من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة الشيخ الفقيه العلامة سيدي محمد بن الحاج محمد.



الشيخ محمد بن الحاج محمد: ( 1277 / 1331هـ = 1860 / 1913م)

* العالم الفقيه العارف بالله الشيخ سيدي محمد بن الحاج محمد بن أبي القاسم الهاملي الحسني الإدريسي الشريف ولد سنة 1277هـ = 1860م بقرية الهامل، حفظ القرآن الكريم في حداثة سنه، وأتقن أحكامه على يد شيخ من أشراف فليته يدعى السيد بن عبد الله بن الطاهر، وبعد أن أتقنه تربى في حجر أستاذه الشيخ الأكبر العارف بالله تعالى سيدي محمد بن أبي القاسم وتحت مراقبته ونظره، فأحسن تأديبه وأكمل تربيته وتهذيبه، وكان أخذه العلم بسائر فنونه وأنواعه عن الشيخ المذكور، فأتقن مختصر خليل إتقانا لا مزيد عليه بحيث لا تصعب عليه مشكلاته، ولما قدم العلاَّمة محمد بن عبد الرحمن الديسي إلى الحضرة القاسمية سنة 1296هـ = 1878 م، أمره أستاذه القاسمي بملازمته والأخذ عنه، فعن الشيخين أخذ ومنهما استفاد، وله مشاركة حسنة في النحو والبيان والمنطق والكلام، يدرس الألفية والجوهر المكنون والسلم والصغرى والجوهرة والفرائض والمقنع، فانتفع بتدريسه كثير من الطلبة، وصاروا ببركة الأستاذ وبركته محصلين محققين.

* وكان له اقتدار عجيب على إلقاء الدروس العلمية، وتقرير المسائل بفصاحة نادرة، حتى أن كل من يسمع درسه في أي علم يأخذه العجب إلى أقصاه لما أوتي من سحر بيان وسعة حفظ وقوة الذاكرة وسرعة البديهة، وبعد أن حصل للأستاذ بعض الأمور، كان هو قارئ حضرته ومدرسها، فقـرأ بحضرته عـدة كتب من حديث وتفسير وكتب القوم وكتب الطبقات وبعض كتب التاريخ عدة سنوات، وقد خصه الله تعالى بفهم أسرار القرآن يتكلم على الآيات الشريفة بلسان الحقيقة كلام عارف كامل جامع بين الشريعة والحقيقة، وله ذوق عجيب في الأحاديث النبوية، وفهم دقيق في إشارات القوم، وله مرائي تدل على أن له مقاما وقدما في المعرفة.

* صح له الأخذ والسماع من العلامة الذائع الصيت الشيخ سيدي محمد المكي بن عزوز أيام كان يفد على الزاوية في عصرها الذهبي من حياة الشيخ الأكبر، وأجازه إجازة علمية،كما استجاز شيوخ العلم في عصره فأجازوه واعترفوا له بعالميته ـ شرقا وغربا، مشافهة ومراسلة وبالواسطة كالعلاَّمة العارف بالله تعالى الشيخ أحمد الأمين ابن عزوز دفين بقيع الغرقد، والعلاَّمة الشيخ علي بن الحاج موسى الجزائري وغير هؤلاء من علماء الحرمين الشريفين، فاجتمع لديه ما لم يجتمع عند غيره، وما ذلك إلا لعلو همته وكرم نفسه ومحبته للعلم ورجاله، وبما اجتمع عنده من الإجازات ذكر اسمه في علماء الأثبات كما في فهرس الفهارس.

* كما أجاز كثيرا من متخرجي المعهد القاسمي خصوصا والقطر الجزائري عموما، ( أكثر من خمسمائة إجازة علمية سلمها ) منهم الشيخ شعيب بن علي قاضي تلمسان رحمه الله تعالى كما جاء في تقويم الجزائر لكحول في ترجمته للشيخ شعيب، كما الشيخ عبد الحي الكتاني عندما طلب منه ذلك، والشيخ العربي بن أبي داود والشيخ محمد الصديق الديسي، والشيخ العيد بن البشير الهاملي مفتي سور الغزلان، وغيرهم كثيرون.

* كان مشاركا لعمه الأستاذ الأكبر في كثير من خدماته، من نصح للعباد وبذر الصلاح ونزع الفساد وحسن المعاشرة بين العامة والخاصة وصدق المعاملة. وغالب الوافدين على الشيخ من الأعيان والفضلاء هو الوسيلة لهم في ملاقاة الشيخ وإقباله عليهم، لما جبله الله عليه من حسن الأدب ولطافة الأخلاق، فأوصى له الأستاذ الأكبر بالخلافة بعده، وأقـامه مقامه على سجادة المشيخة وأجازه إجازة كبرى، لكن بعد وفاة شيخه تولت ابنته التقية الصالحة السيدة زينب، وظلت في المشيخة إلى حين وفاتها سنة 1323هـ= 1905م، فتولى الشيخ سيدي محمد مشيخة الزاوية، وانتصب للرياسة لها عن أهلية واستحقاق، واقتفى أثر الشيخ في جميع أحواله ونسج الأمور على منواله، وانتصب للتدريس كما كان، ونشر الطريقة بجد واجتهاد، وتصدى لتعليم الأبناء وإرشاد العباد وعمارة البلاد. وحينما تكاثرت عليه الشؤون وتواترت الأشغال، أقام مقامه في تعليم العلم شيخ الجماعة الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الديسي والشيخ سيدي الحاج المختار والشيخ سيدي أبو القاسم.

* وجدد مساكن الطلبة، كما بنى مسكنا لخواص الضيوف من أتباع الأستاذ ومحبيه، ووقع في أيام ولايته سقوط القبة التي على ضريح الأستاذ فجدد بنائها، وجاءت على غاية الارتفاع والأبهة.
أما المسجد نفسه وغير هذه القبة فمن بناء ابنة الشيخ السيدة زينب من خالص مالها رضي الله تعالى عنها ( خلافا لما جاء في تعطير الأكوان للشيخ محمد الصغير بن الشيخ المختار الجلالي ) وأجرى إصلاحات جمة على داخلية الزاوية وخارجيتها، ولم يأل جهدا في اقتفاء سيرة مربيه الأستاذ الأكبر سيدي محمد بن أبي القاسم، وقد مدحه شيخه العلاَّمة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي بقصائد بديعة وأثنى عليه خيرا وكفاه ذلك فخرا، كما ترجم له في كثير من تآليفه.

* وجاء ذكره في بعض كتب التراجم والتاريخ المعاصر، فممن تعرض له العلاَّمة الشيخ الحفناوي الديسي رحمه الله تعالى في كتابه ((تعريف الخلف برجال السلف)) والعارف بالله الشيخ محمد الصغير الجلالي رحمه الله في ((تعطير الأكوان))، والشيخ المدني الديسي في كتابه ((تدبير الأبدان))، والشيخ كحول في تقويم الجزائر.

- آثـاره في الميدان العلمي:

أما تآليفه فقد ألَّـف في ترجمة شيخه ومربيه العارف بالله الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم تأليفه المسمى بـ ((الزهر الباسم في ترجمة الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم)) و((المطلب الأسنى في خواص أسماء الله الحسنى)) خصصه لوظيفة شيخه القاسمي المعروفة في أسماء الله الحسنى، وقد طبع الكتابان معا بتونس عام 1308هـ= 1890م، وقد تحدث عن الأول منهما العالم المؤرخ إسماعيل باشا البغدادي في كتابه ((إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون)) في الصفحة 616 من المجلد الأول من طبعة الأستانة.

- وله أيضا:

ـ تحفة الأفاضل بترحمة سيدي نايل كتبها بطلب من الشريف بلحرش.
ـ نصيحة الأقران، ويبدو أنها رسالة في تحريم الدخان.
ـ حسن المعاشرة.
ـ عجائب المقدور فيما حل بزاويتنا من الأمور وهي عبارة عن شكاية تعرض فيها لأسماء من سعوا في الفتنة التي قامت بينه وبين ابنة عمه السيدة زينب وتولوا كبرها،
ـ رسالة لطيفة في الانتصار للأمير عبد القادر والذب عنه ردا على مؤلف كتاب الاستقصاء في الحط من كرامته والطعن في جهاده.
ـ وشرع في تفسير كتاب الله تعالى، لكن ما كتب منه إلا تفسير الفاتحة والآيات الأول من سورة البقرة، ثم لم تتركه الحوادث والمحن التي جابهته وعاندته من إكماله على الوجه الذي يريد. وله فتاوى فقهية وأجوبة علمية متفرقة هنا وهناك مما لو جمع وطبع لأنتفع به رواد العلم وطلابه.

وفاته رضي الله عنه:

* لقي ربه رحمه الله تعالى سنة يوم الجمعة 3 جمادى الثانية 1331هـ = 9 ماي 1913 م، عن اثنين وخمسين عاما، إثر مرض لازمه ستة أشهر. وكان فقد الأمة له من أعظم الخطوب، لأنه من الأئمة العارفين والمرشدين الكاملين الذين لا يجود الزمان بمثلهم إلا نادرا، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

ما قيل فيه رضي الله عنه:

وصفه الشيخ أبو القاسم المدني في كتابـه ((تدبير صحة الأبدان)) بقوله:"وكان من المواهب الإلهية والمنن الصمدانية التي ساعفت على حصول الشفاء والإبلال من هذه الآلام اجتماعي هنا بحضرة الشيخ البهي الشمائل، الحسن الدواء، العذب المجتلى والمجتبى، سيدي محمد بن الحاج محمد الشريف الهاملي شيخ زاوية الهامل، فأنساني بلطف روحه وذكاء خاطره وإصابة فكره وحزم رأيه وحلاوة مجالسه العلمية، وما يلقيه فيها من لئالئ البيان والحكمة، ما أجده من النعم، وأذهب عني بحسن أخلاقه التي ورثها عن أسلاه رضي الله عنهم ما كنت شغلا بأعبائه، فأطلق مفصلي بمكارمه حتى أفرغت له ما في جعبتي من الأدعية جزاء عنايته وضروب إحسانه...".

كما وصفه الشيخ العيد بن البشير الشريف الهاملي بقوله:

وهـو المدرس أمـام عمـه *** دروس الصيف والخريف أكرم به
مـن تفسير وحديث تصوف *** وطبقات لأهـل التصرف
أما الدروس في الشتاء والربيع *** في الفقه والبلاغة فعل بديع
لكنها في الجـامع المعظـم *** للـه در عالـم معلـم.

هوامش/

الهامل :



بلدة تقع على بعد حوالي 250 كلم جنوب العاصمة الجزائر، وعلى مسافة 12 كلم جنوب شرق مدينة "بوسعادة" التابعة لولاية المسيلة، تضم واحدة من أهم المعالم الحضارية والصروح الثقافية التي تزخر بها المنطقة والتي طبقت شهرتها الآفاق والمتمثلة في زاوتها المعمورة التي أسسها الشيخ الولي الصالح العلامة سيدي محمد بن أبي القاسم الهاملي الحسني قدس سره, وهو من كبار رجالات التصوف والعلم بالجزائر في منتصف القرن التاسع عشر.



المصدر:

نقلا من مركز القاسمي للدراسات والأبحاث الصوفية، الهامل - مدينة بوسعادة – الجزائر/ بقلم الدكتور عبد المنعم القاسمي الحسني حفظه الله.

1 التعليقات :

غير معرف يقول...

رحمة الله علي هذا العلامة الفقيه

إرسال تعليق

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |