بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- كتاب: مختارات من تراث شيخ الأزهر محمد الخضر حسين – ج²
[هدية مجلة الأزهر المجانية لعدد ربيع الأول 1422هـ]
- المؤلف: العلامة محمد الخضر حسين الطولقي.
- الناشر: منشورات الأزهر الشريف – دار الجمهورية، ج.مصر.العربية.
- حالة النسخة: منسقة ومفهرسة.
رابط التحميل
ترجمة الإمام العلامة محمد الخضر حسين:
أولا: نسبه
ينتسب الإمام العلامة الشيخ محمد الخضر حسين إلى أسرة عريقة في العلم والشرف حيث تعود أسرته إلى بيت العمري في بلدة طولقة من عمالة بسكرة جنوب الجزائر وقد رحل أبوه من طولقة إلى نفطة على مقربة من الحدود الجزائرية بتونس بصحبه صهره مصطفى بن عزوز حينما دخل الاستعمار الفرنسي الجزائر، ومما يدل على عراقة أسرته في العلم أن منها جده مصطفى بن عزوز البرجي وأبو جده لأمه الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي من أبرز رجالات التصوف بالجزائر، وخاله العلامة محمد المكي بن عزوز من كبار العلماء وكان موضع الإجلال في الخلافة العثمانية.
ولد الشيخ في 26 رجب 1293هـ/ 16 أغسطس 1876م، وكثر الجدال حول مكان مولده، حيث يقول بعض الباحثين أنه ولد في نفطة التونسية [¹] بيد أن البعض الآخر من الباحثين يرى أنه ولد في طولقة ونشأ بها، ثم هاجر مع أبيه إلى قرية نفطة التونسية هروبا من المستعمرين الفرنسيين، وهذا ما نميل إليه [²]، وفي ذلك يقول أستاذنا الدكتور محمد رجب البيومي: " ولد الأستاذ بقرية من قرى الجزائر على حدود القطر التونسي في أسرة تعتز بعراقة النسب، وتفخر بما أنجبت من العلماء والأدباء، وحين بلغ الثانية عشر من عمره التحق بجامع الزيتونة طالبا، وأكب على التحصيل والتلقي حين نال الشهادة العالمية عن جدارة، وتهيأ للإفادة العلمية كاتبا ومدرسا وقاضي[³].
ثم أخذ العلم في نفطة، وقد ذكر أن والدته قد لقنته مع إخوانه كتب الكفراوي في النحو والسفطي في الفقه المالكي.
وفي عام 1306 انتقل مع أسرته إلى العاصمة، فتعلم بالابتدائي وحفظ القرآن مما خوله الانتظام بجامع الزيتونة، فجد واجتهد وثابر على مواصلة العلم حتى صار مثار إعجاب أساتذته، حيث درس على أستاذه سالم أبو حاجب صحيح البخاري، وعنه أخذ ميوله الإصلاحية وأخذ التفسير عن أستاذيه عمر بن الشيخ ومحمد النجار.
وفي عام 1316 نال شهادة التطويع التي تخول حاملها إلقاء الدروس في الزيتونة تطوعا، وكانت هذه الطريقة دربا للظفر بالمناصب العلمية وميدانا للخبرة والتدريب على مهنة التعليم، فعظمت مكانته في نفوس زملائه، وذاع صيته في البلاد حتى صار من قادة الفكر وذوي النفوذ، وأعجب به طلبة الزيتونة..
وفي عام 1329 وجهت له تهمة بث العداء للغرب ولاسيما فرنسا، مما وجهه صوب الشرق، وزار كثيرا من بلدانه، وزار حاله محمد المكي بن عزوز في الأستانة ولعل هذه الرحلة لاكتشاف أي محل منها يلقي فيه عصا الترحال، ثم عاد إلى تونس فلم يطب له المقام والمستعمر من ورائه.
ثم رحل على دمشق الشام عام 1330 مع أسرته ومن ضمنها أخواه العالمان المكي وزين العابدين، فهين الشيخ محمد الخضر حسين مدرسا بالمدرسة السلطانية وألقى في جامع بني أمية دروسا قدّره العلماء عليها وتوثقت بينه وبين علماء الشام الصلة وبخاصة الشيخ البيطار والشيخ القاسمي...
ثالثا: هجرته إلى مصر واستقراره بها:
لما سقطت الشام في أيدي الفرنسيين 1339هـ/1920م ما وسعه المقام فيها، وذلك لأن الفرنسيين كانوا قد حكموا عليه غيابيًا في تونس بالإعدام لاتهامه بالمشاركة في تحريض المغاربة بألمانيا وتركيا على الثورة ضد الفرنسيين في شمال إفريقيا، فهرب إلى مصر، وبقي فيها إلى نهاية حياته المباركة .
وعمل في مصر مصححًا بدار الكتب المصرية بشفاعة أحمد تيمور باشا الذي عرف قدره، وكان يلقي المحاضرات والدروس في مساجدها، ويكتب المقالات المتنوعة الكثيرة.
وفي القاهرة أنشأ "جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية" التي تهتم بالمغاربة من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، وذلك سنة 1342هـ/1924م، وبعد عشرين سنة ألف جمعية "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية".
وفي مصر اختلف مع طه حسين عندما ألف كتابه "في الشعر الجاهلي"، وكان في الكتاب انحراف خطير واتباع لأقوال المستشرق الإنجليزي مرجليوث وطعن في القرآن، فاشتد غضب علماء الأزهر حين صدر هذا الكتاب، وحاكموا صاحبه إلى محاكم مصر التي كانت تحت التأثير الإنجليزي فبرأته، وهنا ألف الشيخ محمد الخضر كتابه "نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، الذي كان باعتراف طه حسين من أهم الردود عليه وأشدها حجة.
وفي سنة 1346هـ/1928م شارك في تأسيس "جمعية الشبان المسلمين"، ووضع لائحتها مع صديقه محب الدين الخطيب.
وفي مصر أنشأ "جمعية الهداية الإسلامية" مع بعض المشايخ منهم شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي، وذلك في سنة 1346هـ/1928م لمّا رأى التفسخ الخلقي آخذًا في الانتشار بين كثير من شباب مصر آنذاك، وكان من أهداف الجمعية محاربة الفساد والإلحاد، والتعريف بالإسلام، والسعي لتمتين الصلات بين الشعوب الإسلامية والسعي؛ لإصلاح شأن اللغة العربية وإحياء آدابها، وأصدر مجلة "الهداية الإسلامية" لتكون لسان حال الجمعية، وأُلقيت المحاضرات في المساجد والنوادي خاصة التي تتبع هذه الجمعية، وقد رَأَس الجمعية الشيخ محمد الخضر حسين، وفيها بعض الأعضاء البارزين مثل الشيخ علي محفوظ، والشيخ عبد الوهاب النجار، وفتحت الجمعية فروعًا في مصر وسوريا والعراق.
رابعا: المناصب التي توالها الشيخ بمصر:
• التدريس في الأزهر: اختير الشيخ محمد الخضر حسين للتدريس في قسم التخصص بالأزهر، وهذا دال على مدى علمه؛ إذ لا يدرس في الأزهر آنذاك إلا كبار العلماء.
• رئاسة تحرير مجلة الأزهر: اختير الشيخ محمد الخضر لتولي رئاسة تحرير مجلة الأزهر التي صدرت في بداياتها باسم "نور الإسلام" وذلك سنة 1349هـ/1931م، ثم تحولت إلى مجلة الأزهر، وما زالت تصدر إلى يومنا هذا، وبقي الشيخ فيها إلى أن عزل عنها بعد أربع سنوات.
• وتولى رئاسة تحرير مجلة لواء الإسلام" سنة 1366هـ/1946م.
• وفي القاهرة اختير عضوًا بـ"مجمع اللغة العربية الملكي" عند إنشائه سنة 1351هـ/1932م.
• واختير عضوًا لهيئة كبار العلماء سنة 1370هـ/1950م.
