من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

حمل مخطوط النجم الثاقب لابن صعد التلمساني نسخة أخرى (أربعة أجزاء)



بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولا: تعريف بالمؤلف

ابن صعد التلمساني ( توفي في رجب 901هـ - 16 مارس 14 أبريل 1496م)

هو العلامة الفقيه المؤرخ الولي الصالح سيدي محمد بن أبي الفضل سعيد ابن صعد الأنصاري التلمساني واحد من أجله الأعلام التي عرفتهم حاضرة تلمسان خلال القرن التاسع الهجري، لم يذكر المؤرخون له تاريخ ميلاده بالضبط واكتفوا بذكر وفاته ومنه نعرف أنه ابن القرن 9هـ 15م، وأشاد به كل من ترجم له وذكروا أنه من أكابر علماء تلمسان وفقهائها ومحصليها وهو صاحب مجموعة من المؤلفات أبرزها كتابنا اليوم "النجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب"، وكتاب"روضة النسرين في التعريف بالأشياخ الأربعة المتأخرين"، وهم الشيخ سيدي محمد بن عمر الهواري والشيخ سيدي الحسن أبركان والشيخ سيدي إبراهيم التازي والشيخ سيدي أحمد الغماري وله أيضا كتاب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسمه بـ" مفاخر الإسلام في الصلاة على النبي عليه الصلاة السلام" وفيه يقول محمد العربي الغرناطي أحد فضلاء الأندلس «إذا جئت تلمسان فقل لصنديدها ابن صعد *** علمك فاق كل علم ومجدك فاق كل مجد» توفي بالديار المصرية في رجب سنة 901 قاله الونشريسي في وفياته.

ومن العلماء الذين أخذوا عنه وتتلمذوا عليه الحافظ محمد بن عبد الجليل التنسي، والإمام محمد بن يوسف السنوسي، قطب علمي التوحيد والتصوف، وهذا مما يؤكد مكانته العلمية والثقافية وعلو قدرته ومركزه.

ثانيا: تعريف بالكتاب


النجم الثاقب يعد هذا الكتاب من أبرز المراجع التي صنفت في تراجم أعلام الرجال، ترجم فيه ابن صعد لعلماء وفقهاء ومتصوفة العالم العربي والإسلامي، ولم يكتف ابن صعد بالترجمة لمتصوفة وأولياء المغرب الأوسط (الجزائر) أو المغرب الإسلامي فحسب، بل شمل كتابه عددا كبيرا من متصوفة الشرق الإسلامي والمغرب والأندلس أي كل العالم الإسلامي، كما أنه لم يتقيد بالعصر الذي عاش فيه، وإنما عاد إلى العصور الإسلامية الأولى وإن الغرض من هذا التأليف حسب ما ورد في مقدمته هو: " أما بعد فهذا كتاب النجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب. يضم أعلامهم، وينشر مآثرهم وأيامهم." أي أخبار الصوفية للتعرف عليهم والإقتداء بسيرهم.

ولقد أخذ عنه من جاء بعده من علماء التراجم من أمثال ابن مريم في البستان، وأحمد بابا التنبكتي في "نيل الابتهاج" والكتاني في "فهرس الفهارس" والحفناوي في "تعريف الخلف"، و"جذوة الاقتباس في ذكر من حلّ من الأعلام مدينة فاس" لأحمد بن القاضي المكناسي (ت 1025هـ)، حيث يعتمد عليه في الترجمة لكل من محمد الصباغ، محمد بن إبراهيم المهدوي(ت 595 هـ) ومحمد بن الحسن اليصلوتي (ت 595هـ)، ولم تكتف بالنقل عنه كتب التراجم، بل تعدّته إلى كتب التاريخ العام، من ذلك كتاب "الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" للناصري أبي العباس أحمد، الذي يعتمده في ترجمة الولي أبي العباس أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي نزيل سلا وإن تردد الكتاب في هذه المصنفات وغيرها، على اختلاف أصول ومناطق إقامة أصحابها، ليقوم دليلا عل انتشار هذا المؤلَف، والانكباب على نسخه.

ولقد رتب من ترجم له حسب حروف المعجم، حيث اقتصر في الجزء الأول على من يبدأ اسمه بحرف الألف لا سيما إبراهيم وأحمد، فترجم عبر سبعة وأربعين ورقة على وجهين لاثنين وثلاثين شخصية صوفية ابتدأها بإبراهيم ابن أدهم وختمها بأحمد بن عاشر. وممن ترجم لهم نذكر: إبراهيم بن أحمد الخواص، إبراهيم بن أحمد القيرواني، إبراهيم المصمودي، إبراهيم التازي، أحمد بن هارون الطوسي، أحمد بن أبي الربيع المالقي، أحمد بن العريف، أحمد بن الحسن أبو جعفر الزيات، أحمد أبو العباس السبتي، وغيرهم.

مصادرالترجمة/

- كتاب روضة النسرين في التعريف بالاشياخ الأربعة المتأخرين- مراجعة وتحقيق د.يحي بوعزيز – دار البصائر للنشر والتوزيع.
- مجلة عصور العدد 4/5 - جامعة وهران- 1424 /1425هـ - قراءة في مخطوط "النجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب" لابن صعد التلمساني.
- تعريف الخلف برجال السلف لسيدي أبي القاسم الحفناوي.

وتجدر الإشارة انه قد سبق وان أدرجنا بالمدونة جزءا من هذا المخطوط من نسخة أخرى، غير هذه التي نعرضها اليوم وسنقوم بطرح باقي الأجزاء في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.


مخطوط النجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب
- تصنيف: العلامة الفقيه سيدي محمد بن أبي الفضل سعيد ابن صعد الأنصاري التلمساني.
- عدد الأجزاء: أربعة - تم دمجها في ملف واحد للتسلسل.
- مادية المخطوط: نسخة جيّدة (مفهرسة).
- نوع الخط: مغربي.
- سعة الملف: 122 Mo.
- مصدر المخطوط: مكتبة مؤسسة الملك عبد العزيز- الدار البيضاء.

رابط التحميل

هنــــا
تكملة الموضوع

حمل مخطوط المنظومة الجزائرية في العقائد الإيمانية لأبو العباس أحمد الزواوي



بيانات حول المخطوط:

اللامية في العقائد الإيمانية الشهيرة بالجزائرية (منظومة).
- تصنيف: العلامة سيدي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله الزواوي الجزائري.
- صفة الخط: مغربي.
- مادية المخطوط : نسخة جيّدة.
- عدد الأوراق: 14.
- حجم الملف: 19 ميجا.
- مصدر المخطوط: خزانة المخطوطات المكتبة الموهوبية - بجاية - الجزائر.

- رابط التحميل -

هنــا

ترجمة المُصنف:

سيدي أبو العباس أحمد بن عبد الله الزواوي (800- 884هـ) .. (1398 – 1479م)

أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي شهاب الدين أبو العباس، متكلم، فقيه، مالكي، من كبار العلماء في وقته، له نظم، يقال أنه نظير عبد الرحمن الثعالبي علما وعملا، أصله من قبيلة زواوة، سكن الجزائر وتوفي بها، قال السخاوي من المشهورين بالصلاح والعلم والورع والتحقيق وقال الشيخ زروق كان شيخنا من أعظم العلماء إتباعا للسنّة وأكبرهم حالا في الورع، من آثاره ((كفاية المريد)) في علم الكلام، منظومة لامية تنيف على 400 بيت، وتسمى أيضا (( الجزائرية في العقائد الإيمانية)) مخطوطة، في الأزهرية، شرحها الإمام محمد بن يوسف السنوسي التلمساني وأثنى عليه، وله أيضا القصيد في علم التوحيد.

وقال عنه سيدي أبي القاسم الحفناوي نقلا عن نيل الابتهاج : الشيخ الفقيه الولي الصالح أبو العباس ظريف العارفين، صاحب العقيدة المنظومة اللامية المشهورة التي أولها:

الحمد الله فهو الواحد الأزلي *.* سبحانه جل عن شبه وعن مثل
فليس يحصى الذي أولاه من نعم *.* أجلهـا نعمـة الإيمان بالرسـل

وقد شرح الإمام السنوسي المنظومة المذكورة شرحا حسنا، وأثنى فيه على ناظمها بالعلم والصلاح توفي سنة 884.

* وتجدر الإشارة أن هذا الشرح سبق وان أدرجناه بالمدونة وهو كتاب (المنهج السديد في شرح كفاية المريد) وهو شرح للمنظومة هذه والموسومة "بالجزائرية" للعلامة سيدي أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني.

رابط المشاركة

هنا

ويذكر سيدي أبي القاسم الحفناوي أنه لما بعث سيدي أحمد بن عبد الله منظومته الجزائرية إلى العلامة سيدي محمد السنوسي طالبا منه شرحها أجابه الشيخ إلى مطلوبه، وأرسل إليه شرح، فقرضه بقوله:

شرح الكفـاية أيهـا المتديـن *.* تحصيله الفرض عليـك معـين
تجلو معاينة القلـوب من الصدا *.* و تنيرها و اللفـظ سهل بــين
ما هو إلا الروض يحسن منظـرا .*. من ذا يرى حسنا ولا يستحسن
يـا ناظريـه و كـاسبيه بغبطة *.* فـأعز من ثمن النفيس المثمــن
يجـزي مؤلفـه الإلـه بجنـة *.* دار النعيم بهـا تقر الأعين.

وقال أيضا يرثي شيخه سيدي عبد الرحمن الثعالبي:

لقـد جزعت نفسي لفقد أحبتي *.* وحق لها من مثل ذلك تجزع
ألم بنا ما لا نطيـق دفـاعـه *.* وليس لأمر قدرالله مرجع
جرى قدر المولى بإنفاذ حكمه *.* ومن حكمه أنا نطيع و نسمـع
فـلا تعجبن إلا لغفلتنـا التي *.* دهتنا فصرنا لا نخاف ونسمـع
قلوب قست مـا إن تلين وإنهــا *.* لتعلم أن القبر مثوى و مضجع
وإن الفناء الخلق حتما وإنمـــا *.* دوام البقـا حقا إلى الله يرجـع
ومن بعده هو القيامة واللقــا *.* فيا هول مـا نلقى وما نتوقـع
فدع عنك دنيا لا تدوم وإنهـــا *.* وإن أظهرت حسنا يروق ستخدع
ودع عنك آمالا فقد لا تنـــالها *.* وإن نلتها نلت الذي ليس ينفــع
وبادر لتقوى الله إن كنت حازمـا *.* هي العروة الوثقى بها النار تدفع
وشمر لأخرى واستمع قول ناصح *.* وحاذر هجوم الموت إن كنت تسمع
فأين خيار الخلق رسـلا و أنبيـا *.* وأين رواة العلم في اللحد أودعوا
فليس ذهـاب الخير إلا بفقدهـم *.* وتشتيت شمل العلم قل كيف يجمع
ولا خيـر في الدنيا إذا لم يكن بها *.* شموس بأنوار الشريعة تسطع
ليشوك قبض العلم عنا بقبضهــم *.* كما قالـه خير الأنام المشفع
لقد بان أهـل العلم عـنا بقبضهم *.* منازلـهم إنا إلـى الله نرجع
كما بان عنا شهمنا العـالم الـذي *.* سناه بأنوار الحقيقة يسطع
أبو زيد المشهور بالعلم والتقى *.* له العلم فينا والمقام المرفع
هو العالم الموصول بالنفع للورى *.* به عنهم خطب الحواث يرفع
صبور كريم النفس يكسي مهابة *.* فما إن يراه المرء إلا ويخضع
إذا ما بدا كالبدر بين صحابه *.* وهم هالة دارت به حين يطلع
بمجلسه نور ورائق لفظه *.* ضياء نفيس الدر بل هو أرفع
فوائده تترى عليهم وكلها *.* لها عند أهل العلم والفهم موقع
مجالس علم قد مضت فلو أنها *.* تعود ولكن ما مضى ليس يرجع
نتيجة إخلاص وصدق كأنها *.* سهام بها يرمى القلوب فتخشع
ويلمع في أثنائها بمواعظ *.* تنفر عن فعل القبيح وتردع
فيا له قبر الشيخ طوبي لمعشر *.* لهم من جوار الشيخ لحد ومضجع
أعزي أبا عبد الإله محمدا *.* ومن بجميل الصبر نرجو سيجمع
ونحن وإن كنا جميعا نحبه *.* فقلبك أشجى للفراق وأوجع
أصبنا به فالله يعظم أجرنا *.* ويلهمنا الصبر الجميل ويوسع
فيا سيدي إني رثوتك راجيا *.* سلو قليب من فراقك موجع
ولي فيك حب زائد متمكن *.* حوته سويداء الفؤاد وأضلع
لئن كان حظ العين منك فقدته *.* فإني برؤيا الروح في المنوم أقنع
على أنني بالأثر لا شك لا حق *.* ومن ذا الذي يرجوا البقاء ويطمع
فتسـألـه سبحـانـه بنيـه *.* عني بفراديس النعيم سنـجمع
ويغمرنـا والسامعين برحـمة *.* ننال بها الفوز العظيم و نرتع
وأهدي صلاتي للنبي محمد *.* لعل بها في حوضه العذب نكرع
وأصحابه الغر الكرام وآله *.* ومن كان للإحسان والحق يتبع
عليكم أبـا زيد الإمام تحية *.* ورحمة مولانـا الكريم تشفع.

مصادر الترجمة/

معجم أعلام الجزائر- ص 96 - الطبعة الثانية 1980م - شجرة النور الزكية 265 - الضوء اللامع 1 - البستان 238- هدية العارفين 1: 136 - كشف الظنون 1501 و 1539 - الأعلام للزركلي 1: 153 - معجم الؤلفين 1: 286 - تعريف الخلف برجال السلف لسيدي ابي القاسم الحفناوي - ج:1/ص:33- مطبعة بيير فونتانة الشرقية - الجزائر 1906م.
تكملة الموضوع

حمل كتاب عمدة أهل التوفيق والتسديد شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى للسنوسي التلمساني



- كتاب: عمدة أهل التوفيق والتسديد شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى.
- تصنيف: العلامة أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني.
- مطبعة: جريدة الإسلام بمصر سنة 1316هجرية.
- طبع على نفقة: أحمد علي الشاذلي الأزهري - صاحب مطبعة جريدة الإسلام.
- المصدر: مكتبة الإسكندرية الرقمية.

رابط التحميل

هنـــــــــا

نبذه حول الكتاب:

كتاب يشرح العقيدة الكبرى لصاحبها العلامة سيدي أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، وهي عقيدة أهل التوحيد التي دعا إليها جميع الأنبياء وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية وأنه لا إله إلا هو، وأن يعرف الخلق أنه هو الخالق لكل شيء ويعرفوا عظمته، ويفردوه بالعبادة، ويؤمنوا بصفاته... الخ.

ترجمة المصنف سيدي محمد بن يوسف السنوسي التلمساني


السنوسي (832 – 895 هـ)...(1428- 1490 م).


هو محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب أبو عبد الله السنوسي الحسني، ولد سنة 832هـ وتوفي سنة 895هـ بتلمسان. كان من كبار علماء تلمسان، تبحر في العلوم الدينية والعقلية، نشأ بتلمسان وتلقى العلم عن شيوخها فأخذ أولاً عن والده، ثم عن أبي نصر الزواوي، ومحمد بن تومرت الصنهاجي، والمغيلي المعروف بالجلاب، وأخذ القراءات السبع عن أبي الحجاج يوسف بن أبي العباس، والإسطرلاب عن أبي عبد الله الحباك، والأصول والمنطق والبيان والفقه عن الإمام محمد التالوتي، نسبة (لعين تالوت) قرب مدينة تلمسان، وعلوم كثيرة عن شيوخ أجلاء.

نقل ابن مريم أخباره في البستان فقال أنه كان جامعاً بين الشريعة والحقيقة، متضلعاً في العلوم الظاهرية والباطنية، مبرزاً في علم التوحيد والمعقول، وكان يعتبر التوحيد طريقاً إلى معرفة الله ومفتاح كل العلوم، كان الإمام السنوسي يكثر من الخلوة والتفكير لاكتشاف الحقائق، ومن طبائعه أنه حسن الخلق وكثير الحزن مستغرق التفكير، لا يجادل أحداً إلا أخرسه، جمع بين العلم والعمل والولاية، صبور على إذاية الناس ويشفق عليهم، كان السلطان يحترمه رغم أنه كان يرفض كل هداياه، ذكر المترجمون له من أمثال تلميذه الملالي في كتابه "المواهب القدسية في المناقب السنوسية" أن له ما لا يقل عن خمسين مؤلفاً وشرحاً اهتم فيها بالعقائد الكلامية والحديث والفقه والتفسير والمنطق والجبر والمقابلة ولإسطرلاب والطب والتصوف وغيرها.

ومن أهم آثاره العقيدة الكبرى المسماة عقيدة التوحيد والعقيدة الصغرى المعروفة بالسنوسية، وشرح صحيح البخاري لم يكمله، وشرح الأسماء الحسنى في كراسين، وشرح جمل الخونجي في المنطق، وشرح مقدمات الجبر والمقابلة لابن الياسمين، والعقد الفريد في حل مشكلات التوحيد، شرح للامية الجزائري، ومختصر في علم النطق، وشرح كلمتي الشهادة، ومكمل اكمال الاكمال، والمقدمات في التوحيد، وتفسير صورة (ص) وما بعدها من السور، ونصرة الفقير في الرد على أبي حسن الصغير، وشرح التسبيح وبر الصلوات، وشرح قصيدة الحباك في الإسطرلاب، ومختصر بغية السالك في اشرف المسالك، للساحلي، وشرح مشكلات البخاري في كراسين، ومختصر الزركشي على البخاري، ومختصر حاشية التفتازاني على الكشاف، ومختصر ابن عرفة، وشرح رجز ابن سينا في الطب لم يكمله، ومختصر في القراءات السبع، وشرح الشاطبية الكبرى لم يكمله، وشرح الوغليسية في الفقه لم يكمله، ومختصر الروض الآنف للسهلي لم يكمله، وشرح المرشدة والدر المنظوم في شرح الأجرومية، ونظم في الفرائض، واختصار الرعاية للحارث المحاسبي، وتفسير القرآن إلى قوله أولئك هم المفلحون، وتعليق على فرعي ابن الحاحب، وشرح ايساغوجي في المنطق، ومختصر الأبي على مسلم في سفرين، وشرح أبيات الإمام الأليري في التصوف، و المقرب المستوفي وهو شرح على الحوفية ألفه وهو ابن 19 سنة، وأم البراهين في العقائد، وحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكلام، والمنهج السديد في شرح كفاية المريد للجزائري.... وغيرها.

تتلمذ على يديه العديد من المشاهير مثل ابن صعد التلمساني صاحب النجم الثاقب و روضة النسرين، وأبو القاسم الزواوي، وابن الحاج العبدري التلمساني صاحب المدخل، وابن العباس الصغير وغيرهم، طبعت عقائده بالقاهرة وفاس في عدة طبعات، واهتم بها المستشرقون فترجمها لوسوياني (Lucciani) إلى الفرنسية عام 1896.

مراجع الترجمة:

ابن مريم، البستان، تحقيق محمد ابن أبي شنب، الجزائر: المطبعة الثعالبية، 1908. عادل نويهض، معجم أعلام الجزائر، ط 3، بيروت: 1983.

هوامش/

أبي عبد الله الحباك الملقب بشيخ الحسابيين والفلكيين:

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى المعروف بالحباك، ولد وعاش بتلمسان في القرن التاسع الهجري، تاريخ ولادته مجهول، فلكي له اهتمام بالإسطرلاب والحساب والهندسة، فقيه مالكي اشتغل بالفرائض، قال عنه ابن مريم بأنه "الشيخ الفقيه العالم العلامة الأجل الصالح العادل الفرضي العددي"، وذكر أنه كان أحد شيوخ الإمام محمد بن يوسف السنوسي، ووضح السنوسي أن الحباك لم يكن أول من ألف في الإسطرلاب ولكن كان كتابه أفضل رسالة قرأها في الموضوع، وهي بعنوان "بغية الطلاب في علم الإسطرلاب"، كما ألف الحباك شرحاً لتلخيص ابن البناء، وكتب في الأشكال الهندسية مؤلفاً عنونه "نيل المطلوب في العمل بربع المجيب" تناول فيه معرفة الجيب وجيب التمام، والسهم، والقوس، والوتر، واستخراج أحدهما من الآخر، والقطر وغيرها من المسائل التي لها علاقة بالارتفاع، والدوائر، والأوقات، وحركة الأفلاك،، قال الونشريسي أن الحباك توفي عام 867هـ، وأنه كان شيخ الحسابيين الفرضيين والفلكيين لمدة طويلة في بلاد المغرب الإسلامي.

المرجع/

ابن مريم، البستان، تحقيق محمد بن أبي شنب، الجزائر: المطبعة الثعالبية 1908. أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ط2، ج1، الجزائر: م.و.ك، 1985.

فائدة/

ذكر قصة وفاته رضي الله عنه:

قال الملالي: "كان ـ رضي الله عنه ـ أواخر عمره كثير الانقباض عن الخلق، لا يكاد ينبسط مع أحد كما كانت عادته قبل ذلك، وشقّ عليه الخروج إلى المسجد والصلاة، ولا يخرج إليه في بعض الأيام إلا حياء من الناس الذين ينتظرونه في المسجد للصلاة، ولمّا أحسّ ـ رضي الله تعالى عنه ـ بألم مرضه الذي توفي منه انقطع عن المسجد، فسمع الناس بمرضه فصاروا يأتون إلى المسجد فلا يجدونه فتتغير قلوبهم من فقدان الشيخ وعدم رؤيته لهم، فأخبر الشيخ بذلك فصار يتكلّف الخروج إلى المسجد للصلاة لأجل الناس، فإذا رأوه فرحوا وسُرّوا بخروجه ورؤيته، فخرج يوما وأتى لباب المسجد وأراد الصعود إليه فلم يقدر فقال: كيف أطلع إلى المسجد يا ربّ؟ أو كما قال، فهمّ بالرجوع إلى داره، فبدا له خوفا من أن يدخل على الناس حزنا برجوعه فتكلّف الصعود إلى المسجد وصلى بالناس صلاة العصر يوم الجمعة ولم يكمل الصلاة إلا بشق النفس، وهذه آخر صلاة صلاها، فرجع إلى داره فبقي إلى صبيحة يوم السبت من الغد فقرّبت إليه زوجته طعاما فقال لها: لا أقدر على شيء، فقالت له: وأيّ شيء بك؟ فقال لها: أنا تخلّفت! ثم غاب عن حسه فبقي على تلك الحالة النهار كله، ثم كلّمته زوجته وقالت له: ما الذي غيّبك عن حسك؟ ـ أو قريب من هذا، فقال لها: إن الملائكة قد صعدت بي إلى السماء الدنيا فسمعت قائلا يقول لي: اترك ما أنت عليه، فقد قرب أجلك، ثم قال: لا أستطيع أن أفسِّر لكِ بقية ما رأيت، أو كما قال، فقالت له زوجته: وما الذي أمرت بتركه؟ قال لها: قد تركت حبس ذلك المسجد لا آخذ منه شيئا أبدا. ثم إنه لازم الفراش من حينئذ إلى أن توفي.



ومدّة مرضه عشرة أيام، وفي كل ساعة يتقوى مرضه ويتضاعف ألمُه وتضعف قوّته وحركته ويقل لسانه، وهو مع ذلك ثابت العقل، يتأوّه ولا أنَّ بالكلية، ثم تجده مع ذلك يكلّم من كلّمه ويسلّم على من سلّم عليه أو يشير له، فلمّا قرب أجله بثلاثة أيام دخلته سكرات الموت، فرجع يتأوّه بالقهر ويميل يمينا وشمالا، فنظرت إليه وقد احمرّت وجنتاه واشتدَّ نَفَسُه وتقوّى صعوده وهبوطه، فلم أملك صبرا على البكاء مما عاينت من شدة مقاساته وعظيم صبره على ذلك، ففارقته وظننت أنه لا يبقى تلك الليلة وكانت ليلة السبت، فبقي في النزع تلك الليلة والأحد إلى بعد العصر، فكان ابن أخيه يلقنه الشهادة مرة بعد مرة، فالتفت الشيخ له وقال بكلام ضعيف جدا: وهل ثمّ غيرها؟! يعني أنه ـ رضي الله تعالى عنه ـ ليس بغافل بقلبه في هذا الوقت وإن كنت لم أنطق بها اللسان، فحينئذ استبشروا بذلك وعرف الحاضرون انه ثابت العقل ليس بغافل عن الله سبحانه، وكانت بنته ـ رضي الله عنها ـ تقول له حينئذ: تمشي وتتركني؟ فقال لها: الجنة تجمعنا عن قريب إن شاء الله تعالى. وكانت في يده ـ رضي الله تعالى عنه ـ سبحة فلمّا اشتد مرضه سقطت السبحة من يده، فبقي كذلك، ثم التفت إلى السبحة فلم يجدها في يده، فقال: مشت العبادة يا محمد! يعني نفسه.

وكان ـ رضي الله عنه ـ يقول: عند موته: نسأله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بكلمتي الشهادة عالمين بها.



وتوفي ـ رحمه الله ورضي عنه ـ يوم الأحد بعد العصر، الثامن عشر من جمادى الآخرة من عام خمسة وتسعين بعد ثمان مائة (895هـ) ، وأخبرتني والدتي ـ رحمها الله تعالى ـ عن بنت الشيخ ـ رضي الله عنها ـ أنها شمّت رائحة المسك في البيت بنفس موت أبيها، وشمّته أيضا في جسده ، والله تعالى أعلم.

نسأله سبحانه أن يقدّس روحه وأن يسكنه في أعالي الفردوس فسيحه، وأن يجعله ممن يتنعّم في كل لحظة برؤية ذاته العلية العديمة النظير والمثال، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، وأن يجمعنا معه بفضله وكرمه في أعلى المنازل الفاخرة بجاه سيدنا ونبينا ومولانا محمد ـ صلى الله عليه وسلم وعلى آله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" ـ. اهـ

المصدر/

الفصل الرابع عشر من كتاب "شرح المقدمات" للإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني - تحقيق نزار حمادي - تقديم الأستاذ سعيد عبد اللطيف فودة - مؤسسة المعارف بيروت لبنان.
تكملة الموضوع

حمل كتاب واسطة السلوك في سياسة الملوك لأبو حمو موسى الزياني التلمساني



- كتاب: واسطة السلوك في سياسة الملوك.
- تصنيف: الإمام موسى بن يوسف أبو حمو الزياني العبد الوادي التلمساني.
- دار النشر: طبع بمطبعة الدولة التونسية بحاضرتها المحمية سنة 1279.
- مصدر الكتاب: مكتبة جوجل.

- رابط التحميل-

هنـــا



ترجمة المصنف:

* حمُّو (أبو) الثّاني (723-791هـ) - (1323- 1389).

موسى (الثاني) بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيي بن يمغراسن بن زياد، أبو حموا: مجدد الدولة الزيانية ( العبد الوادية) في تلمسان، وثالث ملوكها في دورها الثاني، ولد في غرناطة ( بالأندلس) وكان أبوه معبدا إليها منذ 718هـ (1318م).



انتقل إلى تلمسان، في سنة ولادته، مع أبيه، فنشأ بها ودرس على أشهر علمائها مبادئ العربية والعلوم الدينية، استولى بنو مريم على تلمسان (سنة737هـ) فشهد زوال دولة أبائه الأولى في عهد تاشفين، وخرج مع أبيه وكثير من أبناء قبيلته إلى فاس، وفيها واصل دراسته، وعاد مع أبيه إلى تلمسان سنة 750هـ ثم استقر معه بندرومة، واستولى بنو مرين من جديد على تلمسان، فخرج أبو حمو إلى تونس ووصلها في 6 شوال 753هـ، وأعانه معاصره فيها من ملوك بني حفص، على القيام لاسترداد بلاده من أيدي بني مرين، فغادر تونس سنة 758هـ على ناحية الجريد، ثم كورة تبسّة، ومنها تحرك في جموع من القبائل إلى نواحي قسنطينة وبجاية، ودعي من قومه لإنقاذ تلمسان، فزحف على جهة فاس، سالكا دروبا مختلفة، كان يشن منها الغارات على بني مرين وأنصارهم، فبايعه كثير من العرب وأذعنوا له، ولما دنا من تلمسان، استولى قسم من جيشه على أغادير، ومنها اقتحموا تلمسان في مطلع ربيع الأول سنة 760هـ (1359م) فتلقاه الرؤساء والولاة بالبيعة والتسليم عليه بالإمارة، وانتظمت الدولة في أيامه واستقرت، وضمن لرعيته الأمن والرخاء والازدهار، وخرج ابنه عبد الرحمن عليه فاضطر لقتاله، فالتحق عبد الرحمن بفاس مستنجدا ببني مرين، فانطلق معه جيش منهم، واشتبك أبو حمو في معركة في ناحية الغيران، بجبل بني ورنيد، المطل على تلمسان، وهناك كبابه فرسه، فسقط على الأرض، وأدركه بعض أصحاب ابنه عبد الرحمن، فقتلوه قصعا بالرماح (أول ذي الحجة) وأرسلوا رأسه ورأس ابن آخر له اسمه عمير إلى فاس، فطيف بهما على رمحين، ومدة ملكه 31 سنة.

له كتاب (( واسطة السلوك في سياسة الملوك)) أّلفه حوالي سنة 765هـ وأودع فيه آراءه السياسية، وضمنه بعض قصائده الشعرية،" وهو كتابنا اليوم" وأكثر شعره يوجد في (( زهر البستان)) و ((نظم الدر والقيعان)) و (( بغية الرواد)) و((أراح الارواح)).



كان فطنا، أديبا، وبطلا باسلا، ذا كرم ومروءة وسياسة ودهاء، ليّن العريكة، كريم الأخلاق.

المصدر:

معجم أعلام الجزائر - عادل نويهض - الطبعة الثانية - 1400 / 1980م.
تكملة الموضوع

حمل كتاب شرح منظومة سيدي محمد الإمام المنزلي في آداب المريدين



- كتاب: شرح منظومة سيدي محمد الإمام المنزلي في آداب المريدين.
- تصنيف: العلامة سيدي عبد القادر المجاوي التلمساني.
- دار النشر: المطبعة الرسمية التونسية (الطبعة الأولى) سنة 1314هـ.


رابط التحميل

هنــا



جاء في مقدمته:

الحمد لله الذي هدى من أراد سعادته، وقرب من أحب وقايته، وخص أقواما بالعناية، وجعلهم مصدرا للدراية، وسير أفئدة المقربين سماء العرفان، وزينها بشموس البيان، ووسع دوائر أفهامهم بالمعارف، ونور بصائرهم بالنكت واللطائف، والشكر له على نعمة الإتباع، ومجانبة المخالفة والابتداع، والصلاة والسلام على ينبوع الأنوار وأساس الفضائل والأسرار، سيدنا محمد المنتقى، وعلى آله وأصحابه وكل من صدّق به واتقى.



وبعد فيقول الملتجئ لرحمة ساتر المساوي، عبد القادر بن عبد الله بن محمد الجليلي المجاوي، هذا شرح فيه قصور واختصار، لعدم التمكن من علوم تهذيب النفوس وتسوس الأفكار، لكن الثقة باللطيف الخبير، أن يجعله وصلة للمريد البصير، فيه إن شاء الله يرقى درجة الكمال، ويتنسق سلك عقد الرجال، على قصيدة الإمام العلامة الهمام، العابد الناسك المتبرك به بين الأنام، سيدي الإمام المنزلي قدوة أهل الطريق، ذي العلوم والمعارف والتحقيق، في آداب المريدين، وتهذيب أخلاق المحبين، وجعلها خارجة عن قانون النظم الموزون، على ما جرى به العرف من الشعر الملحون، قصد بذلك نفع المبتدئين، وسداد خلل المريدين، فالله يكمل لنا المقصود، بجاه المقام المحمود، قال رضي الله عنه:

نبدأ قولي باسم الله ..*.. ما لنا رب سواه
مولانا جل ثناه ..*.. هو رب العالمين

افتتح قوله باسم الإله المعبود لما ورد أن الأمور المهمة تطلب بدايتها باسمه تعالى وقد تواتر في ذلك من الأخبار النبوية ما لا يخفى قوله ما لنا رب سواه معناه ليس للمخلوقين خالق موجود سوى الإله المنفرد بالألوهية جلّ ثناؤه إذ هو منشئ العالمين ...

ويقول في آخره:

وارض عن أهل الأسرار ..*.. في القرى وفي الأمصار
أهل البر والبحار ..*.. وجميع الصالحين

الأسرار جمع سر وقد تقدم معناه آنفا وأهل الأسرار هم أكابر الأولياء والكائنين في القرى جمع قرية وفي الأمصار جمع مصر وهي المدينة الكبيرة كمصر والشام والعراق وفاس وبغداد المتصرفين في البر والبحر كسيّدنا الجيلي رضي الله عنه وأرضاه وجعلنا في حماه، منه وكرمه ثم عمم فقال وجميع الصالحين الحمد لله على التمام وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.اهـ.

ترجمة الشيخ سيدي عبد القادر المجاوي: (1848- 1913).

أفرد سيدي أبي القاسم الحفناوي في كتابه تعريف الخلف برجال السلف في الجزء الثاني منه ص/446 ترجمة وافية لوالد المؤلف وهو العلامة محمد بن عبد الكريم المجاوي التلمساني، وجاء في آخر هذه الترجمة نبذة حسنة خصها للتعريف بسيدي عبد القادر المجاوي صاحب كتابنا اليوم، ذكر فيها مولده ووفاته ومناقبه رضي الله عنه وجملة من آثاره التي تركها وكذا أسماء المشايخ والعلماء الذين تتلمذوا على يده كما سيأتي لاحقا.

محمد بن عبد الكريم المجاوي التلمساني:



أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم ين عبد الرحمن المجاوي الجليلي الحسني ولد بتلمسان سنة 1208، وحفظ القرآن على والده، وعنه وعن أخيه العلامة الحاج أحمد أخذ مبادئ العلوم ثم توجه إلى فاس طالبا للعلم، وأخذ فيها عن مشائخ جلة، منهم حمدون بن الحاج السلمي، و سليمان الحوتي، و الحافظ الحجة الحاج الطيب ابن كيران وعن غيرهم، و لما تضلع في علوم شتى رجع إلى تلمسان مسقط رأسه، وتولى قضاءها من خمس وعشرين سنة، وله مآثر حسنة يشهد له بها أهل بلده ولم يمنعه القضاء عن التدريس في مدته كلها، وتخرج عليه كثير من العلماء الأجلة، ثم رجع إلى فاس و تولى فيها خطة التدريس بجامع القرويين المعمور،وأخذ عنه علماء عارفون كالشيخ قنون الشهير والشيخ الحاج صالح الشاوي، والشيخ الحاج محمد بن عبد الواحد بن سودة، والشيخ محمد العلوي قاضي فاس، و الشيخ جعفر الكتاني وغيرهم، ثم ولي قضاء طنجة.

وترجم له أحد تلامذته الفقيه العلامة السيد أحمد بن حسنون قاضي وازان في تأليف له، ذكر فيه جملة من مشائخه رحمهم الله بما نصه:
ومنهم الشيخ العلامة الحافظ المدقق الفهامة أبو عبد الله سيدي بن محمد المشاوي الحسني التلمساني، أسكنه الله دار التهاني، له ذهن يكشف الغامض الذي يخفى، ويعرف رسم المشكل و إن كان قد عفا، أبصر الخفيات بفهمه، وقصر فكره على خاطره و وهمه فجاء بالنادر الذي أعجز، وتلون في حلل الكلام الطويل و الموجز مع جمعه لأوصاف المكارم التي لم ينادمه في تعطيها منادم، ولم يوازه فيها بحر زاخر ولا قمر زاهر، وهي التي جمعها قول الشاعر:

إن المكارم أخلاق مطهـرة ..*.. فالدين أولهــا و العقل ثانيها
والعلم ثالثها و الحلم رابعها ..*.. والجود خامسها و العرف ساديها
والبر سابعها والصبر ثامنها ..*.. والشـكر تاسعها والدين عاشيها

كانت له اليد الطول في جميع العلوم، ومهما أخذ في تدريس فن حسبته لا يعرف سواه، وأنه أفنى عمره فيه، وما ذلك إلا لتضلعه واطلاعه، يأتيه الأشياخ في ما يستشكلونه من الغوامض فيزيل ما خالج قلوبهم من العوارض، فيذهبون ولسان حالهم ينشد قول أبي الطيب:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ..*.. فإن المسك بعض دم الغزال

قرأت عليه مختصر خليل من باب الزكاة إلى الخيار البيوع، وكان يطالع له الكتب المتداولة كالخرشي، وعبد الباقي في حواشي البناني، والسنهوري، والشبرخيتي، ذا عتناء بالجميع، و قرأت عليه مختصر السعد بتمامه، وبعضا من ختمة أخرى، وكان يعتمد في ذلك على المطول، وحواشي الفناري، وحواشي ياسين على المختصر، وعروس الأفراح لابن السبكي، وشرح الولالي على القزويني، وبعض الشفا للقاضي عياض، بالشهاب أفاندي، وحاشية بن التلمساني، وجمع الجوامع بالمحلي من الحروف إلى النسخ، وابن أبي شريف عليه، وحواشي العبادي، وحواشي البناني المصري، وهو أول من أظهرها بفاس فاشتهر أمرها، ونحو الربع من الخلاصة بالتصريح، وحواشي ياسين عليه، وحواشي الصبان، وحواشي شيخه ابن كيران، وكان يعترض عليه كثيرا قراءة تحقيق وتدقيق في الجميع، فلقد كان في المطالعة والحفظ فريد عصره وأعجوبة دهره، سمع منه الثقاة أنه لما ولي خطة القضاء بمدينة تلمسان، حفظ المعيار في خمس ليال في كل ليلة سفرا، وهذا غاية العجب، ومن نظمه متوسلا عدى البيت الأول والأخير:

بمحمد و ببنته وببعلها ..*.. و ابنيهما السبطين أعلام الهدى
وبأهل بدر والصحابة كلهم ..*.. و التــابعين لهم دواما سرمدا
وبعبدك النعمان ثم بمالك ..*.. و الشافعي قطب الوجود وأحمدا
وبغوثنا وبشيخه وابن حرزهم ..*.. وبجده عبد السلام الزاهدا
وبصاحب التوحيد والعلم والـتقى ..*.. ذاك السنوسي بالمكارم قد بدا
وبجاه أحمد الحبيب وشيخه ..*.. وبسرهم يا رب خذ جملة العدا
وبجاه اسمك العظيم ومن به ..*.. متخلق يا رب يــا سامع الندا
فرج كروب المسلمين وحزبهم ..*.. يــا خير من مد العصاة له اليدا

ولما ختم السعد قال فيه بعض رفقائنا و أحبابنا من تلامذته بعد أبيات:

لقد عمت دواعي وداد سعدا ..*.. عموم علوم من قد حاز مجدا
أي الفتح المجاوي من أضاءت ..*.. شموس علومه فازداد حمدا
إمام ماجد شيخ جليل ..*.. همام بارع فخر معيدا
بليغ مصقع علم شهير ..*.. وكعبة من يروم الرشد قصدا
سمو باسمه سما سماء ..*.. بفجر محمد شكرا وحمدا
ويدعى نجل عبد الله فاعجب ..*.. بمن جادت تلمسان عنا جودا
أصيل لوذعي بحر علم ..*.. جواد جل ما أعطى وأسدا
منزه مبجل نزيه القدر بر ..*.. حليم ضم حكمه وزهدا
لقد أرجت سجاياه واستطابت ..*.. وفاق مآثرا عمرا وزيدا
فليس له شريك في المعالي ..*.. ولم يرقى المعاني سواه جلدا
لقد ورث المفاخر عن أباء ..*.. كرام قد قفوا في ذاك جدا
لقد ورث المفاخر عن أباء ..*.. كرام قد قفوا في ذلك جدا
هو الفذ الإمام بكل فن ..*.. ولم تخلف له الأزمان ندا

وهي طويلة قرأ على الشيخ سيدي عبد السلام اليازمي مختصر خليل وقرأ هذا الشيخ عليه الجمل والسلم كما أخبرنا هو بذلك وقرأ المعقول والمنقول على العلامة الشيخ الطيب بن كيران، وعلى الشيخ الزروالي وعلى سيدي حمدون بن الحاج وعلى غيرهم، ولي خطة القضاء بثغر طنجة، وخرج لها من فاس في الربيع النبوي عام 1262، و بقي قاضيها و مدرسا و خطيبا إلى أن هجم عليه المنون في ثالث وعشري رجب عام 1267اهـ. من خط تلميذه المذكور، وبالجملة فإن الشيخ المذكور كان آية وعليه الفتح الكثير، يدل لذلك من نبغ عليه من الطلبة، وكان يميل إلى التصوف كثيرا رحمه الله رحمة واسعة.

وترك ولده الصالح الشيخ عبد القادر، فسار على قدمه في طلب العلم حتى بلغ شاوه، وزاد عليه فنونا، ورجع إلى أصله و مسقط رأس أبيه، واستقر في قسنطينة عالما مفيدا وأخيرا في الجزائر، وهو الآن فيها.



ولد الشيخ عبد القادر سنة 1267، وقرأ على الشيخ قنون وسيدي الحاج صالح الشاوي، وسيدي الحاج أحمد بن سودة، وسيدي جعفر الكتاني وغيرهم وألف "إرشاد المتعلمين" في مبادئ العلوم، و"نصيحة الإخوان" شرح قصيدة سيدي محمد المنزلي التونسي في التصوف، و "الفريدة السنية في الأعمال الجيبية" و"الدرر النحوية شرح الشبراوية" و"تحفة الأخيار في الجبر والاختيار" و"شرح المجرادية في الجمل" وغير ذلك، وتولى تدريسجامع سيدي الكتاني في قسنطينة سنة 1292 وتولى في المدرسة الكتانية سنة 1295، وتولى خطة التدريس في القسم العالي من المدرسة الثعالبية في الجزائر سنة 1315.

وتخرج عليه كثيرون منهم السادة: حمدان الونيسي، وأحمد الحبيباتني، والمولود ابن الموهوب المدرس للآن في الكتانية، والحاج أحمد البوعني، ومحمد بوشريط بن عامر، والسيد عبد الكريم باش تارزي مفتي حنفية قسنطينة، وحمو ابن الدراجي قاضي حنيفة الجزائري والشيخ السعيد ابن زكري المدرس في الثعالبية.

المصدر/

تعريف الخلف برجال السلف لأبي القاسم الحفناوي - مطبعة بيير فونتانة الشرقية - الجزائر- الجزء الثاني- ص/446.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |