ترجمة الإمام العلامة البحر الفهامة العالم الكامل العارف بالله سيدي محمد بن علي السنوسي رحمه الله تعالى.
أولاً اسمه ونسبه الشريف :
هو الإمام المجتهد الولي الصالح الداعية الأستاذ سيدي محمد بن علي بن السنوسي بن العربي بن محمد بن عبد القادر بن شهيدة بن حم بن القطب الشهير السيد يوسف بن القطب السيد عبد الله بن خطاب بن علي بن يحيى بن راشد بن أحمد المرابط بن منداس بن عبد القوي بن عبد الرحمن بن يوسف بن زيّان بن زين العابدين بن يوسف بن حسن بن إدريس بن سعيد بن يعقوب بن داود بن حمزة بن علي بن عمران بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا علي بن أبي طالب وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت إمام المرسلين مولانا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فالإمام السنوسي ينتمي إلى السلالة الطاهرة والنسب الطيب الشريف ، وهذا مما يوجب زيادة المحبة وزيادة الإتباع ، لما ورد في كتاب الله تعالى: (( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى )) .
ثانياً مولده ووفاته :
لم تختلف المصادر التي تحدثت عن الحركة السنوسية في يوم مولد الإمام السنوسي ، ذلك أنه كان من الموافقات الربانية أن يولد الإمام السنوسي في يوم ذكرى مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم من سنة 1202 هـ ، الموافق لـ 22/ 12/ 1798 م ، في بلدة تسمى (مستغانم) من بلاد الجزائر ، ولذلك تبرك أهله بهذا اليوم فسموه محمداً .
وتشير المصادر أنه قد نشأ يتيماً ، فقد توفي والده وهو صغير فنشأ في حجر عمته وكانت من الصالحات ، فأشغلته بعلم العقائد والتوحيد صغراً بعد أن جمع القرآن الكريم، وفي قراءته على شيوخ بلده لاحظ عليه شيوخه إتقان ما درس عليهم ، حتى قال له أحدهم: إن هذا القدر الذي معك من أصول علم الدين على صغر سنك لا يوجد عند أكابر علماء بلدك ،وتجمع المصادر على أن الإمام السنوسي توفي في التاسع من صفر الخير سنة ست وسبعين ومائتين وألف 1276 هـ بمدينة الجغبوب بليبيا ، طيب الله ثراه وأعلى منزلته، وهذا يعني أنه عاش 74 سنة ، تكللها العمل الدؤوب والحركة المستمرة ، لم توان خلالها ولم يتوقف.
ثالثاً شيوخه ورحلاته:
وفي تاريخ الإمام السنوسي نجد أنه قد سار في طلب العلم ورحل ، وذلك شأن علماء هذه الأمة،فقد رحل أول طلبه العلم إلى فاس التي كانت تمثل كعبة العلم في بلاد المغرب ، وذلك لوجود جامع القرويين بها الذي كان منارة المغرب ، كما كان الجامع الأزهر في مصر، ويلاحظ على هذا الإمام أنه شغف بالعلم منذ صغره ، ولذا كان إلى وفاته معطاء لما حصله وغير متكبر على كل من يستفيد منه،ولا شك أن بركة شيوخه واحترامه لهم وتقديره لجهودهم تنتقل إلى الطالب ، كما هو معلوم في آداب العلم والعلماء ،وتشير المصادر إلى أنه مكث مدة تقارب الثمان سنوات ، درس فيها كثيراً من العلوم ، ولم يتوقف طلبه على العلوم الدينية الشرعية ، بل نراه قد قرأ العلوم العصرية على علماء فاس ، فقرأ الهندسة والحساب والهيئة والطبيعة ، وغيرها.
ثم بعد إقامته بفاس سافر إلى الحجاز ومصر ، وفي هذه الفترة من حياته حدث في الأمة - أو ظهر فيها - الضعف ، فاحتلت الجزائر وبدأ الفرنسيون الهجوم على تلك البقعة من العالم الإسلامي ، مما لا نشك أنها قد أخذت حيزاً من تفكيره في كيفية إعادة مجد هذه الأمة الذي بدأ يبهت ،ولا بد لي من التعريج على ذكر بعض شيوخه من علماء عصره الذين أخذ عنهم العلم ، ولست أريد حصرهم هنا ، وإنما أذكر أشهرهم.
1 السيد محمد السنوسي ، وهو أول من قرأ عليه في بلده مستغانم ، فقرأ عليه القرآن الكريم وأتقنه ، وقرأ عليه ما تيسر من العربية والفقه والتفسير والحديث والتصوف ، وكان هذا الشيخ من كبار مشايخ بلده ، ويبدو أنه من نفس العائلة أو القبيلة .
2 الإمام العارف بالله سيدي أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني الإمام الصوفي المحقق صاحب التفسير العجيب وشرح الحكم العطائية والمباحث الأصلية.
3 العلامة الإمام الأصولي السيد الطيب بن كيران الفاسي ، شارح عقيدة ميارة ، وهو من أكابر علماء التوحيد وأصول الدين ، وتخرج على يديه جمع من أكابر العلماء.
4 الإمام الولي الصوفي الشيخ العربي بن أحمد الدرقاوي الشريف الحسني ، من أهل الاستقامة ، صاحب الطريقة الدرقاوية أحد فروع الطريقة الشاذلية.
5 العلامة الهمام سيدي محمد بن طاهر الفيلالي ، قرأ عليه مختصر السعد وجمع الجوامع لابن السبكي والسلم وجملة صالحة من مختصر خليل في الفقه المالكي ، وهو يروي عن الحافظ بن كيران.
6 العلامة المتقي المتفنن أبو المواهب سيدي أبو بكر بن زياد الإدريسي ، قرأ عليه الفرائض وعلوم الحساب والأربعين ومضاعفاتها والإسطرلابين وصناعتها وعلوم الرياضة الأربعة والهندسة والهيئة والطبيعة وغيرها من العلوم.
7 وقرأ أيضاً في مصر على الشيخ الصاوي المالكي ، والعلامة العطار ، والقويسني شارح السلم ، وغيرهم .
وبالجملة فشيوخه كثر ، وله منهم الإجازات بالأسانيد العالية في علوم الرواية والدراية .
وأسجل هنا كلمة لأحد مشايخ الأزهر ، قالها عند مجيء السيد السنوسي إليهم...
فقام قائلاً:
( أنصتوا أيها العلماء ، لقد حل بين أظهركم إمام الأمة المحمدية ، ونبراس الشريعة المطهرة ، وشمس سماء المعارف الإلهية ، ألا وهو الشيخ الكامل محمد بن علي السنوسي ).
وهنا نسجل مدى تقدير شيوخ الأزهر لهذا الإمام أولاً ، وإن كانوا فيما بعد من أحد المعوقات لدعوته الإصلاحية.
يقول الأستاذ محمد الطيب الأشهب: " إن هذه الأسفار الشاقة التي قام بها الإمام الأكبر السيد محمد بن علي السنوسي بين فاس إلى مصر والحجاز ، باحثاً ومنقباً عن الوسيلة التي تمكنه من خدمة الإسلام ورفع شأن المسلمين ، ما هي إلا جزء من برنامج ضخم أخذ يعمل على تنظيمه ووضع الخطط الخاصة به .
وفي الوقت نفسه كانت عاملاً من عوامل الاطلاع والاستطلاع إذ كان أثناء هذه التنقلات يقابل العلماء والحكام والأفراد ، وكان يعمل على توسيع مداركه وزيادة تعليمه وإن لم يكن في نظر عارفيه محتاجاً إلى علوم أخرى بالنسبة لما تحصل عليه ، إلا أنه عليه رضوان الله كان يتمثل له نصب عينيه قول الله تعالى: (( وفوق كل ذي علم عليم )) ، وفي هذه الأسفار كان يتجلى له بوضوح كل ما يعانيه المسلمون من تدهور وانحلال وتأخر وانحطاط .
وفي ذلك يقول المؤرخ التركي شهبندر زادة ، عندما أخذ يتحدث عن زيارة الإمام لمصر فقال: وقد أحدثت هذه الزيارة في نفسه تبدلاً عظيماً ، وانتقش في ذهنه أن الدولة العثمانية هي في طريق الانحطاط والاضمحلال ".
وتجدر الإشارة هنا إلى شخصية كان له أثر كبير في نفس وفكر الإمام السنوسي ، وهو الإمام العالم أحمد بن إدريس ، ذلك الصوفي الصالح الذي أخذ عنه الإمام السنوسي حيث جعل السيد أحمد بن إدريس السنوسي خليفته في طريقته ودعوته ، وكأنما تبلورت فكرة العمل من خلال الزاوية المتطورة ( الزاوية السنوسية ) بعد لقياه لهذا العالم .
رابعا مؤلفاته وآثاره:
لا شك أن عالماً كبيراً وداعية مجتهداً مثل السيد السنوسي بما توفر فيه من نظر ورأي سديدين كان يبدي آراءه وينشرها بين أتباعه ، ولذا فإنه كان مضطراً في بعض الأحايين إلى كتابه هذه الآراء والاجتهادات ، كما أن الباحث لا يستطيع الحكم على الآخرين إلا من خلال آثارهم وما نقل عنهم .
وللإمام السنوسي رحمه الله مؤلفات كثيرة في مجالات شتى ، حصرها الدكتور الدجاني على النحو التالي:
أولاً المطبوع منها:
1- المسائل العشر المسماة: بغية المقاصد في خلاصة الراصد ، موضوعه عشر مسائل فقهية ، خالف فيها السنوسي مشهور مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ، بين أدلة مأخذه في هذه المسائل ، مناقشاً ومحرراً لمشهور المذهب في هذه المسائل .
2- السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين ، تكلم فيه عن سلسلة الطرق الصوفية الموجودة في وقته ، وبين طرق اتصالها إلى أصحابها .
3- إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ، وهو في أصول الفقه ، بين فيه وجهة نظره في الاجتهاد .
4- المنهل الروي الرائق في أسانيد العلم وأصول الطرائق ، بين فيه أسنايد روايته للكتب الحديثية والفقهية ، كتبه استجابة لمن سأله بيان أسانيده في السنة .
5- الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية .
6- المسلسلات العشرة في الأحاديث النبوية .
7- رسالة مقدمة موطأ الإمام مالك رضي الله عنه ، مقدمة رائقة في بيان بعض تاريخ هذا الكتاب العظيم ، وذكر بعض شروحه ومنزلته من كتب السنة .
8- شفاء الصدر بأري المسائل العشر ، وهو مختصر بغية المراصد السابق ذكره .
ثانياً المخطوط:
1- الشموس الشارقة في أسانيد شيوخنا المغاربة والمشارقة .
2- البدور السافرة في عوالي الأسانيد الفاخرة .
3- الكواكب الدرية في أوائل الكتب الأثرية .
4- سوابغ الأيد بمرويات أبي زيد .
5- رسالة جامعة في أقوال السنن وأفعالها .
6- هداية الوسيلة في اتباع صاحب الوسيلة .
7- طواعن الأسنة في طاعني أهل السنة .
8- رسالة شاملة في مسألتي القبض والتقليد .
9- رسالة السلوك .
10- شذور الذهب في محض محقق النسب .
ثالثاً: ما ذكر اسمه ولم يعلم مكانه ، وهي كثيرة جداً تبلغ 23 رسالة وكتاب .
ويكون مجموعها أكثر من أربع وأربعين مصنفاً ، في مختلف العلوم وإن كان الغالب فيها السنة والتصوف .
رحمه الله تعالى برحمته والواسعة ، وطيب ثراه وأعلى منزلته
0 التعليقات :
إرسال تعليق