ترجمة العلامة سيدي الشيخ أبو القاسم عمر دردور



الشيخ عمر دردور نبراس جبال الأوراس وباديسها يعتبر أحد أنجب تلامذة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس

مولده ونشأته:

ولد الشيخ أبو القاسم عمر دردور بن محمد بن منصور بن محمد بن سيدي علي دردور الأكبر الذي كرس حياته لخدمة المجتمع وبناء وطنه بقرية حيدوس "بلدية ثنية العابد" حوز أريس دائرة باتنة عمالة قسنطينة في 13/ 10/ 1913 ، دخل الكتاب لحفظ كتاب الله سنة 1918 وقد ابتدأ التهجي على يدي والده الشيخ سيدي محمد بن منصور ثم على يدي جده سيدي منصور بقرية حيدوس فختمه في عامين الختمة الأولى، وفي 1925 ختم القرآن الكريم الختمة الثالثة وعمره لا يتجاوز ال12 سنة ، دخل زاوية سيدي عبد الرحمن الزموري بحيدوس في 1926 ليتعلم مبادئ علوم اللغة العربية وعلوم الشريعة لمدة سنتين على يدي هذا الشيخ الجليل مفتي القرية و عالمها ومعلم أبنائها الذي زاره الشيخ عبد الحميد بن باديس في إحدى جولاته للاوراس .

تنقلاته لطلب العلم:


زاوية سيدي علي بن عمر (طولقة)

وفي سنة 1930 انتقل الشيخ دردور إلى زاوية سيدي علي بن عمر بطولقة صاحب الطريقة الرحمانية وتلميذ سيدي محمد بن عزوز البرجي قدس الله سرهم جميعا ومكث بها سنتين الى نهاية سنة 1931 ، وفي 1932 توجه إلى جامع الأخضر بقسنطينة الذي يدرس فيه الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس، وبعد اختباره ألحقه بالسنة الثالثة إعدادي لتمكنه من مبادئ العلوم اللغوية والشرعية ومكث فيه سبع سنوات بين الدراسة والتدريس إلى سنة 1938م.

اعتماده عريفا ورئيسا للشعبة الأوراسية:



وفي 1934 عينه الشيخ ابن باديس عريفا على تلامذة منطقة الاوراس ضمن مجموعة من خيرة تضم 11 عضوا من بينهم الشيخ الفضيل الورتيلاني- حيث اشرف على تلامذة منطقة الاوراس ضمن مجموعة من خيرة طلبته للإشراف على طلبة المنطقة وبناء المساجد الحرة وتأسيس النوادي التعليمية الإصلاحية والجمعيات الدينية وكل ما يتعلق بنشاطات شعب جمعية العلماء المسلمين في ذلك الوقت.

وفي 1936 أسس الشيخ عمر دردور الشعبة الاوراسية مع مجموعة من الطلبة وعلماء المنطقة بقرية حيدوس ، ثم تفرعت الشعبة على عدد من المناطق والقرى كبوزينة وشير واريس وقاموا بنشاط جبار في ميدان تأسيس الجمعيات الدينية ومدارس ونوادي إصلاحية مع التعليم المسجدي لغرس روح الدين والأخوة وحب الوطن في المجتمع.



كما كلفه العلامة ابن باديس في 1937 بالتدريس لطلبة مسجدي سيدي قموش وسيدي بومعزة بقسنطينة.

في 19 أكتوبر 1937 زجت به السلطات الفرنسية في سجن باتنة بتهمة تحريض الجماهير على العصيان المدني ، وفي 06 جانفي 1938 برأته المحكمة تحت ضغط الجماهير الغاضبة المتظاهرة حول محكمة وسجن باتنة ، وقد حضر الجلسة الشيخ عبد الحميد بن باديس بنفسه والشيخ خير الدين والشيخ الطاهر مسعوداني وغيرهم من أعضاء جمعية العلماء الممثلين لمدينة باتنة وأعضاء الشعبة الاوراسية وغيرهم وكان يوما مشهودا للأشاوس الابطال بالتجمهر والهتاف والزغاريد ، وقد انبرى للمحاماة عنه كل من محمد الشريف سيسبان وابراهيم غريب وفوتير مانوف الذي قدم خصيصا من الجزائر العاصمة للدفاع عنه في هذه القضية، لكن ميسكوتلي حاكم حوز اريس الذي حرك القضية كان له بالمرصاد حيث استأنف القضية من جديد ، وقد قال الشيخ سي محمد الصالح بن سيدي عبد الرحمن الزموري قصيدة شعرية بهذه المناسبة لازالت بعض أبياتها تردد إلى اليوم منها قوله :

ولبيبا دخلت السجن وبقينا...لو كنا نصدق لما بليت بلينا

المتخلف يكذب لا صديق لمسجون...لو صح ذاك إذ سجنت سجنا

في شهر أوت 1939 أعيد الشيخ عمر دردور إلى السجن وحكم عليه بأربعة أشهر سجنا نافذا مع 8000 فرنك فرنسي غرامة مالية ، فقضى 26 يوما المتبقية من العقوبة الأولى في السجن لإتمام 4 أشهر مدة حكم الاستئناف ، وخرج منه في سبتمبر 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وفاة الأب الروحي للحركة الإصلاحية ومواصلة الشيخ المسيرة:


منظر العلماء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
في الجلسة التأسيسية في 05/05/1931

يوم 16 افريل 1940 توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى وتوقف نشاط الجمعية لظروف الحرب العالمية ، ومن سنة 1940 إلى 1947 أي سبع سنوات قضاها الشيخ دردور في التعليم المسجدي وإصلاح ذات البين والنشاط الفلاحي بوادي عبدي ووادي الطاقة ، حيث انشأ في هذا الأخير مطحنة بخنقة برباقة نافس بها مطحنة المعمر باتيست الايطالي القريبة جدا من مطحنته وهناك كان يلتقي بمصطفى بن بولعيد الذي يأتيه بصفة تاجر معاطف يحملها على حماره وينزلان قرب الوادي وسط أشجار الزان ويتبادلان أطراف الحديث في شتى المجالات منها مجالهم الثوري بمختلف ميادينه حسب رواية احد سكان الخنقة من أولاد زعطوط.

1947 -1954 قام بنشاط مكثف في التوعية والتوجيه الإصلاحي والسياسي مع محاربة الدجل والشعوذة وزيارة الأضرحة والتفسخ والانحلال والتطبيل والزرنة في الأعراس والبذخ والإسراف فيها وتهيئة النفوس سياسيا وكانت بحق فترة مخاض الثورة.

اندلاع الثورة وعمله في خضمها:

ومع اندلاع الثورة في 1954عمل بمنطقة تازولت مع الطاهر النويشي ومحمد الشريف بن عائشة في إعداد مراكز التموين والمخابئ والمستشفيات، وكان المناضلون ينقلون ليلا من الزقاق وفوذ اقيلال وعش النسر بلارباع وتيفيراسين خشب البقنون ( الأرز) والصنوبر إلى مناط بوعريف و ما جاورها لتسقيف المخابئ، وفي جويلية 1955 غادر الوطن باتجاه فرنسا بعد اكتشاف أمره بسبب وشاية ومر بقسنطينة بنية حضور جلسة محاكمة ابن بولعيد غير أن المحامي العمراني نبهه إلى خطورة الوضع وان الشرطة تبحث عنه ، فغادرها إلى العاصمة ونزل في دار جمعية العلماء ليقوم الدكتور احمد فرنسيس وبن بوعلي بإعداد الملف الطبي له ليتمكن من السفر إلى فرنسا التي استقربها بعض الوقت عند المغترب بده محمد من وادي الطاقة وعمل على تطبيق برنامج جبهة التحرير الوطني في إنشاء جمعيات فدرالية لعمال المهجر في كل من (مرسيليا،بوردو ، ليون، وتوركوان وباريس ) ، ثم توسعت العملية بفضل الأخوين عبد المجيد بن غزال ، واحمد دوم إلى أن أصبح تراب فرنسا كولاية سابعة في تنظيم جبهة التحرير الوطني .

وفي جانفي 1956 انتقل إلى مصر واتصل بالشيخ الإبراهيمي ثم بالوفد الخارجي للجبهة (احمد بن بلة ، وخيضر، وبوضياف وايت احمد) وغيرهم ، ليكلف بعدة مهام في كل من (مصر ، سوريا ، لبنان ، السعودية ، العراق وليبيا ثم تونس). وفي 1960 نزل بتونس للعلاج ، ثم كلف بتعليم أفواج المجاهدين الذين يفدون على مراكز (سيدي اسماعيل) قرب باجه ، ومكث بهذا المركز إلى الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية في 1962.

نشاطه بعد الاستقلال والعمل على تأطير جيل ما بعد الثورة:

وفي نوفمبر 1962 بعد عودته إلى ارض الوطن شرع في بناء المعهد الإسلامي بباتنة " ثانوية صلاح الدين الأيوبي حاليا " بمساعدة كل من وزارة الأوقاف والدفاع الوطني وبلدية باتنة وتم الانجاز في ظرف قياسي(6 أشهر)، وقد افتتح المعهد في 1964 ب250 طالبا كما كانت الدفعة الأولى للأساتذة الأزهريين تتكون من حوالي 20 أستاذا ثم تضاعف عددهم بتضاعف إقبال الطلبة على المعهد إلى أن بلغ 3000 طالب ، واستقبل المعهد في 1975 طلابا أجانب كالسنغاليين والاريتريين.. الخ.

الشيخ عمر دردور شمس لا تحجب ونضال لا ينضب:

من سنة 1981 إلى 1989 كلف الشيخ عمر دردور بإدارة معهد تكوين الإطارات الدينية بسيدي عقبة مع قيامه بمهمة التفتيش على مستوى الولاية خصوصا عام 1985 ، ورغم تقدمه في السن انه واصل نشاطه في الإرشاد وإصلاح ذات البين وكان يقول " إذا جاءتني الموت تجدني واقفا" وذلك أثناء تنقلاته في القرى والبوادي التي لم ينفك ينفخ فيها روح الإسلام السمح والأعراف العريقة بمفرده تارة وبمعية علماء الإصلاح مرارا وتكرارا أمثال الشيخ الغزالي بن دعاس والشيخ سي المسعود بنور والشيخ الأمير صالحي وغيرهم، كما التزم تطوعا حضور جلسات المجلس العلمي للإفتاء لسنوات عديدة،وللشيخ باللهجة المحلية الشاوية باع طويل في الحكم البليغة و المواعظ المؤثرة في مختلف المناسبات والمواضيع وفي الدروس المسجدية مابين 1988و2000 شارك الشيخ في عدة ندوات ومؤتمرات حزبية وغيرها وطنية ومحلية ثم التزم الصمت لتقدمه في السن من جهة وأصابته بفالج المأساة الوطنية التي كادت تودي بحياته.

حسن الخاتمة:

وفي الفترة الممتدة بين 2000 و2009 قرر الشيخ عمر دردور بناء مسجد بمئذنته وزاوية بقرية الحمزة ببلدية وادي الطاقة من ماله الخاص وحبسه جزءا من أرضه على المسجد وأخرى على مقبرة الحمزة صدقة جارية كما فعل من قبل في أراضيه بقرية بوزيزة التي بنيت عليها مدرسة ومسجد وسكنات للمعلمين والمواطنين، كما سلم أراضي أخرى لبلدية ثنية العابد لبناء مدرسة قرزة وغيرها.

وفاته رحمه الله:



في يوم الخميس 19 مارس 2009 توفي الشيخ عمر دردور "نبراس جبال الاوراس الأشم وباديسها" عن عمر يناهز 95 عاما ونصف العام وشيع جثمانه إلى مثواه الأخير بالمقبرة العامة بتازولت يوم الجمعة 20 مارس في موكب مهيب، شهادة الشيخ محمد بن النجاري المعلم نائب الشيخ عمر دردور ومدرس سابق بالمعهد الإسلامي بباتنة الشيخ دردور بنى أول معهد إسلامي وكان يستضيف علماء الأزهر في بيته "تعود علاقتي بالشيخ عمر دردور إلى نوفمبر من سنة 1963 حيث تعرفت عليه عندما عينت كأستاذ بالمعهد الإسلامي بباتنة، ويعد الشيخ المرحوم عمر دردور احد رجالات العلم والإخلاص والدين ، حيث كان مخلصا إلى أقصى الحدود حتى أن من كان يسئ إليه لا يلتفت إليه الشيخ ويسامحه ، وقد اخذ المرحوم عمر دردور على عاتقه بناء أول معهد إسلامي والذي شيد في باتنة ، ومن هذا المعهد اقتدت بقية الولايات التي شيدت بدورها معاهد إسلامية وبذلك يعد معهده اللبنة الأساسية والنواة الأولى لبناء المعاهد الإسلامية، كما لعب الشيخ دردور دوارا مهما في توسيع المعهد الإسلامي وفتح فروع له في كل من بريكة واريس وبقية مناطق الاوراس، حيث كان عدد الطلاب الذكور في نهاية 1965 حوالي 3 آلاف طالب وهو نفس العدد من الطالبات.

وكان الشيخ دردور يسعى مع الجمعيات والبلديات من اجل جمع المعونات و مساعدة الطلبة بالإضافة إلى تشجيعه لعلماء الأزهر الذين يزورون الجزائر وقتذاك للتدريس حيث كان يقوم بضيافتهم في بيته ويتكفل بهم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق