من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تراجم الأولياء والصالحين في الجزائر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تراجم الأولياء والصالحين في الجزائر. إظهار كافة الرسائل

ترجمة العلامة المحدث الحافظ سعيد بن أحمد المقري التلمساني

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم
 

سعيد بن أحمد المقري: (928هـ / 1522م).

هو أبو الحسن سعيد بن أحمد المقري التلمساني منشأ ودارا عم الشيخ أبي العباس أحمد المقري المشهور ولد عام 928هـ (1522م) تولى خطة الإفتاء بتلمسان مدة ستين سنة كما تولى الخطابة بالجامع الأعظم مدة خمس وأربعين سنة ولا نعرف تاريخ وفاته وإنما كان على قيد الحياة عام 1001هـ (1593م).

إن الشيخ سعيد المقري كان علاوة على العلوم الشرعية التي كان له الباع الطويل فيها فإنه كان حافظا للعربية والشعر والأمثال كما كان عذب الكلام فصيح القلم ممتع المحضر.

وإليك نموذجا من نثره وهو خطبة جمعة تتضمن أسماء سور القرآن: (( الحمد لله الذي افتتح فاتحة الكتاب بسورة البقرة ليصطفى من آل عمران رجالا ونساء وفضلهم تفضيلا، ومد مائدة أنعامه ورزقه ليعرف أنفال كرمه وحقه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلا – ونجى هودا من كربه وحزنه كما خلص يوسف من جبه وسجنه وسبح الرعد بحمده ويمنه، واتخذ الله إبراهيم خليلا، الذي جعل في حجر الحجر من النحل شرابا نوّع اختلاف ألوانه وأوحى إليه بخفي لطفه سبحانه واتخذ منه كهفا قد شيد بنيانه أرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلا، وفضل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون حيث دعا إلى الإسلام: قد أفلح المؤمنون إذ جعل نور الفرقان دليلا، وصدق محمد صلى الله عليه وسلم الذي عجزت الشعراء في صدق نعمته وشهد النمل بصدق بعثه وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه ونسج العنكبوت عليه في الغار سترا مسدولا.

وملئت قلوب الروم رعبا من هيبته وتعلم لقمان الحكمة من حكمته وهدى أهل السجدة للإيمان بدعوته وهزم الأحزاب وسباهم وأخذهم أخذا وبيلا، فلقيهم فاطر السموات والأرض بياسين كما نفد حكمه في الصافات وبين صاد صدقه بإظهار المعجزات وفرق زمر المشركين وصبر على أقوالهم وهجرهم هجرا جميلا، فغفر له غافر الذنب ما تقدم من ذنبه وما تأخر وفصلت رقاب المشركين إذ لم يكن أمرهم شورى بينهم وزخرف منار الإسلام وخفي دخان الشرك وخرت المشركون جاثية كما أنذر أهل الأحقاف فلا يهتدون سبيلا، وأذاق الذين كفروا شدة القتال وجاء الفتح للمؤمنين والنصر العزيز وحجر الحجرات العزيز وبقاف القدرة قتلا الخراصون تقتيلا..

كلم الله موسى على جبل الطور فارتقى نجم محمد صلى الله عليه وسلم فاقتربت بطاعته مبادئ السرور واقع الرحمن واقعة الصبح على بساط النور فتعجب الحديد من قدرته وكثرت المجادلة في  أمته إلى أن أعيد في الحشر بأحسن مقيلا، امتحنه في صف الأنبياء وصلى بهم إماما في تلك الجمعة ملئت قلوب النافقين من التغابن خسرا وإرغاما فطلق وحرم تبارك الذي أعطاه الملك وعلم بالقلم ورتل القرآن ترتيلا وعن علم الحاقة كم سال فسال الإيمان ودعا به نوح فنجاه الله تعالى من الطوفان وأتت إليه طائفة الجن يستمعون القرآن فأنزل عليه يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا فكم من مدثر يوم القيامة شفقة على الإنسان إذ أرسل مرسلات الدمع فعم يتساءلون أهل الكتاب وما تقبل من نازعات المشركين إذ عبس عليهم مالك وتولاهم بالعذاب وكورت الشمس وانفطرت السماء وكانت الجبال كثيبا مهيلا، فويل للمطففين إذا انشقت السماء بالغمام وطوت ذات البروج وطرق طارق الصور للقيام وعز اسم ربك الأعلى الغاشية الفجر فيومئذ لا بلد ولا شمس ولا ليل طويل، فطوبى للمصلين الضحى عند انشراح صدورهم إذ عاينوا التين والزيتون وأشجار الجنة فسجدوا باقرأ باسم ربك الذي خلق هذا النعيم الأكبر لأهل هذه الدار ما أحيوا ليلة القدر وتبتلوا تبتيلا، ولم يكن للذين كفروا من أهل الكتاب من أهل الزلزلة من صديق ولا حميم وتسوقهم كالعاديات على سواء الجحيم وزلزلت بهم قارعة العقاب وقيل لهم ألهاكم التكاثر هذا عصر العقاب الأليم وحشر الهمزة وأصحاب الفيل إلى النار فلا يظلمون فتيلا.

وقالت قريش ما أنتم من هول الحشر أرأيت الذي يكذب بالدين كيف طرد عن الكوثر وسيق الكافرون إلى النار وجاء نصر الله والفتح وتبت يدا أبي لهب إذ لا يجد إلى سورة الإخلاص سبيلا، فتعوذ برب الفلق من شر ما خلق وتعوذ برب الناس ملك الناس من شر الوسواس الخناس الذي فسق، ونتوب إليه ونتوكل عليه وكفى بالله وكيلا.

مصدر الترجمة:

كتاب باقة السوسان في التعريف بحاضرة تلمسان عاصمة دولة بني زيان- لـ الحاج محمد بن رمضان شاوش- .ج2 ص154- ديوان المطبوعات الجامعية 2011.
تكملة الموضوع

ترجمة الشيخ العلامة الإمام سعيد التُّجِيبي العقباني التلمساني

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

الشيخ العلامة الإمام سعيد التُّجِيبي العقباني التلمساني (720- 811هـ / 1360- 1408م).


- اسمه:

هو: أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد التُّجِيبي العقباني التلمساني، إمام تلمسان وعلامتها في عصره، قاض، من أكابر فقهاء المالكية، والعقباني نسبة على قرية من قرى الأندلس تسمى عُقبان كما جاء في "البستان"، أو لعُقاب اسم قرية كما في "شجرة النور" .

- مولده ونشأته:

ولد الإمام سعيد العقباني بتلمسان سنة (720هـ) ولا تسعفنا المصادر التي ترجمت له بالوقوف على ظروف نشأته وعائلته وغير ذلك، واكتفت بذكر اسمه ومهامه التي تقلدها وبعض شيوخه وتلاميذه ومؤلفاته، إلا أننا نعلم أن الإمام العقباني نشأ في ظل الدولة المرينية التي اعتنت بالعلوم الشرعية أيّما اعتناء، حتى كان منهم سلاطين علماء، كأبي عنان المريني (729ـ759هـ) الذي تنقل بعض المصادر أنّ العقباني روى عنه صحيح البخاري والمدونة.

- توليه القضاء:

وقد ولي الإمام العقباني القضاء ببجاية وتلمسان وسلا ومراكش، وأكد ذلك ابن فرحون قائلا: "وصدراته في العلم مشهورة، وُلي قضاء الجماعة ببجاية في أيام السلطان أبي عنان والعلماء يومئذ متوافرون، وولي قضاء تلمسان، وله في ولاية القضاء مدة تزيد على أربعين سنة." ونقل التنبكتي عن ابن مرزوق الحفيد قوله: "كان علامة، خاتمة قضاة العدل بتلمسان" .

- ثناءُ العلماء عليه:

شهدت نصوص العلماء برفعة قدر الإمام العقباني، فنَعته معاصره ابن فرحون بأنه "إمام عالِم فاضل، فقيه مذهب مالك، متفنِّن في العلوم" ، ووصفه تلميذه شيخ الإسلام ابن مرزوق الحفيد بأنه "وحيد دهره وفريد عصره، بقية العلماء الراسخين، ووارث الفضلاء المجتهدين" ، ووصفه الإمام السنوسي عند حديثه عن كتابه "المقرّب المستوفي في شرح فرائض الحوفي" ذاكرا أنه اعتمد فيه على شرح الإمام العقباني على تلك الفرائض، واصفا إياه بـ"الشيخ الإمام العلامة العلَم ذي الآراء العجيبة والتصرفات الفائقة الغريبة" وواصفا شرحه بأنه "تقف عقول النجباء عنده، وأنه لم يَرَ الراءون ولا يرون ـ والله أعلم ـ مثله قبله ولا بعده" اهـ، ونقل التنبكتي عن بعضهم قوله في حقِّ الإمام العقباني: "وكان يقال له رئيس العقلاء."

- شيوخه في العلم:

أخذ الإمام سعيد العقباني العلم عن أبرز مشايخ عصره بالمغرب، وصار راسخ القدم في العلوم العقلية والنقلية، وبلغت رتبته في تحقيق العلوم الشرعية رتبة أعلم أهل عصره بالغرب الإسلامي كالإمام ابن عرفة والإمام الشريف التلمساني والإمام المقري . وقد ترك مشايخُه بصمات على توجهه في التأليف والتخصص، سيما في علم الفرائض الذي أتقنه على السطي الآتي ذكرُه والآبلي، فصنف فيه شرحه المتميز على الحوفية. وفيما يلي ذكر بعض من أخذ العُقباني عنهم العلوم.

1 ـ محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري التلمساني عرف بـ"الآبلي" (681 ـ757هـ). الإمام العلامة، مجمع على إمامته. أعلم العالم بفنون المعقول. أخذ عن أبي الحسن التنسي وابن البناء المراكشي. قال التنبكتي: "وأخذ عن صاحب الترجمة أئمة كالشريف التلمساني وابن الصباغ والرهوني وابن مرزوق والعُقباني وابن عرفة وابن عباد."

2 ـ محمد بن علي بن سليمان "السطي" (تـ749هـ). وأخذ الفقه عن أبي الحسن الصغير الزرويلي وأبي إسحاق اليزناسني، والفرائض عن علي الطنجي. وإليه المرجع في حل عقد "الحَوفي" فيها. له مشاركة تامة في الحديث والأصلين واللسان. وهو ذو ديانة شهيرة وصلاح متين. وله تقييدات على "الحَوفي". مات غريقا في نكبة الأسطول المريني في 8 ذي القعدة الحرام سنة 749هـ، وقيل في التي تليها. نقل التنبكتي في ترجمة العقباني أنه "قرأ الفرائض على الحافظ السطي."

3 ـ أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن الإمام التنسي التلمساني (تـ743هـ) . "العالم الراسخ والعلم الشامخ الحافظ النظار المتحلي بالوقار الشائع الصيت شرقا وغربا. وهو أكبر الأخوين المشهورين بابني الإمام التنسي" . قال ابن فرحون: "سمع ـ أي سعيد العقباني ـ من ابني الإمام أبي زيد وأبي موسى وتفقّه بهما."
4 ـ أبو موسى عيسى ابن الإمام التنسي التلمساني (تـ749هـ) . نعته مخلوف بخاتمة الحفاظ بالمغرب. وهو أخو أبا زيد المتقدم ذكره. سمع العقباني عليه جميع صحيح البخاري؛ قال الوادي آشي في ثبته: "وقال القاضي أبو عثمان العقباني: سمعت جميعه على الإمام أبي موسى عيسى بن محمد ابن الإمام المذكور بمدرسته بتلمسان في مجالس آخرها غرة ذي الحجة عام اثنين وأربعين وسبع مائة."

- تلاميذه:

بعد أن بلغ الشيخ سعيد العقباني مرتبة عالية في تحقيق العلوم، صار من المنطقي أن يتخرج به ثلة من العلماء الذين كانوا في زمانه وبعد ذلك أئمة وُصفوا بالمحققين والمجتهدين، بل وبمشايخ الإسلام. وفيما يلي ذكر لبعضهم.

1 ـ قاسم بن سعيد بن محمد العقباني التلمساني التجيبي، أبو القاسم، ويكنى بأبي الفضل (768ـ 854هـ)، وهو ابن الإمام سعيد العقباني. وصفه صاحب البستان بشيخ الإسلام ومفتي الأنام الفرد الحافظ القدوة العلامة المجتهد العارف المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد الرحلة الحاج، له أخلاق مرضية قل أن يرى مثلها. قرأ على والده وغيره وتوفر على البحث والدرس حتى حصّل العلوم وبلغ درجة الاجتهاد.

2 ـ ابن مرزوق الحفيد، محمد بن أحمد بن محمد، أبو الفضل (766ـ842هـ)، الإمام المشهور العلامة الحجة الحافظ المطلع المحقق الكبير الثقة الثبت الفقيه النظار المجتهد. قال التنبكتي: "أخذ العلم عن جماعة كأبيه وعمه والإمام سعيد العقباني."

3 ـ إبراهيم بن محمد المصمودي. نعته مخلوف في شجرة النور بالشيخ الإمام العلامة الفقيه المحقق الفهامة رئيس الصلحاء والزهاد والأئمة العباد صاحب الكرامات المشهورة والديانة المأثورة الولي المجاب الدعوة. ثم قال: أخذ عن أعلام كموسى العبدوسي والآبلي وأبي عبد الله الشريف وسعيد العقباني."

4 ـ أبو الفضل محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله بن الإمام التلمساني. حلاه ابن مريم بالإمام العلامة الحجة النظار المحقق العارف اللوذعي الرحلة أحد أقران الحفيد بن مرزوق. ثم قال: "وأخذ هو عن سعيد بن محمد العقباني."

5 ـ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن زاغو المغراوي التلمساني (782ـ 845هـ). الإمام العالم الفاضل القدوة الناسك العابد المصنف. قال التنبكتي: "أخذ عن إمام المغرب سعيد العقباني."

6 ـ محمد بن محمد بن ميمون أبو عبد الله الأندلسي الجزائري المغربي المالكي ويعرف بابن الفخار لكونها حرفة جده. ولد بالجزائر ثم رحل إلى المغرب وقرأ بها القرآن والفقه ثم تحول إلى تلمسان وقطن مدة حريصاً على قراءة العلم على جماعة من شيوخها كقاضي الجماعة بها أبي عثمان سعيد العقباني.

7 ـ أبو يحيى عبد الرحمان ابن الإمام محمد الشريف التلمساني (757ـ 826هـ)، وهو معروف بأبي يحيى. وصفه مخلوف بالإمام العلامة العمدة الفهامة شريف العلماء وعالم الشرفاء وخاتمة المفسرين. ثم قال: "أخذ عن أبيه وبه تفقّه، وسعيد العقباني."

- مصنفاته:

تشهد بعض العناوين التي وصلتنا عن مؤلفات الإمام العقباني على تبحره في شتى المعارف والعلوم التي تتعاطى يومئذ في الإسلام، فقد صنف في أصول الدين، وهو علم يحتاج في مراتب إلى الجدل والمنطق لكشف اللبس عن المعتقد ورفع الشُّبَه وتحقيق الحق وإبطال الباطل بالأدلة العقلية النظرية الموصلة إلى حكم الضرورة عند المنكر لها، ومن هنا كان للعقباني شرح على متن الجُمل الشهير في المنطق للخونجي، كما تخصص في علم الفرائض وغيره من العلوم الفقهية التي أهلته لتولي القضاء أكثر من أربعين سنة. وفيما يلي تعريف بما وصلنا من مصنفاته.

1 ـ شرح الحَوفية. ومتن الحوفية هو مختصر في علم الفرائض للشيخ أحمد بن محمد بن خلف أبو القاسم الحوفي القاضي المالكي العالم بالفرائض (تـ588هـ). قال ابن فرحون: وله تآليف منها شرح الحوفي في الفرائض لم يؤلَّف عليه مثله." وتقدم أن الإمام السنوسي اعتمد عليه في تصنيفه لكتابه "المقرّب المستوفي في شرح فرائض الحوفي"، وأنه وصف بالشرح الذي "تقف عقول النجباء عنده، ولم يَرَ الراءون ولا يرون ـ والله أعلم ـ مثله قبله ولا بعده" اهـ. والشرح لا يزال مخطوطا ولم يحقق والله أعلم.

2 ـ شرح الجُمل للخونجي في المنطق. قال الشيخ ابن مرزوق الحفيد في مقدّمة شرحه لجمل الخونجي الذي سماه: "نهاية الأمل في شرح الجمل": "وشرحه شيخنا وحيد دهره وفريد عصره، بقية العلماء الراسخين، ووارث الفضلاء المجتهدين: أبي عثمان سعيد بن محمد العقباني أمتع الله ببقائه وزاد في علوّه وارتفاعه" . توجد منه نسخة بمكتبة حسين جلبي، ضمن مكتبة بروسه الوطنية/تركيا. تحت رقم 725.

3 ـ الوسيلة بذات الله وصفاته.

4 ـ شرح العقيدة البرهانية. وهو شرح على عقيدة الإمام أبي عمرو عثمان السلالجي (521ـ 594هـ) التي اختصرها من كتاب "الإرشاد" لإمام الحرمين. وقد منَّ الله تعالى بجمع بعض نسخه النادرة وتحقيقه.

5 ـ شرح مختصر ابن الحاجب الأصولي. قال التنبكتي: وألف "شرحًا جليلا على ابن الحاجب الأصلي . وقد أشار إليه الإمام العقباني في آخر شرحه لكتاب "الوسيلة" الذي بين يديك. والشرح مخطوط توجد منه نسخة في خزانة القرويين بفاس، وقطعة من آخره بالمكتبة الوطنية بتونس.

6 ـ شرح التلخيص لابن البناء. وهو كتاب تلخيص أعمال الحساب لأبي العباس أحمد بن البناء المراكشي (654 ـ721هـ).

7 ـ شرح قصيدة ابن ياسمين في الجبر والمقابلة.

8 ـ شرح البردة.

9 ـ شرح سورتي الأنعام الفتح. قال ابن فرحون: "وشرحه لسورة الفتح أتى فيه بفوائد جليلة."

10 ـ لب اللباب في مناظرات القباب. ذكر الحجوي في ترجمة القباب أنه "له مناظرات مع إمام تلمسان العقباني ألّفها العقباني وسماها: لبّ الألباب في مناظرات القباب، نقلها الونشريسي في نوازله" .

11 ـ وللقاضي سعيد العقباني فتاوى عديدة نقل بعضها الونشريسي في "المعيار المعرب".

- وفاته:

توفي الإمام سعيد العقباني عام أحد عشر وثمانمائة (811هـ) كما نقل التنبكتي ذلك عن الونشريسي في وفياته ، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأدخله فسيح جنانه ورفع درجته في علِّيين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

مصدر الترجمة:

كتاب الوسيلة بذات الله وصفاته لصاحب الترجمة الإمام أبي عثمان سعيد بن محمد العقباني – تحقيق: نزار حمادي -  الطبعة الأولى 1429هـ.
تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي محمد بن عبد الرحمان النعاس

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 


الولي الصالح العارف بالله سيدي محمد بن عبد الرحمان النعاس (1860- 1945م) - (1276-1364هـ)

نسبه:

هو العارف بالله سيدي محمد بن عبد الرحمان بن سليمان بن بلخير بن قويدر بن عثمان بن بو عبد الله بن العقون بن بو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان بن سالم إلى أن يصل نسبه إلى محمد بن عبد الله المكنى بنائل الذي يرجع نسبه إلى أولاد فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. أما جده من جهة الأم فهو الشيخ الفاضل عبد القادر بن طمار صاحب الأسرار النورانية والفيوضات الربانية، أحد شيوخ الزوايا الرحمانية في ربوع أولاد نائل، كان معروفا بالكرم والجود والعلم والمعرفة الذي يلحق نسبه إلى عرش أولاد أم هانيء.

مولده:

ولد رضي الله عنه في سنة 1860م، نشأ وترعرع في حجر والده حيث تربى في كنف الحنان والمودة محفوفا بالرعاية الأبوية في جو روحي وعلمي وفي وسط رواد الزاوية من طلبة علم ومعرفة، حيث قرأ القرآن وأجاد حفظه على يد الشيخ السعيد بن إبراهيم في سن مبكرة ثم شرع في دروس الفقه والأحاديث والتفسير وعلم الميراث وعلم الفلك على يد نخبة من العلماء أبرزهم الشيخ آدم الدلماجي، دفين قبة والده الشيخ النعاس، ثم الشيخ مهني بن الوناس وبعد ذلك و بتوجيه من والده انتقل إلى زاوية الشيخ محمد بن عبد الله (مولى الشرشارة)، فأكمل دراسته وأخذ عنه مبادئ وآداب في طريق القوم. عاد بعدها إلى زاوية أبيه أين وجد أباه قد عين السيد القاضي المختار بن علي مدرسا بالزاوية، حيث كان معروفا بمكانته العلمية خاصة في فن الخطابة والبلاغة، وفن البديع وعلم الأصول والنحو والصرف فلازمه وأخذ عنه نصيبه من العلم خاصة في هذه الاختصاصات. تلكم هي بعض النقاط المضيئة في حياته الدراسية.

أما في الجانب الروحي وآداب الطريق، فإن والده أحاطه بعناية كاملة ورعاية سامية، وذلك كإشارة منه في المهمة التي تنتظره وهي: رئاسة الزاوية، وخدمة المخلوقات وفي هذا الشأن وجهه لأخذ العهد عن الشيخ محمد بن أبي القاسم، فأخذ عنه ونصحه بأن يلازم أباه وٌيخلص في خدمته، وكان حريصا على تلاوة القرآن، وقيام الليل، وصيام الأيام التي ورد فضلها في السنة النبوية، وملازما لحلقات الذكر.

أخلاقه ومناقبه:

كان قليل الكلام، إلا في مذاكرة الإخوان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جدي في كلامه قوي الشخصية لا يحب المزاح ولا يميل إلى كثرة الكلام، يرى عليه هيبة العلماء العاملين، وأخلاق الأتقياء الصادقين، يتصدر المجالس، ويذاكر الجالسين، يحترمه العلماء والأمراء، إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة التي شهد له بها الجميع ومن إشارات أبيه في التزكية له وتعيينه فيما بعد على رأس الزاوية:أبرزها ما كان يخاطب الشيخ عبد الرحمان النعاس به الأخوان ومقدمي الزاوية والطلبة حيث كان يقول لهم إن أخاكم محمد فقد إحدى عينيه ثمنا لخدمة الزاوية وتسيير شؤونها والإشراف على تنظيمها والسير في طريق منهاجها.كان يرسله الشيخ ممثلاله في بعض اللقاءات التي كانت تتم بين مشايخ الزوايا. وكان في حين سفره يتركه نائبا له في الزاوية والإشراف على خدماتها كل هذه المؤشرات دفعت مشايخ الزوايا و الأخوان و تلاميذ الزاوية وافرد عائلته يزكونه بإجماع لتولى رئاسة الزاوية مباشرة بعد وفاة والده الشيخ عبد الرحمان النعاس في سنة 1907م.

المهام التي كان يقوم بها كشيخ للزاوية:

قام بواجب خدمة الطريق و الالتزام بآدابها و سلوكها و رعاية روادها من طلبة وأيتام و معوزين و كل من تقطعت بهم سبل الحياة ، من إيواء وإطعام وتقديم مساعدات لمن يحتاجون ذلك وكان أيضا يقوم بنفسه بإلقاء الدروس الفقهية من عبادات و معاملات و تفسير للقرآن الكريم وعلوم الحديث للطلبة الذين كانوا يأتون من جهات بعيدة و يقيمون بشكل داخلي في الزاوية بمعدل حصتين في اليوم بالإضافة إلى درس عام في المسجد بعد تأسيسه يحضره عامة الناس وما كان يقوم به أيضا إشرافه شخصيا على قراءة الراتب وحلقة الذكر وكذلك القيام بمهام تتعلق بمراقبة مداخيل الزاوية من موارد الأوقاف وغيرها.

وفي المجال الاجتماعي كان يقوم بإصلاح ذات البين وفك النزاعات والخلافات بين الناس وكان يحضى بالتقدير و الاحترام لدى الجميع مما أهله أن يستعان به حتى بعض مشايخ الزوايا في القيام بوضع حد للخصومات التي يصعب حلها فعلى سبيل المثال الشيخ محمد بن عزوز "شيخ زاوية الأحداب" ساعده في حل القضايا الشائكة التي عرضت عليه، كما ساهم في إخـماد بعض الفتن الطائفية التي كانت تحدث بين القبائل و كان يغذيها الاستعمار الفرنسي بوسائل مختلفة و ذلك لتحقيق أهدافه و مخططاته الجهنمية.

- الإنجازات التي تحققت في عهدته:

• بناء مسجد من ماله الخاص الذي ورثه من تركة أبيه حيث أشار إليه بعض الإخوان لتوسيع المسجد فقال لهم بل أحدد مساحته وفق الغلاف المالي الذي أملكه.
• إقامة صلاة الجمعة بعدما توفرت شروطها وكان يؤم المصلين بنفسه.
• توسيع الزاوية وبناء المرافق الخاصة بالطلبة.
• تحديد و تنظيم الحبوسات التابعة لممتلكات الزاوية.

- نشاطه:

تغييره للسوق الأسبوعي في مدينة دار الشيوخ من يوم الجمعة إلى يوم السبت وذلك لتحقيق هدفين:

-1: لكي لا يشتغل الناس بقضاء حاجتهم من السوق على أداء صلاة الجمعة.

-2: قطع الطريق أمام الجالية اليهودية حتى لا تتمكن من القيام بنشاطها التجاري لذلك لكون يوم السبت مقدسا عندهم.
كما قام أيضا بتغيير تسمية المدينة- من حوش النعاس إلى دار الشيوخ في السجل الرسمي الذي كان آنذاك تدون فيه أسماء المدن والأحياء، وذلك لغايتين:

-1: تأخذ التسمية طابع الشمولية لكل المشايخ الموجودين بالمنطقة كالشيخ الحـدي وميصرى والشيخ محمد بن برابح ومن ضمنهم أيضا الشيخ النعاس وكلهم من قبيـلة أولاد العقون والصحاري وأولاد بن عليا وأولاد الغويني ...الخ.

-2: كإجراء احتياطي فيما يتعلق بملكية الأراضي بموجب التسمية التي قد تتخذ كقرينة لذلك وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ذكاء الرجل وتفكيره الواسـع و صفة الورع وإبعاد الشبهات حتى لا يتحمل -رحمه الله- أي مسؤولية حيا أو ميتا.

- حبـه للعلم و تقديره للعـلماء:

كان يحب العلماء ويعظمهم ويخلص في النصيحة لهم ويحث الناس في مواعظـه على تعليم أبنائهم، وفي هذا الشأن لما سمع بثناء الناس على الشيخ عطية مسعودي بعدما أكمل دراسته استدعاه في الزاوية وأقام عنده ضيفا لمدة 03 أيام تحاور خلالها معه في مواضع عديدة فأعجب به ودعا له بالتوفيق وقال له: "يا ولدي كنت عازما أن نعرض عليـك وظيفة الإمامة بمسجدنا وإلقاء الدروس للطلبة بزاويتنا لكن بعدما أجريت هـذا الحوار معك تبين لي أن مستواك لا يواكب قريتنا الصغيرة لأن العالم إذا سكن البادية أو القرية يموت علمه وينساه الناس، فأنصحك أن تلتحق بمدينة الجلفة ثم تابع الشيخ قضيته فأقترح على السيد الشريف بن أحمد بن الشريف أن يعينه بمسجده المسمى بـ"جامع الجمعة" آنذاك فتم ذلك فعلا .

وفي إحدى المرات حدثت وشاية بينهما تسبب في نقلها أحد العوام بدعوى أن الشـيخ عطية ينكر الصالحين في محاولة منه لقطع صلة المودة والمحبة بينهما فنهر ذلك الواشي وقـال له تأدب لأنك طعنت في عالم جليل وإن لحوم العلماء مسمومة ،و لما سمع عطيــة ذلك بعث إليه بالقصيدة التالية يفند فيها مزاعم الشخص فقال:

مـن بعد إهداء السلام والرضا لمن بأفقي العلم نوره أضاء
محمد بن الشيخ عبد الرحــمان بن صفي المرتضى سليمان
يا سيدا حاز الكمال ورعــا وحرس الشرع الشريف ووعى
وجـد في فعل الجميل مخلصا أعـماله لله نرجو مخلصا
اقصص إليـك سيدي حكاية قد حملت في طيها شكاية
وذاك أن بعض أوباش الورى ممن غدوا في سيرهم الى الورى
وهم يرون الغي رشدا والهدى ضلالة وفي السلامة الردى
ويحسبون أنهم عـلى شيء وقد شوتهم نار جهلهم شيا
كنت قد اجتمعت ذات ليلة به في بـيت عبد صالح منتبه
فـجرنا الـحديث أن ذكرنا مـسألة الـدخان اعتبرنا
بقول أهل العلم حيث اختلفوا في حكمه وصنفوا و ألفوا
فـمن مـحرم ومـن مبيح وكـلهـم ذو نظر صحيح
وقلت قال صـاحب المبـاشر في شرح متن القدوة بن عاشر
ومـنع الـتبـاك الأكـثرون وقـد أبـاحـه الـمحققون
فـانظر لـقوله الـمحققون مع تـأمل تـجده قول من جمع
لـكنـه لـما دنـا للـحرم بـموجة من بحر علمكم رمى
فبـاء بـالخيبـة وهـو ممتلى بـالغيظ قائلا بصوت معتلي
لا كـانـت الجهـالة المشؤمة ولا حياة أهـلها الـمذمومة
وليـحي أهل العلم سادة البشر من بـهم دين الحنفي انـتشر
فإنـهم عيـون خــلق الله مبينو الفـروض والـمنـاهي
الحائزون رتبة الكمــــال في الدين والدنيـا وفي المـآلى
هذا تمام القصـة الطريفة بعثتها للحضرة الشـــريفة
تسلية تعــم وفيها عبرة لكل ذي درايــة و خـبرة.

- مواقفه:

من مواقفه كان إذا شرع في إلقاء درس لا يتوقف حتى يكمله مهما كانت الظـروف والأسباب ، و في إحدى المرات بينما هو يلقي درسا بالمسجد للطلبة كعادته إذ جاء وفد من مدينة الجلفة يتكون من القضاة والمسئولين في ذلك العهد فاستقبلوا من طرف الحارس بالزاوية (المقدم) بدار الضيافة وطلبوا مقابلته إلا أنه أمر المقدم بأن يقدم لهم ما يحتاجون إليه من كرم الضيافة وينتظرون إن كانوا في حاجة ماسة لاستقباله حتى يكمل الدرس وفعلا تم ذلك، وفي مجال الدعوة ومناهضة الاستعمار وتشجيع روح المبادرة ما قام به بعد ما تم تأسـيس خلية لجمعية العلماء بالجلفة حيث كان البعض يراها معادية لنشاط الزوايا بينما هو يراها مكملة لنشاطات الزوايا في تلك الحقبة لأن مؤسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمـه الله- كان من أبناء الزوايا (تعلم بالزاوية العساوية ) فاستبشر خيرا للمبادرة وباركهـا وذلك بدعوة لأعضائها وأعيان الجلفة ببيته فقدم كلمة بالمناسبة هنأهم فيها على هذا المجهود التربوي الجديد وعاتب من تخلف عن ركب الجمعية خاصة الوجوه البارزة، و أثناء تأديته لفريضة الحج كان بصحبته مجموعة من خدام الزاوية منهم بوعمارة الحـاج المصطفى من سحارى أولاد إبراهيم وإبراهيمي الحاج أحمد بن الجمعي من فرقة أولاد سـعد عرش أولاد عيفة حيث استقبل الشيخ بصحبتهما من طرف الملك عبد العزيز آل سعود رفقة وفود من عدة دول إسلامية حيث قدم الشيخ بالمناسبة كلمة شكر فيها الملك على المجهودات التي يقوم بها خدمة للحرمين الشريفين ولضيوف الرحمان من جهة ومن جهة أخرى ذكره بالمسؤولية الكبرى التي يتحملها على صعيد واسع فأعجب به الملك ورد على كلمته بالشكر ويروى أنه أستدعي من طرفه في لقاء خاص، كما تروى له عدة مواقف خلال حياته الحافلة بالنشاطات لا يمكننا سردها كاملة في هذه الترجمة المتواضعة.

- آثاره:

من أهم آثره مقال في جريدة البلاغ التي كانت تصدر بمصر الشقيقة بعنوان "الصفات والأخلاق التي ينبغي أن تتوفر في المريد و المنتسب لطريق القوم " نبه فيها ببعض المتطفلين والمشعوذين الذين لا يخلو منهم أي قطاع حيث ذكر في مقالته بأن الطريق أساسها ومبناهـا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،كما كان مشتركا في صحيفة أسبوعية عنوانها" الإسـلام" تصدر عن وزارة التربية والمعارف المصرية تهتم بالجوانب الروحية والتربوية في الإسلام والفتاوى الشرعية توجد منها أعداد كثيرة بمكتبة الزاوية، كما ترك مكتبة غنية بالمخطوطات والمجلدات والمجلات في جميع العلوم والمعـارف توجد بالزاوية.

- وفـاته رضي الله عنه:

توفي إثر مرض ألزمه الفراش لفترة قصيرة سنة 1945 م بمسقط رأسه ودفن بجوار أبيه بالزاوية، ترك ولدين هما الشريف الذي تولى خلافة الزاوية من بعده و عبد الله اللذين كانا خير خلف لخير سلف، رحم الله الفقيد ونفعنا ببركاته - آمين آمين آمين-

مصدر الترجمة:

زاوية الفلاح - قسم مشايخ المنطقة - المنشورة بتاريخ الخميس أكتوبر07 - 2010م.

تكملة الموضوع

ترجمة العلامة الأزهري أرزقي الشرفاوي (1880م-1945م)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
 



- توطئة:

من علماء الجزائر كانت حياته كلها كفاحا متواصلا و جهادا مضنيا في سبيل طلب العلم و المعرفة و الدفاع عن دين الله تعالى و نشر الإسلام الصحيح، نذر حياته لخدمة الوطن بالفكر والقلم واللسان فكان قبسا من أقباس الهداية التي أضاءت الطريق للأجيال نحو حياة العزة و الكرامة.

- اسمه و مولده و أسرته:

هو محمد الرزقي بن محمد وعلي، أمه ثسعذيث، ينحدر من عائلة ابن القاضي التي كانت تحكم إمارة كوكو بجبال جرجرة.

و لد سنة 1302 هـ / 1880 م بقرية "شرفاء بهلول" التي ينسب إليها، و هي قرية تقع على بعد ثلاثة أميال من مدينة عزازقة، ولاية تيزي وزو، وهي قرية الولي الصالح: "بهلول بن عاصم"، و بها زاوية عامرة تنسب إلى هذا الولي، تعنى بتحفيظ القرآن الكريم و تدريس الفقه و علوم اللسان ...

ولد لأسرة تمتهن الفلاحة، لم يعرف عنها حظ كبير من الغنى والسعة لكنها كانت تهتم بتربية نشئها تربية إسلامية أساسها حفظ القرآن الكريم، و هو ما تسنى له لما بلغ سن التمييز، وكان ذلك في زاوية شرفاء بهلول، انتقل بعدها إلى زاوية أحمد الإدريسي البجائي بإيلولة فانتظم في سلك طلبتها وأتقن القرآن الكريم حفظا ورسما وتجويدا، ثم انتقل إلى زاوية سيدي عمرو بن الحاج بقرية بني يجر، فتعلم فيها النحو و الفقه و التوحيد و مبادئ اللغة العربية والحساب.

انتقل بعدها إلى الجزائر العاصمة ليدرس بالمدرسة الثعالبية التي كان فيها العالم الجليل الشيخ عبد القادر المجاوي مدرسا، فواظب الشيخ الشرفاوي على دروسه، كما درس عليه سنتين خارج المدرسة، و قد نال إعجاب شيخه إذ كان مثالا للجد و النشاط و السلوك القويم، ما جعل شيخه يتنبأ له بمستقبل علمي زاهر.

- رحلته إلى مصر:

تأثر الشيخ الشرفاوي أيما تأثر بما كان يسمعه من ثناء أساتذته عن فضل الأزهر الشريف ومشاهير أهل العلم الذين تخرجوا منه، فتمنى أن يلتحق به ليتخرج منه و يحرز شهادة العالمية، وهو الأمر الذي شجعه عليه الشيخ المجاوي، و مما أوصاه به في هذا الصدد:

"أوصيك بوصية أجمع لك فيها علم العلماء و حكمة الحكماء، فعض عليها بالنواجذ: أحسن الظن بالله و اتقه في السر و العلانية، و تسلح بالصبر، فأنت المنتصر، والرجل يصهره القدر في بوتقة المحن و الخطوب، ولكنه ينكشف عن ذهب خالص"[1]، ثم تلا قوله تعالى: "و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا و سعة و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما"[2].

سافر الشيخ الشرفاوي على ظهر باخرة معدة لنقل الحيوانات في رحلة شاقة و مضنية كاد يهلك فيها، و لم يصل إلى الإسكندرية إلا بعد أن لاقى من المصاعب ما أنهك قواه و ألزمه الفراش أياما.

انخرط الشيخ الشرفاوي في الأزهر الشريف وبدأ الدراسة بعزيمة قوية و تصميم على المضي قدما في الطريق الذي رسمه لنفسه مهما كان شاقا و مضنيا.

التزم الشيخ الشرفاوي بعهد قطعه على نفسه بأن لا يكاتب أهله ولا يقرأ رسالة ترد عليه منهم حتى ينتهي من دراسته، كان ذلك خشية أن يكون في تلك الرسائل ما يثير حنينه إليهم، و يشغله عن مواصلة الدراسة، فقضى قرابة أربعة عشر سنة دون أن يقرأ رسالة واحدة من الرسائل التي وردت عليه من الجزائر.

و لم يفتح رزمة الرسائل التي اجتمعت لديه طيلة كل هذه السنوات إلا عندما أنهى دراسته وأحرز على شهادة العالمية، و كم كان وقع المصيبة شديدا عليه لما وجد إحدى تلك الرسائل تنعي إليه أباه، وأخرى تنعي إليه والدته و ثالثة تنعي أخته، و رابعة تنعي إخوته الثلاثة، وهو الذي تردد طويلا في قراءة تلك الرسائل من عدمه خوفا من الصدمة النفسية لكنه في الأخير استجمع قواه و قرر قراءتها فكانت الفاجعة، فهؤلاء الأهل و إن ماتوا في فترات متقاربة إلا أنهم بالنسبة له ماتوا في وقت واحد.

- شيوخ الشيخ الشرفاوي في الأزهر الشريف:

درس الشيخ الشرفاوي على يد ثلة من علماء الأزهر، وقد تأثر باثنين منهم أشد التأثر، و هما:

1.الإمام الفقيه العالم الموسوعي الشيخ: محمد بخيت المطيعي الحنفي الذي كان يلقب بالأستاذ الأكبر (1271 هـ/ 1354 هـ )، قضى ما يزيد عن ستين عاما في التدريس، شغل منصب قاضي مصر، ثم مفتيها.

و من مناقبه التي يذكرها الشيخ الشرفاوي كثيرا في كل مرة يذكره فيها: سعة علمه، عمق إدراكه، بعد نظره وتفانيه في خدمة العلم و محبيه، وهو الذي كان يقول أنه أخذ عن شيخه زيادة عن العلم حسن استغلال الوقت والحرص عليه ... فقد كان يرى في شيخه أنموذجا حيا لتمديد الوقت و تطويله وإن كان قصيرا، لقد تأثر الشيخ الشرفاوي بالشيخ بخيت من حيث مناحيه الفكرية و طريقته في البحث و المناظرة وتأصيل القواعد وتفريع الأصول واستنباط الأحكام من الأدلة الشرعية و نظرته إلى ضعف المسلمين و انحطاطهم و علل تأخرهم عن الركب.
 
 


- من مؤلفاته:

- إرشاد الأمة إلى أحكام أهل الذمة.
- أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدع من الأحكام.
- حسن البيان في دفع ما ورد من الشبه على القرآن.
- الكلمات الحسان في الأحرف السبعة وجمع القرآن.
- القول المفيد في علم التوحيد.

و غيرها ...

2.العلامة الأستاذ: يوسف الدجوي ( 1870م/ 1946 م ) من هيئة كبار علماء الأزهر، و المحرر في مجلة نور الإسلام، كف بصره و هو صغير، و رغم ذلك فقد جد في طلب العلوم و المعارف حتى صار قمة شامخة في المعقولات و المنقولات، من مؤلفاته:

- رسائل السلام و وسائل الإسلام.
- الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف في الكتاب الشريف.
- تنبيه المؤمنين لمحاسن الدين.
- الرد على كتاب الإسلام و أصول الحكم لمصطفى عبد الرزاق.

و مما كان يرويه عنه الشيخ الشرفاوي حرصه الشديد على التحدث بالعربية الفصحى، فالأمة العربية فريدة بشخصيتها التي لا سبيل إلى التعرف عليها إلا بواسطة هذه اللغة، و أن دراستها خير السبل لمعرفة الشخصية العربية، والتمييز بين الأصيل و الدخيل.

لقد تأثر الشيخ الشرفاوي بالشيخ الدجوي من حيث نزعته السلفية في العقائد ثم التنسك و التصوف، كما تأثر بأسلوبه في الدرس و المحاضرة، كما أخذ عنه طريقته في الدعوة إلى الله تعالى و منهجه في التفكير في أحوال المسلمين وأوضاعهم.[3]

- إحراز الشيخ الشرفاوي على شهادة العالمية:

بعد كد و كدح في سبيل العلم، و بعد مكابدة المتاعب و المشاق نال الشيخ الشرفاوي شهادة العالمية وأجيز إجازة عامة في التدريس و التعليم سنة: 1339هـ الموافق لـ: 1921م و هو النجاح الذي احتفى به الطلبة المغاربة و فرحوا به نظرا لما عرف عن الشيخ الشرفاوي من الجد والنشاط والمعاناة والحرمان وما تحلى به من الأخلاق الحميدة.

بعد تخرجه زاول الشيخ الشرفاوي التدريس في الأزهر، و أخذ يبحث و يكتب و يفيد بفكره و قلمه طوال أحد عشر سنة، كما كان يتردد على المكتبات العامة بالقاهرة، يعكف على المطالعة و دراسة التراث الإسلامي والعربي، ويشارك بين الفينة و الأخرى في كتابة مقالات في مجلة الأزهر وغيرها.

- عودته إلى الجزائر:

بعد أن أدى مناسك الحج سنة: 1351هـ/ 1933م هاجت أشواقه إلى الجزائر و حن إليها، إنه تحول مفاجئ لم يعلله الشيخ الشرفاوي بأية علة.

صارح الشيخ الشرفاوي زوجته و أطلعها برغبته في العودة إلى الوطن و خيرها بين مجيئها معه و بقائها مع عائلتها، و اختارت مصاحبته لكن ضغوط عائلتها حالت دون ذلك، فطلقها الشيخ الشرفاوي وهو غير راض بذلك.

أرسل الشيخ الشرفاوي رسالة إلى أهله يعلمهم باعتزامه العودة إلى الجزائر بصفه نهائية، فكان ذلك بالنسبة لهم وسام شرفهم و عنوان مجدهم، فجمعوا له مبلغا من المال و بعثوا به إليه ليستعين به على عودته.

ما إن وصلت الباخرة التي أقلت الشيخ الشرفاوي، وما إن نزل بميناء العاصمة حتى وجد في استقباله جمعا غفيرا من العلماء و طلبة العلم والأعيان والأقارب في مقدمتهم أحمد بن زكري مدير المدرسة الثعالبية والشيخ الطيب وعماره شيخ زاوية احمد الإدريسي البجائي.

أقام الشيخ الشرفاوي بفندق "قصر الشتاء" بساحة الشهداء، و هناك اجتمع بالعالمين الجليلين الأستاذ عبد الحميد بن باديس و الشيخ الطيب العقبي، وهناك تحدث الشيوخ حول الحركة الإصلاحية بالجزائر ووسائل تحرير العقول من قيود الجهل و الخروج بها إلى نور العلم و المعرفة وما ينبغي اتخاذه في المستقبل حتى تعم النهضة الإصلاحية كافة أرجاء الوطن.

عرض الإمام عبد الحميد بن باديس على الشيخ الشرفاوي العمل معه في صف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والإقامة في العاصمة حتى يتسنى له القيام بواجبه في الإصلاح والتعليم، لكنه اعتذر له، وأكد له بأنه سينهض بواجبه الإصلاحي على أكمل وجه، لكن ذلك سيكون في إحدى المناطق الريفية المحرومة من نور العلم والتي تسود بها البدع و الخرافات و تعاني من دسائس المبشرين ...

واكتفى الشيخ الشرفاوي بإمداد صحف جمعية العلماء بالمقالات و البحوث، و لقاء زملائه العلماء من حين لأخر للتشاور و تبادل الرأي.

قضى الشيخ الشرفاوي بالعاصمة بضعة أيام، ثم اصطحبه وفد من قرية شرفاء بهلول إلى مسقط رأسه وهناك استقبل بحفاوة، و سكن بزاوية القرية إلى أن شيد منزله.

- تدريس الشيخ الشرفاوي بالمعهد اليلولي:

اختار الشيخ الشرفاوي التدريس بالمعهد اليلولي لمميزاته الكثيرة و لكثرة طلبته واستقلال نظامه وحرية أساتذته في التعليم ...

بدأ الشيخ التدريس بالمعهد بعد بضعة أشهر من عودته من مصر، وقد بلغ الأمر ببعض الطلبة القدامى الذين أنهوا دراستهم و أخذوا يباشرون أعمالا مختلفة في مناطقهم -بعد أن سمعوا به- أن عادوا إلى المعهد للدراسة على يد الشيخ.

وكانت الدروس التي برمجها في تلك السنة و التي ظل على اغلبها طوال إقامته بالمعهد لمدة عشر سنين هي:

- التفسير و كان يعتمد على تفسير "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" لمؤلِّفه محمود الآلوسي البغدادي، إذ رأى فيه تفسيراً جامعاً لآراء السلف رواية ودراية، ومشتملاً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية.

- الحديث الشريف و كان يدرسه من "سبل السلام، شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام" لمحمد بن إسماعيل الصنعاني ، (ت 1182هـ).

- الفقه "بمتن الشيخ خليل" و "شرح الخرشي": و الذي ختمه الشيخ الشرفاوي يوم الأحد 14 ربيع الثاني 1352هـ الموافق لـ: 18 جوان 1938م، و الذي أقام المعهد حفلا تاريخيا بمناسبته.

- علوم اللغة العربية من بلاغة و نحو وصرف.
- الرياضيات و الحساب و المنطق و التاريخ.

لقد كان الشيخ يقوم بهذه الدروس كلها وحده، فيبدأ بالحديث إثر صلاة الصبح، و ينتهي بعد صلاة العشاء بدرس الفقه، تتخللها استقبالات السائلين و المفتين من الطلبة و المواطنين.

عرف عن الشيخ الشرفاوي انضباطه و حرصه على أوقات الدروس، فكثيرا ما يزوره شخص ذو قيمة علمية أو مكانة اجتماعية فيترك الشيخ للزائر من يؤنسه و يستعد هو للدرس أو يدخل إلى القاعة.

و قد ذكر الشيخ المهدي البوعبدلى – رحمه الله – أنه جاءه زائرا مع أحد القضاة و كان وقت الدرس قد آن، فرحب بهما ثم اعتذر منهما و أقبل على درسه تاركا معهما احد الطلبة الكبار.

كان الشيخ الشرفاوي يندد بالاستعمار الفرنسي و يهاجم أذنابه، فكان مما شاع عنه:

"إنني لا أخاف من المستعمرين الفرنسيي كما أخاف من هؤلاء الخونة الذين باعوا دينهم ووطنهم بأبخس الأثمان"

و قوله أيضا: "إن الاستعمار مرض عضال لا دواء له إلا استئصاله، و قد يصعب على من تعود عليه أن يسمع أن هذا المرض العضال سيزول و تشفى منه الجزائر، ولكن من يعيش منكم سيرى".

و قوله أيضا: "ليس هناك طريق إلى الحرية سوى القوة و ليس هناك طريق إلى الحياة سوى الموت و لن يريحنا من الاستعمار إلا الانفجار".

جعلت مواقفه هذه السلطات الفرنسية المحلية تضيق الخناق عليه، لكن في كل مرة كان صديقه الأستاذ أحمد بن زكري – رحمه الله – مدير المدرسة الثعالبية، يدافع عنه لما له من مكانة عند السلطات الفرنسية نظرا للمنصب المرموق والمنزلة العلمية اللتان يتمتع بهما.

و مما يذكر عنه أن وفدا متكون من محافظ ولاية تيزي وزو وأعوانه قاموا بزيارة المعهد اليلولي في أوائل الأربعينات، و طلب منه أن يعد كلمة مكتوبة ترحب بالضيوف و تنوه بفضائل الحاكم على المعهد: فيها اعتراف بالجميل و اتقاء للشر و ضمان لقضاء مطالب المعهد لدى الدولة الفرنسية في المستقبل، فما كان من الشيخ إلا أن ألقى كلمة ارتجالية رحب فيها بالحاكم و رفقائه، و تحدث فيها عن عظمة الإسلام و عن الحضارة الإسلامية و ذكر أن الإنسان لم يعرف العدالة و المساواة الحقة إلا في الإسلام و أن شمسه ستظل تنير الكون لأنها شمس الله، مستشهدا بقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون".، فتم للشيخ ما أراده من ترحيب مفروض عليه بكلمة ارتجالية انتهزها فرصة للإشادة بالإسلام و بعظمته و بأنه الدين الوحيد الذي علم الإنسانية معاني الحرية و العدل و المساواة.

- مؤلفاته:

ألف الشيخ الشرفاوي كتبا قيمة في مختلف الفنون، لكن معظمها ضاع خلال الثورة التحريرية، فمنها ما أتلفه الجنود الفرنسيون و منها ما نهبه الناهبون، و في ما يلي تآليفه:

1.كتاب "الخلاصة المختارة في فضلاء زواوة":

و هو كتاب ضم تراجم لعلماء زواوة و مشاهيرها، رتب المؤلف التراجم على حروف الهجاء و أورد فيها أخبارا ونوادر و مواقف.

2.كتاب "إرشاد الطلاب إلى ما في الآيات من الإعراب":

وهو كتاب يعنى بالقرآن الكريم من حيث اللغة و الإعراب، فهو يشرح الكلمة الغامضة ثم يعربها أو يعرب كامل الجملة مع إيراد ما يوافق ذلك من كلام العرب الفصيح ...

3.كتاب "الدروس الإنشائية لطلبة زوايا الزواوية":

و هو كتاب ألفه الشيخ الشرفاوي من ما كتبه من الدروس حين تلقى هذا العلم عن مشايخه بالأزهر الشريف مضافا إليها الدروس التي ألقاها على طلبته بالمعهد اليلولي، عرف فيه الإنشاء و تحدث عن الأسلوب الإنشائي و الأغراض الكلامية و الشعر و النثر و ألحقه مجموعة من رسائل البلغاء لينسخ القارئ على منوالها في الكتابة.

4.كتاب "بغية الطلاب في علم الآداب"

هو كتاب يعرف الأدب بأنه ثمرة من ثمار قريحة الإنسان و عقله و نفسه، كما تحدث فيه عن تأثير البيئة في الأديب كما تحدث عن عصور الأدب العربي و قدم رسومها و حدودها ...

5."الرسالة الفتحية في الأعمال الجيبية":

و هي رسالة في العمل بالربع المجيب، لم ترد تفاصيل عنه لأن الكتاب مفقود.

- مقالاته:

يتعذر استقصاء ما نشره الشيخ الشرفاوي في الصحف المصرية أو الجزائرية و ذلك لقلة المراجع، و نقتصر في هذا المقام على ذكر البعض منها:

-جريدة الصديق: كتب فيها عدة مقالات تحت عنوان: "أسباب الرقي"، إحداها منشور بتاريخ 25 جويلية 1921م.

-جريدة البصائر: نشر فيها سلسلة من المقالات حول إثبات هلال رمضان بالطريقتين الشرعية و الفلكية سنة 1936 م.

كما نشر بها سلسلة من المقالات اختار لها عنوانا هذه الآية الكريمة من قوله تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..."[4] النحل 125، كان ذلك سنة 1938م، بين فيها شروط الدعوة، أقسام الدعوة، طرق الدعوة ...

-جريدة الثبات و جريدة الأمة: كتب فيها سلسلة من المقالات في الإصلاح الديني تحت عنوان: "كيف يكون العالم الديني".

- شخصيته و صفاته:

كان الشيخ الشرفاوي قوي العقيدة، صادق الإيمان، رزين الطبع ، عرف بعزيمته و صموده و طموحه الذي يقف به في وجه التحديات غير مبال بما قد ينجر عنها من هزات و رجات، وهو الذي كانت طفولته سلسلة متصلة الحلقات من متاعب و مشاق وحرمان، لم يسلم منها حتى بعد عودته إلى الجزائر واستقراره بمسقط رأسه بين أهله، فقد كان أعداء العلم و الإصلاح يكدرون عليه صفو حياته بجحودهم و تنكرهم و إعراضهم ...

يراه من لا يعرفه فيهابه للوهلة الأولى لما يوحي به مظهره من المهابة و الجلال، لكن ما إن يفاتحه بالحديث حتى يجده طيب النفس و الروح، رقيق المزاج، مرهف الحس و متدفق الشعور.

- من أقوال الشيخ:

من الأقوال التي رويت عن الشيخ الشرفاوي و حفظت عنه ما يلي، نوردها كما صاغ الأستاذ: محمد الصالح صديق[5] معانيها بالعربية:

"دعائم الحياة ثلاث: نفس مطمئنة و معيشة ميسرة و سمعة طيبة".

"يمكن للطبيعة أن تقدم إلى أكثر الناس حظا ما يحبه و يتمناه إلا السعادة فإنها لا تعطى و لا توهب لأنها تنبعث من النفس".

"... التشاؤم موت قبل الأوان".

"الأيام صحائف الآجال، فالعاقل المحظوظ من خلد فيها أجمل الآثار".

"القومية الصحيحة الراقية أن يكون القوم قد حصلوا على قسط وافر من أسباب الرقي المادي و الروحي".

"قليل جدا من الناس من يعرفون لماذا يعيشون و لكنهم جميعا يحبون البقاء".

"عمر الإنسان بما قدم لا بما عاش".

"العاقل من لا يجالس إلا من يجانس".

- وفاته:
 


توفي رحمه الله بعد زوال يوم الأربعاء 11 محرم 1364 هـ، و شيعت جنازته في مشهد رهيب حضره العلماء والأعيان و الطلبة وجمهور كبير من مختلف الشرائح، و دفن بجوار بيته بمسقط رأسه بشرفاء بهلول.

رحم الله الشيخ الرزقي الشرفاوي و أسكنه فسيح جناته.

- هوامش:

[1] " الشيخ الرزقي الشرفاوي حياة و آثار ، شهادات و مواقف "، الأستاذ: محمد الصالح الصديق - دار الأمة- الطبعة الأولى 1998م، ص 18.
[2] سورة النساء/ 100.
[3] الأستاذ: محمد الصالح الصديق/ المرجع السابق، ص 26-27.
[4] سورة النحل/ الآية 125.
[5] الأستاذ: محمد الصالح الصديق/ المرجع السابق، ص 80-81.

- مصدر الترجمة:

نقلا عن موقع العلامة الجزائري الدكتور سعيد بويزري.

تكملة الموضوع

ترجمة الشيخ العلامة مولاي بن شريف


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

المحتويات:

1- مولده
2- أصوله
3- دراسته بمصر
4- عودته إلى أرض الوطن
5- الحركة الدينية
6- الحركة السياسية
7- وفاته

1- مولده:

ولد الشيخ مولاي بن شريف في عام 1883م بفرندة ولاية تيهرت "تيارت حاليا"، وهو ابن مولاي المكي بن مولاي أحمد ولد عبد القادر، تتلمذ على يد شيخه الحاج مولاي العربي في مدينة فاس المغربية.


مدينة فرندة التي ولد فيها الشيخ
2- أصولــــــه:

وكان يعرف ياسم بن شريف الدرقاوي، وقد تتلمذ على يد الحاج محي الدين (والد الأمير عبد القادر)، وهو أيضا من أتباع طريقة مولاي العربي الدرقاوي (صاحب الطريقة الدرقاوية)، وقد أخذ هذه الطريقة عن شيخه ووطّد روحه الدينية بإتباعه دروس الفقه والتوحيد، وعند خروجه من المغرب، قام بمحاولة إثارة أتباعه ضد نظام الأتراك الإداري الجائر، وبالخصوص النظام القائم في الهضاب العليا (في الجنوب الوهراني) وكان ذلك بين سنتي 1804-1805م. 

مولاي أحمد:

وهو رفيق سيدي لزرق، الذي جابه الغزو الفرنسي، فقام ضده في سنة 1839م وسنة 1840م، فقبض عليه وحُملَ إلى فرنسا وسجن هناك مدة 3سنوات، وبعد عودته بقليل، سقط في شباك إحدى الدسائس، نصبها له أحد أذنابها المرتزقة المدعو (شين النيف)، ولا يزال يذكره الشٍّعر الشعبي من خلال أبيات معبرة يعرفها أهالي منطقة سيدي علي، فقُتل مولاي أحمد، واغتنمت قوات الاحتلال هذه الفرصة لتُمَّثِّل برأسه أشنع تمثيل، إذ انتزعوه من جسده أخذوا يتجولون به إلى رباط الجنود الفرنسيين، وفي محيطهم مستهدفين نشر الرعب بين الأهالي وبين عناصر المقاومة في الجبال.

مولاي المكي:

الذي نظم وبطريقة سرية أفواجا معادية لجيش الإحتلال، وخاصة بناحية حجاج، غير أن القوات الفرنسية أوقفته وكبلته بالسلاسل، وأخذوه راجلا إلى سجن مدية معسكر، بينما كان رجال الدرك ممتطين خيولهم.

وبعد ثلاثة أشهر، أطلق سراحه ووضع تحت مراقبة شديدة وذلك في سنة 1873م.

ترعرع الشيخ مولاي بن شريف بين أحضان هذه العائلة الثائرة، وتغذّى بأفكارٍ ذات اتجاه معين من الروح الدينية والوطنية، وهما معا يرتبطان ارتباطا عضويا تلقاء الغزو الأجنبي كيفما كانت صفته، تلك هي البوتقة التي انصهر فيها شيخنا، وكيف يصوب هذه الحدة العارقة إن لم يستعن بثقافة عربية تمكنه من بلوغ مناه.

3- دراسته بمصر:
الشيخ بالزي الأزهري أثناء دراسته بالأزهر الشريف


بعد إتمامه لدروسه القرآنية تيارت، واجه الشيخ اهتمامين:

- الاستعمار الفرنسي الذي كان يكرهه بفضل تكوينه الوطني.

- ميوله إلى العلم والديانة الإسلامية التي كان يحبها.

بعد فشله في مواجهة الإستعمار، خاصة تمركز المعمرين داخل التراب الوطني، دفعه حُبُه للمعرفة إلى الهجرة لمصر، ولما بلغ مدينة وهران، صادف مواطنين له في مدينة تلمسان، قاصدين الإبحار نحو الشرق فارين من الحكم الاستعماري الجائر، ولكن لم يكن مع الشيخ مولاي ن شريف من الأموال التي تخول له الحق في اقتناء التذكرة، فطر له ببيع فرسه الذي يمتطيه، وامتطى قاربا من القوارب الملازمة لكل سفينة عادة عندما أرخى الليل سدوله، وعند إقلاع السفينة، كاد هذا المغامر أن يغرق في البحر وتبتلعه الأموج، لو م يساعد من طرف إخوانه لمهاجرين، فصاحبهم كيفما كان مغامرا ومتحديا للصعاب، وذلك في سنة 1908م، وصل إلى القاهرة في سنة 1908 وإلتحق بالجامع اأزهر، حي إلتقى بالشيخ العربي التبسي في سنة 1922م بعد قضاء 14 سنة.

4- عودتـــه إلى أرض الوطن:

بعد وصوله إلى وهران، وج مرارة الإستعمار الذي أغلق مكتبته التي كان تضم 2000 كتاب، وكذلك عدة وثائق، وهكذا يكون قد أضاع جزء كبيرا من هذه الوثائق، كذا شهادة إنهاء دروسه الفقهية.

وحاول طيلة عدة شهور على وثائقه، ولكن يدون جدوى، وكانت إدارة الجمارك تنظر إليه بعين الأذى والحقد، التي توسمت شراّ في هذا العربي الجزائري المتحلي ببذلة (أزهرية) مصرية غريبة عن ضابط الجمارك الفرنسي، وتوسم عليه أنه أجنبي فوق أرضه المسلمة، واحتجز هذا لضابط المجلدات باللغة العربية التي رأى فيها خطرا عليه، ولم يتمكن الشيخ من استرجاعها إلا القليل كعقاب له، وذلك بأن القانون المزعوم يفرض على كل جزائري أراد السفر للخارج لطلب العلم، عليه أن يتقدم بطلب رخصة مسبقا قبل الخروج من أرض الوطن، وهو قد تحدى الوضع الفرنسي القائم آنذاك وصار مراقبا من طرف رجال الإحتلال حيثما تنقل أو حطّ رحاله، وفي النهاية حصل على مكتسباته التي ضاق من أجلها مرارة الجوع وهو طالب.

لقد أقام بغيلزان ، حيث درس بها مدة عامين، ثم ذهب إلى المغرب ليزور مسجد مولاي العربي بفاس في سنة 1924، وخلال هذه الزيارة التي دامت شهرا كاملا، إلتقى فها بالقائد محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد حرب الريف. 

القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي التقى به الشيخ أثناء زيارته للمغرب


وبعد عودته إلى الجزائر، تمركز بسيدي علي، الذي احتضنه أهلها إلى آخر نفس له، وبنى فيها زاويته في نة 1927م بمساعدة سكان الناحية، الذي عَمِلَ على إقناع سكان سيدي علي بضرورة بناء هذه الزاوية، لتكو مأوى للطلبة، بالواجب، وبدأت التحريات والتنكيد للآلة الإستعمارية، فاستدعته الإدارة الفرنسية عن سبب زيارته لفاس وعن علاقته بالخطابي، ولم يبقى الشيخ مكتوف الأيدي، بل أحاط نفسه بجماعة من الأشخاص، وأعلمهم بتكوينه الديني ذي الطابع الإيديولوجي والسياسي، ونظرا لنقص وقلة المثقفين، اضطر إلى ضمان المسكن والحماية لتلاميذه، ومن بينهم:

- الشيخ بن سبيمان
- الشيخ بلكتروسي (أولاد معلة)
- الشيخ سي يوسف (بن عبد الملك رمضان)
- الإخوة بلقاضي (أواد خلوف)
- الشيخ سي أحمد الحبيب (أولاد معلة).

5- الحركة الدينية:

كان الشيخ مولاي بن شريف إماما، وأستاذا، يدرس علم الشريعة لإسلامية، فخضع سكان الناحية كلهم بهذه الشريعة، بعد سنوات شاقة عملت الإدارة الفرنسية على تشجيع الإقتتال بين السكان، فكان لا يمر يوم اقتتال بالبنادق والسكاكين من أجل أمور تافهة، كالإختلاف حول قطعة أرض، أو شتت يمس الشرف، فكان الحكم الذي يخضع له سكان هذه الناحية، فاشتهرت مناقبه، وشهدوا له بالإنصاف في محاربته لكل أنواع الخرقات والشعوذة.

المنبر الذي وقف عليه الشيخ مولاي بن شريف خلال خطبة الجمعة في زاويته التي بناها سنة 1927


6- الحركة السياسية:

انظم الشيخ إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان مستشارا في مجلسها الإداري، بمعية الشيوخ: عبد الحميد بن باديس – محمد البشير الابراهيمي – الطيب العقبي – محمد الأمين العودي – مبارك الميلي – ايرهيم بيوض – المولود الحافظي – مولاي بن شريف – الطيب المهاجي – السعيد الياجري – حسن الطرابلسي – عبد القادر القاسمي ومحمد الفضيل الورتلاني، وكان يسافر كثيرا إلى الجزائر العاصمة مما دفع الإدراة الفرنسية إلى غلق الطريق في وجهه، بعد تحريض من معاونيها وهدد بالنفي إلى مدينة بشار، وأصابه المرض، وابتعد عنه أصدقاءه، ورغم هذا، حافظ على علاقته المتينة مع سي نسيب من مستغانم.

وفــجـــر إنـــدلاع الـثـــورة التــحــريرية، التقى بالشهيد بن عــبـد المـــالــــك رمــضـــان (المدعو سي عبد الله)، وتعرف عليه، بل وجلس معه على مائدة واحدة للطعام عدة مرات ولمـــا اندلعت الثورة، لم ييأس، بل كان فخورا بتلاميذه الذين التحقوا بلجبال وكان في عمره 72 سنة، وخلال ذلك الوقت، كان المجاهدون يرونه مدافعا عن وطنه بقلمه، رأوه بعد أن أصيب بمرض عضال، ألزمه الفراش، وهجّرت الإدارة الإستعمارية ابنيه التوأمين (محمد والمكي) البالغين من العمر 17سنة، بحجة إطلاقهما النار على الحاكم الفرنسي في البلدية المختلطة Choiral. 
نجلاء الشيخ التوأمان في صف الجلوس (الأول في أقصى اليصار والثاني من اليمين) في صورة جماعية للقسم في مدرسة البرج سنة 1951م.


7- وفاتـــــــه:

توفي الشيخ في يوم 24 فيفري 1959م بسيدي علي، وبعد مرض عضال على إثر عملية جراحية، وقلبه ممزق، لأنه لم ير الراية الجزائرية وولديه الذين بحثت عنهم الإدارة الفرنسية في الخارج – رحمه الله.

هوامش/

فرندة:

فرندة هي حاليا دائرة من دوائر ولاية تيارت الجزائرية، تقع في الهضاب العليا الغربية للمدينة، يحدها من الشمال كل من دائرتي مدغوسة ومشرع الصفى، ومن الشرق دائرة السوقر، ومن الجنوب دائرة عين كرمس, ومن الغرب ولايتي سعيدة ومعسكر، تبعد عن الباهية وهران بـ: 220 كلم, وعن معسكربـ 110 كلم وعن تيارت بـحوالي50 كم.


 من بلدياتها فرندة وهي أيضا مقر الدائرة، عين الحديد، تخمارت... ومن أحيائها الشعبية شعبة عربية، حمدوش، بن يزدي، الباتوار، بني ساعد، الكاريان، الباب الكبير سيدي ناصر،...


وما يميزها عن باقي دوائر الولاية هو قربها من ذلك المعلم التاريخي "مغارة ابن خلدون" العلامة الشهير مؤسس علم الاجتماع الحديث الذي كتب بها رائعته في فلسفة التاريخ "المقدمة"،

المغارة التي كتب فيها ابن خلدون مقدمته الشهيرة - فرندة / ولاية تيارت

 أيضا  الجدار وهي عبارة عن هضاب وجبال في غاية الروعة و الجمال، يتصف سكان هذه المنطقة بالرحمة والكرم والسخاء وحسن الضيافة، تقام بها سنويا العديد من المهرجانات والحفلات للأولياء والصالحين الذين عمرو المنطقة منذ القدم و التي لا تزال معالمهم شاهدة إلى يومنا هذا  مثل وعدة سيدي عمر وسيدي علال وسيدي بختي والجبابرة وسيدي أحمد بن داود' وسيدي محمد بن خليفة شايع...

للترجمة مصادرها ومراجعها.
تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي أبو زكريا الزواوي البجائي

                


أبو زكرياء يحيى بن أبي علي المشتهر بالزواوي

... - 611هـ  - ... 1214م

 فمنهم الشيخ الفقيه، الصالح العابد، الولي الزاهد على التحقيق، المتوجه إلى الله بكل وجهة طريق، أبو زكرياء يحيى بن أبي علي المشتهر بالزواوي وهو عندما يكتب اسمه يكتب الحسني "منسوب إلى بني حسن" من أقطار بجاية، والناس ينسبون فيه الحسناوي، ولد في "بني عيسى" من قبائل "زواوة" وقرأ رضي الله عنه أول أمره "بقلعة بني حماد" على الشيخ الصالح أبي عبد الله ابن الخراط وغيره ثم ارتحل إلى المشرق، ولقي الفضلاء والأخيار والمشائخ من الفقهاء والمتصوفة وأهل طريق الحق.

وكان، رحمه الله، منذ ظهر بانيا على ترك الدنيا والانقطاع إلى الدار الآخرة، استوطن بجاية رحمه الله بعد رجوعه من المشرق، وجلس بها لنشر العلم وبثه والدعاء إلى الله تعالى، فانتفع الخلق على يديه وظهرت عليهم بركته وفعلت فيهم سريرته الصالحة ونيته، ولم يكن أحد أجلد منه على القيام والصيام، وما كان عيشه، رضي الله عنه، إلا من المباح كالبقول المطروحة وما جرى مجراها وإذا اشتهى اللحم ينزل إلى البحر فيصيد السماك على الأحجار، وهي لحمه رضي الله عنه، وما من ناحية من النواحي إلا وله فيها مسجد معلم، وكلها معروف البركة، وكراماته رضي الله عنه أكثر من أن تحصى، ولو كتبت لكانت مجلدات وأحواله كلها كرامات.

وكان يجلس لعلوم الحديث ولعلوم الفقه ولعلوم التذكير، وكان الغالب عليه رضي الله عنه الخوف، ما يمر بمجلسه إلا ذكر النار والأغلال والسعير، وتكاد تفيض قلوب الحاضرين في مجلسه، هذا هو حاله دائما، وهذه الطريق هي أحسن الطريق في الدعاء إلى الله تعالى، إذ جبل الله الخلق على أنهم لا ينفعلون غالبا إلا بالخوف، ولأجل هذا كان أكثر الشريعة تخويفا.

وما زال رضي الله عنه مستمرا على هذا الحال إلى يوم وفاته، يبسط أمل الناس ورجاءهم في رحمة الله وفي سعة مغفرته، ومناهم بما عنده من كثرة الثواب، وإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، إلى غير ذلك مما اشتمل عليه مجلسه، وهذا طريق حسن، لأنه لم يبق عند لقاء الله إلا الطمع في رحمته والرغبة فيما عنده، لأن الخوف فائدته إنما هي الحض على العمل، وحين الموت انقطع العمل، ولم يبق إلا قوة الأمل لتلقى الله طيبة نفسه، فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه، حسبما اقتضاه الحديث.

ولقد رأيت فصلا فيه ذكر وفاته، بخط الشيخ المقرئ، أبي العباس ابن الخراط وأنا أذكره بنصه، قال رحمه الله: أن وفاته كانت بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، الرابع عشر من شهر رمضان المعظم من عام أحد عشر وستمائة، وتوفى في هذا اليوم فجأة من غير تقدم مرض، وكان قد رتب ميعادا بالقراءة لسماع تفسير القرآن العظيم، وميعادا بعد صلاة الظهر لسماع حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جري عادة السلف الصالح في شهر رمضان، فبينما أنا أقرأ بين يديه بالغداة وقد مرت آية فهم منها ما لم نفهم، وعلم من نحواها ما لم نعلم، إذ وثب قائما طيلسانه وطرح رداءه، وحسر رأسه وبسط يديه ومد ذراعيه، فأمسك عن القراءة، فتعوذ بصوت رفيع وبسمل، فافتتح بقول الله تعالى } (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) { ولم يزل يرددها ويكررها بتحذير وترنين، ثم أقبل على الناس بخضوع وخشوع، وأخذ يبين لهم ما أعد الله من سعة الرحمة وأضعاف الحسنات والتجاوز عن السيئات، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ثم قال: يا إخواني سألتكم بالله إلا ما ضممتم صبيانكم وأولادكم وأصاغركم ودعوتم لي، ولا تنسوني فإني جار لكم، ولست أنساكم، وأكثر من هذا القول في بكاء شديد حتى كأنه أشعر إنه راحل من الدنيا، وان ذلك وداع منه للناس، ثم دخل زاويته دون أن يختم مجلسه بالدعاء المعهودة منه، ولما حانت صلاة الجمعة وأخذ الناس في الرواح وجلس الإمام على المنبر، وأذن المؤذن، خرج على الناس من زاويته، وجلس منصتا لاستماع الخطبة، فلما قضيت الصلاة، نصبوا له كرسيه واستوى عليه، وازدحم الناس ينظرون إليه، فأخذت في قراءة كتاب المسند الصحيح، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصنيف الإمام الحافظ، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه، وهو ينظر إلي، فاعتراه شبه غشي أماله على جانبه الأيمن، فبادرت إليه مع بعض من قرب خشية السقوط، فحملناه وأدخلناه زاويته وأطبقنا الباب دونه، فبادر إليه من كان يخدمه من أهله وجلسنا ننتظر عاقبة أمره، إلى أن أذن مؤذن العصر وأخذ الناس في التنفل، ثم أقيمت الصلاة، فسمعنا في الزاوية حركة اغتسال نفهم منها تجديد طهارة، ثم سكنت تلك الحركة، وقد أدرك فضل صلاة الجماعة، ثم استلقى مستقبلا فقبض طاهرا صائما صامتا معتكفا في الجامع الأعظم، صحيحا سويا، دون مرض ولا ألم، قدس الله روحه، وبرد ضريحه، ونفع به وبصالح دعائه.

وفشا الخبر في الناس، فتسابقوا إليه، وحشروا من كل ناحية عليه، وارتفع صراخهم واشتبكت أصواتهم، ونما ذلك إلى من كان له الأمر ببجاية حينئذ، فوجهوا نقيبا لصيانة جثته الطاهرة الزكية من ابتذال من يلي بها ويقتحم للتبرك بما بين ثوبها. فلما جن الليل أمروا بحمله إلى روضته، وكلفوا أمناء بجهازه، ثم بادروا بأنفسهم وشهدوا الصلاة عليه على شفير قبره، ضحى يوم السبت، الخامس عشر المتقدم الذكر، ووقفوا حتى واروه عن الناس، وعزى الناس عن مصابهم بعضهم بعضا، رحمة الله عليه. انتهى كلامه رحمه الله.

ومن أشياخه، الفقيه أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف الزهري، روى عنه الموطأ، والقاضي أبو سعيد مخلوف ابن جاره روى عنه "المصابيح" وكتبا عدة إجازة وسماعا، والإمام أبو طالب أحمد بن رجا اللخمي، قرأ عليه وأخذ عنه الأصلين حفظا واتقانا، والحافظ أبو طاهر السلفي صحبيه وأخذ عنه إعجاز القرآن للخطابي، ومن شعر أبي طاهر:

ما لي لدى ربي جزيل وسيلة *** إلا اتباع نبـيه ويقـينـي
والدين حصن للفتى وعقيدتي *** أن القليل من اليقين يقيني

ومن شيوخه، رضي الله عنه أيضا، الإمام أبو عبد الله ابن بكرة الكركني قرأ عليه المذهب رواية ودراية، وأبو القاسم بن فيرة الشاطبي الضرير، والفقيهان الأخوان أبو عبد الله وأبو العباس الحضرميان عنهما الشهاب [أي شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والأدب من الأحاديث النبوية] للقاضي والفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن سلامة، والزاهد أبو عبد الله المغاور، والشيخ أبو عبد الله السلاوي، وغير هؤلاء، رضي الله عنهم ونفعنا بالجميع آمين.

مصدر الترجمة:

كتاب: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية - للشيخ العلامة أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله الغبريني منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان- أبريل (نيسان) 1979م.
تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي محند بن أوقري



بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد صلاة أهل السموات والأرضين عليه أجري يا رب لطفك الخفي في أموري والمسلمين

سيدي محند أوقري ومناقبه العلمية

يعتبر سيدي محند أوقري أحد علماء بلاد القبائل (زواوة) البارزين في ميدان نشر العلم بمنطقة آث يعلى، وأحد أقطاب الأولياء الصالحين، عمل لدنياه ولآخرته، وفق منهاج معتدل، جعله يمسك القلم بيد، والفأس بالأخرى، فعاش من ثمار جهد عرقه بعد أن أحيا أرضا مواتا، حوّلها إلى بساتين غناء، وشيّد زاوية (ثيمعمرث) للمعرفة والتعبّد والمصالحة، اشتهرت باسم "الجامع أوقري"، ظلت تشعّ نورا، وتهدي الخلق إلى الصراط المستقيم. وعندما اندلعت الثورة التحريرية الكبرى صارت قلعة للمجاهدين، ومازالت بفضل جهود المخلصين من أحفاده ـ

يتقدمهم عبد الوهاب حمودة ـ تواصل رسالتها العلمية والاجتماعية، وعليه فهي جديرة بوقفة نستذكر فيها تاريخها التليد، وننفض غبار النسيان عن أمجادها الجديرة بالإشهار.

من هو سيدي محند أوقري؟

يسود الاعتقاد لدى أحفاده أن الشيخ سيدي محند أوقري، ينتمي إلى أشراف الساقية الحمراء، يكون قد درس في مدينة فاس حسب رواية الحسين الورثلاني، ثم انتقل إلى بلاد الزواوة، واستقر في آث يعلى رفقة إخوانه؛ بوعبد الله، وعبد الرحمن، وتواتي، والحسين، وبعض رفاقه من عائلة إكثاف (أكتوف) الحالية.

ويرجح الأستاذ عبد الحميد زاهير ـ وهو من أحفاده ـ أن سيدي محند أوقري يكون قد عاش مابين القرن السابع عشر، والنصف الأول من القرن الثامن عشر(1635 ـ 1720)، واستخلص ذلك من قول الحسين الورثلاني (1713 - 1780)، الذي ذكر أنه أدركه في طفولته.

استقر الشيخ سيدي محند أوقري في مكان منخفض يدعى "لخناق"، وهو موقع متميّز بتوسّطه لمناطق آث يعلى، وجعافرة، وثاسمارث، وبوفرة المياه، لذا بنى طاحونة لرحي الحبوب. ولكنه لم يلبث أن ترك هذه المنطقة الخصبة، لينتقل إلى قمة جبل تدعى "تيزي نتعساسث"، ميزتها الحصانة، والإشراف على العديد من قرى آث يعلى، وآث ورثيلان، وإلماين، ويمتد النظر فيها إلى جبال جرجرة، وأكفادو، والبيبان، لذا استحق هذا المكان تسمية "القلعة" عن جدارة. وحظي سيدي محند أوقري بالترحاب من طرف العائلات القليلة المقيمة هناك؛ آث مسعود، وآث عيسى، واعلي، وآث أومزيان، وآث بوطيح، وعائلة بلعزوق. ومن المرجح أن يكون قد اختار هذا المكان المقفر، من أجل التعبد والتصوف وإبعاد طلبته عن ضوضاء العمران، وأكد ذلك الحسين الورثلاني بقوله: "... ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى الزاهد في الدنيا رأسا، المتخلي عنها نفسا، سيدي محمد بن قري، وقد اعتزل بأهله وسكن القلعة، في غيضة عظيمة، لا يسكنها إلا الوحوش، ينعدم الماء فيها، ومع ذلك فإنه بنى دوره في الأوعار من الجبل، مع بعدها من الوادي الى رأس الجبل، وبنى فيها مساجد بفضل الله، سيما الجامع الكبير فقد بناه بناء معتبرا، إلا إذا كان مثله في تونس، وأشار، رحمه الله، إلى أنها تصير مدينة قاهرة آخر الزمان، وقد تحمل المشاق العظيمة في مجاهدة نفسه وأهله وأولاده وأصحابه، وكان لا يفتر عن ذكر الله تعالى، طريقه صعب لا يسلكه إلا من نبذ نفسه وراء ظهره، وقد أدركته صغيرا"(1). هذا والجدير بالذكر أن الرحالة الحسين الورثلاني قد تزوّج بنت الشيخ الفقيه سيدي بركات، وهو من أحفاد سيدي محند أوقري(2).


 

وعقب سيدي محند أوقري خمسة أولاد وبنتا هم:

1- بركات، تنتمي إليه عائلات: بركات، قري، توتي، توازي بن حماده.
2- بلقاسم ، عقب بنتين.
3- حموده، تنتمي إليه عائلات: حمودة، بداني، كبير.
4- عبد المجيد، تنتمي إليه عائلات: باجي، عبد الحميد، موسي.
5- لونيس، تنتمي إليه عائلة بزاز.
6- بنت توفيت عازبة.

فضائل المعمرة:

واعتبارا لمكانة الشيخ سيدي محند أوقري السامقة في المجتمع، فقد ساعده السكان في بناء مؤسسته العلمية، بناءً جيدا بمواصفات عصره، وبطريقة فنية جميلة، أبدع فيها البناؤون في استعمال الحجارة المنحوتة، وتنميق  سقفها بالأخشاب والقرميد، زادها بهاء ورونقا. وخصص الطابق الأرضي للتعليم، والطابق العلوي مسجدا للصلاة، ولكل منهما مدخله الخاص، وقصد طلاب العلم هذه الزاوية حتى من خارج آث يعلى.


تخرج منها العديد من العلماء، أكثرهم من صلب أحفاده، منهم سيدي عبد الرحمن بن بركات، الذي رافق الحسين الورثلاني إلى البقاع المقدسة، وسيدي المدني بن حمودة بن قري الملقب بالقطب الرباني، وسيدي العربي لونيس، وسيدي محمد الصغير بن سنوسي، والشيخ الطيب أوقري، والشيخ الصالح أوقري، وغيرهم، اشتهروا بالإفتاء، وتوثيق عقود البيع والزواج، وتحرير محاضر اجتماعات المصالحة وتقسيم الميراث، ولاتزال عائلات أحفاد الشيخ محند أوقري تحتفظ بكم هائل من الوثائق والمدونات، أكدت نجاح هذه الزاوية في جعل اللغة العربية لغة عمل، وهذا خلافا لادعاءات الفرنسيين الذين شوّهوا تراثنا العربي الإسلامي، حين ربطوه بالشعوذة والدروشة. ونقدم هنا وثيقة عقد الزواج حررت سنة 1883م، تؤكد ما ذكرناه: "الحمد لله تعالى وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. إعلاما للواقف عليه أن حامله المكرم سي الطيب بن المرحوم سيدي الصغير بن باجي بن قري، شوّر ابنته زينب لما زفت لزوجها سي علي بن سي أحمد وَعْلي بن عماره تاماستي، ما قيمته 62 فرنكية ونصف، بين حايك صغير، وأسفايف، وتوناس من فضة، وقلادة فضية أيضا، وأفنيق بلوازمه، وغير ذلك. قوّم الجميع بالقدر المذكور. رد الاب المزبور ذلك لأبنته المسطورة بحضرة الكاتب محمد الصغير بن قري، وسي محمد الطاهر بن بوطيح، وسي السعيد بن باجي، وسي أحمد منـّه، وسي الربيع بن الربيع بن علجية، وسي سليمان بن عماره، وسي الطيب بن سي الطاهر بن عمارة، وسي السعيد معـّه.

وقع ذلك لتاريخ السادس رجب الفرد من شهور عام 1301هـ( 1883م)، واحد وثلاثماية بعد الألف"(3).

هذا وقد تأثرت زاوية سيدي محند أوقري بالكارثة الطبيعية التي ألمت بالجزائر في سنوات 1865 - 1866 - 1867 حينما ضرب الجفاف بقوة، أدى إلى انتشار المجاعة والأوبئة الفتاكة، فاضطر سكان القلعة إلى هجر قريتهم، ونزح أحفاد الشيخ  سيد محند أوقري إلى القريتين ثامالوث، وثيقرث القريبتين من القلعة. هذا وقد أطلعني الأستاذ عبد الحميد زاهير على مخطوط هام أشار إلى هذه المجاعة: "ولما ثبتت ديون مترتبة على المتوفى جوعا في السنة التي مات فيها خلق كثير من شدة الجوع، وأكل فيها الناس الحشيش والأحريش والميتة والدم، وغير ذلك من المحظورات الأكل في غير الضروري...".

ومن جهة أخرى، لم يهمل أبناؤه وأحفاده الأشغال الفلاحية، إذ استصلحوا الأرض، وأقاموا المصاطب لتلافي ظاهرة انجراف التربة، وبنوا حاجزا مائيا (أولميم)، وبئرا لتجميع المياه، وغرسوا الأشجار المثمرة كالتين والزيتون والرمان والإجاص، فحوّلوا الجبال ذات التضاريس الوعرة إلى بساتين غنّاء، تدر محاصيل زراعية وفيرة، ضمنت العيش الكريم لأهلها.

علاقة الزاوية بالثورة:

من الطبيعي أن تحتضن زاوية سيدي محند اُوقريُ الثورة َالتحريرية الكبرى التي اندلعت من أجل استرجاع السيادة الوطنية، واتخذها جيش التحرير مكانا مفضلا لعقد اجتماعاته، وفي يوم 8 ديسبمر1955م جرت معركة بقربها، كانت من أعنف المعارك، امتدّ لهيبها إلى قريتي ثيقرث، وثالاسوسث، وعلى إثر ذلك قام الجيش الفرنسي بتدمير وتخريب الزاوية، وتهجير سكان القرى المجاورة لها، فصارت تلك الأرض منطقة محرّمة، قصد عزل الثورة عن الشعب. ومن المعارك التاريخية التي شهدتها القلعة، معركة 8 مارس 1960م، بين الجيش الفرنسي الذي جند قوات برية وجوية كبيرة، وبين 10 مجاهدين كانوا تحت قيادة الشهيد الطيب عبد الحميد (المدعو الطيب أوباجي)، نالوا الشهادة ولم ينج منهم سوى هذا الأخير، وتكبّدت فرنسا خلال هذه المعركة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، إذ تم إسقاط طائرتين لايزال حطامهما في بوعفير، وإغزر أوذرغال  شاهدا على ضراوة القتال، علما أن المعركة دامت يوما كاملا.
 
 




الزاوية بعد الاستقلال:

شرع محند أكلي أوقري حمودة (1903 - 1975) في ترميم الزاوية منذ سنة 1965م، بمساعدة وزارة الشؤون الدينية والولاية والبلدية والمواطنين، وتضمن التجديد شق الطريق لفك العزلة عن الزاوية، ولم تنتهِ أشغال الترميم والتوسيع إلا سنة 1984م، أصبحت الزاوية بعد ذلك تضم المرافق التالية:

- الجامع حيث تقام الصلوات، وتلقى الدروس.
- المرقد يتكون من أربع غرف كبيرة.
- مطبخ ، ومخزن للمؤونة، وقاعة للإطعام.
- غرفة خاصة بوكيل الزاوية.
- أرض وقف محيطة بالزاوية، غير زراعية، ليس لها أي مدخول مالي، لكنها قابلة للاستصلاح.
ودشنت الزاوية يوم 3 مارس1987م، بعد تعيين معلم من طرف وزارة الشؤون الدينية، وتولى الأستاذ عبد الوهاب حمودة مهمة وكيل الزاوية. وفضلا عن ذلك، صارت الزاوية معلما تاريخيا يجلب الزوار باستمرار، يأتون من مناطق عديدة.

وفي الأخير، لابد من التنويه بجهود أحفاده الذين نجحوا في إعادة الحياة إلى هذه المؤسسة العلمية بعد الاستقلال، بمبادرة من السيد محند أكلي حمودة (1903 - 1975) ، ثم استلم منه نجله الأستاذ عبد الوهاب حمودة المشعل، كما تجدر الإشارة أيضا، إلى جهود الأستاذ عبد الحميد زاهير، الذي انكبّ على الحفر في الماضي، من أجل إنقاذ تراث هذا العالم العارف وأحفاده، المخبوء في الذاكرة الجمعية، والمخطوطات المبعثرة لدى عائلات كثيرة، وأرجو له التوفيق في سعيه هذا، وأملنا أن نراه مجسّدا في كتاب يثري صرح المكتبة الجزائرية. كما نرجو كل النجاح للجمعية الثقافية العلمية، التي أسسها أحفاد سيدي محند أوقري، بنيّة إعادة الإشراق إلى هذه المنارة بما يقتضيه العصر من أدوات وأساليب وأفكار جديدة، يساعد الزاوية (ثيمعمرث) على تغذية عقول الناشئة بأفكار الأصالة والمعاصرة والتجديد، لأن الأبناء مخلوقون لزمن غير زمن الأجداد.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر الترجمة:

1- الحسين الورثلاني، نزهة الأنظار، مطبعة بيير فونتانة، الجزائر،1908، ص45.
2- مختار فيلالي، رحلة الورثلاني، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، بدون تاريخ، ص16.
3- الوثيقة في حوزة الأستاذ عبد الحميد زاهير.
---
هوامش:

زاوية سيدي محند أوقري، المشهورة باسم ''الجامع أوقري''، في بلدية فنزات بولاية سطيف، على بعد أربعة كلم من مقر البلدية من الناحية الغربية، حيث تقع في أعلى جبل من جبال الناحية يسمّى بـ''القلعة''، المحاذي لمرتفع ''تلاسوست''، ويتوصّل إليها عن طريق معبّدة فتح سنة .1969 وتبعد عن عاصمة الولاية سطيف بحوالي 90 كلم، وعن مدينة برج بوعريريج بحوالي 45 كلم شمالاً.

تكملة الموضوع

ترجمة سيدي إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني



الشيخ العالم الصالح الولي الزاهد أبو إسحق، أحد شيوخ الإمام ابن مرزوق الحفيد. أفرد ترجمته بتأليف، قال الشيخ أبو عبد الله بن صعد التلمساني في كتابه النجم الثاقب: كان هذا الولي أحد من أوتي الولاية صبياً، وحل من رئاسة العلم والزهد مكاناً علياً، عرف به شيخ شيوخنا الإمام ابن مرزوق في جزء قال فيه: ومن شيوخي الذين انتفعت بهم الإمام العالم العلامة المحقق المدرس رئيس الصالحين والزاهدين في وقته، ذو الكرامات المأثورة والديانة المشهورة، الولي بإجماع، المجاب الدعوة، إبراهيم المصمودي من صنهاجة المغرب قرب مكناسة، بها ولد ونشأ، ثم طلب العلم وأخذ بفاس عن جماعة من الأكابر كالإمام حامل راية الفقهاء في وقته موسى العبدوسي والإمام الشهير محمد الأبلي، وقرأ كثيراً على الإمام شريف العلماء أبي عبد الله الشريف التلمساني، ثم انتقل بعد وفاته للمدرسة التاشفينية، فقرأ بها على العلامة خاتمة قضاة العدل بتلمسان سعيد العقباني، ثم لبويته المعروفة، وما زال مقبلاً على العلم والعبادة والاجتهاد في المجاهدة آخذاً بالغاية القصوى ورعاً وزهداً وإيثاراً مثابراً على البر متبعاً طريق السلف أحب الناس لمذاكرة العلم، لا يسمع بكبير في علم أو منفرد بفن إلا اجتمع به، وذاكره أعلم أهل وقته بالسير وأخبار السلف والصالحين والعملاء كافة من متقدمين ومتأخرين، كفاه الله ما أهمه كما ضمن لمن انقطع لخدمته وله كرامات كثيرة.



وحدثني كبير أصحابه الشيخ أبو عبد اله ابن جميل أنه عرض له شيء منعه من اتباع المشهور في مسألة واضطر لفعله، فبحث حتى وجد جوازه لابن حبيب وأصبغ فقلدهما. قال ثم مضيت لزيارة أمي وسقط على حجر آلمني شديداً، واعتقدت أنه عقوبتي لمخالفة المشهور وتقليد غيره، وما علم بذلك أحد. ثم زرت الشيخ وأنا متألم، فقال لي: ما لك يا فلان؟ قلت له: ذنوبي، فقال لي فوراً: أما من قلد أصبغ وابن حبيب فلا ذنوب عليه. وهذا من أكبر الكرامات.



وحدثني بعض صالحي أصحابه قال: كنت جالساً معه في بيته ليسر معني أحد، وهو يقرأ القرآن ويشير بقضيب في يده إلى محل الوقف ضارباً على عادة أشياخ التجويد فقلت في نفسي لمَ يفعل هذا؟ أتراه يقرأ عليه أحد من الجن؟ فما تم الخاطر حتى قال لي: يا محمد كان بعض الشيوخ يجود عليه الجن القرآن، وذكر لي عن غير واحد ممن يهدي طعاماً من لبن أو غيره وربما رده عليهم فيتفقدون أنفسهم فيجدون موجب الرد من شبهة من ضجر أهل البيت أو غيره.

وحدثني غير واحد أنه كان خارج البلد في وقت لا يدرك الباب عادة إلا وقد غلقت ثم يرونه في البلد اهـ.

قال ابن صعد عن جده أبي الفضل أن الشيخ أبيض اللون طويل لا يلبس سوى الكساء الجيدة يعري رأسه أكثر الأوقات، وذكر جماعة من الفضلاء أنه في ملازمته للجبل إذا وجد نوار الربيع أمعن النظر في أنواعه وألوانه وصنعته، فيغلبه الحال ويتواجد ويتبختر ويقرأ حينئذ ((هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)). سورة لقمان، الآية 11 وقال عن جده أنه توفي عام خمسة وثمانمائة، وحضر جنازته السلطان ماشياً على قدميه اهـ.



وذكر الونشريسي في وفياته أن وفاته سنة أربع وثمانمائة اهـ.

المصدر:

نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي.
تكملة الموضوع

ترجمة الخليفة العام للطريقة التجانية سيدي عبد الجبار التجاني



سيدي عبد الجبار التجاني رضي الله عنه (1340هـ / 1427).

المغفور له الخليفة العام للطريقة التجانية حامل السر المحمدي ووارث النور الأحمدي، شيخ الطريقة الراحل ومرجع التحقيق سيدنا عبد الجبار بن سيدي امحمد البودالي ابن سيدي علال بن سيدي أحمد عمار بن سيدي محمد الحبيب بن مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه.

مولده:

ولد رضي الله عنه بقرية عين ماضي - في محط السلطان - غرب مدينة الأغواط بالجزائر سنة (1340هـ / 1920م)، وتربى في الصحراء عند أسرة أحمد بن وذنان من عرش أولاد زيان، ونشأ بينهم في عفاف وأمانة، وامتاز بالنجابة والفروسية والشجاعة وتعود على الجد والعزيمة، وكان ذلك قبل بلوغه سن السابعة من عمره ثم رجع إلى مسقط رأسه عين ماضي، فتربى عند والده العارف بالله سلالة القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم سيدنا ومولانا امحمد البودالي رضي الله عنه.

قرأ وحفظ القرآن الكريم وبعض مباديء العلوم في الفقه المالكي كمتن ابن عاشر والرسالة وبعض من مختصر سيدي خليل على السيد الشيخ عبد الرحمان الفيلالي المغربي من مدينة طنجة المغربي أصلا، ثم أكمل دراسته في حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ سيدي الحاج حفصي والشيخ محمد قريد، ثم ترعرع في الزاوية بين أحضان والديه وانتفع ببركة والده سيدي امحمد البودالي وورثه في العلوم والأسرار الربانية والأحوال السابقة والأخلاق النبيلة وأخذ عنه الطريقة التجانية وعمره أنذاك 22 سنة.

ونال رضى والده رضي الله عنه وحبه له أن وضعه في عين رضاه وكلفه بتدبير كل أموره الصغيرة والكبيرة وشهد له بالفضل والنيابة وحسن التصرف والتدبير عن سائر أمور الطريقة التجانية. وأجازه بالإطلاق التام في الطريقة التجانية وفي التقديم من شاء من المتأهلين لذلك ووالده سيدي امحمد البودالي رضي الله عنه عارف رباني حكيم قدسي له النفس الأسمى والفضل العالي، كراماته مشهودة بين الخاص والعام.

مواصلة السير على نهج جده:

توفي سيدنا امحمد البودالي رضي الله عنه (صبيحة يوم الخميس 20 ذي القعدة عام 1386 هـ الموافق لـ لفبراير 1967م) بمقامه الأقدس والأنور - العيــن - قرب مدينة عين ماضي، بعد فقدان والده رضي الله عنه ورثه في العلوم الربانية والأحوال الصادقة والأخلاق الفاضلة والأسرار السامية، وصحب العارف بالله سيدي أحمد العناية الماضوي أحد علماء جامعة الزيتونة ومدرس بالزاوية التجانية بعين ماضي انتفعا من بعضهما البعض علوما وأسرارا وأجازه إجازة مطلقة في طريقة جده رضي الله عنه ثم سافر إلى المغرب مرتين أولها سنة (1369هـ / 1947م) وثانيتها أواخر (1369هـ / 1948م) زائرا ضريح جده الأنور الأعظم البرزخ المعلوم والختم المحمدي المعلوم بفاس.

وأخذ عن الشيخ سيدي أبي الحسن البعقيلي السوسي أصلا البيضاوي موطنا الإجازة المطلقة، وتجول بالمغرب الأقصى حيث التقى أكابر علماء وخلفاء ومشائخ الطريقة التجانية، وفي سنة (1397هـ / 1976م) حج إلى بيت الله الحرام وزار جده المصطفي عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، كما له إجازة مطلقة عامة خالية من كل تقييد وحصر عن شيخ السادة التجانية سيدي إدريس بن محمد بن العابد الحسيني العراقي. وبذا يصبح وارثا لكل الأسانيد الأحمدية التجانية ومرجع تحقيق في الطريقة السنية الأحمدية التجانية.

زاويته:

إن بيته وزاويته مفتوحة للواردين من أصحاب الشيخ شيوخ الطريقة التجانية من سائر الأقطار والأمصار والزائرين للأخذ عنه والإجازة منه أو التبرك به وطلب الدعاء منه، حيث يقوم بإكرامهم رضي الله عنه بما تيسر مع سعة الصدر والقيام بخدمتهم بنفسه وماله وعياله، وامتاز رضي الله عنه بالكرم العريض والتواضع السامي والنفس العالية، وظلت زاويته ولا تزال مأوى للكرم والجود والولاية فلا سؤال في ذلك إذ أنبته المولى عز وجل نباتا طيبا مسقيا بنور المعرفة والأحوال السنية والربانية فهو خير خلف لخير سلف رضي الله عنهم أجمعين.



وكان رضي الله عنه محبوبا لدى الخاص والعام من أهل هذه الطريقة التجانية وخاصة أبناء وأحفاد سيدي أحمد التجاني وسيدي الحاج علي التماسيني وأولاد سيدي السائح رضي الله عنهم أجمعين. وبين أعراش وقبائل منطقة الأرباع وسائر الأحباب بالقطر الجزائري والأقطار الإسلامية.

من أحبه الله حبب إليه الخلق:

اصطفاه الله تعالى، فخلع عنه ثوب النقص وأفاض عليه حلل الكمال فاتصف بالعلم والحكمة والرحمة والعفة والصفح والإيثار وتحمل الأذى والتواضع، فهو مع الناس بجسمه وفي الملء الأعلى موطن سره وروحه قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحببه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" (رواه مالك والشيخان والترمذي رضي الله عنهم)، وقد منّ الله عليه بالمحبوبية، وأحبه أهل السماء والأرض فأقبلت عليه الخلائق إقبالا قلّ أن تجد له نظيرا، للاستماع له والأخذ عنه والتلقي منه والتربية على يديه، والنظر إليه.

خلافتـــه:

اجتمعت كلمت أحفاد الشيخ الأكبر (رضي الله عنه) على مبايعة السيد عبد الجبار بن السيد امحمد (البودالي) ليكون الخليفة العـام للطريقة التجانية في مشارق الأرض ومغاربها وهذا بعد انتقال الخليفة الراحل سيدي علي بن سيدي محمود رضي الله عنهم أجمعين.

وقد أقيم (يوم الاثنين 07 يناير سنة 1411هـ / 1991م) حفلا دينيا عظيما بالزاوية التجانية عين ماضي، حضره عدد كبير من أحفاد الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه منهم: سيدي البشير بن سيدي محمود، سيدي امحمد بن سيدي محمود، سيدي البشير بن سيدي محمد الكبير، سيدي أحمد حيدة بن سيدي امحمد رضي الله عنهم. كما حضره شيخ الزاوية التجانية بتماسين سيدي البشير بن سيدي محمد العيد رضي الله عنهما وجمع غفير من أحفاد الخليفة سيدي الحاج علي التماسيني والأشراف من أولاد سيدي السائح وكثير من الشيوخ والمقدمين والأحباب، وقد بايعوا جميعا سيدي عبد الجبار رضي الله عنه المبايعة التامة والعامة، ونصبوه للخلافة في جو مفعم بالأنوار والأسرار وبتلاوة كتاب الله العزيز الحكيم ومديح النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهذا أصبح الشيخ سيدي عبد الجبار التجاني هو المرجع الأعلى والمقام الأسمى لجميع المنتسبين إلى هذه الطريقة التجـانية بالعالم أسره في المشـرق والمغرب وفي كل ما يتصل بالطريقة وشؤونها، وللإشارة فإن سائر الأحباب والعلماء في مصر، السودان، الحجاز، فلسطين، لبنان، ســوريا، الأردن، العراق، اليمن، حضرموت، أندونسيـا، باكستان، الهند، ألبانيا، الصين، المغرب، تونس، السينغال، موريطانيا، فرنسا وإيطاليا... وفي كل بلدان العالم بمــا في ذلك أمريكا قد بايعوا الشيخ سيدي عبد الجبار التجاني (رضي الله عنه) لهذه الخلافة العظمى والعامة للطريقة التجانية.

تلبية نداء ربه:

عن عمر يناهز الخامسة والثمانون (85) وعلى حوالي الساعة الواحدة والنصف من صباح (يوم الأحد 27 نونبر 2005م) لبى رضي الله عنه نداء خالقه بعد شفائه تماما من وعكة صحية، وشيعت جنازته الكريمة في نفس اليوم بعد صلاة العصر بحشد كبير من التجانيين والمحبين لجنابه وعدد من السلطات الوطنية على رأسهم وزير الشؤون الدينية والأوقاف، ودفن المغفور له بمقبرة أبيه سيدي امحمد البودالي رضي الله عنه، أسكنهم الله فسيح جنانه تحت ظله الذي لا ظل إلا ظله جوار سيد المرسلين وخاتم وختم النبيين صلى الله عليه وسلم وألحقنا بهم آمين.

للترجمة مصادر.
تكملة الموضوع

ترجمة سيدي إبراهيم بن محمد التازي نزيل مدينة وهران



بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

سيدي إبراهيم بن محمد بن علي اللنتي التازي نزيل وهران الشيخ أبو سالم وأبو إسحق، الإمام العالم العلامة الناظم البليغ الورع الزاهد الولي الصالح العارف القطب صاحب الكرامات والأحوال البديعة والقصائد الرائقة الأنيقة.

قال أبو عبد الله بن صعد في النجم الثاقب: كان سيدي إبراهيم من الأولياء الزاهدين وعباده الصالحين إماماً في علوم القرآن مقدماً في علم اللسان حافظاً للحديث بصيراً بالفقه وأصوله من أهل المعرفة التامة بأصول الدين إماماً من أئمة المسلمين، وقفت على كثير من تقاييده في الفقه والأصول وعلم الحديث بخطه الرائق، من أهل الحفظ العظيم معروفاً بجودة النظر والفهم الثاقب جامعاُ لمحاسن العلماء ممتعاً بآداب الأولياء لا نظير له في كمال العقل ومتانة الحكم والتمكن في المعارف وبلوغ الدرجة العليا في حسن الخلق وجميل العشرة والمعرفة بأقدار الناس والقيام بحقوقهم، وحسبك من جلالته وسعادته أن المثل ضرب بعقله وحلمه واشتهر في الآفاق، ذكر فضله وعلمه حتى الآن إذا بالغ أحد في وصف رجل قال: كأنه سيدي إبراهيم التازي. وإذا امتلأ أحدهم غيظاً قال: لو كنت في منزلة سيدي إبراهيم التازي ما صبرت لهذا، لما كان يتحمله من إذاية الخلق والصبر على المكاره واصطناع المعروف للناس والمداراة. فهو أحد من أظهره الله لهداية خلقه وأقامه داعياً لبسط كراماته مجللاً برداء المحبة والمهابة مع ماله من القبول في قلوب الخاصة والعامة، فدعاهم إلى الله ببصيرة وأرشدهم لعبوديته بعقائد التوحيد ووظائف الإذكار.




كان أحسن الناس صوتاً وأنداهم قراءة آية في فصاحة اللسان والتجويد. ذكر أنه أيام مجاورته إذا قرأ البخاري أو غيره انحشر الناس إليه لحسن قراءته وجودته. وصلى الأشفاع هناك في رمضان بالناس لحسن تلاوته وطلاوة حلاوته.

وأصله من بين لنت قبيلة من بربر تازا، وشهر بالتازي لولادته بها وقرأ بها القرآن على العالم الصالح الولي العارف أبي زكريا يحيى الوازعي، وكان هذا الشيخ يعتني به على صغر سنه ويقول: لا قرانه هذا سيدكم وصالحكم. وما زال على حاله الحسنة ونشأته الصالحة وهديه القويم إلى أن رحل للشرق وعلمائه على ساق، وعرفت صديقيته هناك واشتهر ذكره وكان رفيقه في وجهته للبلاد المشرقية نظيره في العلم والدين الولي الصالح الزاهد الناصح أحمد الماجري. اه كلام ابن صعد ملخصاً.

قلت: ولما حج لبس الخرقة من شرف الدين الداعي. ولبسها من الشيخ صالح بن محمد الزواوي بسنده إلى أبى مدين، وأخذ عنه حديث المشابكة وتبرك بالشيخ الولي الصالح أبي عبد الله محمد بن عمر الهواري، وتلمذ له فنال بركته وكان عالما زاهداً متصرفاً له كرامات ومكاشفات كثيرة وقصائد في مدحه صلى الله عليه وسلم.

أخذ عنه جماعة من الأئمة كالحافظ التنيسي والإمام السنوسي وأخيه سيدي علي التالوتي والإمام أحمد زروق وغيرهم. قال القلصادي في فهرسته: أقمت بوهران مع الشيخ المبارك سيدي إبراهيم التازي خليفة الهواري في وقته، كان له اعتناء بكلام شيخه. ومن حكمه: العالم لا تعاديه، والجاهل لا تصافيه، والأحمق لا يؤاخيه اه.

قال ابن صعد: وأخذ بمكة عن علامة علمائها وكبير محدثيها قاضي القضاة المالكية سيدي الشريف تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي، قرأ عليه كثيراً من الحديث والرقائق، وأجازه وبالمدينة على جماعة كإمام الأئمة أبي الفتح بن أبي بكر القرشي وغيره. وكان كلامه في طريق التصوف ومقام العرفان: لا يقوم بمعناه إلا من تمكنت معرفته وقويت عارضته وذاق من طعم الحب ما توفرت به مادته. وأخذ بتونس عن شيخ الإسلام الحافظ العلامة عبد الله العبدوسي، وبتلمسان عن علامة وقته خاتمة العلماء محمد بن مرزوق، وأجازاه معا وزار بوهران شيخ المشائخ جنيد أقرانه وحكيم زمانه الهواري اهـ.

قلت: قوله عبد الله العبدوسي لعل صوابه أبي القاسم عبد العزيز العبدوسي، فهو تزيل تونس في ذلك الوقت. وأما عبد الله العبدوسي فهو ولد أخيه لم أعرف له رحلة لتونس ولا ذكره أحد، وإنما كان بفاس وبه توفي والله أعلم.

وتوفي سيدي إبراهيم تاسع شعبان سنة ست وستين وثمانمائة رحمه الله تعالى ونفعنا به، هكذا ذكره غير واحد، ومن شعره قوله رضي الله عنه:

أما آن أر عواؤك عن شنار * كفى بالشيب زجراً عن عوار
أبعد الأربعين تروم هزلاً * وهل بعد العشية من عوار
فخل حظوظ نفسك واله عنها * وعن ذكر المنازل والديار
وعد عن الرباب وعن سعادا * وزينب والمعارف والعقار
فما الدنيا وزخرفها بشيء * وما أيامها ولأعوار
وليس بعاقل من يصطفيها * أتشري الفوز ويحك بالتبار
فتب واخلع عذارك في هوى من * له دار النعيم ودار نار
جمال الله أكمل كل حسن * فلله الكمال ولا ممار
وحب الله أشرف كل إنس * فلا تنس التخلق بالوقار
وذكر الله مرهم كل جرح * وأنفع من زلال للأوار
ولا موجود إلا الله حقاً * فدع عنك التعلق بالشفار

وله قصيدة:

يا صاح من رزق التقى وقلا الدنا * نال الكرامة والسعادة والغنى
فاصرف هوى دنياك واصرم حبلها * دار البلايا والرزايا والعنا
وودادها رأس الخطايا كلها * ملعونة طوبى لمن عنها انثنى
لا تغترر بغرورها فمتاعها * عرض معد للزوال وللفنا
لعب ولهو زينة وتفاخر * لا تخدعنك جنانها مر الجنى
خداعة غدارة نكارة * ما بلغت لخليلها قط المنى
اليوم عندك جاهلها وحطامها * وغداً تراه بكف غيرك مقتنى
فاقبل نصيحة مخلص واعمل بها * يدنيك من رضوان ربك ذي الغنى
يدخلك جنات النعيم بفضله * دار المقامة والمسرة والهنا.

وله أيضاً من قصيدة أخرى:

وغنم مريد في انقياد لكامل * خبرة بالوقت والعلم والحال
حوى السر والأكسير والكيميا لمن * أراد وصولاً أو بغي نيل آمال
وقد عدم الناس الشيوخ بقطرنا * وآخرهم شيخي وموضع إجلال
وقد قال لي لم يبق شيخ بغربنا * وذا منذ أعوام خلون وأحوال
يشير إلى أهل الكمال كمثله * عليه من الله الرضا ما تلا تال

وله أيضاً من أخرى:

حسامي ومنهاجي القويم وشرعتي * ومنجاي في الدارين من كل فتنة
محبة رب العالمين وذكره * على كل أحياني بقلبي ولهجتي
وأفضل أعمال الفتي ذكر بره * فكن ذاكراً يذكرك باري البرية
وما من حسام للمريدين غيره * وكم حسموا ظهراً لزار وباهت
وكم يدعوا شملاً لدي جرأة وكم * أبادوا عدواً مسهم بمضرة
وكم دافع الله الكريم بذكرهم * عن الخلق من مكروهة ومبيرة
وأفضل ذكر دعوة الحق فلتكن * بها لهجاً في كل وقت وحالة
وكثرة ذكر الشيء آية حبسه * وحسب الفتي تشريفه بالمحبة

وله أيضاً من أخرى رحمه الله:

خيرة الخلق من من أجله خلقوا * محمد خير محمود ومن حمدا
من خصه بلواء الحمد حامده * وبالمقام القيامي الذي حمدا
ويوم حشر الورى للفصل يرشده * إلى محامد لم يرشد لها أحدا
وكثرة الحمد من أوصاف أمته * في اليسر والعسر في الكتب العلا وجدا
صلى الحميد على المحمود أحمد * ما بالحمد أفصح حماد وما سجا
لله عبد شكور حامد وعلى * قرباه والصحب أعلا الأمة الحمدا

وله أيضاً قدس الله سره من أخرى:

أبت مهجتي إلا الولوع بمن تهوى * فدع عنك لومي والنفوس وما تقوى
هوان الهوى عز وعذب إجاجه * وعلقمه أحلى من المن والسلوى
وتعذيبه للصب عين نعيمه * وسعى اللواحي في السلو من العدوى
ومن لم يجد بالنفس في حب حبه * فلوعته إبك وصبوته دعوى
وليس بحر من تعبده الهوى * للهو الدنأ فاختر لنفسك ما تهوى
فما الحب إلا حب ذي الطول والغني * وأملاكه والأنبياء وأولي التقوى
وخيرة رسل الله أفضل خلقه * محمد الهادي إلى جنة المأوى

وله أيضاً قدس الله روحه من أخرى:

روحي وراحة روحي ثم ريخاني * وجنتي من شرور الإنس والجان
ومأمني وأماني من سعير لظي * ذكر المهيمن في سر وإعلان
ومدح أحمد أحمى العالمين حمى * وذو المقام الذي مقامه ثاني

إلى أن قال:

هو السراج هو المنجى لمعتصم * هو المعاذ وملجأ الخائف الجاني
يا رحمة الله إنه خائف وجل * يا نعمة الله إنه مفلس عاني

إلى غيرها من قصائده الكثيرة وقد ذكرت كثيراً من أحواله في غير هذا الموضع بل عرف به الشيخ بن صعد في نحو كراسين من النجم الثاقب.اهـ

المصدر:

- تعريف الخلف برجال السلف – لسيدي ابو القاسم الحفناوي ج2 ص7.

هوامش:

توفي سيدي إبراهيم التازي كما ورد في الترجمة يوم الأحد التاسع من شعبان عام 866هـ ودفن بزاويته في مدينة وهران، قرب ضريح شيخه الولي الصالح سيدي الهواري وبقي ضريحه بها مدة خمسين عاماً، ولما احتلها الإسبان، نقل تلامذته رفات شيخهم إلى القلعة (قلعة هوارة أو بني راشد) حيث أعيد دفنها، وأقيمت حول ضريحه بناية عليها قبة وضريحه لا يزال قائما حتى يومنا هذا مزارا يستقطب الزائرين.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |