ترجمة العلامة أبو عبد الله محمد بن الحسن بن ميمون التميمي القلعي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله محمد بن الحسن بن ميمون التميمي القلعي

[... 673 هـ / ... 1274م]

ومنهم شيخنا الشيخ الفقيه، الأستاذ النحوي اللغوي، المحصل التاريخي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي بن ميمون التميمي القلعي من قلعة بني حماد، كان جده ميمون قاضيا بها، نشأ بالجزائر وقرأ بها وانتقل إلى بجاية مستوطنا، وبها قرأ وبرع، لقي بها مشائخ منهم الشيخ أبو الحسن الحرالي، والفقيه أبو الحسن ابن أبي نصر، والفقيه أبو بكر ابن محرز، والفقيه أبو المطرف ابن عميرة، وأبو زيد ابن السطاح وغيرهم. وقرأ بالجزائر على أبي عبد الله ابن منداس وغيره.

كان في علم العربية بارعا مقدما محكما لفنونها الثلاثة، النحو واللغة والأدب، وكان له درس يحضره من الطلبة فضلاؤهم ونبهاؤهم، وتجري فيه المذكرات المختلفة في التفسير والحديث، وأبيات الغريب وغيرها، وتمضى في ذلك من المعاني المنقحة ما لا يكاد أن يوجد مثله في نوادر الكتب. 

وكان رحمه الله قويا في علم التصريف ومحبا في التعليل، وكان جاريا فيه على سنن أبي الفتح ابن جني وكان كثير التلامذة والأصحاب، وتقرأ عليه جميع الكتب النحوية واللغوية والأدبية ويقوم على جميعها أحسن قيام، وهو أفضل من لقيت في علم العربية، لزمت عليه القراءة ما ينيف على عشرة أعوام واستمتعت به كثيرا واستفدت منه كبيرا، قرأت عليه الإيضاح من فاتحته إلى خاتمته، وقرأت عليه قدر النصف من كتاب سيبويه وقرأت عليه قانون أبي موسى الجزولي وقرأت عليه جملة من "الأمالي" ومن "زهر الأدب" ومن "المقامات" وقصائد متخيرات من شعر حبيب ومن شعر المتنبي وحضرت قراءة "المفصل" ومضى في الميعاد في مدة قراءتي عليه أضعاف أضعاف ما قرأته بلفظي عليه.

له كتاب سماه "بالموضح في علم النحو" وله "حدق العيون في تنقيح القانون" وله "نشر الخفي في مشكلات أبي علي" هو على الإيضاح، وكان يؤثر كتاب الإيضاح على غيره من الكتب.

وكان فيه فضل سخاء ومروءة وانتخاء، وكانت يده ويد الطلبة في كتبه سواء لا مزية له عليهم فيها، وكان في ذلك على نحو قول الأول:

كتبي لأهل العلم مبذولة *~* يدي مثل أيديهم فيها
أعارنا أشياخنا كتبهم *~* وسنة الأشياخ نمضيها

وكان سخي الدمع سريع العبرة، سمعته يقول إنه رأى رب العزة جل جلاله في المنام، فقال له يا محمد قد غفرت لك. فقال يا رب وبماذا؟ قال بكثرة دموعك، وكان بارع الخط حسن الشعر.

 ومن نظمه رحمه الله في الزهد ومدح النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

أمن أجل أن بانوا فؤادك مغرم *~* وقلبك خفاق ودمعك يسجم
وما ذاك إلا أن جسمك منجد *~* وقلبك مع من سار في الركب متهم
ومن قائل في نظمه متعجبا *~* وجسم بلا قلب فكيف رأيتم
ولا عجب أن فارق الجسم قلبه *~* فحيث ثوى المحبوب يثوى المتيم
وما ضرهم لو ودعوا أودعوا *~* فؤادي بتذكار الصبابة يضرم
عساكم كما أبدوا صدودا وجفوة *~* يعودون للوصل الذي كنت أعلم
وأني لأدعو الله دعوة مذنب *~* عسى انظر البيت العتيق والثم
فيا طول شوقي للنبي وصحبه *~* ويا شد ما يلقى الفؤاد ويكتم
توهمت من طول الحساب وهوله *~* وكثرة ذنبي كيف لا أتوهم
وقد قلت حقا فاستمع لمقالتي *~* فهل تائب مثلي يصيح ويفهم
وذلك في القرآن أوضح حجة *~* وما ثم إلا جنة أو جنهم
إليك رسول الله أرفع حاجتي *~* فأنت شفيع الخلق والخلق هيم
فقد سارت الركبان واغتنموا المنى *~* واني من دون الخلائق محرم
فيا سامع الشكوى أقلني عثرتي *~* فانك يا مولاي تعفو وترحم
ويا سامعين استوهبوا لي دعوة *~* عسى عطفة من فضله تنسم
وهبني عصيت الله جهلا وصبوة *~* فمن يقبل الشكوى ومن يرحم
وقد أثقلت ظهري ذنوب عظيمة *~* ولكن عفو الله أعلى وأعظم
وأختم نظمي بالصلاة مرددا *~* على خير خلق الله ثم أسلم

ومن شعره أيضا في هذا المعنى:

الخبر أصدق في المرأى من الخبر *~* فمهد العذر ليس العين كالأثر
واعمل لأخرى ولا تبخل بمكرمة *~* فكل شيء على حد إلى قدر
وخل عن زمن تخشى عواقبه *~* أن الزمان إذا فكرت ذو غير
وكل حي وان طالت سلامته *~* يغتاله الموت بين الورد والصدر
هو الحمام فلا تبعد زيارته *~* ولا تقل ليتني منه على حذر
يا ويح من غره دهر فسر به *~* لم يخلص الصفو إلا شيب بالكدر
انظر لمن باد تنظر آية عجبا *~* وعبرة لأولي الألباب والعبر
أين الألى جنبوا خيلا مسومة *~* وشيدوا إرما خوفا من القدر
لم تغنهم خيلهم يوما وان كثرت *~* ولم تفد إرم للحادث النكر
بادوا فعادوا حديثا أن ذا عجب *~* ما أوضح الرشد لولا سيئ النظر
تنافس الناس في الدنيا وقد علموا *~* أن المقام بها كاللمح بالبصر
أودى بدارا وأودى بابن ذي يزن *~* وفل غرب هرقل إنه لحر
ولم يفد سبأ مال ولا ولد *~* ومزقته يد التشتيت في الأثر
ولتفتكر في ملوك العرب من يمن *~* ولتعتبر بملوك الصين من مضر
أفناهم الدهر أولاهم وآخرهم *~* لم يبق منهم سوى الأسماء والسير

وكان يسلك في شعره على طريق حبيب بن أوس، وكان صاحبه أبو عبد الله الجزائري يسلك في شعره سلوك المتنبي، وكانا يتراسلان الأشعار يجاوب كل واحد منهما الآخر على طريقته، فكان الأستاذ رحمه الله ينحو نحو حبيب والأديب أبو عبد الله الجزائري ينحو نحو المتنبي، ولولا الإطالة لأتيت من شعر كل واحد منهما ما يستظرف معناه ويروق محياه.

وشهرته بالأديب سماه بذلك الشيخ أبو الحسن الحرالي، وذكر أن سبب هذه التسمية إنه جرى بين يدي الشيخ رضي الله عنه ذكر ما قاله الرجل "واترك الريحان برحمة الرحمن للعاشقين" وتكلم في معناه فقال بعض من حضر أشار إلى العذار لأن ولوع القائل كان به، قال فقلت إنما أشار إلى دوام العهد لأن الأزهار كلها تنقضي أزمانها والريحان يدوم عهده، فاستحسن ذلك الشيخ رحمه الله وقال أنت أديب، فجرى عليه اسم الأديب، وهو أكثر الناس شعرا، وقد شرع في تدوين شعره في عام ثلاثين وستمائة، وهو في كل عام يقول منه ما يكتب في ديوان، وعاش بعد شروعه في تدوين شعره ثلاثا وأربعين سنة، ولو تم له تدوينه لكان في مجلدات كثيرة، ولكن بأيدي الناس منه كثير، وتواشيحه حسنة جدا، وتوفي رحمه الله ببجاية عام ثلاثة وسبعين وستمائة رضي الله عنه.

المرجع:

كتاب عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، لأبي العباس الغبريني.

هناك تعليقان (2):