• ثم اختير شيخًا للأزهر بعد ثورة يوليو في سنة 1371هـ/1952م، وفي عهده أرسل وعاظًا أزهريين إلى السودان، ثم استقال منه بعد أقل من سنتين، وفي ولايته للأزهر دلالة على رفعة شأنه عند العلماء والساسة، فقد كان الأزهر أعظم مؤسسة إسلامية في العالم الإسلامي، وقد قال الشيخ العلامة الأستاذ محمد الفاضل بن عاشور التونسي عند اختيار الشيخ محمد الخضر شيخًا للأزهر: ليحق لهذه الحقبة من التاريخ التي تُظِلُّنا أن تفخر بأنها بلغت فيها الصلات بين الأزهر والزيتونة أوْجها؛ فقد احتضن الأزهر إمامًا من أئمة الأعلام، كان أحد شيوخ الزيتونة العظام"، وقد أحسنت مصر وفادته منذ نزل إليها سنة 1339هـ/1920م، وتجنس بجنسيتها وبقي فيها إلى وفاته، ودفن فيها.
خامسا: مؤلفاته:
للشيخ عدة كتب؛ منها: "وسائل الإصلاح" ثلاثة أجزاء. وفي الكتاب نقد للأوضاع القائمة، وتقويم لها، وفيه ردٌّ على بعض الضلال الفكري الذي كان سمة من سمات ذلك العصر، وفيه تركيز على أثر العلماء والعناية بهم وحثهم على القيام بوظائفهم.
ومن كتبه أيضًا: بلاغة القرآن - أديان العرب قبل الإسلام - تونس وجامع الزيتونة - حياة ابن خلدون - دراسات في العربية وتاريخها - "تونس.. 67 عامًا تحت الاحتلال الفرنساوي" أصدره سنة 1948م - أدب الرحلات - الحرية في الإسلام - آداب الحرب في الإسلام – "تعليقات على كتاب الموافقات" للشاطبي - إضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات.
سادسا: أواخر حياته:
استمر فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين -رحمه الله- في أواخر حياته يلقي المحاضرات ويمد المجلات والصحف بمقالاته ودراساته الـقـيمة، بالرغم مما اعتراه من كبر السن والحاجة إلى الراحة وهذا ليس غريباً عمن عرفنا مشوار حياته المليء بالجد والاجتهاد والجهاد .
وكان أمله أن يرى الأمة متحدة ومتضامنة لتكون كما أراد الله خير أمة أخرجت للناس، وحسبه أنه قدم الكثير مما لا نجده عند الكثير من علماء هذا الزمان.
سابعا: وفاته رحمه الله تعالى:
وفي عام 1377 هـ انتقل إلي رحاب الله ، ودفن في مقبرة أصدقائه آل تيمور جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء ، ورحمه رحمة واسعة بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه آمين.
مراجع الترجمة:
• مقال للأستاذ الدكتور مجاهد توفيق الجندي – جامعة الأزهر الشريف – المنشور بالمجلة الخلدونية (الجمعية الخلدونية بسكرة) العدد 8 ديسمبر 1432.
• سلك الدرر في أعيان القرن الثاني ط1/ دار صادر بيروت 2001م.
• النهضة الإسلامية للبيومي ، ط/دمشق .
• دراسات في حضارة الإسلام ، هاملتون جب ، ط1/ الهيئة العامة
هوامش:
[¹] راجع الأزهر الشريف في عيده الألفي، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1403هـ، ص:258 و259، و شيوخ الأزهر الهيئة العامة للاستعلامات ص:42.
[²] الدكتور مجاهد توفيق الجندي أستاذ بجامعة الأزهر الشريف، ج/ مصر العربية – ضيف شرفي وأحد المدعوين للجمعية الخلدونية ببسكرة – الجزائر، 2010 وذلك ضمن فعاليات الملتقى الوطني السادس(بسكرة عبر التاريخ) الذي تناول شخصية الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي الجزائري شيخ الأزهر الشريف.
[³] انظر مقدمة لكتاب الحرية في الإسلام للشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق بقلم محمد رجب البيومي - هدية مجلة الأزهر لعدد ذي القعدة 1424هـ.
0 التعليقات :
إرسال تعليق