من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة سيدي الأخضر بن خلوف من أعلام مستغانم


سيدي الأخضر بن خلوف من أعلام مستغانم

مقدمة وتعريف

ركب الولي الصالح لخضر بن خلوف عادة قديمة وثقافة عريقة ضاربة بجذورها في أعماق سكان مستغانم بالغرب الجزائري مع كل ما يتطلبه ذلك من قيم دينية وروحية، فالامر يتعلق برمز ليس كبقية الرموز، له علاقة بعادات وتقاليد ورؤي وعقليات أهالي الظهرة يهدف إلي تخليد مآثر أحد أشهر أعلام المنطقة والمغرب العربي.
ويبدأ الركب بتجمع العديد من الناس يتقدمهم أحفاد الولي الصالح في مكان يعرف بحي تحديت ويتجهون إلي زاوية سيدي بلقايم ثم سيدي تغنيف واخيرا سيدي لخضر حيث يوجد ضريح لخضر بن خلوف.
وأول ما يتراءي للسائرين لحظة وصولهم إلي مقام لخضر بن خلوف نخلته الشهيرة التي تطل من الضريح، حيث أوصي بأن يدفن بالقرب منها وقد ذكر ذلك في أحد قصائده "النخلة المثبتة من بعد اليبوس حذاها يكون قبري يا مسلمين". وقد اقترن وجود هذه النخلة بمادح الرسول (صلي الله عليه وسلم)، حيث امتد جذعها كالحارس الأمين والأبدي لضريح الولي الصالح- وقد تعرضت إلي القطع خلال السنوات الأخيرة، لكنها سرعان ما عاودت الظهور ونمت من جديد.
بعد الوصول إلي المقام يجتمع أتباع هذا الولي في حلقات ذكر يتلون كتاب الله، ويتذكرون مناقب هذا الرجل الصالح الذي جمع بين الدين والدنيا، بين التصوف والجهاد، وتختتم السهرة بإحياء بوصلات غناء شعبي مستمد من الديوان الشعري للولي الصالح. واللافت في هذا الصدد أنّ القائمين علي ركبة لخضر بن خلوف أشد حرصا علي تنظيم حفلة غنائية لاشهر قصائده، يختتمها عادة المطرب معزوز بوعجاج بقصيدة الوفاة. فديوان شعر لخضر بن خلوف شكّل علي مر العصور مصدر إلهام لعشرات مطربي الغناء الشعبي في الجزائر، يمكن أن نذكر منهم قطب الاغنية الشعبية (المدرسة العاصمية) محمد العنقي، والهاشمي قروابي، وعمار الزاهي، وبوجمعة العنقيس.
كما تنظم في هذه المناسبة تنظيم ندوات ومحاضرات يشارك فيها أساتذة الجامعات وباحثون مهتمون بالتراث الشعبي وبسيرة الاولياء الصالحين في الجزائر، وهي فرصة بالنسبة لأبناء المنطقة والاجانب والجالية المقيمة بالمهجر لاكتشاف مناقب ومآثر هؤلاء.
وحسب المتخصص في شؤون التصوف والمتصوفة سعيد جاب الخير، فقد كان للطرق الصوفية تأثير كبير علي الثقافة الشعبية والفنون في الجزائر والمغرب العربي، مضيفا أن المرجعيات الصوفية من الزهاد والعارفين وشيوخ الطرق، توسلت منذ وقت مبكر بالفنون والثقافة الشعبية لتقوم بوظيفتها في نشر وتجذير خطابها الديني والروحي والاجتماعي وحتي السياسي أحيانًا في صفوف الفقراء الذين شكلوا، برأيه، الخزّان الذي لا ينضب والمحرّك الأقوي لدواليب الحركة الصوفية من خلال تركيز شيوخ الطرق عليها والتصاقهم بها في اليومي المعيش وحتّي في الشعار الذي اختاروه لأنفسهم وتسموا به (الفقراء). واستشهد الباحث بعمق التأثير الصوفي في الفنون والثقافة الشعبية الجزائرية، حيث لا يزال الجزائريون إلي يومنا هذا يستعملون في لغتهم العامية كلمات وتعابير من أمثال (بابانا، بابا سيدنا، مول الزمان، مول الساعة، مول السر، مول الحال، الوالي، القبة، الديوان، الحضرة، القناوية..الخ).
ولد لخضر بن خلوف، واسمه الحقيقي أبومحمد لكحل بن عبد الله بن خلوف المغراوي من اشهر وكبر الاولياء الصالحين في الجزائر، في حدود سنة 899 هجرية (1479 ميلادية) وتوفي في سنة 1024 هجرية الموافق ل(1585 ميلادية)، وبالتالي فقد عاش كل القرن التاسع الهجري مثلما أكده هوفي احدي قصائده، ما يعني أنه كان شاهدا علي واقعة مزغران.
ينحدر هذا الولي الصالح من قبيلة الزعافرية، عاش 125 سنة وستة أشهر، قضي الجزء الاكبر منها في بلدة مزغران، ويعتبر أحد حراس مدينة مستغانم السبعة، وهومحبوب في كل منطقة المغرب العربي بفضل اشعاره التي تخطت شهرتها حدود مسقط رأسه بل وكل الجزائر.
تزوج بن خلوف امرأة تدعي "غنو" وهي ابنة الولي الصالح سيدي عفيف شقيق سيدي يعقوب الشريف المدفون بغرب مدينة سيدي علي. وقد رزق منها ببنت اسمها حفصة، وأربعة ذكور هم (احمد، محمد، أبا القاسم، الحبيب) وهي كلها اسماء النبي عليه الصلاة والسلام، أما ابنته فاسمها حفصة.
وسمي لخضر بدلا من اسمه الاكحل، وذلك راجع إلي سنة حميدة للنبي صلي الله عليه وسلم، تقضي باتباع الفال الحسن، فالأكحل معناه الاسود ويرمز إلي الجحيم، عكس لخضر الذي هو لون الإسلام والسلام.
لم يكن بن خلوف متصوفا وحسب، لقد جاهد في صفوف جيش حسن باشا ابن خير الدّين بابا عروج في معركة مزغران الشهيرة التي وقعت في الثاني من ذوالقعدة الموافق ل22 أغسطس 1558 ميلادية. ففي هذه المعركة قضي الكونت الاسباني ألكودات وشهدت هزيمة الجيش الملكي. وقد وصف بن خلوف في إحدي قصائده الشهيرة معركة مزغران وصفا دقيقا، وشبهها بغزوة بدر الكبري.
وووفقا للروايات التاريخية فقد انطلقت الحملة الإسبانية من وهران (عاصمة الغرب الجزائري) بقيادة الكونت دالكوديت الذي جر وراءه جيشا مدججا بالأسلحة والمدفعية قوامه 12 ألف جندي، بالإضافة إلي سفن حربية راسية بخليج ارزيوتراقب الوضع عن قرب لتأمين الشريط الساحلي ولتزويد العساكر بالذخيرة والمؤن، قبل أن تعترضها السفن الجزائرية، وبعد مقاومة قصيرة استسلمت سفن الغزاة فكانت الهزيمة والغنيمة مما حفز وشجع المجاهدين الجزائريين، ونزل ذلك كالصاعقة علي الإسبان فانهارت معنوياتهم قبل الدخول في المعركة.
وحسب ما رواه مؤرخون لالراية فقد كانت معركة مزغران سباقا ضد الساعة، فالقوات الإسبانية حاولت التحرك والتقدم بسرعة لاحتلال مستغانم، والتمركز بها، قبل وصول المجاهدين الجزائريين، ووصلت فعلا إلي أبواب المدينة يوم 22 أوت 1558 فاصطدمت بمقاومة شعبية نظمها الأهالي بمشاركة المتطوعين الذين قدموا من المناطق المجاورة، وأسفرت عن وقوع خسائر فادحة في صفوف الطرفين.
ويضيف هؤلاء أنّ كفة المعركة تؤول لصالح الإسبان، غير أنّ وصول المجاهدين الجزائريين ساحة المعركة ودخولهم في مواجهة حامية انتهت بإحكامهم السيطرة علي مشارف المدينة ومداخلها، فتمكنوا من إلحاق خسائر فادحة بصفوف العدوالذي تراجع وتقهقر إلي الوراء واستحال عليه اقتحام أسوار مستغانم.
وفي صبيحة يوم 24 أغسطس تشتت صفوف الجيش الاسباني وضاق عليها الخناق ودارت رحي المعركة التي شارك فيها البحارة المجاهدون بعد أن تركوا سفنهم فما كان من الإسبان سوي الفرار باحثين عن مخرج، غير أن المجاهدين طاردوهم إلي مزغران فقتل الكونت دالكوديت الذي داسته الأقدام ولم يتم التعرف عليه إلا بعد انتهاء المعركة في 26 أغسطس 1558، كما أسر ابنه دون مارتن بعد أن بلغ عدد القتلي والأسري 12 ألف.
كتب بن خلوف المئات من الابيات والقصائد، حكي في بعض منها مغامراته وحياته، لكنه خصص الجزء الاكبر منها لمدح سيد الانام عليه الصلاة والسلام، وعرف بمادح النبي صلي الله عليه وسلم. لقد جعل بن خلوف الشعر الشعبي أوما يعرف بالشعر الملحون في متناول الجميع، كما عرّف بكبار شيوخ هذا الفن من أمثال المغراوي، المجدوب، النجار، سيدي معمر وغيرهم كثير. فهوأحد الحراس السبعة لمدينة مستغانم.
واللافت أنّ شعر الولي الصالح لخضر بن خلوف بسهولته وحسن سبكه ورقّة الألفاظ وخفّة الأوزان ممّا اكسبه شهرة كبيرةً وانتشارّا واسعا. وفي هذا الصدد، يشير كتاب " سيدي لخضر بن خلوف حياته وقصائده" الصادر حديثا عن دار الغرب للنشر، أنّ إنتاج سيدي لخضر بن خلوف الشعري تأثر بنزعته الصوفية، فانقطع إلي مدح النبيّ صلّي الله عليه وسلم ولم يخرج عن ذلك إلاّ في قصيدة قصّة مزغران التي طرق فيها فن الحماسة تلك المعركة الشهيرة التي انتصرت فيها القوات الجزائرية ضد القوات الاسبانية وذلك يوم 28 أوت 1558م .
وتذكر بعض الروايات أنّ الوالي الصالح سيدي بومدين الشعيب كان له عظيم الاثر في نزعة لخضر بن خلوف الصوفية، وتوجيه ملكته الشعرية نحومدح النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يؤكد أنه رأه في المنام 99 مرة.
غير أنّ رواية أخري تقول إنّ ابن خلوف وبومدين شعيب لم يلتقيا جسديا بل التقيا في عالم الاوراح، باعتبار أنه عاش في القرن السادس عشر والثاني عاش في القرن الثامن الميلادي.
وكان بن خلوف، وفقا للروايات التاريخية، كثيرا ما يقف علي شاطئ البحر المتوسط متأملا في امواجه وزرقة مياهه، معترفا أن هذا البحر هو بحرهم أي الروم، ملقيا ببصره غربا تجاه المحيط الأطلسي الذي كان يسمي بحر الظلمات، متأملا في ملكوت الله، زاهدا في هذه الدنيا، قائلا :

قدر ما في بحر الظلام
من هوايش وحيتان بلا قدر عايشين
مع الموجات بلا زمام
وعدد الرملة والأحجار اللي كاينين
ومن بين أشهر قصائده
قصيدة بعنوان : قدر ما في بحر الظلام التي يقول فيها
قدر ما في بحر الظلام
من هوايش وحيتان بلا قدر عايشين
مع الموجات بلا زمام
وعدد الرملة والأحجار اللي كاينين
وقصيدة الصلاة والسلام التي يقول فيها
صلي الله علي صاحب المقام الرفيع
والسلام علي الطاهر الحبيب الشفيع
قدر الداعي والمدعي ومن هوسميع
قدر الشاري في السوق ومن جا يبيع
قدر الطايع للحق راه في أمره سميع
قدر ما قبضت اليد الكافلة بالجميع
قدر الحلفة والدوم والزرع والربيع
وقصيدة أخري في مدح النبي صلي الله عليه وسلم بعنوان
اختارك الواحد الأحد، يقول فيها
اختارك الواحد الأحد
سبحانه الجليل الفرد الصمد
لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد
أنت العزيز يا محمد
ما أعز منك إلا رب العباد
سعدي بسيدنا محمد
أنت العزيز يا معزوزي
عزك بالدوام رب العزة
سماك علي الرسل افروزي
نطفة من النعيم مفروزة
الأبيات من مديحك تجزي
والخير الكل من يجزا
مشغوف بك ماني رايد
سوي الجليل وأنت نعم المراد
زعزعتها وزير وقايد
نمدح النبي علي رؤوس الأشهاد
سعدي بسيدنا محمد

من كرامات هذا الولي الصلح شاهدهذه النخلة العجيبة التي خرجت من قبر ه.



قصيدة الأمانة

يقول لخضر بن خلوف في هذه القصيدة:

آه يا سعدي وفرحتي بهذا الملقي فيها شلا نصيب من نعايم الأسرار
كنت علي كل يوم تاخذني ضيقة مكاوية منورة بنور الأسرار
حتي جاد الإلاه من له البقا نعم عليا بصورة إمام الجدار
شديت علي عمامتي وركبت مهري سريع ساري للفتنة
وطلعت جبال عزالتي سيفي في يدي مشهره عز الشطنة
الاحد والاثنين والثلاثا والاربعا وانا بين الاجبال سايح طول الليل
عيني علي العاشقين سخفت بالدمعة تري الافضال من الغيوب جيل بجيل
دخلت تلمسان بنهار الجمعة في جبل حنيف بت ساجد طول الليل
غير انايا وسبحتي طلع عليا الصبح واديت السنة
لا حالة كيف حالتي تفكرت اصحاب قانتي في مزغنة
يوم الجمعة طلعت ساري للعباد ثما نادي وهب لي بومكحلة
نصيب مغارة مجاورة سيدي عباد وكفيت علي السجود ما لاح للقبلة
ونظرت خيال جاي يفرفد كالفرفاد يا محسنه بزين مكمول الطولة
ومكنت له بريتي منين فراها انا وإياه تسالمنا
وعجباته جماعتي قضيت منه مسايلي وتعاهدنا
بتنا متذاكرين الليل وما طال علي دين النبي أحمد طه المبرور
قال أنا بومدين أصلي من الأفضال في الأندلس همتي فيها مذكور
قلت أنا بن خلوف مداح المرسال هاويني بالحديث يا مصباح النور
كي ينظر في صيفتي يوجدها نحيلة سقيمة من الامحانا
من فراق اولادي وغربتي بعد كمال الحديث هب لي اليد اليمني
بعد كمال الحديث قالي يا لكحل خوذ الأمانة وسير بها بإذن الله
مية وعشرين شيخ من والي كامل طبعولك بالنصيف ها الكاغط اقراه
وتمم الختمة الشفيع المفضل سقاك بالسر الزمزمي رسول الله
اديت منه أمانتي وثنيت علي الرحول بعدما تعاهدنا
وشديت اطراف ناقتي مع بومدين بكيت يوم تفارفنا.


والحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد، سيد الوجود، وفيض المدد والجود، ورضي الله عن الخاصة من هذه الأمة السابقين منهم واللاحقين...
تكملة الموضوع

ترجمة سيدي الشيخ محمد الهاشمي التلمساني رحمه الله تعالى




ولادته رحمه الله تعالى :

ولد سماحة الأستاذ المرشد الكبير سيدي محمد بن الهاشمي قدس الله روحه من أبوين صالحين، كلاهما من آل بيت النبوة، يرجع نسبهما إِلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، يوم السبت 22 شوال 1298هـ في مدينة سبدو التابعة لمدينة تلمسان، وهي من أشهر المدن الجزائرية. وكان والده من علمائها وقاضياً فيها، فلما توفي ترك أولاداً صغاراً، والشيخ أكبرهم سناً.
بقي الشيخ مدة من الزمن ملازماً للعلماء، قد انتظم في سلكهم جاداً في الازدياد من العلم، ثم هاجر مع شيخه محمد بن يَلِّس إِلى بلاد الشام فاراً من ظلم الاستعمار الإِفرنسي، الذي منع الشعب الجزائري من حضور حلقات العلماء وتوجيههم. وكانت هجرتهما في 20 رمضان سنة 1329هـ عن طريق طنجة ومرسيليا، متوجهين إِلى بلاد الشام. فمكثا في دمشق أياماً قلائل، وعمِلَتْ الحكومة التركية آنذاك على تفريق جميع المغاربة الجزائريين، وكان نصيبه رحمه الله تعالى أن ذهب إِلى تركيا وأقام في أضنة، وبقي شيخه ابن يَلِّس في دمشق. وعاد بعد سنتين إِلى دمشق ؛ فالتقى بشيخه ابن يَلِّس وَصَحبه ولازَمه.

وفي بلاد الشام تابع أخذ العلم عن أكابر علمائها. ومن أشهرهم المحدِّث الكبير بدر الدين الحَسَني، والشيخ أمين سويد، والشيخ جعفر الكتاني، والشيخ نجيب كيوان، والشيخ توفيق الأيوبي، والشيخ محمود العطار وأخذ عنه علم أُصول الفقه، والشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافي وأخذ عنه الفقه المالكي، وقد أجازه أشياخه بالعلوم العقلية والنقلية.

أما من ناحية التصوف فقد أذن له شيخه محمدبن يَلِّس بالورد العام لما رأى من تفوقه على تلامذته، من حيث العلمُ والمعرفةُ والنصحُ لهم وخدمتُهم. ولما قدم المرشد الكبير أحمد بن مصطفى العلوي من الجزائر لأداء فريضة الحج ؛ نزل في دمشق بعد وفاة سيدي محمد بن يَلِّس سنة 1350هـ، وأذن له بالورد الخاص [تلقين الاسم الأعظم] والإِرشاد العام.




أخلاقه وسيرته:

كان رحمه الله تعالى متخلقاً بأخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم)، متابعاً له في جميع أقواله وأحواله وأخلاقه وأفعاله، فقد نال الوراثة الكاملة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم).

وكان متواضعاً حتى اشتهر بذلك ولم يسبقه أحد من رجال عصره في تواضعه.

وكان يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه. دخل عليه رجل فقبَّل يد الشيخ رحمه الله تعالى؛ وأراد الشيخ أن يقبل يده، فامتنع الرجل عن ذلك وقال: أستغفرُ الله يا سيدي أنا لست أهلاً لذلك، أنا أَقبل رجلكم. فقال الشيخ رحمه الله تعالى: إِذا قَبَّلت رِجْلَنَا فنحن نقبل رجلَكم.
وكان يحب أن يخدم إِخوانه بنفسه، فيأتي الزائر، ويأتي التلميذ فيبيت عنده فيقدِّم له الطعام، ويحمل له الفراش مع ضعف جسمه. وكم جئناه في منتصف الليل، وطرقنا بابه، فيفتح الباب وهو بثيابه التي يقابل بها الناس، كأنه جندي مستعد. فما رأيناه في ثوب نوم أبداً.
وكان حليماً لا يغضب إِلا لله. حَدَث أن جاءه رجل من دمشق إِلى بيته وأخذ يتهجم عليه، ويتهكم به، ويتكلم بكلمات يقشعر لها جلد المسلم ؛ ولكن الشيخ رضي الله عنه لم يزد على قوله له: الله يجزيك الخير، إِنك تُبين عيوبنا، وسوف نترك ذلك ونتحلى بالأخلاق الفاضلة. وما أن طال المقام بالرجل إِلا وأقبل على الشيخ، يقبل قدميه ويديه، ويطلب منه المعذرة.

وكان كريماً لا يرد سائلاً. وكم رأينا أشخاصاً يأتون إِليه فيعطيهم ويكرمهم، ولاسيما في مواسم الخير ؛ حيث يأتي الناس لبيته، وترى موائد الطعام يأتيها الناس أفواجاً أفواجاً يأكلون منها، ولا تزال ابتسامته في وجهه، وقد بلغ من كرمه أنه بنى داره التي في حي المهاجرين بدمشق قسمين: قسم لأهله، وقسم لتلاميذه ومريديه.
وكان من صفاته رضي الله عنه واسع الصدر وتحمل المشقة والتوجيه، وشدة الصبر مع بشاشة الوجه ؛ حتى إِني استغربت مرة صبره فقال لي: يا سيدي! مشربُنَا هذا جمالي. وكان يأتي إِليه الرجل العاصي فلا يرى إِلا البشاشة من وجهه وسعة الصدر، وكم تاب على يديه عصاة منحرفون، فانقلبوا بفضل صحبته مؤمنين عارفين بالله تعالى.

حَدَث أنه كان سائراً في الطريق بعد انتهاء الدرس، فمر به سكران ؛ فما كان من الشيخ رحمه الله تعالى إِلا أن أزال الغبار عن وجهه، ودعا له ونصحه، وفي اليوم الثاني كان ذلك السكران أول رجل يحضر درس الشيخ، وتاب بعد ذلك وحسنتْ توبته.
وكان رحمه الله تعالى يهتم بأحوال المسلمين ويتألم لما يصيبهم، وكان يحضر جمعية العلماء التي تقام في الجامع الأموي، يبحث في أمور المسلمين ويحذِّر من تفرقتهم، وقد طبع رسالة تبين سبب التفرقة وضررها، وفائدة الاجتماع على الله والاعتصام بحبل الله سماها: القول الفصل القويم في بيان المراد من وصية الحكيم.

وكان رحمه الله تعالى يكره الاستعمار بكل أساليبه، ويبحث في توجيهه عن مدى صلة الحوادث مع الاستعمار وكيفية الخلاص من ذلك. ولما نَدبتْ الحكومة الشعب إِلى التدرُّب على الرماية، ونظَّمت المقاومة الشعبية، سارع الشيخ لتسجيل اسمه بالمقاومة الشعبية، فكان يتدرب على أنواع الأسلحة مع ضعف جسمه ونحوله وكبر سنه. وبهذا ضرب للشعب المثل الأعلى لقوة الإِيمان والعقيدة والجهاد في سبيل الله، وذكَّرنا بِمَنْ قبله من المرشدين الكُمَّل الذين جاهدوا الاستعمار وحاربوه ؛ أمثال عمر المختار والسنوسي وعبد القادر الجزائري. وما المجاهدون الذين قاموا في المغرب، لإِخراج الاستعمار وأذنابهم إِلا الصوفية.
وكان رحمه الله تعالى حسن السيرة والمعاملة، مما جعل الناس، يُقبلون عليه ويأخذون عنه التصوف الحقيقي، حتى قيل: لم يشتهر الهاشمي بعلمه مع كونه عالماً، ولم يشتهر بكراماته مع أن له كرامات كثيرة، ولكنه اشتهر بأخلاقه، وتواضعه، ومعرفته بالله تعالى.
وكان رحمه الله تعالى إِذا حضرْتَ مجلسه، شعرت كأنك في روضة من رياض الجنة ؛ لأن مجلسه ليس فيه ما يشوبه من المكدرات والمنكرات. فكان رحمه الله تعالى يتحاشى أن يُذكر في حضرته رجل من المسلمين وينقص. ولا يحب أن يذكر في مجلسه الفساق وغيرهم، ويقول: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة.

وبقي رحمه الله تعالى دائباً في جهاده مستقيماً في توجيهه للمسلمين وإِخراجهم مما وقعوا فيه من الضلال والزيغ. فقد كانت حلقاته العلمية متوالية من الصباح حتى المساء ؛ ولاسيما علم التوحيد الذي هو من أُصول الدين، فيبيِّنَ العقائد الفاسدة والإِلحادية، مع بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، والرجوع إِلى الله تعالى؛ والتعلق به دون سواه.

نشاطه في الدعوة والإِرشاد:

كان بيته قبلة للعلماء والمتعلمين والزوار، لا يضجر من مقابلتهم، ويقيم ـ مع ضعف جسمه ـ حلقات منظمة دورية للعلم والذكر في المساجد والبيوت، ويطوف في مساجد دمشق، يجمع الناس على العلم وذكر الله والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). ولم يزل مثابراً على همته ونشاطه ودعوته حتى أيامه الأخيرة.
تتلْمذَ عليه نخبةٌ طيبةٌ صالحة من العلماء وطلاب العلم، ومن مختلف طبقات الأمة يهتدون بإِرشاداته، ويغترفون من علومه، ويقتبسون من إِيمانه ومعارفه الذوقية، ويرجعون إِليه في أُمورهم.
وقد أذن للمستفيدين منهم بالدعوة والإِرشاد، وبذا انتشرت هذه الطاقة الروحية الكبرى في دمشق وحلب، وفي مختلف المدن السورية والبلدان الإِسلامية.

مؤلفاته:

مفتاح الجنة شرح عقيدة أهل السنة.
الرسالة الموسومة بعقيدة أهل السنة مع نظْمها.
البحث الجامع والبرق اللامع والغيث الهامع فيما يتعلق بالصنعة والصانع.
الرسالة الموسومة بسبيل السعادة في معنى كلمتي الشهادة مع نظمها.
الدرة البهية.
الحل السديد لما استشكله المريد من جواز الأخذ عن مرشدين.
القول الفصل القويم في بيان المراد من وصية الحكيم.
شرح شطرنج العارفين للشيخ محي الدين بن عربي.
الأجوبة العشرة.
10ـ شرح نظم عقيدة أهل السنة.
وغير ذلك من الرسائل.

وقد أخذ التصوف عن سيدي الهاشمي رحمه الله تعالى كثيرٌ من العلماء وغيرهم لا يعلم عددهم إِلا الله.
وهكذا قضى الشيخ الهاشمي حياته في جهاد وتعليم، يربي النفوس، ويزكي القلوب الراغبة في التعرف على مولاها، لا يعتريه ملل ولا كسل. واستقامته على شريعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولاً وعملاً وحالاً، ووصيتُه في آخر حياته: عليكم بالكتاب والسنة، تشهد له بكمال وراثته.
وهكذا رحل الشيخ الكبير إِلى رضوان الله تعالى وقربه يوم الثلاثاء 12 من رجب 1381هـ الموافق 19 كانون الأول 1961م، وصُلي عليه بالجامع الأموي، ثم شيعتْه دمشق تحمله على الأكف إِلى مقبرة الدحداح، حيث وُورِي مثواه، وهو معروف ومُزَار. ولئن وارى القبرُ جسدَه الطاهر الكريم، فما وارى علمه وفضله ومعارفه وما أسدى للناس من معروف وإِحسان، فلِمثْل هذا فليعملِ العاملون. وهذا من بعض سيرته الكريمة، وما قدمناه غيضٌ من فيضٍ ونقطة من بحر، وإِلا فسيرة العارفين منطوية في تلامذتهم، ومن أين للإِنسان أن يحيط بما تكنه صدورُهم وأسرارهم ؟

وفي مثله قال القائل:

إِنْ تــســــــلْ أيـــنقــبــورُالـعــظــمــا فــعـــلـى الأفــواه أو في الأنــفـــس
وبمثل هذه الشخصيات الحية نقتدي وبمثلهم نتشبَّه.
فـتـشــبَّــهـُواإِن لم تـكـونـوا مـثلَهــم إِنَّ التـشـــبُّــهَ بالـكــرامِ فــــلاحُ
وقد قيل:
مــوتُ الــتــقــي حــيــاةٌ لا انــقــطـاعَ لهــا قدْ مات قومٌ وهمْ في الناس أحياءُ
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة سيدي عبد الرحمن الأخضري

 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


تعريف موجز بشخصية الشيخ عبد الرحمن الأخضري :
* ـ اسمه ونسبه :
هو العلامة الجزائري أبو يزيد عبد الرحمن بن محمد الصغير بن محمد بن عامر الشهير بالأخضري, مالكي المذهب, اشعري العقيدة ويعد من علماء البارزين, وعلما من أعلام الجزائر في القرن العاشر الهجري (10هـ) 1.

* ـ مولده ونشأته :

أجمعت جل المصادر على أن مولده في "بنطيوس" نشأ بها في بداية حياته,والتي تبعد عن بسكرة إحدى ولايات الجنوب الجزائري بحوالي ( 30 كم).. وبسكرة - بكسر الباء والكاف أو يفتحها -كما أشار إلى ذلك ياقوت الحموي, حيث عرفها بقوله : "بلدة بالمغرب من نواحي الزاب بينهما وبين قلعة بني حماد مرحلتان, وبينهما وبين طنجة مرحلة" , ووصفها أبو عبيد البكري بكثرة بساتينها ونخيلها , مشيرا إلى أهم القبائل والأمم التي استوطنتها .
وقد كان مولده سنة 920هـ/1514م على أرجح الروايات, إلا أن هناك اختلافا وتضاربا بسيطة في آراء مترجميه, فنجد من بعض من ترجموا له على أن سنة ولادته كانت 918هـ/1514م2 .. ونشير إلى أن هذه السنة استدركها عادل نويهض في آخر معجمه, بعد أن أرخ لمولده في بداية معجمه على أنه ولد في سنة 910هـ/1504م 6 .
غير أن هناك مصادر أخرى لم تطلعنا على تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته, وهذا ما نلحظه في كل من تعريف الخلف برجال السلف, شجرة النور الزكية, معجم المطبوعات العربية والمعربة, دائرة المعارف الإسلامية, واكتفى أصحاب هذه المصادر بالإشارة إلى أنه من أعلام القرن العاشر الهجري, وهذا نظرا لاكتناف الغموض لشخصية الشيخ عبد الرحمن الأخضري .. ففي الحفناوي "لم أطلع على ما ترجمته" 7 وفي دائرة المعارف الإسلامية" مؤلف عربي لم نعرف عن حياته شيئا" 8 .
فالخلاف حول ميلاه ليس لافا كبيرا كما هو جلي لدى العام والخاص, لكن إذ رجعنا إلى منظومته المسماة بـ"السلم المرونق" تأكدت لنا الرواية الصحيحة حول تاريخ ميلاده, إذ يقول في نظمه هذا : 9 .. ولبني إحدى وعشرين سنة معذورة مقبولة مستحسنة لا سيما في عاشر القرون ذي الجهل والفساد والفنون وكان في أوائل المحرم تأليف هذا الرجز المنظم من سة إحدى وأربعين من بعد تسعة من المئينة، ومن هنا ندرك كل الإدراك على أن ولادته كانت سنة 920هـ على أصبح الروايات المذكورة أنفا, وربما هذا الرجز هو اعتمده بعض المؤرخين كمعيار أو كسند رسمي في إثبات سنة ولاته 10 .
لقد نشأ الشيخ عبد الرحمن الأخضري نشأة علمية تميزت بالعلم والصلاح, فساعده محيطه على أن يتبوأ من العلم مقعدا مرموقا شغوفا, على حب العلم مسخرا حياته للعلم وحده .
ونلمس ذلك من خلال والده محمد الصغير الذي اكتنفه بالرعاية والتعليم والتربية والتهذي, ساعده في ذلك فطانته وذكاؤه ومنثم حرصه على المعرفة منذ حداثة سنه, إما بالاجتهاد والمثابرة وإما بالمطالعة والمذاكرة في شتى الفنون, فجمع بين العلوم العقلية والنقلية منها حدا سواء, يقول سركيس" عالم زاهد مرع ذو قدم راسخ في المعقول والمنقول" 11
ومن خلال رحلاته التي اكتسبت نضجا وإدراكا, سفره إلى تونس وبالضبط بجامع الزيتونة ليكتمل المراد, فقد كان احتكاكه بالعلماء ومجالسته لهم, أثر بالغ على شخصيته فراح ينهل علمه وبسرخه من مشارب مختلفة جعلته ملما بالمعرفة, منكبا على فهمها واستيعابها, وما لبث أن عاد إلى بنطيوس ليشد الرحال مرة أخرى إلى قسنطينة, لما كانت تزخر به من جهابذة العلماء آنذاك فالتقى بعلمائها وتدارس معهم وأخذ عنهم, بعدها رجع إلى بنطيوس واستقر بها وجعل من الزاوية التي أسسها جده "محمد بن عامر" مدرسة علمية ذات إشعاع علم ساطع نوره في الآفاق حيث اعتكف على التدريس وتلقين دروس العلم للطلبة وتخريج العلماء فكانت بحق أكبر مدرسة علمية يشيدها الشيخ عبد الرحمن الأخضري وتجلب أنظار العديد من طلاب العلم, فراحوا يتوافدون من كل فج عميق من بقاع القطر, فكانت تصله الوفود الكثيرة فمثلا من نواحي: وادي ريغ (بضواحي المغير) من جهة الجنوب ومن قسنطينة ونواحيها, وكل من كانت له رغبة في تحصيل العلم .
وقد حببت الخلوة إلى الشيخ الأخضري فكان زاهدا عاكفا على العبادة, فكان يصول ويجول من حين لآخر إلى الجبال القريبة من بلدته التي كان يجد بها الراحة التامة, والزيادة على شعوره بالصفاء الروحي ونه, وتأمله في قدر الله تعالى .. وهو ما كان مدعاة له في التأليف بعض مصنفاته, ومن هذه الجبال التي كان يأوي إليها الشيخ عبد الرحمن الأخضري جبل "أحمد حدو" الذي هو جزء من سلسلة جبال الأوراس المشرفة على الصحراء, جبل "عياض" وهو أيضا من جبال الأوراس, إضافة إلى الهضاب العليا بسطيف والتي كانت تشكل مكانا خصبا للانعزال والخلوة .
وكما سبق ذكره آنفا أن هذه الأماكن كانت دافعا أساسيا لتأليف عددا من اكتسب مثال الدرة البيضاء التي ألفها بجبل أحمد حدو, واتم شرح علم البيان من كتابه الجوهر المكنون** بجبل عياض, حيث نجده يقول في شرحه : "وكان الفراغ من هذا الفن عشية الجمعة المباركة آخر يوم من ربيع الثاني عام اثنين وخمسين وتسعمائة ببعض بلاد جبل عياض" 12 .

* ـ شيوخه وتلاميذه :

إن موسوعية الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري, وتطلعه في علوم شتى وحبه للعلم والمعرفة جعلته يتطلع إلى أفق أوسع وأشمل من سابقيه, فنهل علمه من مجموعة من الشيوخ العلماء, الذين لم تتناول كتب التراجم الجوانب الأساسية من حياة هذا الرجل العلامة, فأكثرها لم يتعرض بإسهاب كبير لشيوخه وتلاميذه, ولم تصرح حتى بأسمائه ولا أسماء من أخذ عنهم ولا أسماء من تتلمذوا أو تخرجوا على يديه .
والواضح أن الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري قد أخذ علمه على من كانت لهم شهرة واسعة وذيوع كبير في مجال خدمة الثقافة العربية الإسلامية, هؤلاء الشيوخ الذين كان لهم الباع الكبير في تكوين شخصيته وتزويده بكم هائل من علوم عقلية ونقلية كان لها بالغ الأثر في إثراء ملكته العقلية والعلمية أكثر وهو ما جعلها فيما بعد في متناول تلاميذه الذين درسوا عليه .
1- شيوخه :

- والده الشيخ محمد الصغير, أخذ عنه الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري مبادئ علم الحساب والفرائض مشافهة, حيث تمكن بعد فهمها واستيعابها من نظمها في متن سماه "الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء" .
- أخوه أحمد بن محمد الصغير, وهو أكبر إخوته أخذ عنه أمور الفقه والمنطق والبيان ولم يخلف وراءه تأليفا .
- الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الخروبي فقيه ومحدث وصوفي ولد بقرية قرقاش من قرى طرابلس الغرب بليبيا ونشأ بالجزائر سنة959هـ, أخذ عنه الأخضري واستفاد منه وتلقى على يديه ورد الطريقة الشاذلة والزروقية, له رسالة ذوي الإفلاس إلى خواص أهل فاس, والأنس في التنبيه عن عيوب النفس ومزيل اللبس عن آب وأسرار القواعد الخمس, توفي سنة 963هـ 13 .
- الشيخ عبد الرحمن بن القرون أحمد مرابطي قرية لياشنة الواقعة بالقرب من مدينة طولقة استفاد منه الأخضري كثيرا, ودس على يديه 14 .
- الشيخ عمر بن محمد الكماد المعروف بالوزان 15, كان من أكابر علماء قسنطينة, فقيه وصوفي وعالم في المعقول والمنقول, من تأليفه البضاعة المزجاه, وفتاوى في الفقه والكلام, وحاشية على صغرى السنوسي .

* ـ وفاته :

رغم هذا العطاء السخي للشيخ عبد الرحمن الأخضري من تأليف لعدد من المصنفات في شتى العلوم والفنون ورحلات علمية صال وجال من خلالها من أجل تحصيل العلم, وتلك الخلوة والانعزال التي حببت إليه وكانت في بعض الأحيان سببا في تأليف العديد مصنفاته, شاء القدر أن يرحل إلى تلك الدار الأبدية .
غير أن السنة التي توفي فيها في الشيخ عبد الأخضري بدت غامضة بعض الشيء عند أكثر من ترجموا له, حتى أن بعضهم اكتفى بأن وفاته كانت في القرن الخامس الهجري 16وعلى هذا الأساس نلاحظ تباينا واضحا في تحديد سنة الوفاة في حل المصادر التي ترجمت له غير أن الراجح منها هو 983هـ/1575م .. وهو ما ذهب إليه كل من حاجي خليفة والزركلي ومحمد شطوطي, وعادل نويهض فيما استدركه من كتابه معجم أعلام الجزائر, بعدما ثبت له خطوة في السنة التي ذكرناها سابقا .
رغم هذا التباين المتضارب في الآراء حول وفاة الشيخ عبد الرحمن الأخضري إلا أننا نرجح كما سبق ذكره انه عاش إلى بداية الثمانين من القرن العاشر الهجري, فكانت وفاته سنة 983هـ هذه أثناء تواجده بـ"كحال"17, ثم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه بناء على وصيتة أوصى بها تلاميذه أثناء مرضه, دفن - رحمه الله - بجوار "محمد عامر" ووالده الصغير "أحمد بن محمد الصغير", ولا يزال ضريحه قائما إلى اليوم بزاوية جده بقرية "بطنيوس" وزار قبره الحسين الورتلاني 18, حيث يقول : "وقد زرت قبر الشيخ سيدي عبد الرحمن, وله تآليف كثيرة ومفيدة وهو من العارفين بالله تعالى شرقا وغربا" .
يعد الشيخ عبد الرحمن الأخضري من بين أولياء الله الصالحين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى : "ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" 19 والذين أفنوا عمرهم في خدمة العلم ثانيا .. وما أحوج بلادنا اليوم لمثل هؤلاء الرجال العلماء العظام الذين يرجع لهم الفضل الكبير في نشر كثير من فنون العلم التي اندثرت زمنا وعادت إلى الوجود بفضل الله ثم بفضلهم .

* ـ مؤلفاته :

مؤلفات الأخضري تزيد عن العشرين مؤلفا بين متن وشرح أو تربو عن الثلاثين كما جاء ذلك في مقال للمهدي البوعبدلي20منها ما هو مطبوع طبعات قديمة أو حديثة، ومنها ما هو مخطوط ينتظر الطبع ومنها ما تعرض للضياع والتلف .

1- الجوهر المكنون في الثلاثة فنون :
عبارة عن متن يحوي علوم البلاغة من بحر الرجز يقع في 291 بيتا وعليه شروح منها شرح الأخضري نفسه وهو شرح بالغ الأهمية 21 .

2- السراج في الهيئة :

وهو عبارة عن نظم من البحر الطويل موضوعه علم الفلك : نظمه سنة (939هـ) وهو ابن تسعة عشر سنة وجاء فيه :
- أقول وفضل النفس في الصدر أوقع .
- ولولا امتياز الحوض ما غاب ورده .
- وقد جعل الله الكواكب زينته .
- وفيها رجوم للشياطين كلما .
- وفي الحق ما يخفر إليه ويسمع .
- ولولا ارتواء الروض ما كان يقرع .
- تروق عيون الناظرين وتقرع .
- أرادوا استراق السمع كفوا وزعزعوا .
وقد قام بشرح هذا النظم تلميذه عبد العزيز بن أحمد بن المسلم، وهو شرح مفيد، كما قام بشرحه أيضا سحنون بن عثمان الميدوي الونشريسي وسمى شرحه"مفيد المحتاج في شرح السراج" 22 .

3- الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء 23 :

أرجوزة في التروكات والحساب نظمها سنة 940هـ، وهو ابن عشرين سنة، يوم كان تلميذا على يد والده، وكان الفراغ منها في شهر رمضان سنة 947هـ24، ويحتوي على خمسمائة بيت، يقول في مستهلها :
- الحمد لله العظيم الوارث .
- هذا وإن أحسن المقاصد .
- فن الفرائض الذي تعلقا .
- فهاك منه ضابطا مهذبا .
- الدائم الفرد القديم الباعث .
- وأحسن الفنون والفوائد .
- بالإرث فلتكن به محققا .
- منظما مختصرا مقربا .

* إلى أن يقول فيها:

- سميته بالدرة البيضاء .
- قد احتوى على ثلاثة جمل .
- في أحسن الفنون والأشياء .
- الفقه والحساب ثم العمل .
- وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام :
- الأول في الحساب .
- الثاني في الفرائض .
- الثالث في تصحيح الفروض وتوضيح القسمة الصحيحة للتركات .

* ويقول في آخرها :

- وهذه نهاية المراد .
- قد انتهى ما رمته مبينا .
- وقد فرغت من جميع النظم .
- من سنة لأربعين مكملة .
- وإن عنى به عذول منتبه .
- وربنا الهادي إلى الرشاد .
- والحمد لله الذي قد أحسنا .
- بأفضل الشهور شهر الصوم .
- من بعد تسعمائة محصلة .
- فلبني عشرين عذر متجه .

بدأ الخولف بشرحها غير أنها سرقت منه، ثم أعيدت إليه فشرح منها القسم الثاني فقط ويشير إلى ذلك الأستاذ أبو القاسم سعد الله بقوله:"كان الأخضري قد بدأ الشرح ثم سرقت منه النسخة لكن أعيدت له بعد مدة، والمعروف أنه أكمل شرح القسم الثاني على الأقل، أما الأول فليس من المؤكد أنه هو الذي شرحه، وكذلك القسم الثالث"25 ولكن أتم شرحها أبو محمد عبد اللطيف المبيح 26 .
ونشير إلى أنها طبعت مع الشرح سنة 1325هـ بمطبعة التقدم مع حاشية لعبد المنعم الدمنهوري .. وحاشية أخرى لعبد الله بن محمد الدرقاوي 27 .

4- أزهر المطالب في علم الإسطرلاب 28 في هيئة الأفلاك والكواكب :
وهي أرجوزة نظمها سنة 940هـ وهو ابن عشرين سنة، يبدؤها بقوله :

ـ الحمد لله الذي قد خلقا .. وزانها بزينة الكواكب .. سبع سموات طباقا طبقا .. بادية في الشرق والمغارب .
* إلى أن يقول :
ـ فهذه رسالة مهذبة .. باسطة للفن بإسطرلاب .. سميتها بأزهر المغالب .. فالعلم بالأفلاك والنجوم .. أعني الذي يفيد في الأوقات .. وإنه يليق بالعباد .. مفيدة وجيزة مقربة على بساط الحق والصواب .. في هيئة الأفلاك والكواكب .. على شرف ليس بالمذموم .. كالفجر والأسمار والساعات .. حين قيامهم إلى الأوراد .
* ويختمها بقوله :
ـ وهاهنا انتهى بنا الكلام .. في المقصد الحمود والسلام .

5- شرح السنوسية :

وهو كتاب في شرح الصغرى السنوسية في العقيدة وتسمى أيضا بأم البراهين 29 .

6- السلم المرونق :

وهو عبارة عن متن في علم المنطق من بحر الرجز نظمه سنة 941هـ وهو ابن إحدى وعشرين سنة .. ويحتوي على مائة وثلاث وأربعين (143) بيتا، يقول في بدايته :
ـ الحمد لله الذي قد أخرجا .. وحط عنهم من سماء العقل .. حتى بدت لهم شموس المعرفة .. نتائج الفكر لأرباب الحجا .. كل حجاب من سحاب الجهل .. رأوه خدراتها منكشفة .
* إلى أن يقول في حد المنطق :
ـ وبعد فالمنطق للجنان .. فيعصم الأفكار عن عي الخطا .. فهاك من أصوله قواعدا .. سميته بالسلم المرونق .. نسبته كالنحو للسان .. وعن دقيق الفهم يكشف الغطا .. تجمع من فنونه فوائد .. يرقى به سماء علم المنطق .
* ويقول في آخر هذا النظم :
ـ وكان في أوائل المحرم .. من سنة إحدى وأربعين .. تأليف هذا الرجز المنظّم .. من بعد تسعة من المئتين 30 .
نشير إلى أن نظم السلم قد ترجم إلى الفرنسية من طرف الأستاذ " دومنيك لوسيان "حيث عمل هذا الأخير على تنشيط التعليم الفرنسي بالجزائر وساهم في ترجمة الكتب العربية ابتداء من سنة 1894م وقد قام بترجمة الدرة البيضاء في الفرائض لعبد الرحمن الأخضري أيضا، والعقيدة للسنوسي وجوهرة التوحيد لابراهيم اللقابي .. وكان ضمن مقررات برامج التعليم في الأزهر (كتاب السلم) .

* ـ غرضه من تأليف السلم :

يتضح لنا ذلك جليا من خلال ما جاء في المقدمة حيث يقول : "فلما وضعت الأرجوزة المسماة بالسلم المرونق، وجاءت بحمد الله جملة كافية، ولمقاصد من فنها حاوية، راودني بعض الإخوان من الطلبة أكرمهم الله المرة بعد المرة أن أضع عليها شرحا مفيدا يبث ما انطوت عليه من المعاني ويشيد ما تقاصر فيها من المباني، فأسميته لذلك طالبا من الله تعالى حسن التوفيق إلى مهاجع التحقيق" 31 .
ويذكر تواضعه في ذلك قائلا : "وإن كنت لست أهلا لذلك ولكني حملني عليه تفاؤلي ولم أضعه لمن هو أعلى مني بل لأمثالي من المبتدئين ..." 32 .
ــ وإضافة إلى شرح الأخضري لنظمه هناك شروحات أخرى منها :
أ- شيخ الشيخ أبو راس الناصر المعسكري (ت 1192هـ) : المسمى "القول المسلم في شرح السلم" 33 .
ب- شرح الشيخ أبو عبد الله محمد بن خليفة (ت 1094هـ) .
ج- شرح الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن يوسف الدمنهوري (ت 1192هـ) : المسمى" إيضاح المبهم في معاني السلم" 34 .
د- شرح الشيخ أبو عبد الله محمد الصالح بن سليمان العيسوي الزواوي (ت 1243هـ) .
هـ- شرح الشيخ الحسن الدرويشي القوسني (ت 1254هـ) 35 .
و- شرح الشيخ أحمد عبد الفتاح بن يوسف المجيري .
ي- شرح الشيخ أبو عثمان سعيد بن إبراهيم قدورة (ت 1066هـ) 36 .
ــ كما نجد العلامة الشيخ الأخضري يضع فهرسة محكمة لشرحه تتمثل فيما يلي :
- فصل في جواز الاشتغال به (المنطق) .
- أنواع الحكم الحادث .
- أنواع الدلالة الوضعية .
- فصل في مباحث الألفاظ .
- فصل في بيان نسبة الألفاظ للمعاني .
- فصل في بيان الكل والكلية والجزء والجزئين .
- فصل في المعرفات .
- باب في القضايا وأحكامها .
- فصل في التناقض .
- فصل في العكس والمستوى .
- باب في القياس .
- فصل في الأشكال .
- فصل في القياس الاستثنائي .
- لواصق القياس .
- أقسام الحجة .
- خاتمة .

7- منظومة في قواعد الإعراب على كتاب مغني اللبيب 37 لم يرد ذكرها في جل المصادر 38 وجاء في مقدمتها :
ـ هذا بحمد الله نظم سهل .. معتمدا على كتاب المغني .. مورده للطالبين سهل .. لابن هشام تنسيج هذا الفن .

8- الدرة البهية في نظم الأجرومية :
وهي عبارة عن نظم للأجرومية في النحو، 39 نظمها سنة 981هـ وعدد أبياتها مائة وسبعون (170) بيتا يقول في بدايتها :
ـ قال الفقير ناظم الأوزان .. مصليا على رسول الله .. الأخضري عابد الرحمن .. وآله ذوي الهدى والجاه .

* ويقول في ختامها :

ـ تم بحمد الله ما قصدنا .. سميتها بالدرة البهية .. وكان في محرم الحرام .. في عام إحدى وثمانين سنة .. أبياتها يا سائلا قد وجدت .. من نظم هذه التي أوردنا .. فهي لما في أصلها نحوية .. بدءا وختما لذا النظام .. من بعد تسعمائة مستحسنة .. سبعين بعد مائة قد رسمت 40 .
نشير إلى أن هناك نظما آخر للأجرومية للشيخ العمريطي (ت970هـ)، أسماه أيضا الدرة البهية في نظم الأجرومية، يقول في مطلعها41 :
ـ الحمد لله الذي قد وفقنا .. ويقول في آخرها .. نظم الفقير الشرف العمريطي .. للعلم خير خلقه وللتقى .. ذي العجز والتقصير والتفريط .

9- الفريدة الغراء :

هي عبارة عن نظم في العقيدة نفيس جدا 42 .

10- القدسية:

عبارة عن نظم في آداب السلوك وتسمى المنظومة القدسية في طريق السنة، نظمها في سنة 944هـ وهو ابن أربع وعشرين سنة وتحتوي على ستة وأربعين وثلاث مائة (346) بيتا يتناول فيها المسائل المتعلقة بالتصوف في تطهير النفس والروح وما يتعلق بمجتمعاتنا من اتباع البدع والخرافات. وقد تأثر بها عبد الكريم الفكون واستشهد ببعض أبياتها في كتابه منشور الهداية .. له قصائد عديدة في التصوف أعظمها القدسية43 يقول في بدايتها :
يقول راجي رحمة المقتدر ويواصل في تعريفها قائلا :
ـ فهذه الجوهرة النفيسة .. دائرة التطهير والكمال .. شيئان مهما حجاب ظاهر .
*ويقول في تمامها :
ـ ثم صلاة الله كل حين .. محمد سلطان أهل الحضرة .. في أربع وأربعين قد نجز .. المذنب العبد الذليل أخضري .
بالأصل في الدائرة القدسية ... عن ذاك الاتصال .. وباطن في النفس أي ساتر .. على أجل من التي بالدين .. وآله أجل كل زمرة .. من عاشر القرون قل هذا الرجز .
لم يتعرض الأخضري لشرحها، يقول أبوالقاسم سعد الله:"لا نعرف أن الأخضري قد شرحها رغم شهرته بشرح منظوماته بنفسه"44وهناك من تعرض لشرحها :
- كالشيخ الحسين بن محمد السعيد الورتلاني صاحب الرحلة الورتلانية (ت 1193هـ) المسمى"الكواكب العرفانية والشوارق الأنسية في شرح ألفاظ القدسية" .
- الشيخ الحسين بن مصباح المسمى" تحفة المستمع والقاري في شرح قدسية الأخضري" .

11- مختصر في فقه العبادات :

وهو عبارة عن متن اشتهر باسمه "مختصر الأخضري" يتعرض فيه إلى مسائل فقه العبادات من طهارة وأقسامها والصلاة وفرائضها وشروطها ويختمه بباب السهو، وهو على المذهب المالكي 45 وعلى المختصر شروح كثيرة :
- شرح عبد اللطيف المسبح المسمى"عمدة البيان في عروض الأعيان"
- شرح عبد الكريم الفكون المسمى"الدرر على المختصر"
- شرح صالح عبد السميع الأبي الأزهري المسمى"هداية المتعبد السالك شرح مختصر الأخضري في مذهب الإمام مالك" .
- شرح أحمد بن يعقوب وهو شرح لطيف ناسخه إبراهيم الزقاق سنة 1160هـ 46
- الشيخ عبد الله بن محمد بن آب، نظم باب السهو، يقع في مائة وتسعة وخمسين (159) بيتا سماه"العبقري في نظم سهو الأخضري" 47 .

12- رسالة في التحذير من البدع :

لم تذكر المصادر محتوى هذه الرسالة، وقد أشار إليها كل من عادل نويهض والحفناوي وشطوطي في كتابه الشيخ عبد الرحمن الأخضري (الكاشف والمنطقي) وربما تكون هذه الرسالة جزءا من منظومته القدسية .

2- مصنفاته الأدبية :

لقد خلف الأخضري وراءه مجموعة معتبرة من القصائد الشعرية المختلفة، في شتى الميادين منها ما هو موجود في بعض الخزائن والمكتبات ينتظر نفض الغبار عنه، ومنها ما اعتبر في حكم المفقود وتعرض للضياع والنهب والسرقة .. غير أنه تغلب على شعره طابع الشعر التعليمي، حيث نجد محمد الطمار يقول : "شعر الأخضري لا يخاطب وجدانا، بل استخدمه للمعاني العلمية، فنجد فيه الحقيقة تسبق الخيال، والطبع يغلب التصنع، والجزالة في غير ضعف ولا غرابة، ومن شعره الذي وصل إلينا :
1- اللامية في مد خالد بن سنان 48.
وهي قصيدة في بحر البسيط، تقع في أربعين بيتا 49 يقول في مستهلها
- سر يا خليلي إلى رسم شغفت به
- خلت مشاهده عزت دوائره
- يلقي الجواهر من يغشى مناكبه
- طوبى لزائر ذاك الرسم والطلل
- ما خاب زائره في الصبح والأصل
- يعطي الكرامة من يأتيه ذا وجل

2- اللامية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم :

وتقع في اثنين وخمسين ومائتين (252) بيتا يقول في مستهلها :
- الله المقتدر الأزلي
- سبحانه جل هو الصمد
- لله الحمد على نعم
- سبحانه جل عن المثل
- الفرد الجبار الأزلي
- منها الإرشاد إلى السبل
كما نجد الأخضري يتعرض في هذه القصيدة إلى إسراء النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه، ويتحدث عن شفاعته، منوها بمحاسنه وفضائله ومشيرا إلى معجزاته ثم يتطرق إلى أحوال النفس وضرورة مخالفتها، والعدول عن الغفلة والإسراع إلى باب التوبة والاستعداد إلى لقاء الله، وفيها يقول :
- ودع الدنيا وزخرفها
- فازهد فيها واقصر أملا
- من آثرها عن آخرة

* ويقول في نهايتها :

- هذي كلمات مشرقة
- نجزت بربيع الآخر من
- وحبائلها ذات الحيل
- فمحبتها رأس الزلل
- مأواه جهنم لم يحل
مشكاة الناس ذوي العمل جمع حجج وقت المثل 50 .

3- التائية النبوية :
هي عبارة عن قصيدة من بحر الطويل تقع في ثلاثين بيتا يقول في بدايتها :
- سري طيف من أهدى فأرق مهجتي
- أيا لائمي في الحب إنك جاهل
- فهذا رحيق لو ظفرت بشربه
- أنوح كما ناح الحمام بوكره

* ويقول في ختامها :

- ويا قمرا بالله إن كنت طالعا
- فسلم على بدر تجلى بأرضها
- وما كدت أنجو من ضناء وعبرتي
- كأنك لا تدري بشأن المحبة
- تجرعت كأسا من كؤوس محبة
- وما حنت الثكلى بوجد ولوعة
على طيبة الزهراء دار الأحبة وبلغ له حزني وشوقي ولوعتي 51 .

4- نصيحة الشباب :

هي عبارة عن قصيدة من بحر الرجز تقع في أربع وعشرين (24) بيتا تتضمن نصائح موجهة إلى شباب عصره يحثهم فيها على تقوى الله وطاعته والامتثال لأوامره والابتعاد عن نواهيه والمبادرة بالأعمال الصالحة يبدؤها بقوله :
- أوصيكم يا معشر الشبان
- إياكم أن تهملوا أوقاتكم
- فإنها غنيمة الإنسان

* ويقول في ختامها :

- وصل يارب على المختار
- ما هبت الرياح في الأمصار
- ما دام ملك الواحد القهار
- عليكم بطاعة الرحمن
- فتندموا يوما على ما فاتكم
- شبابه والخسر في التواني
- محمد شفيع أهل النار
- وغرد الحمام في الأوكار
- مصليا على النبي المختار**

5- قصيدة في ذكر الأولياء والصالحين :

وهي أرجوزة تقع في خمسة وثلاثين (35) بيتا يقول في مستهلها :
- الحمد لله الذي قد خصص
- جعلهم وعاء للعلوم
- أخرجهم للأمر بالمعروف
* ويقول في ختامها :
- تمت بحمد الله ذي الأبيات
- ثم الصلاة والسلام سرمدا
- وآله الغر الكرام الشرفا
- أولي التقى من خلقه وأخلصا
- سيرهم في الأرض كالنجوم
- ونهاهم عن ضده المألوف
- في ذكر أوليائه السادات
على الرسول المصطفى محمدا وصحبه أهل التقى والخلفا 52 .
إنّ تراث الشيخ عبد الرحمن الأخضري تراث خصب كما ونوعا، لا بدّ من مراجعته وتحقيقه ولذا ندعو عامة الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالتراث العربي الاسلامي عموما وبالتراث الجزائري المخطوط خصوص ،أن يحوّلوا نظراتهم الثاقبة وأفكارهم النيرة وتوجهاتهم العلمية والعملية إلى الاعتكاف على بعض مؤلفات الشيخ عبد الرحمن الأخضري أو على الأقل التركيز على جانب معين من جوانبها العلمية، ومن ثم دراستها دراسة علمية أكاديمية حتى يتسنى لهؤلاء الباحثين والمؤرخين والمهتمين بهذا الموروث الثقافي التعرف على مدى حقيقة هؤلاء العلماء وكتاباتهم وتأثيرهم وتوجهاتهم العلمية الرامية في غالب الأحيان إلى توصيل رسالة نبيلة وغاية أسمى تتمثل في نشر مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي و أهم علومه التي يمكننا فهمها من خلال كتاباتهم ..
لقد حاولنا في هذا البحث أن نبرز تراث الشيخ عبد الرحمن الأخضري من خلال بعض خزائن المخطوطات والمكتبات في الداخل والخارج وأن نضع شبه جرد لهذه المؤلفات المتواجدة في أنحاء بقاع العالم، لما تكتسيه هذه المخطوطات من أهمية كبرى في حياة الباحث والمثقف الجزائري أو بعبارة أخرى الباحث العربي العلمي والعملي الذي يبحث عن الحقائق التاريخية دوما ويقارنها مع بعضها البعض ومن ثم توظيفها في مجال الحقل العلمي المخصص له .
ونشير في الأخير ولله الحمد والمنة إلى أن مخبر المخطوطات بجامعة وهران استطاع أن يخرج بعضا من هذه المخطوطات إلى النور ويتجلى ذلك من خلال تحقيق الدكتور بن معمر محمد لرحلة المقري المسماة بـ " رحلة المقري إلى المغرب والمشرق "، وكذا مخطوطات الشيخ الطيب المهاجي رحمه الله ووضعها في كتاب كامل تحت عنوان " الآثار العلمية للشيخ الطيب المهاجي "، إضافة إلى تحقيق الأستاذ بوركبة محمد لمخطوط عجائب الأسفار ولطائف الأخبار للشيخ أبي راس الناصر المعسكري .
وهناك المزيد من المخطوطات التي هي في طريق السطوع إلى النور وهذا مرده إلى الله وإلى اجتهاد ثلة من الباحثين والمؤرخين راحوا يبذلون جهودهم العلمية والأكاديمية المثمرة في ميدان المخطوطات التي تهدف في جوهرها إلى الحفاظ والعناية وإنقاذ المخطوطات في كامل التراب الوطني الجزائري خصوصا وتراث الأمة العربية عموما .

-----------------------------------------------------------------------------

* ـ المصادر والمراجع :

1. عادل نويهض,معجم أعلام الجزائر
2. محمد الطمار, تاريخ الأدب الجزائري
3. الحفناوي, تعريف الخلف برجال السلف, ج1
4. أبو القاسم سعد الله, تاريخ الجزائر الثقافي, ج1
5. مولاي بلحميسي, الجزائر من خلال رحلات المغاربة في العهد العثماني
6. شطوطي, الشيخ عبد الرحمن الأخضري"الكاشف والمنطقي
7. رضا كحالة، معجم المؤلفين, ج2
8. إلياس سكريس, معجم المطبوعات العربية والمغربية, ج1
9. عبد الرحمن الجيلالي , تاريخ الجزائر العام, ج3
10. زكي خورشيد إبراهيم زكي, أحمد الشناوي, محمد ثابت الهندي, عبد الحميد يونس, دائرة المعارف الإسلامية, ط1933, ج1
11. عبد الرحمن الأخضري, السلم المرونق في علم المنطق مع إيضاح المبهم للدمنهوري, مطبعة مصطفى الباي الحلبي وأولاده بمصر, دط.
12. عبد الرحمن الأخضري, شرح الجوهر المكنون في الثلاة فنون (آخر البيان)

* ـ المجلات :

"مجلة الأصالة"، ع53 جانفي1978
"مجلة الثقافة"، ع117-118(عدد خاص بالمخطوطات) سنة 1999
* ـ خزائن المخطوطات :
- المكتبة الوطنية الجزائرية، نسخة تحت رقم:137، نسخة رقم: 394، نسخة رقم: 1412.
- المكتبة السلمانية بأسطنبول نسخة عام 1161هـ.
- مكتبة الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة وطبع بالجزائر سنة 1921م.
- خزانة الشيخ البشير محمودي أطلعنا عليها بأنفسنا وهي في حالة جيدة وبخط واضح.
- خزانة الشيخ أبي عبد الله شراك أطلعنا على شروحا منها المخطوطة والحبرية والمطبوعة.
- خزانة زاوية عقباوي بآقبلي دائرة أولف بولاية أدرار تحت اسم: "إرشاد الطالب المعلم إلى معاني السلم، شرح الأرجوزة الأخضرية في القواعد المنطقية". تحت رقم:13
- خزانة ساهل بزاوية أبي نعامة ببلدية آقبلي ، دائرة أولف بولاية أدرار، ناسخها محمد ابن أبي بكر التواتي.
- ثلاثة نسخ الأولى خزانة الشيخ حمو بابا عيسى، غرداية। أكتوبر 2003 تحت رقم:حم54، الثانية حدغ87، حم 54، والثالثة تحت رقم: حم 54. ص: 96.
* ـ الهوامش :
* أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية بجامعة وهران . الجزائر
** لقد تناول هذا البحث بالضرح والتحليل أستاذنا وزميلنا الأستاذ بقدار الطاهر، تحت عنوان: شرح الجوهر المكنون في الثلاثة فنون، لعبد الرحمن الأخضري، رسالة الماجستير المخطوطة، وهران، تحت إشراف أ. د.حبار المختار، ط2003.
1 عادل نويهض,معجم أعلام الجزائر, ص:14
2راجع ترجمته في: الزركلي, الأعلام, حج4, ص:108 – محمد الطمار, تاريخ الأدب الجزائري, ص291- أبو القاسم سعد الله, تاريخ الجزائر الثقافي, ج1, ص:/ 500, عبد الرحمن الجيلالي , تاريخ الجزائر العام, ج3, ص: 79
3- راجع: الحفناوي, تعريف الخلف برجال السلف, ج1-ص67, محمد بن خلوف, شجرة النور الزكية, ص: 285 دائرة المعارف الإسلامية ج1, ص514.
4 راجع: الزركلي, الأعلام, ص: 108/شطوطي, الشيخ عبد الرحمن الأخضري"الكاشف والمنطقي", ص25/ رضا معجم المؤلفين, ج2, ص: 119/
5مولاي بلحميسي, الجزائر من خلال رحلات المغاربة في العهد العثماني, ص: 122.
6 عادل نويهض, معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر, مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة والنشر بيروت, ط3, 1983, صك14.
7 أبو القاسم الحفناوي, تعريف الخلف برجال السلف, مؤسسة الرسالة, بيروت, ط2, 1985,ص:زكي خورشيد إبراهيم زكي, أحمد الشناوي, محمد ثابت الهندي, عبد الحميد يونس, دائرة المعارف الإسلامية, ط1933, ج1,ص: 514.
8 زكي خورشيد إبراهيم زكي, أحمد اشناوي, محمد ثبت الهندي, عبد الحميد يونس, دائر المعارف الإسلامية, ط1933, ج1, ص: 514.
9عبد الرحمن الأخضري, السلم المرونق في علم المنطق مع إيضاح المبهم للدمنهوري, مطبعة مصطفى الباي الحلبي وأولاده بمصر, دط, ص:262, الشيخ القويشي شرح سلم الأخضري, مطبعة بن عبد السلام, مصر, ط1950, ص:38.
10الطاهر بقدار, شرح الجوهر المكنون في الثلاثة فنون, ص:5.
11 سركيس, معجم المطبوعات العربية والمعربة, ج1, ص:406.
12أنظر عبد الرحمن الأخضري, شرح الجوهر المكنون في الثلاة فنون (آخر البيان), ص:269
13إلياس سكريس, معجم المطبوعات العربية والمغربية, ج1, ص:406.
14 عادل نويهض,معجم أعلام الجزائر, ص:14 (ذكر سنة الوفاة 953هـ) والمستدرك ص:361/983هـ
15 راجع: عبد الرحمن الجيلالي, تاريخ الجزائر العام, ج3, ص81.
16 بلدية تابعة لدائرة رأس الماء ولاية سطيف.
17 قد بنيت على قبة ذات شأن عظيم هي مزار العديد من أتباع ومريدي الزاوية وسائر الناس وحوله مسجد يحمل اسمه.
18 هو الحسن بن حمد الورتلاني (1125هـ/1193م) من علماء القرن الثاني عشر, يرجع نسبه إلى قبيلة بني قزيلان باقرب من بجاية, من مؤلفاته رحلته المشهورة المسماة بـ"نزهة الأنظار في علم التاريخ والأخبار" وشرح المنظومة القدسية للأخضري.
19 سورة: البقرة, الآية : 65 ।
رضي الله عنه ونور ضريحه وأمدنا من أسراره آمين والحمد لله رب العالمين.
تكملة الموضوع

ترجمة سيدي عبد القادر بن محمد المكنى سيدي الشيخ







مولده و تعليمه:

ولد رضي الله عنه بضواحي الشلالة الظهرانية سنة 940 هـ إحدى أهم وأقدم مدن الجنوب الغربي في الجزائر "البيض حاليا" ووالده الفقيه الآجل سيدي محمد بن سليمان بن بوسماحة دفين الشلالة درس القرآن وأتقن حفظه وسافر في بداية أمره إلى قورارة وحط الرحال بقصر أولاد سعيد بولاية أدرار وذكر الفقيه أحمد بن أبي بكر السكوني في كتابه" تقوى إيمان المحبين" في مناقب سيدي عبد القادر بن محمد ولما نزل بقصر أولاد سعيد صادف نزوله ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فطلب منه أن صلي بهم تلك الليلة فصلى بهم وختم القرآن في ركعتين ثم انتقل بعدها إلى فقيق بالمغرب الأقصى فأخذ بها عن سيدي محمد بن عبد الجبار بن احمد وارتحل إلى فاس وأخذ عن العلامة سيدي عبد القادر القاضي العلوم الشرعية واللغة ثم أخذ عن قطب زمانه العالم الشهير أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي المتوفي سنة 990 هـ.

حيث خلد ذلك في منظومته الياقوتة بقوله:

* فعنه أخذنا أعني عن قمر الدجى ورثنا طريق القوم دون استرابة

وكان رحمه الله أقرب تلاميذ الشيخ بن عبد الرحمان السهلي فقال فيه شيخه أفضلكم عبد القادر وأخبره بأنه يولد له ثمانية عشرا ولدا وكان له ذلك وقد وصفه السكوني أنه كان جميل الصفـات شريف الأخلاق ،كامل الأدب ،كثير التواضع ومجاب الدعوى ظاهر الكرامات وكان له رحمـه الله علاقـة وطيـدة بعلمـاء عصـره في مختلف الأماكـن التي زارهـا وأخذ عن علمائها أساسها المحبة لله تعالى أما جده سيدي سليمان بن بوسماحة فقد خلق من الأولاد سيدي احمد المجدوب ببلدية عسلة وسيدي عبد الله ببني ونيف وسيدي التومي المكنى بالقناديل بالأبيض سيدي الشيخ ولالا صفية بتيوت دائرة العين الصفراء وآيت بوسماحة الذي انتقل إلى المغرب والآن يسمى آيت بوسماحة بقبائل البرابر وسيدي محمد بن سليمان بالشلالة أبو سيدي عبد القادر بن محمد والذي افردته بهذه الترجمة لما له من المكانة الخاصة والتبجيل والاحترام بين الناس.

تأسيس زاويته بالعباد بالمغرب الأقصى:

أسس زاويته بالعباد بالمغرب الأقصى شعارها "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا فكانت محج الزائرين وإيواء الفقراء والمساكين بين العباد والأوتاد ذاع صيتها في الآفاق وعمت بركتها جميع أنحاء المعمورة قائمة على تعليم كتاب الله وإحياء سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
القائل : خيركم من تعلم القرآن وعلمه.

طريقتــه الصوفيـــة:

له طريقة في التصوف تعرف بالطريقة الشيخية المنبثقة من الطريقة الشاذلية نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي إمام العارفين وقدوة السالكين نفعنا الله ببركته ولها أتبــاع بالجزائــر وجميــع دول المغرب العربي.

عبادتــه بالخلــوات:

انقطع للعبادة والخلوة مدة من الزمن عابدا في الخلوات قائما ليله صائما نهاره لا يفتر طرفة عين عن ذكر الله لقوله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) ولمـا ســأل في ذلك قال (عبدت مائة خلوة وخلوة وماديت الفايدة حتي اعطيت المايدة

منظومتــه الياقوتــة:

له منظومة في التصوف تعرف بالياقوتة ذكر فيها مشايخ الطريقة فهي نصح لدين الله ثم رسولـه ولعامة المسلمين طبعت منها عدة نسخ وأحسن مطبوع مطبعة الأغواط عمالة الواحات سابقا علـى نفقة الشريف بن سيد الحاج بن عامر مولاي عبد الله النور ومن الشراح لهذه المنظومــة الشريف الإدريسي مولاي احمد ببلاد التوات ويوجد مخطوط لشرحها بخزانة سيـدي محمــد التواتي تحت يد أبنائه وقد اطلعت على مخطوط لشرحها للسيد الفاضل أمد الله في عمره سي عبد الله طواهريـة أستاذ بجامعة أدرار وله كذلك تذكرة الخلان وكذا سلوة الأحزان في مناقب سيـدي الشيــــخ فهو موسوعة بحث في تاريخ أسلافـه أنـار الله بصيرته وألهمه خزائن أسراره لإحياء طريقـة أسلافه.

كــرامــاتــه:

ظهرت كراماته للعيان منها كرامة عبد الله المراكشي وكذا انجلاء بصر المقدم محمد بن علي بن كبار الذي نظم قصيدة متوسلا فيها بالله وبكرامة سيد الشيخ بإجلاء بصره فرد الله عليه بصـره (ولله الأمر من قبل ومن بعد ) وقد خص الله سبحانه وتعالى أحبابه وأوليائه بقبول الإجابة مصداقا لقوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني) نسأل الله تعالى أن يرزقنا محبة أوليائه وأهل بيته الطاهرين وعليه فقد اقتصرت على ذكر كرامتين من كراماته رضي الله عنه نظرا لتعدادها وحيث لا يتسع المقام لذكر كراماته كلها.

وفـــاتــه:

لما حضرته الوفاة طلب حضور أبنائه من جميع أصقاع المعمورة ودعا لهم بالخير والصلاح وأسند الولاية للقطب الشيخ سيد الحاج بحوص ووارث سره فقد خلف من الأبنـاء ثمـانيـة عشرة ولدا كبيرهم سيدي الحاج بن الشيخ وصغيرهم سيد احمد المازوزي نفعنا الله بالجميـع بجاه النبي الشفيع ، أما تاريخ وفاته فكان يوم 18/05/1616 عن عمـر يناهـز الخامسـة والثمانون سنة بالمكان المسمى مقام سيد الشيخ ببلدبة استيتن وسافروا بجثمانه إلى الأبيض سيدي الشيخ البلدة المسماة باسمه حاليا وأقيمت له قبة فهي مكان للزيارة والتبــرك وأثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر هدم ضريحه ونقلت رفاته إلى الثكنة العسكرية بمدينة البيض وذلك سنة 1881 من طرف الضابط الفرنسي نقري انتقاما لثورة الشيخ بوعمامة كما اشتدت موجة الغضب في القبائل المؤيدة لسيدي الشيخ ومقاديم الزوايا أرادت السلطات الفرنسية إخماد موجة الغضب هذه برجوع جثمانه إلى مكانه الأصلي بفرعة سيدي الشيـخ وقد بنى الشيــخ بوعمامة ضريحه من جديد ومن حينها فهو قبلة للزوار من جميع أنحاء القطر وأثناء تهديم الضريح قال في ذلك الشاعر محمد بلخير : هدموا قنطاس الهمة ولوقار ولا بقى حد من السادات محروم * ليانك من لبيض فرحة وتبشار الشيخ تبنى ولا مازال مهدوم.

جهــــاده:

كان رحمه الله رافعا للواء الجهاد في وجه الكفر والطغيان في الحروب الأسبانية التي دارت راحاها بين الأسبان والمسلمين في مدينة وهران وأبلى فيها البلاء الحسن وجرح في أثنائها عدة جروح كانت سببا في وفاته وقد أخفاها عن الناس إلا عن زوجته التي كانت تقوم بتمريضه ومعالجة جراحه

الزوايا المتفرعة عن الزاوية المركزية لسيدي الشيخ:

زاوية سيد الحاج الدين ببلدية بريزينة كان لها السبق في عقد لواء الجهاد لثورة أولاد سيــد الشيخ بقيادة سليمان بن حمزة سنة 1864 وكذلك قادة ثورة التحرير المباركة بناحية البيـض والقائمون عليها

هم الســادة :

فتاتي بوبكر بن الحاج احمد وفتاتي الطيب بن الحاج الدين وفتاتي حمزة بن محمد فهي مأوى للفقراء وإطعام المساكين وعابري السبيل وبها مدرسة لتعليم القرآن الكريم زاوية متليلي الشعانبة لمؤسسها سيد الحاج احمد بن بحوص دفيم متليلي بالهضبة المطلة على زاويته بشعبة سيد الشيخ وله قبة تزار ه*** والقائم عليها نجله سيدي عبد القادر بن الحاج احمد أطــال الله عمره وبها مدرسة لتعليم القرآن الكريم زاوية عين السخونة بولاية سعيدة لمؤسسها زوي الحاج محمد دفين السخونة وبها مدرسـة لتعليـم القرآن والقائم عليها ابنه الحاج المختار وأبنائه وبها قبة لسيد الحاج محمد المعروف بمـول السخونة قبلة للزوار وكذا ضريح ابنه الحاج عبد القادر الرجل التقي صاحب الكرامات قدس الله سره ونفعنــا ببركتـــه زاوية الموحدي ببلدية الشقيق ولاية البيض والقائم عليها الزوي سي حكوم جزاه الله خيرا لإحيـاء طريقة إبائه زاوية عسلة لمؤسسها سيدي محمد بن يمنة بدائرة شروين ولاية أدرار بالمكان المسمى تبــو أين أسس هذه الزاوية ثم انتقل بها إلى بلدية عسلة بولاية النعامة المكان الذي توفي به رحمه الله ودفن بمقبرة سيدي احمد المجدوب فهو مقصد الزائرين للتبرك به والقائم على الزاوية حاليا إخوته سي الناصر وسي المبروك قوى الله عزيمتهم وزادهم من فضله إنــه لا يضيع أجر المحسنين زاوية سي محمد الطيب بالأبيض سيدي الشيخ بمدخل المدينة وبها مدرسة لتعليم القرآن وإيــواء الطلبة من جميع أنحاء القطر فهو مشروع خيري أرجو أن يوفقه الله لإتمامه ونحن بصدد التعريف لهذه الزوايا المتفرعة عن الزاوية المركزية لزاوية سيدي الشيـخ ونظرا لوجود هذه المدرسة القرآنية ببلدية الأبيض سيدي الشيخ لابد أن نعرج على هــذا الصرح الديني لصاحبه أخونا في الله سيدي محمد الشعراوي الذي قضى زهـرة شبــابـه في مدرسة شيخنا الحاج محمد بالكبير خادما لضيوفه إلا أن استأذنه في فتح مدرسته الكائن مقرها بالقصر القديم بالأبيض سيد الشيخ فهي بحق مدرسة لتعليم النشأ كتاب الله والقاصـد لرحابها يحضى برعاية خاصة من طرف القائم عليها زاد الله من أمثاله وجعله امتدادا لطريقة شيخه الأستاذ العلامة ومنارة العلم سيدي محمد الكبير اسكنه الله فسيح جنانه ورزقنــا الله محبته ومحبة العلماء أمثاله.

تكملة الموضوع

عبد الرحمن الجشطولي



الشيخ شمس الدين محمد بن سالم الحفني ( ت 1190 هـ 1767 م ) وهو أحد أهم أعلام الصوفية في مصر إذا يعتبر من أهم رجال الطريقة الخلوتية، وعلى رغم كثرة من تناول سيرته من إخواننا المشارقة في مصر فإن أحداً منهم لم يشر إلى أثره في الجزائر فهو من أصول جزائرية.
وهذا الأثر الصوفي المهم كان عن طريق الشيخ عبد الرحمن الجشطولي مؤسس الطريقة الرحمانية , إحدى فروع الطريقة الخلوتية في المغرب العربي , وُلد الشيخ عبد الرحمن الجشطولي , الجرجري , في بلدة أيت إسماعيل ببلاد القبائل الكبرى بالجمهورية العربية الجزائرية , سنة 1130 هـ , وتلقى تعليمه في زاوية الشيخ صديق في بلدة أيت براثن , ثم ارتحل إلى مدينة الجزائر العاصمة . وفي سنة 1146 هـ خرج قاصداً بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج في رحلة طويلة جداً استغرقت سبعةً وثلاثين سنةً متصلةً ابتدأها بتوقّفٍ في العاصمة المصرية القاهرة لمدةٍ غير قصيرةٍ اجتمع خلالها بالشيخ محمد بن سالم الحفني وصحبه وتربىّ على يديه وأخذ عنه الطريقة الخلوتية , ومن القاهرة إلى الديار المقدسة حيث أدى فريضة الحج وجاور لمدةٍ وأعطى الطريقةً الخلوتيةً لمن شاء الله لهم ذلك , وواصل توغله في القارة الآسيوية ناشراً للطريقة مُعلماً ناصحاً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر حتى بلغ الهند مروراً بإستانبول .
ورجع بعد الجهاد الطويل المكلل بالإخلاص والتوفيق في الدعوة إلى الله تعالى إلى بلده الجزائر, حيث نشر الطريقة الخلوتية التي سميت منذ أول يوم ابتدأ في نشرها فيه في الجزائر باسم الطريقة الرحمانية , ولإقبال الناس عليه وتحلقهم حوله وائتمارهم بأمره وانتهائهم بنهيه خاف الوالي التركي منه , فدبّر له مع شرذمةٍ من علماء السوء الذين لا يخلو منهم بلاط الحاكم عادةً , مؤامرةً تمثلت في إصدار فتوى فقهية ضد طريقته ولكن نور الله لا تذهبه نفخات الحاقدين والمرضى فقد انتشرت الطريقة الرحمانية في بلاد القبائل الكبرى والصغرى أيضاً وأخذ عن الشيخ عبد الرحمن خلفُ لا يحصون وبلغت الطريقة أوسع انتشارها وأسس في بلدة جرجرة بشمال الجزائر زاويةً كبيرةً اعتُبرت هي زاوية الطريقة الرحمانية الأم ومنها انتشرت هذه الطريقة المباركة في دول المغرب العربي حيث أسست لها الزوايا الكبرى بعد وفاة شيخها في قسنطينة , ونفطة في تونس وإطرابلس بليبيا .
واستمر مدد الله سبحانه , وسارت هذه الطريقة على أكمل وجه وأتمه حتى انتقل الشيخ عبد الرحمن إلى جوار الرحمن في سنة 1208 هـ الموافق 1793 م ودُفن في بلدة أيت إسماعيل بالجزائر .
واشتهر بعد موته بلقب ( بوقبرين ) وسبب هذا اللقب أن الأتراك خافوا تكاثر المريدين والقبائل حول ضريحه فنقلوا جثمانه إلى العاصمة الجزائر وأودعوه قبراً هناك ليكون الزائر له تحت سمعهم وبصرهم , فنبش رجال القبائل قبره في إيت إسماعيل فوجد كأنه دفن اليوم , فلقب بهذا اللقب .
ومن أبرز رجال الطريقة الرحمانية الشيخ محمد أمزيان الحداد شيخ زاوية صدوق الرحمانية , قائد الجهاد في شرق الجزائر سنة 1871 م ضد فرنسا وقد عمدت فرنسا على إثر انخراط كل مريدي الطريقة الرحمانية الذين قُدر عددهم بمائة ألف في حركة الجهاد واشتباكهم مع جند الإحتلال في معارك ضارية إلى إغلاق زاويتهم الرئيسة في جرجرة ثم استطاعت القبض على الشيخ الحداد وابن الشيخ عبد الرحمن الجشطولي المجاهد الكبير الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن الجشطولي حتى سنة 1875 م حيث استطاعت القوات الفرنسية تسجيل انتصارٍ عسكريًّ ساحقٍ عليهم .
تكملة الموضوع

ترجمة سيدي محمد بلقايد الشريف الحسني الإدريسي ''قدّس الله سرّه''

الولـي الذاكـر ذي النسب الزاهر سيدي محمد بلقايد الشريف الحسني الإدريسي ''قدّس الله سرّه''

يقول أحد العارفين بالله:
أسرد حديث الصالحين و سمّهم فبذكرهم تتنزّل الرحمات واغش مجالسهم تنل بركاتهم و قبورهم زرها إذا ما ماتوا ومن بين هؤلاء الصالحين الذين تتنزّل - إن شاء الله تعالى - بذكرهم الرحمات، وتعمّ الخيرات سيدي محمد بلقايد الشريف الحسني الإدريسي·
ولد - رضي الله عنه - بجوهرة الغرب الجزائري تلمسان سنة ,1911 وبها دفن في مقبرة العالم الربّاني سيدي السنوسي رضي الله عنه سنة ,1998 إثر وفاته بمدينة وهران يوم الجمعة 28 ربيع الثاني 1419 هـ الذي يوافق 21 أوت .1998


سيدي محمد بلقايد و ابنه و وارثه سيدي محمد عبد اللطيف و هو كهل قدّس الله سرهما


ويمتد نسبه الشريف إلى ياقوتة الأنام سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بنت الحبيب المصطفى وبضعته صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى باب مدينة العالم الخليفة الراشد سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي عنه·
ويمتد نسبه الروحي من حيث طريق القوم إلى سيدي محمد الهبري المتصل السند بمولانا العربي الدرقاوي، عن سيدنا أبي الحسن الشاذلي، عن سيدنا عبد السلام بن مشيش رضي الله عنهم وعن إخوانهم أجمعين·

ترعرع في بيت العزّ والشرف والعلم الظاهري والباطني...

فحفظ القرآن الكريم في الثالثة عشرة من عمره، وارتوى من معين علمي الشريعة والحقيقة عن طريق علماء أجلاء بحاضرة تلمسان، وعن والده وجدّه قدس الله أسرار الجميع، وكانت له، في طلب العلم جولات وسياحات روحية عبر حواضر الوطن، وبلدان المغرب والمشرق العربيين، فأجازه الكثير من المشايخ الشوامخ، وتصدى للتربية الروحية في تواضع العارفين بالله، فكان أهلا لها، وارتوى من ورده خلق كثير، إذ له أتباع في عدة جهات من المعمورة حيث طبقت شهرته الآفاق، ومن مريديه من هم ذائعو الصيت، ما زالت علومهم عن طريق مؤلفاتهم و- دروسهم المتلفزة والمذاعة - تشفي الغليل، أمثال العلاّمة الفهامة الشيخ سيدي متولي الشعراوي رضي الله عنه، الذي يظهر في الصورة المرفقة يجثو إجلالا لسيدي بلقايد، واعترافا بفضله وشكرا لله سبحانه وتعالى القائل عزّ من قائل: ''ولا تنسوا الفضل بينكم''، واقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم القائل:''من لم يشكر الناس لم يشكر الله''·

وقد أشفع الشيخ الشعراوي الفعل بالقول إذ منّ الله تعالى عليه - عقب خروجه من خلوة الشيخ بلقايد بسيدي عفيف رضي الله عنه بتلمسان - بقصيدة عصماء ستظلّ عربون وفاء، وعنوان تقدير وثناء، أبرز فيها مزايا الطريقة الهبرية وسجايا المنتسب إليها، والممثل لها سيدي محمد بلقايد عليه رضوان الله .

ويقول فيها:

نور الوجود وريُّ روح الوارد * هبرية تدنـي الوصـول لعابـد
تزهـو بسلسلـة لهـا ذهبيـة * من شاهدٍ للمصطفى عن شاهـد
طَوَّفتُ في شرق البلاد وغربها * وبحثتُ جهدي عن إمام رائـد
أشفي به ظمـأ لغيـب حقيقـة * وأهيمُ منه في جـلال مشاهـد
فهدانيَ الوهـابُ جـلّ جلالـه * حتى وجدت بتلمسان مقاصـدي
واليوم آخذُ نورها عن شيخنـا * محيِ الطريـقِ محمـد بلقايـد
ذقنا مواجيـد الحقيقـة عنـدهُ * وبه عرجنا في صفاء مصاعـد
عن شيخه الهبري درِّ كنـوزه * فاغنم لآلئـهُ وجـدّ وجاهـد
دنـدنْ بمـا لُقِّنتَـه مـن ورده * بصفاء نفـس متيّـم متواجـد
إيّاكَ من لفـتِ الفـؤادِ لغيـره * واجعل سبيلكَ واحـداً للواحـد
شاهد رسـول الله فيـه فإنّـه * إرثٌ توُورثَ ما جدا عن ماجـد
فإذا وصلتَ به لنور المصطفـى * فالمصطفـى لله أهـدى قـائـد
وهناك تكشِفُ كلّ سرّ غامـض * وتشاهد الملكوت مشهد راشـد
وإذا البصائرُ أينعـتْ ثمراتهـا * نالتْ بها الأبصارُ كـل شـوارد
لا تُلـقِ بـالاً للعـذولِ فـإنّـه * لا رأي قطُّ لفاقـد فـي واجـدِ
لو ذاقَ كانَ أحدّ منـك صبابـةً * لكنّـه الحرمـان لـجَّ بجاحـد
سر في طريقك يا مريد ولا تًعِرْ * أذناً لصيحـة منكـرٍ ومعانـد
لا يستوي عند العقولِ مجاهـدٌ * في الله قـوّامُ الدّجـى بالرّاقـد
اللهَ قلِ بحوى الهيـامِ وذرهـمُ * يتخبّطـونَ بكـل زورٍ فـاسـد
ثابر أخَيَّ علـى تجـارة رابـحٍ * واترك لحزبهمُ تجـارة كاسـد
اللهُ قصدكَ و الرّسولُ وسيلـةٌ * وخطاك خلـف محمـد بلقايـد







صورة نادرة للشيخ محمد متولي الشعراوي وسيدي محمد بلقايد قدس الله سرهما

وستظل زاويته العامرة في سيدي معروف رضي الله عنه بوهران مقصد طلاب العلم، ومجمع العلماء لاسيما بعد ازديانها بسلاسل الدروس المحمدية التي تنوّر الفضاءات الثقافية في الجزائر وفي العالم الإسلامي مشفوعة بنفحات شهر رمضان المعظم ومقرونة ببركاته وخيراته، فالحمد لله والشكر لله·

تكملة الموضوع

الشيخ محمد خضر حسين الجزائري

الشيخ محمد خضر حسين الجزائري 1293 هــ -1377 هـ
يحـفـل تـاريخـنـا الإسـلامـي في الـقـديم والحـديـث بـنـمـاذج مشرفة للعلماء الذين ضربوا المثل الأعلى في الفضل والعلم والجهاد ، وكثير من هؤلاء مغمورون ، وقليل من الناس من يعرفهم .وسـأحـاول في هـذه الـمـقـالـة عرض حياة علم من هؤلاء العلماء الأعلام، وسترى فيه أخي القارئ ، نموذجاً للصبر على العلم والتحصيل والتبليغ والجهاد والمواقف الجريئة . فما أحوجنا لأمثاله من العلماء العاملين الذين هم بحق ورثة الأنبياء .هـو: محمد الخضر حسين الذي ينتسب إلى أسرة عريقة في العلم والشرف، حيث تعود أسـرتـه إلى البيت العمري في بلدة (طولقة) جنوب الجزائر، وقد رحل والده إلى (نفطة) من بلاد الجريد بتونس بصحبة صهره (مصطفى بن عزوز)
من أفاضل علماء تونس، وخاله (محمد المكي) من كـبـار الـعـلـماء وكان موضع الإجلال في الخلافة العثمانية .وسنتتبع حياة عالمنا في مراحل ثلاثالأولى : في تونس: حيث ولد الشيخ بنفطة عام 1293 ، وعلى أرضها درج ونشأ ، وهو - كأي عالم مسلم - تبدأ حياته في أجواء البيت المسلم ، والأسرة المسلمة ، ثم أخذ العلم في نفطة وكان لا يتعدى مبادئ علوم الدين ووسائلها ، وقد ذكر أن والدته قد لقنته مع إخوانه (الكفراوي) في النحو و (السفطي) في الفقه المالكي ، وفي عام 1306 انتقل مع أسرته إلى العاصمة ، فتعلم بالابتدائي ، وحفظ القرآن مما خوله الانتظام بجامع الزيتونة فجد واجتهد وثابر على مواصلة العلم ، حتى صار مثار إعجاب أساتذته وعارفيه ، حيث درس على أستاذه (سالم أبو حاجب) صحيح البخاري ، وعنه أخذ ميوله الإصلاحية وأخذ التفسير عن أستاذيه (عمر بن الشيخ) و (محمد النجار) ، وفي عام 1316 نال شهادة (التطويع) التي تخول حاملها إلقاء الدروس في الزيتونة تطوعاً وكانت هذه الطريقة درباً للظفر بالمناصب العلمية وميداناً للخبرة والتدريب على مهنة التعليم ، فعظمت مكانته في نفوس زملائه ، وذاع صيته في البلاد حتى صار من قادة الفكر وذوي النفوذ ، وأعجب به طلبة الزيتونة وكانت الحركة الفكرية هناك في حاجة لإبراز نشرة دورية تنطق بلسانها ، ولم يكن يوجد آنذاك بتونس سوى الصحف . فقام بإنشاء مجلته (السعادة العظمى) فنالت إعجاب العلماء والأدباء وساء بعضهم صدورها لما اتسمت به من نزعة الحرية في النقد واحترام التفكير السليم ، ولتأييدها فتح باب الاجتهاد حيث قال الشيخ عنه في مقدمة العدد الأول :(.. إن دعوى أن باب الاجتهاد قد أغلق دعوى لا تسمع إلا إذا أيدها دليل يوازن في قوته الدليل الذي فتح به باب الاجتهاد) .وكان منهج المجلة كما جاء في المقدمة أيضاً يتمثل في : 1- افتتاحية لكل عدد تحث على المحافظة على مجدنا وتاريخنا .2- تعرض لعيون المباحث العلمية . 3- ما يكون مرقاة لصناعة الشعر والنثر .4- الأخلاق كيف تنحرف وبم تستقيم .5- الأسئلة والمقترحات .6- الخاتمة ومسائل شتى .وهكذا صدرت هذه المجلة فملأت فراغاً كبيراً في ميدان الثقافة الإسلامية وتسابق العلماء والكتاب للمشاركة فيها حتى أغلقها المستعمر الفرنسي حينما تعرض لهجومها عام 1322 هـ أي بعد مضي عام واحد فقط على صدورها ، فاتجهت إلى الشيخ الجمعيات الرسمية وغيرها للاشتراك في أعمالها ، ثم تولى قضاء (بنزرت) عام 1323 مع الخطابة والتدريس بجامعها ، وحدثت اشتباكات بين المواطنين والمستعمر ، فتطور الأمر ، وأعلنت الأحكام العرفية وعطلت الصحف ، وسجن أو نفي معظم ذوي الشأن من القادة والمفكرين فأصبحت كل حركة تبدو من الطلاب محمولة عليه . فنظر إليه المسؤولون شذراً ، خصوصاً بعد إضراب الطلاب عن التعليم. وفي هذا الجو المكهرب والمحبوك بالمؤامرات دفع به الضيق إلى طلب حياته الفكرية والعملية في خارج تونس ، خصوصاً وأنه من أنصار (الجامعة الإسلامية) الذين يؤمنون بخدمة الإسلام خدمة لا تضيق بها حدود الأوطان .فـقـام بـعـدة سـفـرات متوالية بادئاً بالجزائر عام 1327 لإلقاء المحاضرات والدروس فلقي ترحيباً من علمائها ، وكانت هذه الرحلة بداية جديدة شرع بعدها في إعداد نفسه وأفكاره الإصلاحية . ثم عاد إلى تونس لمزاولة التدريس . واشترك في مناظرة للتدريس من الدرجة الأولى ، فحرم من النجاح فحز ذلك في نفسه لسيطرة روح المحاباة على الحياة العلمية في بلده . وفي عام 1329 وجهت إليه تهمة بث العداء للغرب ، ولاسيما فرنسا ، فيمم وجهه صوب الشرق ، وزار كثيراً من بلدانه ، وزار خاله في الآستانة ولعل هذه الرحلة لاكتشاف أي محل منها يلقي فيه عصا الترحال . ثم عاد لتونس فلم يطب له المقام والمستعمر من ورائه.المرحلة الثانية : عدم الاستقراروصل دمشق عام 1330 مع أسرته ومن ضمنها أخواه العالمان المكي وزين العابدين ، فعين الشيخ (محمد الخضر حسين) مدرساً بالمدرسة السلطانية ، وألقى في جامع بني أمية دروساً قدّره العلماء عليها، وتوثقت بينه وبين علماء الشام الصلة وبخاصة الشيخ البيطار، والشيخ القاسمي ، ولما كانت آنذاك سكة الحديد الحجازية سالكة إلى المدينة المنورة زار المسجد النبوي عام 1331 وله في هذه الرحلة قصيدة مطلعها : أحييك والآماق ترسل مدمعاً كأني أحدو بالسلام مودعاًوفي هـذه الفـتـرة شـده الحـنـيـن إلى تـونـس الخـضـراء، فزارها وله في ديوانه ذكريات في الصفحات 26 ، 134 . وكـان الشـيـخ دائـمـاً ما يـدعـو للإخاء بـين العرب وإخوانهم الأتراك حينما بدأت النعرة القومية تفرقهم. وقد ذهب إلى الآستانة، ولـقـي وزيـر الحربية (أنور باشا) فاختير محرراً للقلم العربي هناك فعرف دخيلة الدولة، فأصيب بخيبة أمل للواقع المؤلم الذي لمسه ورآه رؤيا العين، فنجد روحه الكبيرة تتمزق وهي ترى دولة الخلافة تحتضر وقال في قصيدة (بكاء على مجد ضائع) : أدمـى فـؤادي أن أرى الـ أقـلام تـرسـف في قـيـود وأرى ســيــاسـة أمــتــي في قبضة الخصم العـنـيدوفي عام 1333 هـ أرسله (أنور باشا) إلى برلين في مهمة رسمية ، ولعلها للمشاركة في بث الدعاية في صفوف المغاربة والتونسيين داخل الجيش الفرنسي والأسرى في ألمانيا لحملهم على النضال ضد فرنسا ، أو التطوع في الحركات الجهادية . وظل هناك تسعة أشهر أتقن فيها اللغة الألمانية وقام بمهمته أحسن قيام ، وقد نقل لنا من رحلته هذه نماذج طيبة مما يحسن اقتباسه ، لما فيه من الحث على العلم والجد والسمو . نجدها مفرقة في كتبه ففي كتاب (الهداية الإسلامية) ص 155 ، 164 ، 175 ، وفي كتابه (دراسات في الشريعة) ص 135 ، ولما عاد للآستانة وجد خاله قد مات فضاقت به البلد ، وعاد إلى دمشق ، فاعتقله (جمال باشا) عام 1334 بتهمة علمه بالحركات السرية المعادية للأتراك ، ومكث في السجن سنة وأربعة أشهر برئت بعدها ساحته ، وأطلق سراحه فعاد للآستانة فأرسل في مهمة أخرى لألمانيا . ثم عاد إلى دمشق ، وتولى التدريس بثلاثة معاهد هي : (المدرسة السلطانية - المدرسة العسكرية - المدرسة العثمانية) ثم نزح عن دمشق التي أحبها حينما أصدر ضده حكم غيابي بالإعدام - لما قام به ضد فرنسا من نشاطات في رحلاته لأوربا - وذلك بعد دخول المستعمر الفرنسي إلى سورية، وكان أمله أن يعود إلى تونس، ولكن إرادة الله شاءت أن تكون مصر هي مطافه الأخير ، وبهذا تتم المرحلة الثانية .المرحلة الثالثة : مصروقد وصلها عام 1339 فوجد بها صفوة من أصدقائه الذين تعرف عليهم بدمشق ومنهم: (محب الدين الخطيب) ونظراً لمكانته العلمية والأدبية اشتغل بالكتابة والتحرير ، وكان العلامة (أحمد تيمور) من أول من قدر الشيخ في علمه وأدبه . فساعده وتوطدت العلاقة بينهما. ثم كسبته دار الكتب المصرية . مع نشاطه في الدروس والمحاضرات وقدم للأزهر ممتحناً أمام لجنة من العلماء اكتشفت آفاق علمه ، فاعجبت به أيما إعجاب فنال على أثر ذلك (العالمية) فأصبح من كبار الأساتذة في كلية (أصول الدين والتخصص) لاثنتي عشرة سنة ، وفي عام 1344 أصدر كتاب (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) رد فيه على الشيخ (علي عبد الرزاق) فيما افتراه على الإسلام من دعوته المشبوهة للفصل بين الدين والدولة ، وفي عام 1345 أصدر كتابه (نقض كتاب في الشعر الجاهلي) رداً على طه حسين فيما زعمه في قضية انتحال الشعر الجاهلي وما ضمنه من افتراءات ضد القرآن الكريم . وفي عام 1346 هـ شارك في تأسيس جمعية الشبان المسلمين، وفي السنة نفـسـهـا أسـس جمعية (الهداية الإسلامية) والتي كانت تهدف للقيام بما يرشد إليه الدين الحنيف من علم نافع وأدب رفيع مع السعي للتعارف بين المسلمين ونشر حقائق الإسـلام ومـقـاومـة مـفـتـريات خصومه، وصدر عنها مجلة باسمها هي لسان حالها، وفي عـام 1349 هـ صـدرت مـجـلة (نور الإسلام - الأزهر حالياً) وتولى رئاسة تحريرها فترة طويلة . وفي عام 1351 منح الجنـسـية المصرية ثـم صـار عـضـواً بالمجمع اللغوي . ثم تولى رئاسة تحرير مجلة (لواء الإسلام) مدة . وفي عام 1370 تـقـدم بطـلـب عضوية جمعية كبار العلماء فنالها ببحثه (القياس في اللغة) وفي 21/12/1371 هـ تـولـى مـشـيـخـة الأزهـر وفـي ذهـنـه رسالة طالما تمنى قيام الأزهر بها، وتحمل هذا العبء بصبر وجد وفي عهده أرسل وعاظ من الأزهر إلى السودان ولاسيما جنوبه، وكان يـصـدر رأي الإسـلام في المواقـف الحاسـمـة، وعمل على اتصال الأزهر بالمجتمع واستمر على هذا المنوال، ولما لـم يـكـن للأزهـر مـا أراد أبـى إلا الاستقالة .ولابد من ختم هذا المقالة بذكر بعض من المواقف الجريئة التي تدل على شجاعته ، وأنه لا يخشى في قول الحق لومة لائم شأنه شأن غيره من علماء السلف الذين صدعوا بالحق في وجه الطغيان في كل زمان ومكان . 1- حينما كان في تونس لم تمنعه وظيفته من القيام بواجبه في الدعوة والإصلاح بالرغم من أن الاستعمار ينيخ بكلكله على البلاد ، فقد ألقى في نادي (قدماء مدرسة الصادقية) عام 1324 محاضرته (الحرية في الإسلام) والتي قال فيها :(إن الأمة التي بليت بأفراد متوحشة تجوس خلالها ، أو حكومة جائرة تسوقها بسوط الاستبداد هي الأمة التي نصفها بصفة الاستعباد وننفي عنها لقب الحرية) .ثم بيّن حقيقتي الشورى والمساواة ، ثم تحدث عن حق الناس في حفظ الأموال والأعراض والدماء والدين وخطاب الأمراء . ثم بيّن الآثار السيئة للاستبداد وهذه المحاضرة من دراساته التي تدل على شجاعته وعلى نزعته المبكرة للحرية المسؤولة وفهمه لمنهج الإسلام فهماً راقياً سليماً .2- وفي عام 1326 عرضت عليه السلطة المستعمرة الاشتراك في المحكمة المختلطة الـتـي يكون أحد طرفيها أجنبياً . فرفض أن يكون قاضياً أو مستشاراً في ظل الاستعمار . ولخدمة مصالحه وتحت إمرة قانون لا يحكم بما أنزل الله .3- ولا أزال أذكر ما قصه علينا أستاذ أزهري كان آنذاك طالباً في أصول الدين إبان رئاسة الشيخ للأزهر ، حين دعا أحد أعضاء مجلس الثورة إلى مساواة الجنسين في الميراث ، ولما علم الشيخ بذلك اتصل بهم وأنذرهم إن لم يتراجعوا عن ما قيل فإنه سيلبس كفنه ويستنفر الشعب لزلزلة الحكومة لاعتدائها على حكم من أحكام الله ، فكان له ما أراد .أواخر حياتهواستمر الشيخ محمد الخضر حسين -رحمه الله- في أواخر حياته يلقي المحاضرات ويمد المجلات والصحف بمقالاته ودراساته الـقـيمة، بالرغم مما اعتراه من كبر السن والحاجة إلى الراحة وهذا ليس غريباً عمن عرفنا مشوار حياته المليء بالجد والاجتهاد والجهاد .وكان أمله أن يرى الأمة متحدة ومتضامنة لتكون كما أراد الله خير أمة أخرجت للناس، وحسبه أنه قدم الكثير مما لانجده عند الكثير من علماء هذا الزمان .وفي عام 1377 هـ انتقل إلي رحاب الله ، ودفن في مقبرة أصدقائه آل تيمور جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء ، ورحمه رحمة واسعة ، وعفا الله عنا وعنه ..........................

تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |