بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
العلامة محمد بجاوي [1909 – 1992م]=[1327 – 1413هـ]
توطئة:
قادمة من عمق الأزمنة ملتحفة بإشراق العلماء، ومشبعة أرضها الطيبة بفيوضاتهم الربانية " برج بن عزوز" بلدة العلم والعلماء، نائمة في أحضان النخيل تحفظ وتحافظ على إرث ثقيل كان له تأثيره في العقل العربي والوجدان الإسلامي.
"برج بن عزوز" من أشهر بلدات منطقة الزيبان (بسكرة) في الجنوب الشرقي الجزائري، كانت ولمّا تزل منارة علمية ومعرفية لأزمنة طويلة، وحق لها أن تفاخر بما أنجبت من أعلام وعلماء أجلاء ابتداءا بشيخ المشايخ الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي، الذي عُلمت البلدة باسمه وعلماء آخرين أثروا المكتبات العربية والإسلامية بنِتاجاتهم المتنوعة في علوم كثيرة... ومن بين هؤلاء الأعلام الشيخ العلامة الفقيه المحدث المربي سيدي محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بجاوي.
وقبل إضاءة سيرة شيخنا نتقدم بجميل الشكر وعميق التقدير والعرفان للذين قدموا لنا العون والمساعدة من أجل إنجاز هذه الترجمة من أبناءه وحفدة جزاهم الله كل خير.
*-*-*
ولد الشيخ محمد بجاوي عام 1909م بقرية برج بن عزوز دائرة طولقة التي تبعد عن مقر الولاية بسكرة بحوالي 40 كلم وعن العاصمة الجزائر بـ 400 كلم، وفي كتاتيبها حفظ القرآن الكريم ثم واصل تعليمه في الزاوية العثمانية بطولقة، وما أن حصّل على قسط من العلم والمعرفة حتى التحق بمدينة قسنطينة وتتلمذ على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله.
كما واصل تعليمه في جامع الزيتونة بتونس فتخرج بشهادة التطويع سنة 1939، ولما رجع إلى مسقط رأسه أسس بها وبمدينة طولقة مدرستين عصريتين وأنشأ أفواجا من الكشافة الإسلامية لكن السلطة المحلية ضايقته فانتقل إلى مدينة الجزائر بأمر من جمعية العلماء فدرس في المداس الحرة التابعة للجمعية ابتداءا من بوزريعة ثم بلعباس وبعدها في مدينة عين تموشنت بالغرب الجزائري.
ولنشاطه الإصلاحي اتهمته السلطات الفرنسية مرة أخرى بالتحريض على الثورة وحرق مزارع المعمرين، اعتقل في بداية عام 1956 ونقل إلى مدينة وجدة المغربية وحُكِم عليه بعشرين سنة سجنا مع الأشغال الشاقة ثم نقل بعد ذلك إلى سجن البرواقية بمدينة المدية ومكث هناك إلى غاية الاستقلال، وهو ذات السجن الذي اعتقل فيه البطل الشهيد عيسات إيدير مؤسس وأول أمين عام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، كذلك شاعر الثورة الجزائري مفدي زكريا ونظم فيه قصيدته الشهيرة "وقال الله" تخليدا للذكرى الثالثة لاندلاع الثورة الجزائرية المجيدة.
وبعد الاستقلال استقر بمدينة عين تموشنت فعُيّن أستاذا بثانوية البشير الإبراهيمي ثم إمام في مسجد عبد الحميد ابن باديس حتى سن التقاعد.
لقد ورث محمد بجاوي بعض البساتين فأوقفها ومنزله الذي بناه بماله الشخصي حبسا ووقفا لوجه الله الكريم.
توفي الشيخ محمد بجاوي وارتحل إلى جوار ربه بمدينة عين تموشنت ودفن فيها وذلك بتاريخ السابع عشر من شهر جانفي 1992 إفرنجي، بعد أن سار طويلا على طريق الحق هاديا ومرشدا ومُعلما، ولا ريب أن ارتحاله أعقب حزنا وفراغا جسيما لدى أهالي البلدة، ولكن عزاءنا الوحيد هو وجود بقية صالحة من أبناءه وحفدته وتلامذته يسيرون على خطاه ونهجه، فرحم الله شيخنا الجليل رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين كل الخير آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق