المرأة قد أصبحت تتسول بعد هذا الحادث، وغيرها من السكان كثيرون، ولقد كنا في ما مضى، نستطيع إعانتهم لأننا كنا نملك مؤسسات خيرية، أما الآن فإن تلك المؤسسات كلها أصبحت في أيدي السلطات الفرنسية التي توزع من حين لآخر بعض الصدقات … فيعطى لكل فقير في كل أسبوع (سوردي) أو اثنين في بعض الأحيان".اهـ.

---*---

وفي الأخير أدعو الجميع لقراءة هذا الكتاب النادر لتكتشفوا بأنفسكم الوجه الآخر المظلم للمستعمر الفرنسي الغاشم ومدى وحشيته وبشاعته اتجاه أبناء وطننا الحبيب "الجزائر".
تكملة الموضوع

ترجمة الشيخ العلامة مولاي بن شريف


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

المحتويات:

1- مولده
2- أصوله
3- دراسته بمصر
4- عودته إلى أرض الوطن
5- الحركة الدينية
6- الحركة السياسية
7- وفاته

1- مولده:

ولد الشيخ مولاي بن شريف في عام 1883م بفرندة ولاية تيهرت "تيارت حاليا"، وهو ابن مولاي المكي بن مولاي أحمد ولد عبد القادر، تتلمذ على يد شيخه الحاج مولاي العربي في مدينة فاس المغربية.


مدينة فرندة التي ولد فيها الشيخ
2- أصولــــــه:

وكان يعرف ياسم بن شريف الدرقاوي، وقد تتلمذ على يد الحاج محي الدين (والد الأمير عبد القادر)، وهو أيضا من أتباع طريقة مولاي العربي الدرقاوي (صاحب الطريقة الدرقاوية)، وقد أخذ هذه الطريقة عن شيخه ووطّد روحه الدينية بإتباعه دروس الفقه والتوحيد، وعند خروجه من المغرب، قام بمحاولة إثارة أتباعه ضد نظام الأتراك الإداري الجائر، وبالخصوص النظام القائم في الهضاب العليا (في الجنوب الوهراني) وكان ذلك بين سنتي 1804-1805م. 

مولاي أحمد:

وهو رفيق سيدي لزرق، الذي جابه الغزو الفرنسي، فقام ضده في سنة 1839م وسنة 1840م، فقبض عليه وحُملَ إلى فرنسا وسجن هناك مدة 3سنوات، وبعد عودته بقليل، سقط في شباك إحدى الدسائس، نصبها له أحد أذنابها المرتزقة المدعو (شين النيف)، ولا يزال يذكره الشٍّعر الشعبي من خلال أبيات معبرة يعرفها أهالي منطقة سيدي علي، فقُتل مولاي أحمد، واغتنمت قوات الاحتلال هذه الفرصة لتُمَّثِّل برأسه أشنع تمثيل، إذ انتزعوه من جسده أخذوا يتجولون به إلى رباط الجنود الفرنسيين، وفي محيطهم مستهدفين نشر الرعب بين الأهالي وبين عناصر المقاومة في الجبال.

مولاي المكي:

الذي نظم وبطريقة سرية أفواجا معادية لجيش الإحتلال، وخاصة بناحية حجاج، غير أن القوات الفرنسية أوقفته وكبلته بالسلاسل، وأخذوه راجلا إلى سجن مدية معسكر، بينما كان رجال الدرك ممتطين خيولهم.

وبعد ثلاثة أشهر، أطلق سراحه ووضع تحت مراقبة شديدة وذلك في سنة 1873م.

ترعرع الشيخ مولاي بن شريف بين أحضان هذه العائلة الثائرة، وتغذّى بأفكارٍ ذات اتجاه معين من الروح الدينية والوطنية، وهما معا يرتبطان ارتباطا عضويا تلقاء الغزو الأجنبي كيفما كانت صفته، تلك هي البوتقة التي انصهر فيها شيخنا، وكيف يصوب هذه الحدة العارقة إن لم يستعن بثقافة عربية تمكنه من بلوغ مناه.

3- دراسته بمصر:
الشيخ بالزي الأزهري أثناء دراسته بالأزهر الشريف


بعد إتمامه لدروسه القرآنية تيارت، واجه الشيخ اهتمامين:

- الاستعمار الفرنسي الذي كان يكرهه بفضل تكوينه الوطني.

- ميوله إلى العلم والديانة الإسلامية التي كان يحبها.

بعد فشله في مواجهة الإستعمار، خاصة تمركز المعمرين داخل التراب الوطني، دفعه حُبُه للمعرفة إلى الهجرة لمصر، ولما بلغ مدينة وهران، صادف مواطنين له في مدينة تلمسان، قاصدين الإبحار نحو الشرق فارين من الحكم الاستعماري الجائر، ولكن لم يكن مع الشيخ مولاي ن شريف من الأموال التي تخول له الحق في اقتناء التذكرة، فطر له ببيع فرسه الذي يمتطيه، وامتطى قاربا من القوارب الملازمة لكل سفينة عادة عندما أرخى الليل سدوله، وعند إقلاع السفينة، كاد هذا المغامر أن يغرق في البحر وتبتلعه الأموج، لو م يساعد من طرف إخوانه لمهاجرين، فصاحبهم كيفما كان مغامرا ومتحديا للصعاب، وذلك في سنة 1908م، وصل إلى القاهرة في سنة 1908 وإلتحق بالجامع اأزهر، حي إلتقى بالشيخ العربي التبسي في سنة 1922م بعد قضاء 14 سنة.

4- عودتـــه إلى أرض الوطن:

بعد وصوله إلى وهران، وج مرارة الإستعمار الذي أغلق مكتبته التي كان تضم 2000 كتاب، وكذلك عدة وثائق، وهكذا يكون قد أضاع جزء كبيرا من هذه الوثائق، كذا شهادة إنهاء دروسه الفقهية.

وحاول طيلة عدة شهور على وثائقه، ولكن يدون جدوى، وكانت إدارة الجمارك تنظر إليه بعين الأذى والحقد، التي توسمت شراّ في هذا العربي الجزائري المتحلي ببذلة (أزهرية) مصرية غريبة عن ضابط الجمارك الفرنسي، وتوسم عليه أنه أجنبي فوق أرضه المسلمة، واحتجز هذا لضابط المجلدات باللغة العربية التي رأى فيها خطرا عليه، ولم يتمكن الشيخ من استرجاعها إلا القليل كعقاب له، وذلك بأن القانون المزعوم يفرض على كل جزائري أراد السفر للخارج لطلب العلم، عليه أن يتقدم بطلب رخصة مسبقا قبل الخروج من أرض الوطن، وهو قد تحدى الوضع الفرنسي القائم آنذاك وصار مراقبا من طرف رجال الإحتلال حيثما تنقل أو حطّ رحاله، وفي النهاية حصل على مكتسباته التي ضاق من أجلها مرارة الجوع وهو طالب.

لقد أقام بغيلزان ، حيث درس بها مدة عامين، ثم ذهب إلى المغرب ليزور مسجد مولاي العربي بفاس في سنة 1924، وخلال هذه الزيارة التي دامت شهرا كاملا، إلتقى فها بالقائد محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد حرب الريف. 

القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي التقى به الشيخ أثناء زيارته للمغرب


وبعد عودته إلى الجزائر، تمركز بسيدي علي، الذي احتضنه أهلها إلى آخر نفس له، وبنى فيها زاويته في نة 1927م بمساعدة سكان الناحية، الذي عَمِلَ على إقناع سكان سيدي علي بضرورة بناء هذه الزاوية، لتكو مأوى للطلبة، بالواجب، وبدأت التحريات والتنكيد للآلة الإستعمارية، فاستدعته الإدارة الفرنسية عن سبب زيارته لفاس وعن علاقته بالخطابي، ولم يبقى الشيخ مكتوف الأيدي، بل أحاط نفسه بجماعة من الأشخاص، وأعلمهم بتكوينه الديني ذي الطابع الإيديولوجي والسياسي، ونظرا لنقص وقلة المثقفين، اضطر إلى ضمان المسكن والحماية لتلاميذه، ومن بينهم:

- الشيخ بن سبيمان
- الشيخ بلكتروسي (أولاد معلة)
- الشيخ سي يوسف (بن عبد الملك رمضان)
- الإخوة بلقاضي (أواد خلوف)
- الشيخ سي أحمد الحبيب (أولاد معلة).

5- الحركة الدينية:

كان الشيخ مولاي بن شريف إماما، وأستاذا، يدرس علم الشريعة لإسلامية، فخضع سكان الناحية كلهم بهذه الشريعة، بعد سنوات شاقة عملت الإدارة الفرنسية على تشجيع الإقتتال بين السكان، فكان لا يمر يوم اقتتال بالبنادق والسكاكين من أجل أمور تافهة، كالإختلاف حول قطعة أرض، أو شتت يمس الشرف، فكان الحكم الذي يخضع له سكان هذه الناحية، فاشتهرت مناقبه، وشهدوا له بالإنصاف في محاربته لكل أنواع الخرقات والشعوذة.

المنبر الذي وقف عليه الشيخ مولاي بن شريف خلال خطبة الجمعة في زاويته التي بناها سنة 1927


6- الحركة السياسية:

انظم الشيخ إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان مستشارا في مجلسها الإداري، بمعية الشيوخ: عبد الحميد بن باديس – محمد البشير الابراهيمي – الطيب العقبي – محمد الأمين العودي – مبارك الميلي – ايرهيم بيوض – المولود الحافظي – مولاي بن شريف – الطيب المهاجي – السعيد الياجري – حسن الطرابلسي – عبد القادر القاسمي ومحمد الفضيل الورتلاني، وكان يسافر كثيرا إلى الجزائر العاصمة مما دفع الإدراة الفرنسية إلى غلق الطريق في وجهه، بعد تحريض من معاونيها وهدد بالنفي إلى مدينة بشار، وأصابه المرض، وابتعد عنه أصدقاءه، ورغم هذا، حافظ على علاقته المتينة مع سي نسيب من مستغانم.

وفــجـــر إنـــدلاع الـثـــورة التــحــريرية، التقى بالشهيد بن عــبـد المـــالــــك رمــضـــان (المدعو سي عبد الله)، وتعرف عليه، بل وجلس معه على مائدة واحدة للطعام عدة مرات ولمـــا اندلعت الثورة، لم ييأس، بل كان فخورا بتلاميذه الذين التحقوا بلجبال وكان في عمره 72 سنة، وخلال ذلك الوقت، كان المجاهدون يرونه مدافعا عن وطنه بقلمه، رأوه بعد أن أصيب بمرض عضال، ألزمه الفراش، وهجّرت الإدارة الإستعمارية ابنيه التوأمين (محمد والمكي) البالغين من العمر 17سنة، بحجة إطلاقهما النار على الحاكم الفرنسي في البلدية المختلطة Choiral. 
نجلاء الشيخ التوأمان في صف الجلوس (الأول في أقصى اليصار والثاني من اليمين) في صورة جماعية للقسم في مدرسة البرج سنة 1951م.


7- وفاتـــــــه:

توفي الشيخ في يوم 24 فيفري 1959م بسيدي علي، وبعد مرض عضال على إثر عملية جراحية، وقلبه ممزق، لأنه لم ير الراية الجزائرية وولديه الذين بحثت عنهم الإدارة الفرنسية في الخارج – رحمه الله.

هوامش/

فرندة:

فرندة هي حاليا دائرة من دوائر ولاية تيارت الجزائرية، تقع في الهضاب العليا الغربية للمدينة، يحدها من الشمال كل من دائرتي مدغوسة ومشرع الصفى، ومن الشرق دائرة السوقر، ومن الجنوب دائرة عين كرمس, ومن الغرب ولايتي سعيدة ومعسكر، تبعد عن الباهية وهران بـ: 220 كلم, وعن معسكربـ 110 كلم وعن تيارت بـحوالي50 كم.


 من بلدياتها فرندة وهي أيضا مقر الدائرة، عين الحديد، تخمارت... ومن أحيائها الشعبية شعبة عربية، حمدوش، بن يزدي، الباتوار، بني ساعد، الكاريان، الباب الكبير سيدي ناصر،...


وما يميزها عن باقي دوائر الولاية هو قربها من ذلك المعلم التاريخي "مغارة ابن خلدون" العلامة الشهير مؤسس علم الاجتماع الحديث الذي كتب بها رائعته في فلسفة التاريخ "المقدمة"،

المغارة التي كتب فيها ابن خلدون مقدمته الشهيرة - فرندة / ولاية تيارت

 أيضا  الجدار وهي عبارة عن هضاب وجبال في غاية الروعة و الجمال، يتصف سكان هذه المنطقة بالرحمة والكرم والسخاء وحسن الضيافة، تقام بها سنويا العديد من المهرجانات والحفلات للأولياء والصالحين الذين عمرو المنطقة منذ القدم و التي لا تزال معالمهم شاهدة إلى يومنا هذا  مثل وعدة سيدي عمر وسيدي علال وسيدي بختي والجبابرة وسيدي أحمد بن داود' وسيدي محمد بن خليفة شايع...

للترجمة مصادرها ومراجعها.
تكملة الموضوع

حمل كتاب الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما


- كتاب: الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها.
- المؤلف: يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سواده أبو القاسم الهُذَلي البسكري الجزائري، (المتوفى: 465هـ).
- المحقق: جمال بن السيد بن رفاعي الشايب.
- الناشر: مؤسسة سما للنشر والتوزيع.
- سنة النشر: 1428 – 2007.
- عدد المجلدات: 1.
- رقم الطبعة: 1.
- عدد الصفحات: 667.


ترجمة المصنف:

لقد سبق وأن أفردنا له ترجمة كاملة
على هذا الرابــــــط

تكملة الموضوع

حمل كتاب ديوان الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

كتاب: ديوان محمد العيد آل خليفة.
دار النشر: الهدى للطباعة والنشر والتوزيع – عين مليلة – الجزائر.
عدد الصفحات: 544.
سنة الطبع: 2010م.

رابط تحميل الكتاب

هنـــا

ترجمة صاحب الديوان:

هو الشاعر الجزائري الكبير سيدي محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من محاميد سوف المعروفين بالمناصير من أولاد سوف، ولد في مدينة عين البيضاء بتاريخ 28 أوت 1904م الموافق لـ 27 جمادي الأولى 1323هـ بعد تلقي القرآن والدروس الإبتدائية بمدرستها الحرة عن الشيخين محمد الكامل إبن عزوز واحمد بن ناجي، انتقل مع أسرته على بسكرة سنة 1918م وواصل دراسته بها على المشائخ علي بن إبراهيم العقبي الشريف والمختار بن عمر اليعلاوي والجنيدي أحمد مكي.




وفي سنة 1921م غادر الشاعر بسكرة على تونس حيث تتلمذ سنتين بجامع الزيتونة ثم رجع سنة 1923م على بسكرة وشارك في حركة الإنبعاث الفكري بالتعليم والنشر في الصحف والمجلات (صدى الصحراء) للشيخ أحمد بن العابد العقبي و(المنتقد) و(الشهاب) للشيخ عبد الحميد بن باديس و(الإصلاح) للشيخ الطيب العقبي.

 وفي سنة 1927م دعي إلى العاصمة للتعليم بمدرسة الشبيبة الإسلامية الحرة حيث بقي مدرسا بها ومديرا لها مدة اثني عشر عاما وفي هذه الفترة أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكان من أعضائها العاملين، ونشر الكثير من قصائده في صحف الجمعية (البصائر،السنة، الشريعة، الصراط) وكذا في صحيفتي (المرصاد والثبات) لمحمد عبابسة الأخضري.

وفي سنة 1940م بعد نشوب الحرب العالمية الثانية غادر العاصمة الجزائرية إلى بسكرة ومنها دعي إلى باتنة للإشراف على مدرسة التربية والتعليم إلى سنة 1947م ثم إلى عين مليلة لإدارة مدرسة العرفان إلى سنة 1954م وبعد إندلاع الثورة الكبرى أغلقت المدرسة وألقي القبض عليه وزج به في السجن وامتحنته السلطة الإستعمارية بعد إطلاق سراحه بمنحة غاشمة وفرضت عليه الإقامة الإجبارية ببسكرة فلبث بها معزولا عن المجتمع تحت رقابة مشددة إلى أن فرج الله عليه وعلى الشعب الجزائري بالتحرير والإستقلال.

مصدر الترجمة:

 من الكتاب ذاته الذي بين أيديكم اليوم (ديوان محمد العيد آل خليفة).


تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي أبو زكريا الزواوي البجائي

                


أبو زكرياء يحيى بن أبي علي المشتهر بالزواوي

... - 611هـ  - ... 1214م

 فمنهم الشيخ الفقيه، الصالح العابد، الولي الزاهد على التحقيق، المتوجه إلى الله بكل وجهة طريق، أبو زكرياء يحيى بن أبي علي المشتهر بالزواوي وهو عندما يكتب اسمه يكتب الحسني "منسوب إلى بني حسن" من أقطار بجاية، والناس ينسبون فيه الحسناوي، ولد في "بني عيسى" من قبائل "زواوة" وقرأ رضي الله عنه أول أمره "بقلعة بني حماد" على الشيخ الصالح أبي عبد الله ابن الخراط وغيره ثم ارتحل إلى المشرق، ولقي الفضلاء والأخيار والمشائخ من الفقهاء والمتصوفة وأهل طريق الحق.

وكان، رحمه الله، منذ ظهر بانيا على ترك الدنيا والانقطاع إلى الدار الآخرة، استوطن بجاية رحمه الله بعد رجوعه من المشرق، وجلس بها لنشر العلم وبثه والدعاء إلى الله تعالى، فانتفع الخلق على يديه وظهرت عليهم بركته وفعلت فيهم سريرته الصالحة ونيته، ولم يكن أحد أجلد منه على القيام والصيام، وما كان عيشه، رضي الله عنه، إلا من المباح كالبقول المطروحة وما جرى مجراها وإذا اشتهى اللحم ينزل إلى البحر فيصيد السماك على الأحجار، وهي لحمه رضي الله عنه، وما من ناحية من النواحي إلا وله فيها مسجد معلم، وكلها معروف البركة، وكراماته رضي الله عنه أكثر من أن تحصى، ولو كتبت لكانت مجلدات وأحواله كلها كرامات.

وكان يجلس لعلوم الحديث ولعلوم الفقه ولعلوم التذكير، وكان الغالب عليه رضي الله عنه الخوف، ما يمر بمجلسه إلا ذكر النار والأغلال والسعير، وتكاد تفيض قلوب الحاضرين في مجلسه، هذا هو حاله دائما، وهذه الطريق هي أحسن الطريق في الدعاء إلى الله تعالى، إذ جبل الله الخلق على أنهم لا ينفعلون غالبا إلا بالخوف، ولأجل هذا كان أكثر الشريعة تخويفا.

وما زال رضي الله عنه مستمرا على هذا الحال إلى يوم وفاته، يبسط أمل الناس ورجاءهم في رحمة الله وفي سعة مغفرته، ومناهم بما عنده من كثرة الثواب، وإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، إلى غير ذلك مما اشتمل عليه مجلسه، وهذا طريق حسن، لأنه لم يبق عند لقاء الله إلا الطمع في رحمته والرغبة فيما عنده، لأن الخوف فائدته إنما هي الحض على العمل، وحين الموت انقطع العمل، ولم يبق إلا قوة الأمل لتلقى الله طيبة نفسه، فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه، حسبما اقتضاه الحديث.

ولقد رأيت فصلا فيه ذكر وفاته، بخط الشيخ المقرئ، أبي العباس ابن الخراط وأنا أذكره بنصه، قال رحمه الله: أن وفاته كانت بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، الرابع عشر من شهر رمضان المعظم من عام أحد عشر وستمائة، وتوفى في هذا اليوم فجأة من غير تقدم مرض، وكان قد رتب ميعادا بالقراءة لسماع تفسير القرآن العظيم، وميعادا بعد صلاة الظهر لسماع حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جري عادة السلف الصالح في شهر رمضان، فبينما أنا أقرأ بين يديه بالغداة وقد مرت آية فهم منها ما لم نفهم، وعلم من نحواها ما لم نعلم، إذ وثب قائما طيلسانه وطرح رداءه، وحسر رأسه وبسط يديه ومد ذراعيه، فأمسك عن القراءة، فتعوذ بصوت رفيع وبسمل، فافتتح بقول الله تعالى } (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) { ولم يزل يرددها ويكررها بتحذير وترنين، ثم أقبل على الناس بخضوع وخشوع، وأخذ يبين لهم ما أعد الله من سعة الرحمة وأضعاف الحسنات والتجاوز عن السيئات، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ثم قال: يا إخواني سألتكم بالله إلا ما ضممتم صبيانكم وأولادكم وأصاغركم ودعوتم لي، ولا تنسوني فإني جار لكم، ولست أنساكم، وأكثر من هذا القول في بكاء شديد حتى كأنه أشعر إنه راحل من الدنيا، وان ذلك وداع منه للناس، ثم دخل زاويته دون أن يختم مجلسه بالدعاء المعهودة منه، ولما حانت صلاة الجمعة وأخذ الناس في الرواح وجلس الإمام على المنبر، وأذن المؤذن، خرج على الناس من زاويته، وجلس منصتا لاستماع الخطبة، فلما قضيت الصلاة، نصبوا له كرسيه واستوى عليه، وازدحم الناس ينظرون إليه، فأخذت في قراءة كتاب المسند الصحيح، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصنيف الإمام الحافظ، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه، وهو ينظر إلي، فاعتراه شبه غشي أماله على جانبه الأيمن، فبادرت إليه مع بعض من قرب خشية السقوط، فحملناه وأدخلناه زاويته وأطبقنا الباب دونه، فبادر إليه من كان يخدمه من أهله وجلسنا ننتظر عاقبة أمره، إلى أن أذن مؤذن العصر وأخذ الناس في التنفل، ثم أقيمت الصلاة، فسمعنا في الزاوية حركة اغتسال نفهم منها تجديد طهارة، ثم سكنت تلك الحركة، وقد أدرك فضل صلاة الجماعة، ثم استلقى مستقبلا فقبض طاهرا صائما صامتا معتكفا في الجامع الأعظم، صحيحا سويا، دون مرض ولا ألم، قدس الله روحه، وبرد ضريحه، ونفع به وبصالح دعائه.

وفشا الخبر في الناس، فتسابقوا إليه، وحشروا من كل ناحية عليه، وارتفع صراخهم واشتبكت أصواتهم، ونما ذلك إلى من كان له الأمر ببجاية حينئذ، فوجهوا نقيبا لصيانة جثته الطاهرة الزكية من ابتذال من يلي بها ويقتحم للتبرك بما بين ثوبها. فلما جن الليل أمروا بحمله إلى روضته، وكلفوا أمناء بجهازه، ثم بادروا بأنفسهم وشهدوا الصلاة عليه على شفير قبره، ضحى يوم السبت، الخامس عشر المتقدم الذكر، ووقفوا حتى واروه عن الناس، وعزى الناس عن مصابهم بعضهم بعضا، رحمة الله عليه. انتهى كلامه رحمه الله.

ومن أشياخه، الفقيه أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف الزهري، روى عنه الموطأ، والقاضي أبو سعيد مخلوف ابن جاره روى عنه "المصابيح" وكتبا عدة إجازة وسماعا، والإمام أبو طالب أحمد بن رجا اللخمي، قرأ عليه وأخذ عنه الأصلين حفظا واتقانا، والحافظ أبو طاهر السلفي صحبيه وأخذ عنه إعجاز القرآن للخطابي، ومن شعر أبي طاهر:

ما لي لدى ربي جزيل وسيلة *** إلا اتباع نبـيه ويقـينـي
والدين حصن للفتى وعقيدتي *** أن القليل من اليقين يقيني

ومن شيوخه، رضي الله عنه أيضا، الإمام أبو عبد الله ابن بكرة الكركني قرأ عليه المذهب رواية ودراية، وأبو القاسم بن فيرة الشاطبي الضرير، والفقيهان الأخوان أبو عبد الله وأبو العباس الحضرميان عنهما الشهاب [أي شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والأدب من الأحاديث النبوية] للقاضي والفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن سلامة، والزاهد أبو عبد الله المغاور، والشيخ أبو عبد الله السلاوي، وغير هؤلاء، رضي الله عنهم ونفعنا بالجميع آمين.

مصدر الترجمة:

كتاب: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية - للشيخ العلامة أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله الغبريني منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان- أبريل (نيسان) 1979م.
تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي محند بن أوقري



بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد صلاة أهل السموات والأرضين عليه أجري يا رب لطفك الخفي في أموري والمسلمين

سيدي محند أوقري ومناقبه العلمية

يعتبر سيدي محند أوقري أحد علماء بلاد القبائل (زواوة) البارزين في ميدان نشر العلم بمنطقة آث يعلى، وأحد أقطاب الأولياء الصالحين، عمل لدنياه ولآخرته، وفق منهاج معتدل، جعله يمسك القلم بيد، والفأس بالأخرى، فعاش من ثمار جهد عرقه بعد أن أحيا أرضا مواتا، حوّلها إلى بساتين غناء، وشيّد زاوية (ثيمعمرث) للمعرفة والتعبّد والمصالحة، اشتهرت باسم "الجامع أوقري"، ظلت تشعّ نورا، وتهدي الخلق إلى الصراط المستقيم. وعندما اندلعت الثورة التحريرية الكبرى صارت قلعة للمجاهدين، ومازالت بفضل جهود المخلصين من أحفاده ـ

يتقدمهم عبد الوهاب حمودة ـ تواصل رسالتها العلمية والاجتماعية، وعليه فهي جديرة بوقفة نستذكر فيها تاريخها التليد، وننفض غبار النسيان عن أمجادها الجديرة بالإشهار.

من هو سيدي محند أوقري؟

يسود الاعتقاد لدى أحفاده أن الشيخ سيدي محند أوقري، ينتمي إلى أشراف الساقية الحمراء، يكون قد درس في مدينة فاس حسب رواية الحسين الورثلاني، ثم انتقل إلى بلاد الزواوة، واستقر في آث يعلى رفقة إخوانه؛ بوعبد الله، وعبد الرحمن، وتواتي، والحسين، وبعض رفاقه من عائلة إكثاف (أكتوف) الحالية.

ويرجح الأستاذ عبد الحميد زاهير ـ وهو من أحفاده ـ أن سيدي محند أوقري يكون قد عاش مابين القرن السابع عشر، والنصف الأول من القرن الثامن عشر(1635 ـ 1720)، واستخلص ذلك من قول الحسين الورثلاني (1713 - 1780)، الذي ذكر أنه أدركه في طفولته.

استقر الشيخ سيدي محند أوقري في مكان منخفض يدعى "لخناق"، وهو موقع متميّز بتوسّطه لمناطق آث يعلى، وجعافرة، وثاسمارث، وبوفرة المياه، لذا بنى طاحونة لرحي الحبوب. ولكنه لم يلبث أن ترك هذه المنطقة الخصبة، لينتقل إلى قمة جبل تدعى "تيزي نتعساسث"، ميزتها الحصانة، والإشراف على العديد من قرى آث يعلى، وآث ورثيلان، وإلماين، ويمتد النظر فيها إلى جبال جرجرة، وأكفادو، والبيبان، لذا استحق هذا المكان تسمية "القلعة" عن جدارة. وحظي سيدي محند أوقري بالترحاب من طرف العائلات القليلة المقيمة هناك؛ آث مسعود، وآث عيسى، واعلي، وآث أومزيان، وآث بوطيح، وعائلة بلعزوق. ومن المرجح أن يكون قد اختار هذا المكان المقفر، من أجل التعبد والتصوف وإبعاد طلبته عن ضوضاء العمران، وأكد ذلك الحسين الورثلاني بقوله: "... ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى الزاهد في الدنيا رأسا، المتخلي عنها نفسا، سيدي محمد بن قري، وقد اعتزل بأهله وسكن القلعة، في غيضة عظيمة، لا يسكنها إلا الوحوش، ينعدم الماء فيها، ومع ذلك فإنه بنى دوره في الأوعار من الجبل، مع بعدها من الوادي الى رأس الجبل، وبنى فيها مساجد بفضل الله، سيما الجامع الكبير فقد بناه بناء معتبرا، إلا إذا كان مثله في تونس، وأشار، رحمه الله، إلى أنها تصير مدينة قاهرة آخر الزمان، وقد تحمل المشاق العظيمة في مجاهدة نفسه وأهله وأولاده وأصحابه، وكان لا يفتر عن ذكر الله تعالى، طريقه صعب لا يسلكه إلا من نبذ نفسه وراء ظهره، وقد أدركته صغيرا"(1). هذا والجدير بالذكر أن الرحالة الحسين الورثلاني قد تزوّج بنت الشيخ الفقيه سيدي بركات، وهو من أحفاد سيدي محند أوقري(2).


 

وعقب سيدي محند أوقري خمسة أولاد وبنتا هم:

1- بركات، تنتمي إليه عائلات: بركات، قري، توتي، توازي بن حماده.
2- بلقاسم ، عقب بنتين.
3- حموده، تنتمي إليه عائلات: حمودة، بداني، كبير.
4- عبد المجيد، تنتمي إليه عائلات: باجي، عبد الحميد، موسي.
5- لونيس، تنتمي إليه عائلة بزاز.
6- بنت توفيت عازبة.

فضائل المعمرة:

واعتبارا لمكانة الشيخ سيدي محند أوقري السامقة في المجتمع، فقد ساعده السكان في بناء مؤسسته العلمية، بناءً جيدا بمواصفات عصره، وبطريقة فنية جميلة، أبدع فيها البناؤون في استعمال الحجارة المنحوتة، وتنميق  سقفها بالأخشاب والقرميد، زادها بهاء ورونقا. وخصص الطابق الأرضي للتعليم، والطابق العلوي مسجدا للصلاة، ولكل منهما مدخله الخاص، وقصد طلاب العلم هذه الزاوية حتى من خارج آث يعلى.


تخرج منها العديد من العلماء، أكثرهم من صلب أحفاده، منهم سيدي عبد الرحمن بن بركات، الذي رافق الحسين الورثلاني إلى البقاع المقدسة، وسيدي المدني بن حمودة بن قري الملقب بالقطب الرباني، وسيدي العربي لونيس، وسيدي محمد الصغير بن سنوسي، والشيخ الطيب أوقري، والشيخ الصالح أوقري، وغيرهم، اشتهروا بالإفتاء، وتوثيق عقود البيع والزواج، وتحرير محاضر اجتماعات المصالحة وتقسيم الميراث، ولاتزال عائلات أحفاد الشيخ محند أوقري تحتفظ بكم هائل من الوثائق والمدونات، أكدت نجاح هذه الزاوية في جعل اللغة العربية لغة عمل، وهذا خلافا لادعاءات الفرنسيين الذين شوّهوا تراثنا العربي الإسلامي، حين ربطوه بالشعوذة والدروشة. ونقدم هنا وثيقة عقد الزواج حررت سنة 1883م، تؤكد ما ذكرناه: "الحمد لله تعالى وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. إعلاما للواقف عليه أن حامله المكرم سي الطيب بن المرحوم سيدي الصغير بن باجي بن قري، شوّر ابنته زينب لما زفت لزوجها سي علي بن سي أحمد وَعْلي بن عماره تاماستي، ما قيمته 62 فرنكية ونصف، بين حايك صغير، وأسفايف، وتوناس من فضة، وقلادة فضية أيضا، وأفنيق بلوازمه، وغير ذلك. قوّم الجميع بالقدر المذكور. رد الاب المزبور ذلك لأبنته المسطورة بحضرة الكاتب محمد الصغير بن قري، وسي محمد الطاهر بن بوطيح، وسي السعيد بن باجي، وسي أحمد منـّه، وسي الربيع بن الربيع بن علجية، وسي سليمان بن عماره، وسي الطيب بن سي الطاهر بن عمارة، وسي السعيد معـّه.

وقع ذلك لتاريخ السادس رجب الفرد من شهور عام 1301هـ( 1883م)، واحد وثلاثماية بعد الألف"(3).

هذا وقد تأثرت زاوية سيدي محند أوقري بالكارثة الطبيعية التي ألمت بالجزائر في سنوات 1865 - 1866 - 1867 حينما ضرب الجفاف بقوة، أدى إلى انتشار المجاعة والأوبئة الفتاكة، فاضطر سكان القلعة إلى هجر قريتهم، ونزح أحفاد الشيخ  سيد محند أوقري إلى القريتين ثامالوث، وثيقرث القريبتين من القلعة. هذا وقد أطلعني الأستاذ عبد الحميد زاهير على مخطوط هام أشار إلى هذه المجاعة: "ولما ثبتت ديون مترتبة على المتوفى جوعا في السنة التي مات فيها خلق كثير من شدة الجوع، وأكل فيها الناس الحشيش والأحريش والميتة والدم، وغير ذلك من المحظورات الأكل في غير الضروري...".

ومن جهة أخرى، لم يهمل أبناؤه وأحفاده الأشغال الفلاحية، إذ استصلحوا الأرض، وأقاموا المصاطب لتلافي ظاهرة انجراف التربة، وبنوا حاجزا مائيا (أولميم)، وبئرا لتجميع المياه، وغرسوا الأشجار المثمرة كالتين والزيتون والرمان والإجاص، فحوّلوا الجبال ذات التضاريس الوعرة إلى بساتين غنّاء، تدر محاصيل زراعية وفيرة، ضمنت العيش الكريم لأهلها.

علاقة الزاوية بالثورة:

من الطبيعي أن تحتضن زاوية سيدي محند اُوقريُ الثورة َالتحريرية الكبرى التي اندلعت من أجل استرجاع السيادة الوطنية، واتخذها جيش التحرير مكانا مفضلا لعقد اجتماعاته، وفي يوم 8 ديسبمر1955م جرت معركة بقربها، كانت من أعنف المعارك، امتدّ لهيبها إلى قريتي ثيقرث، وثالاسوسث، وعلى إثر ذلك قام الجيش الفرنسي بتدمير وتخريب الزاوية، وتهجير سكان القرى المجاورة لها، فصارت تلك الأرض منطقة محرّمة، قصد عزل الثورة عن الشعب. ومن المعارك التاريخية التي شهدتها القلعة، معركة 8 مارس 1960م، بين الجيش الفرنسي الذي جند قوات برية وجوية كبيرة، وبين 10 مجاهدين كانوا تحت قيادة الشهيد الطيب عبد الحميد (المدعو الطيب أوباجي)، نالوا الشهادة ولم ينج منهم سوى هذا الأخير، وتكبّدت فرنسا خلال هذه المعركة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، إذ تم إسقاط طائرتين لايزال حطامهما في بوعفير، وإغزر أوذرغال  شاهدا على ضراوة القتال، علما أن المعركة دامت يوما كاملا.
 
 




الزاوية بعد الاستقلال:

شرع محند أكلي أوقري حمودة (1903 - 1975) في ترميم الزاوية منذ سنة 1965م، بمساعدة وزارة الشؤون الدينية والولاية والبلدية والمواطنين، وتضمن التجديد شق الطريق لفك العزلة عن الزاوية، ولم تنتهِ أشغال الترميم والتوسيع إلا سنة 1984م، أصبحت الزاوية بعد ذلك تضم المرافق التالية:

- الجامع حيث تقام الصلوات، وتلقى الدروس.
- المرقد يتكون من أربع غرف كبيرة.
- مطبخ ، ومخزن للمؤونة، وقاعة للإطعام.
- غرفة خاصة بوكيل الزاوية.
- أرض وقف محيطة بالزاوية، غير زراعية، ليس لها أي مدخول مالي، لكنها قابلة للاستصلاح.
ودشنت الزاوية يوم 3 مارس1987م، بعد تعيين معلم من طرف وزارة الشؤون الدينية، وتولى الأستاذ عبد الوهاب حمودة مهمة وكيل الزاوية. وفضلا عن ذلك، صارت الزاوية معلما تاريخيا يجلب الزوار باستمرار، يأتون من مناطق عديدة.

وفي الأخير، لابد من التنويه بجهود أحفاده الذين نجحوا في إعادة الحياة إلى هذه المؤسسة العلمية بعد الاستقلال، بمبادرة من السيد محند أكلي حمودة (1903 - 1975) ، ثم استلم منه نجله الأستاذ عبد الوهاب حمودة المشعل، كما تجدر الإشارة أيضا، إلى جهود الأستاذ عبد الحميد زاهير، الذي انكبّ على الحفر في الماضي، من أجل إنقاذ تراث هذا العالم العارف وأحفاده، المخبوء في الذاكرة الجمعية، والمخطوطات المبعثرة لدى عائلات كثيرة، وأرجو له التوفيق في سعيه هذا، وأملنا أن نراه مجسّدا في كتاب يثري صرح المكتبة الجزائرية. كما نرجو كل النجاح للجمعية الثقافية العلمية، التي أسسها أحفاد سيدي محند أوقري، بنيّة إعادة الإشراق إلى هذه المنارة بما يقتضيه العصر من أدوات وأساليب وأفكار جديدة، يساعد الزاوية (ثيمعمرث) على تغذية عقول الناشئة بأفكار الأصالة والمعاصرة والتجديد، لأن الأبناء مخلوقون لزمن غير زمن الأجداد.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر الترجمة:

1- الحسين الورثلاني، نزهة الأنظار، مطبعة بيير فونتانة، الجزائر،1908، ص45.
2- مختار فيلالي، رحلة الورثلاني، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، بدون تاريخ، ص16.
3- الوثيقة في حوزة الأستاذ عبد الحميد زاهير.
---
هوامش:

زاوية سيدي محند أوقري، المشهورة باسم ''الجامع أوقري''، في بلدية فنزات بولاية سطيف، على بعد أربعة كلم من مقر البلدية من الناحية الغربية، حيث تقع في أعلى جبل من جبال الناحية يسمّى بـ''القلعة''، المحاذي لمرتفع ''تلاسوست''، ويتوصّل إليها عن طريق معبّدة فتح سنة .1969 وتبعد عن عاصمة الولاية سطيف بحوالي 90 كلم، وعن مدينة برج بوعريريج بحوالي 45 كلم شمالاً.

تكملة الموضوع

حمل كتاب شيخ الشيوخ أبو مدين الغوث (نسخة مفهرسة)


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


كتاب: شيخ الشيوخ أبو مدين الغوث - حياته ومعراجه إلى الله.
تصنيف: الإمام العلامة سيدي عبد الحليم محمود.
الناشر: دار المعارف - القاهرة - ج.مصر العربية.
سنة الطبع: 1985م.



ترجمة المصنف:


هو شيخ الإسلام والمسلمين، وإمام أئمة أهل السُنة والجماعة في عصره، فريد دهره ووحيد عصره مولانا عبد الحليم محمود الأشعري المالكي الشاذلي قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه، عالمٌ ربانيٌ أزهريٌ جليل، وعلامةٌ محققٌ كبير، فقيهٌ، أصوليٌ، مُحدِّثٌ، مسندٌ، لغويٌ، متكلمٌ، صوفيٌ، فيلسوفٌ نظار، مفكرٌ، جامعٌ بين علوم الشريعة وأسرار الحقيقة، المجمعُ على جلالة قدره وولايته وإمامته في الدّين في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي، وزير الأوقاف المصري، وشيخ الجامع الأزهر الشريف في الفترة بين عامي (1393 - 1398هــــ / 1973 – 1978م).

- الميلاد:

وُلد رضي الله عنه في قرية أبو أحمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في 2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ الموافق 12 من مايو 1910م، والقرية منسوبة إلى جده (أبو أحمد) الذي أنشأ القرية وأصلحها، وتُسمَّى الآن باسم (السلام).

- نشأته ومراحل تعليمه:

نشأ الشيخ الإمام عبد الحليم محمود في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة مِمَّا أثار إعجاب قريته ومحفظه، وكان والده -رحمه الله- صاحب دين وخلق وعلم، ذا همة عالية وثقافة، وكان ممن شغفوا بالثقافة الدينية وحلقات الأزهر العلمية، مما كان له الأثر في توجيه ابنه للدراسة بالأزهر، فدخل الشيخ عبد الحليم الأزهر سنة 1923م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد الزقازيق سنة 1925م، فألحقه والده به لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح في المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكن والده آثر أن يكمل الشيخ عبد الحليم دراسته، فتقدم الشيخ لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فنالها سنة 1928م، ثم استكمل الشيخ الإمام دراسته العليا، فنال العَالِمية سنة 1932م، ولم يكتف والده بأن يعمل ابنه الشيخ عبد الحليم مُدَرِّسًا بل تطلع لأكبر من ذلك، واختار لدراسة ابنه جامعة السوربون في باريس على نفقته الخاصة، وآثر الشيخ عبد الحليم أن يدرس تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع، وحصل في كل منهما على شهادة عليا، وفي نهاية سنة 1937م التحق بالبعثة الأزهرية التي كانت تدرس هناك، وفاز بالنجاح فيما اختاره من علوم لعمل دراسة الدكتوراه في التصوف الإسلامي، وكان موضوعها: أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي، وفي أثناء إعداد الرسالة قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر سنة 1939م، وآثر كثير من زملائه العودة، ولكنه بالإيمان القوي والعزيمة الصلبة أصر على تكملة الرسالة وبلغ هدفه وتحدد لمناقشتها يوم 8 من يونيه سنة 1940م، ونال الدكتوراه بدرجة امتياز بمرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية.

بدأ الشيخ الإمام حياته العملية مُدَرِّسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين سنة 1951م، ثم عميدًا للكلية 1964م، وعين عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينًا عامًّا له، وبدأ عمله بدراسة أهداف المجمع، وكوَّن الجهاز الفني والإداري من خيار موظفي الأزهر ونظمه خير تنظيم، وأنشأ المكتبة به على أعلى مستوى من الجودة، وبعدها أقنع المسؤولين في الدولة بتخصيص قطعة أرض بمدينة نصر لتخصيصها للمجمع لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية إلى جانب قاعات فسيحة للاجتماعات، فكان أول من وضع لبنات مجمع البحوث الإسلامية واهتم بتنظيمه، وواصل الشيخ عبد الحليم محمود اهتمامه بالمجمع بعد تعيينه وكيلا للأزهر ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، ثم شيخًا للأزهر.

في سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، فازدادت أعباؤه، واتسعت مجالات جهوده، فراعى النهضة المباركة في مجمع البحوث، وبدأ يلقي محاضراته في كلية أصول الدين، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومعهد تدريب الأئمة، إلى جانب محاضراته العامة في الجمعيات والأندية الكبرى بالقاهرة وغيرها من الأقاليم، وكان مع هذا كله يوالي كتابة الدراسات والمقالات في المجلات الإسلامية الكبرى، ويواصل الدراسات ويصنف المؤلفات القيمة ويشرف على رسائل الدكتوراه، ويشارك في المؤتمرات والندوات العلمية، وامتد نشاطه إلى العالم الإسلامي كله بنفس الهمة والنشاط.

- مؤلفاته:

اتسم الإمام الأكبر بغزارة إنتاجه الفكري الذي يربو على مائة كتاب تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، وكان أول ما نشر له قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف أندريه موروا عام 1365هـ=1946م، ثم تتابعت مؤلفاته الغزيرة في كثير من المجالات خاصة في مجال التصوف الذي يُعَدُّ من أسبق رواده في العصر الحديث، فقد تبدى مثالا للصوفية المقيدة بكتاب الله البعيدة عن الإفراط والتفريط حتى لُقِّبَ بغزالي مصر وأبي المتصوفين فكانت كتاباته الصوفية لها الحظ الأوفر من مؤلفاته، فكتب (قضية التصوف: المنقذ من الضلال) والذي عرض فيه لنشأة التصوف وعلاقته بالمعرفة وبالشريعة وتعرض بالشرح والتحليل لمنهج الإمام
الغزالي في التصوف، كما ترجم لعشرات الأعلام الصوفيين مثل سفيان الثوري وأبي الحسن الشاذلي وأبي مدين الغوث وغيرهم الكثير.

كما كتب في الفلسفة الإسلامية، ويعد كتابه (التفكير الفلسفي في الإسلام) من أهم المراجع التي تتناول علم الفلسفة بمنظور إسلامي حيث يؤرخ فيه للفكر الفلسفي في الإسلام ويستعرض التيارات المذهبية المتعددة فيه ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية، وسبقها الفلسفة الغربية في كثير من طرق التفكير، كما تعرض للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام في عدة كتب مثل (الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام) و (فتاوى عن الشيوعية).

كما ظهر اهتمامه بالسنة النبوية فكتب العديد من الكتب عن الرسول وسنته، ويعد كتابه (السنة في مكانتها وتاريخها) من أهم كتبه في هذا المجال، كما كتب عن (دلائل النبوة ومعجزات الرسول).

واستعرض الإمام سيرته الذاتية في كتابه (الحمد لله هذه حياتي) والذي جاء خلاصة لأفكاره ومنهجه في الإصلاح أكثر منه استعراضًا لمسيرة حياته، وعَبَّر عن منهجه التفصيلي في الإصلاح في كتابه القيم (منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع).

كما قام بتحقيق الكثير من أمهات الكتب مثل: (لطائف المنن) لابن عطاء الله السكندري، و(اللمع) لأبي نصر السراج الطوسي، و(المنقذ من الضلال) لحجة الإسلام الغزالي وغيرها.

وترجم العديد من الكتب في الفلسفة اليونانية والأخلاق مثل (الفلسفة اليونانية أصولها وتطورها) لألبير ريفو، و(الأخلاق في الفلسفة الحديثة) لأندريه كريسون.

- ولايته للمشيخة:

صدر قرار تعيين الشيخ الإمام عبد الحليم محمود شَيْخًا للأزهر في 27 من مارس سنة 1973م، وقد باشر فيه السعي لتحقيق أهدافه العلمية السامية التي بذلها وهو أستاذ بكلية أصول الدين، ثم وهو أمين عام لمجمع البحوث الإسلامية، ثم وهو وكيل للأزهر، ثم وهو وزير للأوقاف وشؤون الأزهر.

وقد صدر قرار جمهوري استصدره وزير شؤون الأزهر كاد يسلب به من الشيخ كل سلطة ويجرده من البقية الباقية من نفوذه، فغضب الشيخ الإمام عبد الحليم محمود لا لنفسه، وإنما غضب للأزهر، ولمكانة شيخه التي اهتزت واهتز باهتزازها مقام الأزهر في مصر وفي العالم العربي، بل في العالم الإسلامي كله، فلم يجد الإمام بدًّا من تقديم استقالته في 16 من يوليو سنة 1974م، ثم شفعها بخطاب آخر قدمه إلى السيد رئيس الجمهورية شَارِحًا فيه موقفه وأن الأمر
لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي كله، مبينًا أن القرار الجمهوري السابق يغض من هذه القيادة ويعوقها عن أداء رسالتها الروحية في مصر وسائر الأقطار العربية والإسلامية، وقبل هذا أخطَرَ وكيل الأزهر بموقفه ليتحمل مسؤوليته حتى يتم تعيين شيخ آخر، وروجع الإمام في أمر استقالته، وتوسط لديه الوسطاء فأصرَّ عليها كل الإصرار؛ لأن الموقف ليس موقف انتقاص من حقوقه الشخصية، وإنما هو انتقاص لحقوق الأزهر وهضم لمكانة شيخه.

ولو كان الأمر يتعلق بحقوق الإمام عبد الحليم محمود لتساهل فيها؛ لأنه صديق قديم لوزير شؤون الأزهر؛ ولأنه بفطرته زاهد في المناصب، عازف عن المظاهر، منصرف عن متاع الحياة الزائل وزخرفها الباطل، مؤمن كل الإيمان بأن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملا، فأَصَرَّ على تقديم استقالته وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول مرتبه، وطلب تسوية معاشه، ووجه إلى وكيل الأزهر -وقتها- الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار خطابًا يطلب منه فيه أن يُصرِّف أمور مشيخة الأزهر حتى يتمَّ تعيين شيخ جديد.

وأحدثت الاستقالة آثارها العميقة في مصر وفي سائر الأقطار الإسلامية، وتقدم كثيرون من ذوي المكانة في الداخل والخارج يُلحِّون على الإمام راجين منه البقاء في منصبه، لكنه أبى.

- وفاته:

بعد عودة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود من رحلة الحج في 16 من ذي القعدة 1398هـ، الموافق 17 من أكتوبر 1978م قام بإجراء عملية جراحية بالقاهرة فتوفي على إثرها وتلقت الأمة الإسلامية نبأ وفاته بالأسى، وصلى عليه ألوف المسلمين الذين احتشدوا بالجامع الأزهر ليشيعوه إلى مثواه الأخير تاركًا تُرَاثًا فِكْرِيًّا ذَاخِرًا ما زال يعاد نشره وطباعته.

- مصادر ترجمته:

- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم.

---*---
منقول بتصرف عن موقع دار الإفتاء المصرية.

تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |