من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث ودراسات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث ودراسات. إظهار كافة الرسائل

جمعية الورتيلاني للسياحة والتراث في الطبعة الثالثة الأسرة العزوزية

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة أهل السموات والأرضين عليه أجري يا ربي لطفك الخفي في أموري والمسلمين



جمعية الورتيلاني للسياحة والتراث في الطبعة الثالثة الأسرة العزوزية

في إطار الاحتفال بخمسينية الاستقلال الوطني وشهر التراث الثقافي، يسر جمعية الورتيلاني للسياحة والتراث سيدي خالد أن تدعوكم لحضور الأيام الثقافية للعلامة عبد المجيد حبة في طبعة الثالثة والموسومة بـ: دور الأسرة العزوزية في الثقافة والنضال بقاعة الفكر والأدب التابعة لدار الثقافة ولاية بسكرة يوم الخميس 25 أفريل 2013م بداية من الساعة الرابعة والنصف مساء اليوم الثاني (الجمعة) يكون بثانوية عبد الحفيظ جلاب) ببرج بن عزوز وهي أسرة منبتها بلدة البرج القريبة من مدينة طولقة، وهي أسرة إدريسية حسنية علوية، رأسها الشيخ محمد بن عزوز العالم الشهير، الذي ظهر من نسله من أبنائه وأحفاده علماء وأعلام شاركوا في إحياء القيم الحضارية ونشر الثقافة الإسلامية والحفاظ على مقومات الشخصية الجزائرية، كان لهم امتداد في الجزائر طبعا، وكذلك في تونس، ولبعضهم صيت ومشاركة علمية في مصر والحجاز وتركيا، والمعروفون من هؤلاء الأماجد هم من أبناء الشيخ محمد بن عزوز السالف الذكر وكذلك من أبناء أخيه المبروك بن عزوز...

- الشيخ محمد بن عزوز:

هو الشيخ محمد بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم البرجي عالم أديب صوفي، مؤلف ناظم، ولد سنة 1170هـ/ 1750م ببلدة البرج التي سميت باسمه.. تربى بين أحضان أسرته المحافظة، وحفظ القرآن الكريم مبكرا، طلب العلم على علماء المنطقة ثم ارتحل إلى الجزائر العاصمة فلازم الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري وأخذ عنه الطريقة الرحمانية، ثم أكمل سلوكه على الشيخ عبد الرحمن باش تارزي بمدينة قسنطينة، ولما توفي شيخه الثاني عاد إلى البرج فنشر العلم وبث السلوك وبنى زاويته التي ما يزال جامعها عامرا إلى اليوم، ولقد ترك الشيخ عدة تآليف علمية أهمها: رسالة المريد، وشرحها، وشرح التلخيص، ومجلسين ومراسلات، وبعد عودته من أداء فريضة الحج سنة 1818م توفي متأثرا بداء الطاعون الذي كان منتشرا آنذاك بالمنطقة، ولقد تخرج على يديه الكثير من الشيوخ الصالحين الذين أفادوا المجتمع وقاوموا الزحف الاستدماري الفرنسي على المنطقة، ولذلك لقب بشيخ الشيوخ.

- تلاميذه:

وقد قام تلاميذه النجباء - الذين أصبحوا شيوخا فيما بعد- بإنشاء زوايا ومساجد على غرار مسجد شيخهم باثين من خلالها العلم الصحيح والتربية الروحية الحقة، ومن أهم تلك الزوايا التي ساهمت مساهمة كبيرة في الحفاظ على الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة المتمثلة آنذاك في القرآن والسنة والفقه واللغة وغير ذلك:

- زاوية علي بن عمر المتوفى عام 1258هـ/ 1842م، وهي المعروفة الآن بالزاوية العثمانية بطولقة.
- زاوية الشيخ عبد الحفيظ الخنقي المتوفى سنة 1266هـ/ 1850م بخنقة سيدي ناجي.
- زاوية الشيخ الصادق بن الحاج المتوفى سنة 1278هـ/ 1862م بتبرماسين.
- زاوية الشيخ محمد الصادق بن رمضان المتوفى سنة 1276هـ/ 1859م ببسكرة.

ومن تلاميذ الشيخ محمد بن عزوز زيادة على هؤلاء:

الشيخ المدني التواتي، ومبارك بن خويدم ورويجع البوزيدي وأبو ستة الدراجي وعلي الجروني الخالدي، ولهؤلاء أتباع ومريدون لا يحصون، حتى أنه قلما يوجد في القطر الجزائري الشرقي والتونسي وطرابلس الغرب وبنغازي من ليس منتسبا لطريقته بواسطة أو وسائط، بل كادت أن تسمى الرحمانية بالعزوزية).

- أبناؤه:

ترك الشيخ محمد بن عزوز ثمانية أبناء وهم:

- التارزي عاش في نفطة وتوفي ودفن بالمدينة المنورة وهو صاحب الهواتف المخطوط، توفي في ربيع الثاني سنة 1310هـ/ 1892م، وترك ذرية.
- أبو العباس توفي ودفن في نفطة ولم يترك نسلا.
- المبروك استوطن الأغواط وتوفي ودفن به، وترك نسلا به.
- محمد توفي استوطن القيروان وتوفي بها ودفن وترك بها نسلا.
- محمد الشيخ توفي في طولقة ودفن هناك.
- الحسين مات قتيلا ودفن بجانب والده.
- الحسن وهو من أبطال المقاومة الشعبية حيث كان خليفة للأمير عبد القادر في منطقة الزاب..
- مصطفى وهو صاحب زاوية نفطة بتونس..


والفرع الثاني:

- المبروك بن عزوز هو المبروك بن أحمد بن يوسف بن عزوز الحسني البرجي عالم فقيه صوفي من قرية البرج، وهو أخو العالم الشهير محمد بن عزوز البرجي المسمى البرج باسمه.

ذكر العلامة محمد المكي بن عزوز الشيخ المبروك في قصة جرت له مع أخيه المذكور منذ قليل ووصفه بالعالم الجليل، وبرز من أبنائه في العلم العلامة محمد المدني بن عزوز البرجي دفين نفطة بتونس.

- محمد المدني بن عزوز ت 1868م:

هو محمد المدني بن المبروك بن عزوز الحسني البرجي النفطي الصوفي الخلوتي، العلامة الفقيه المحدث، ولد بقرية البرج ونشأ فيها، أخذ العلم عن والده المبروك وعمه محمد بن عزوز، وعن علي بن محمد بن عبد المؤمن بن عزوز البرجي الذي أجازه في الفقه المالكي. ووالده المبروك مختصر خليل...أجازه من علماء الجزائر الشيخ مصطفى بن الكبابطي في صحيح البخاري، وعندما مر بمصر حصل على إجازة عامة من العلامة إبراهيم الباجوري، وأخرى من الشيخ عبد الله السناري بفهرس العلامة محمد الأمير المصري، كما سمع أوائل الكتب العشرة في الحديث النبوي الشريف على الأستاذ الأكبر محمد بن علي السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية، عندما لقيه بمكة المكرمة ثم أجازه إجازة عامة، وأجازه أيضا الأخوان المرزوقيان المكيان بفهرس شيخهما محمد الأمير.

استقر بعد ذلك بمدينة نفطة بتونس واشتغل بالتدريس في زاوية ابن عمه مصطفى بن عزوز، فكان عالمها الأول ومدرسها الفذ حيث تخرج عليه علماء أجلاء أمثال الشيخ محمد الصالح العبيدي والشيخ إبراهيم بن صمادح النفطيين والشاعر عاشور بن محمد الخنقي والشيخ بن أبي القاسم الديسي.

ملاحظة:

للموضوع مصادر ومراجع، من أهمها معجم أعلام بسكرة للأستاذ عبد الحليم صيد.

بقلم: عز الدين العقبي
تكملة الموضوع

كرامات أولياء الله الصالحين



بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد نقطة دائرة الوجود الخلقي ومستودع سر الوجود الحقي صلاة نصعد بها في المعراج الحبي و مدارج الإقبال الصدقي ويمتزج بها العلم اليقيني في المشرب الذوقي.

وبعد/

قال الله تعالى في القرءان الكريم: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ‏آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ ‏الْعَظِيمُ (64)} [سورة يونس].‏‎ ‎

وقال الإمام القشيري رضي الله عنه : الولي من توالت طاعاته، ومن تولى الحق سبحانه حفظه، وإنّما يديم توفيقه ‏الذي هو قدرة الطاعة قال الله تعالى: { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} [سورة الأعراف] ولا يكون ‏معصوما كالأنبياء بل يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب.‏‎ ‎

*.*.*

وقال الله تعالى: { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ‏ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا(16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت ‏تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ (17)} [سورة الكهف] الآية.

*.*.*‎ ‎

وقد بسط الكلام في تفسير هذه الآية على إثبات كرامات الأولياء الفخر الرازي في تفسيره الكبير ‏فقال: "احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات".

*.*.*

ومن دلائل الكرامات نص القرءان في قصة صاحب سليمان عليه السلام "آصف بن برخيا" في قوله ‏تعالى: { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40)} [سورة النمل] ولم يكن نبيا، والأثر عن أمير ‏المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيح أنه قال: يا سارية الجبل الجبلَ في حال خطبته يوم ‏الجمعة، وتبليغ عمر إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرزوا من مكامن العدو من الجبل تلك الساعة.‏‎ ‎

*.*.*

وأنشدوا: (الرجز)‏‎ ‎

وأثبتن للأوليا الكرامهْ ... ومن نفاها فانبذن كلامهْ‎ ‎

واعلم أن كرامات الأولياء ثابتة بالقرآن والحديث وما تواتر من أخبار على مر العصور والأزمان، ‏وهذا هو الحق عند جمهور أهل السنة، وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو ‏مقدمة لها يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم متابعة نبيّ كلف بشريعته، مصحوب بصحيح ‏الاعتقاد والعمل الصالح علم بها أو لم يعلم، فامتازت بعدم الاقتران (أي بدعوى النبوة) المذكور عن ‏المعجزة، كما وأنها تختلف عن الإرهاص، والإرهاص ما يحصل للنبي قبل نزول الوحي عليه ‏كتسليم الحجر على رسول الله في شعاب مكة، وامتازت بظهور الصلاح عما يسمى معونة كالتي ‏تظهر على يد بعض عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره، وبالتزام متابعة نبي كلف ‏بشريعته عن الخوارق المؤكدة لكذب الكذابين وتسمى إهانة كبصق مسيلمة الكذاب في بئر عذبة الماء ‏ليزداد ماؤها حلاوة فصار ملحا أجاجا.‏‎ ‎

وليس إنكار الكرامة من أهل البدع بعجيب إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم ولم يسمعوا به من رؤسائهم ‏مع اجتهادهم في العبادات صورة واجتناب السيئات بزعمهم، فوقعوا في أولياء الله تعالى أهل ‏الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم جاهلين كون هذا الأمر مبنيا على صفاء العقيدة ونقاء ‏السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة.‏‎ ‎

*.*.*




وقال الإمام القشيري: قال أوحد فنه في وقته القاضي أبو بكر الأشعري رضي الله عنه: ان المعجزات ‏تختص بالأنبياء، ولا تكون للأولياء معجزة لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها، ‏والمعجزة لم تكن معجزة لعينها إنّما كانت لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك ‏الشرائط لا تكون معجزة وأحد تلك الشرائط دعوى النبوة، والولي لا يدعي النبوة، فالذي يظهر عليه ‏لا يكون معجزة، قال القشيري: وهذا القول الذي نعتمده ونقول به، فشرائط المعجزة شكلها أو أكثرها ‏توجد في الكرامة الا هذا الشرط الواحد.‏‎ ‎

واعلم أن كل كرامة لولي هي معجزة للنبي الذي يتبعه ذلك الولي، وما جاز أن يكون معجزة لنبي ‏جاز أن يكون كرامة لولي الا ما كان من خصائص النبوة.‏‎ ‎

وانشدوا قولهم: (الكامل)‏

- والأوليا اذكرهم بخير انهم *.*.* تبعوا الرسول بصحة الآداب‎ ‎
خدموا الشريعة وما اتبعوا الهوى *.*.* مـتمسكين بأشرف الأنساب‎
صـحت ولايتهم بشاهد حالهم *.*.* فَـعَلَوا وصاروا وجهة الطلاب‎‎
لهم الكرامات التي ظهرت بنا *.*.* كـالشمس ما حجبت ببرد سحاب.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرءان والأخبار والآثار.‏‎ ‎

فأما الأول: ما جاء في قصة مريم عليها السلام وولادتها عيسى دون زوج، وكفالة زكريا لها عليه ‏الصلاة والسلام، وكان لا يدخل عليها غيره وإذ خرج من عندها أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يجد ‏عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، ومن قصة أصحاب الكهف ولبثهم‎ ‎في ‏كهفهم سنين بلا طعام ولا شراب، ومن قصة آصف بن برخيا وإتيانه بعرش بلقيس قبل ارتداد ‏طرف سليمان عليه السلام، وكذلك قصة إماتة عزير مائة عام ، ومن ذلك قصة ذي القرنين وتمكينه ‏في الأرض وملكه تلك المساحة الشاسعة في المدة القليلة.‏‎ ‎

والثاني: ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الصالح جريج الذي ‏أكرمه الله بأن أنطق له غلاما في المهد وخبر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فسدت ‏عليهم الغار صخرة فأكرمهم الله بأن نجاهم بصالح أعمالهم.‏‎ ‎

وكذلك قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" رواه ‏مسلم والأخبار كثيرة، ومنها ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه أنّه قال: "فاذا أحببته ‏كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها" رواه البخاري، ويقول الإمام ‏الرفاعي رضي الله عنه في شرح هذا الحديث: "الصقوا بأولياء الله، الولي من وادَّ الله وآمن به ‏واتقاه، فلا تحادّوا من وادّ الله. الله ينتقم لأوليائه ممن يؤذيهم، عليكم بمحبتهم والتقرب اليهم تحصل ‏لكم البركة، أما الآثار فمنهما أن الملائكة كانت تسلم على عمران بن الحصين، وكان سليمان وأبو الدرداء يأكلان ‏في صحفة فسبحت الصحفة وسبح ما فيها، وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا اقترق الضوء معهما رواه ‏البخاري وغيره، وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما ‏كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فاذا دلو برشاء أبيض معلق فشربت ‏منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها، وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرَ الأسدَ ‏أنه رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه الأسد حتى أوصله إلى مقصده، وخالد بن الوليد ‏حاصر حصنا فقالوا: لا نسلم حتى تشرب السم، فشربه فلم يضره، وعمر رضي الله عنه نادى سارية ‏من المنبر والقصة مشهورة، ومثله كثير...

*.*.*



صورة أغرب من الخيال مأخوذة من أرشيف المكتبة الوطنية (فرنسا) مكتوب عليها "أسد الأولياء" بالجنوب الوهراني ... مدينة (وهران) بالجزائر.

ومثل ما جرى لأبي مسلم الخولاني الذي مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمى ‏بالخشب من مدها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعوا الله فيه، فقال ‏بعضهم: فقدت مخلاة فقال: اتبعني فاتبعه فوجدوها قد تعلقت بشيء فأخذوها، وطلبه الأسود العنسي ‏الذي ادعى النبوة فقال له: أشهد أني رسول الله فقال: ما أسمع، فأمر بنار فألقي فيها فوجده قائما ‏يصلي وقد صارت بردا وسلاما، قال عمر رضي الله عنه حين علم بذلك: الحمد لله الذي لم يمتني ‏حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله، وكذلك وصلة ‏بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق عليّ منة ودعا الله سبحانه فأحياه له، ‏فلما وصل إلى بيته قال: يا بني خذ سرج الفرس فإنّه عارية، فأخذ سرجه فمات (أي الفرس)، وكان ‏سعيد بن المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة وكان ‏المسجد قد خلا فلم يبق غيره، وكان إبراهيم التميمي يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئا، وكان ‏عبد الواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه سبحانه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء و الصلاة، فكانت ‏تطلق له أعضاؤه.

*.*.*

و نذكر أيضا ما حصل أيضا لعبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه رجع من سفر كان فيه ‏مرة فوجد جماعة على الطريق فقال: ما هذه الجماعة، فقالوا: الأسد قد قطع الطريق عليهم فنزل عن ‏دابته ومشى إليه فأخذ بأذنه ونحاه عن الطريق، ولا يخفى ما وقع للإمام علي الرضا ابن الإمام ‏موسى الكاظم حيث روي أن المتوكل أمر خدام السباع أن يجوعوا منها ثلاثة ويحضروهم إلى قصره ‏ففعلوا وقعد هو في المنظرة مع أصحابه وأغلق الدرج، وبعث إلى الإمام علي الرضا حتى يحضر ‏وأمر أنه إذا دخل من باب القصر يغلق الباب، فلما دخل أغلق الباب ودخل بين السباع وقد أصمت ‏بزئيرها الأسماع فلما مشى في الحصن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكتت وما سمع لها حس ‏حتى تمسحت به ودارت حوله وهو يمسح رءوسها بكمه ثم ضربت السباع بصدرها الأرض ‏وربضت، فما هاجت ولا زأرت حتى صعد الدرجة وتحدث عند المتوكل مليا ثم نزل ففعلت السباع ‏كفعلها الأول وربضت وما سمع لها حس ولا زئير حتى خرج الإمام رضي الله عنه، وقال أويس ‏القرني لهرم بن حيان حين سلم عليه: "وعليك السلام يا هرم بن حيان" ولم يكن رآه قبل ذلك، وهذا ‏من باب الكشف وهو من الكرامات.‏‎ ‎

*.*.*

ولا يخفى ما حصل لشيخ العريجا السيد الجليل أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ما أخبر به الامام ‏الرافعي من أن امرأة وضعت بنتا لها حدباء، فلما كبرت وآن أوان مشيها اذا بها عرجاء، ثم سقط ‏شعر رأسها لعاهة، ففي يوم من الأيام حضر السيد أحمد الكبير محلة الحدادية حيث البنت‎ ‎‏ فاستقبله أهلها والعرجاء فاطمة بين الناس وبنات الحدادية يستهزئن بها، فلما أقبلت قالت للسيد أحمد ‏رضي الله عنه: أي سيدي أنت شيخي وشيخ والدتي وذخري أشكو إليك ما أنا فيه لعل الله ببركة ‏ولايتك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعافيني مما أنا فيه فقد زهقت (تعبت) روحي ‏من استهزاء بنات الحدادية، فأخذته الشفقة عليها وبكى رحمة لحالها ثم ناداها: ادني مني فدنت منه ‏ووضع شيئا من ردائه عليها ومسح بيده المباركة على رأسها وظهرها ورجليها فنبت بإذن الله ‏شعرها وذهب احديدابها وتقومت رجلاها وحسن حالها. وكراماته كثيرة رضي الله عنه.‏‎ ‎

هذا وفي القدر كفاية وصلى الله على سيدنا محمد سر الوجود والسبب الأعظم لكل موجود صلاة أهل السموات والارضين عليه اجري يارب لطفك الخفي في أموري والمسلمين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
تكملة الموضوع

مؤلفات علماء الجزائر في المكتبة القاسمية بالهامل بمدينة بوسعادة




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.


مؤلفات علماء الجزائر في المكتبة القاسمية بالهامل بمدينة بوسعادة العريقة التابعة لولاية عاصمة الحضنة مدينة المسيلة الفسيحة.

إن زاوية الهامل هذه واحدة من بين مئات الزوايا بالقطر الجزائري شرقا وغربا جنوبا وشمالا ... وإن للزوايا القرآنية دور جد كبير في بلادي الحبيبة الجزائر الشاسعة الفسيحة في الحفاظ على اللغة العربية وتعاليم الدين وهذا الدور العظيم تجلى أكثر إبان الاستعمار الفرنسي فقد حافظت هذه الزوايا على اللغة العربية وقاومت المستعمر بتحفيظ القرآن للنشء الصغير وأصول اللغة و الدين... و أخرجت علماء أفذاذ ومفكرين عظماء ورجال زعماء قبل الإستعمار و في عهده ومن بين هذه الزوايا...

زاوية الهامل بمدينة بوسعادة ولاية المسيلة:



وهذه كلها تفند أي إدعاء كاذب مفاده أن للبعض فضل في تعليم أبناء الجزائر اللغة العربية و تعاليم الدين بعد الإستقلال أو أن له أدنى فضل في تحرير الجزائر العظيمة ثاني أكبر دولة مساحة إفريقيا وعربيا بعد السودان... ناهيك عن غناها بكل الثروات الطبيعية والباطنية وشتى المعادن وعلى رأسها الذهب و الحديد والبترول وأول دولة عالميا في إنتاج الغاز الطبيعي ... وتنوع منناخها وعادات أهلها بسبب الإرث الحضاري القديم وموقعها الإستراتيجي... وكذا شساعة أراضيها الزراعية واختلاف تضاريسها وتنوع فاكهتها وخيراتها التي لا تعد ولا تحصى ... فقد حباها الله بكل خير وزادها من فضله... زيادة على نسبة الشباب 95بالمئة هذه الطاقة الرائعة والفتاكة والمتشبعة بقيم الثورة التحريرية والعاشقة للوطن وثوابته المقدسة على رأسها العلم الجزائري الذي يرمز إلى الحرية في لونه الأخضر الرائع وإلى السلام في لونه الأبيض الناصع أما الهلال فهو رمز الإسلام الحنيف والنجمة هي القواعد الخمس للإسلام الحنيف و اللون الأحمر هو رمز لدم قوافل من الشهداء الذي إرتوت به أرض الثوار... أما اللغة الفرنسية فهي بالنسبة للجزائريين غنيمة حرب كما قال المناضل والمجاهد الكبير فرحات عباس رحمه الله تعالى.

ساهم علماء الجزائر في حركة التعليم والتأليف مساهمة فعالة، وليس أدل على ذلك من وجود العشرات من العلماء الجهابذة الذين بلغوا درجة الاجتهاد والتأليف، بل قد اشتهرت أسر عديدة كبيرة بالعلم، وتوارثته لقرون عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: المشداليين، المرازقة، العقبانيون، المقريون...
وقد عرفت الحواضر العلمية في الجزائر، حركة دءوب في التعليم والتأليف، واشتهرت تلمسان ووهران، بجاية الجزائر، تيهرت، قلعة بني حماد.... بكثرة مدارسها وعلمائها ومكتباتها.
والدليل الآخر: المئات من المخطوطات الموجودة في المكتبات والخزائن العالمية العربية والغربية منها، وقد تدخلت عوامل كثيرة وظروف تاريخية معينة، في هذا الموضوع، وللأسف لسنا نجد في مكتباتنا الكثير من التراث الجزائري فأغلبه قد دمر أو نهب أو نقل إلى ما وراء البحار.
وربما هذا الذي جعل المكتبة القاسمية لا تزخر بالكثير من المخطوطات الجزائرية، فكل ما أحصيناه بها منها حوالي ثمانين تأليفا لمؤلفين جزائريين، ـ وهو ما يمثل عشرة بالمائة من نسبة المخطوطات الموجودة بها ـ أربعين منها في التصوف وهو ما يمثل نسبة خمسين بالمائة، والباقي تتوزعه الاختصاصات الأخرى من تفسير وفقه وحديث ولغة....

التصوف:

اهتم علماء الجزائر بالتصوف، تدريسا وتأليفا ومنهجا. وقد غطى التصوف مساحات واسعة من القطر الجزائري، وفترات طويلة ممتدة، بدأ التأليف فيه منذ عهد ابن النحوي التوزري (514هـ) واستمر إلى يوم الناس هذا مع الشيخ عبد الباقي مفتاح القماري. وقد أحصينا أربعين تأليفا في التصوف الإسلامي، لعل من أهم هذه المخطوطات:

ـ مؤلفات الحرالي (ت 638هـ= 1241م) وهو من علماء الأندلس وصوفيتها المشهورين، الذين نزلوا مدينة بجاية ونشروا مذهبهم الصوفي بها، وصفه الغبريني بـ "العالم المطلق"، وكان ممن جمع بين العلم والعمل، عالما بالأصلين والمنطق والطبيعيات والإلهيات، مع تقدمه في علم الحديث وعلو السند فيه...له مجموعة من المؤلفات لعل من أشهرها تفسيره للقرآن الكريم، وكتاب المعقولات الأول وكتاب صلاح العمل.

وضمت المكتبة القاسمية بين رفوفها من مؤلفاته: صلاح العمل وتوشية وتوفية الذين لم نجد لهما ذكرا في مكتبات أخرى. فهي تعتبر نسخ فريدة. فلم نجد في حد علمنا من أشار إلى مكان كتاب صلاح العمل، وحتى توشية وتوفية فيما بين أيدينا من مصادر ومراجع.

ـ أعمال الشيخ الثعالبي (ت 876هـ= 1470): والثعالبي كما هو معروف من رجالات التصوف العظام الذين عرفتهم الجزائر، وبقي أثره في الصوفية الذين أتوا بعده واضحا جليا، احتوت المكتبة على مجموعة هامة من مؤلفاته:

الإرشاد لما فيه مصالح العباد: يقع في حوالي 210 ورقة، وتوجد منه نسخة أخرى في مكتبة الأسرة العثمانية بطولقة.

رياض الصالحين وتحفة المتقين: وهـو كتاب في العقائد والزهد والتصوف، جيد في بابـه، تحدث فيه عن أمور الآخرة والحكم والمواعظ والأدعية. نسخ سنة 1290هـ، عدد أوراقه:90 ورقة. موجود أيضا المكتبة الوطنية بالحامـة: 882. ويوجد في غيرها من المكتبات نظرا لشهرة الكتاب وتعدد نسخه.

وصية الثعالبي: كما توجد بالمكتبة وصية الشيخ الثعالبي، ولم نجد من أشار إليها في المصادر والمراجع المعروفة. وعلق عليها الناسخ "قل أن تخلو منها خزائن الملوك وكتب الفقهاء".

العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة: مخطوط في جزأين، تاريخ النسخ 1172. طبع بالمطبعة الحميدية المصرية بالقاهرة سنة 1317هـ= 1899م طبعة حجرية.

ـ المجموعة الثالثة من مؤلفات الجزائريين هي تراث الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري مؤسس الطريقة الطريقة، والزاوية الهاملية ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ من أهم مراكز الطريقة في القرنين 19 و20. بل هي الآن تتشرف برئاسة الطريقة، وبمشيخة الرابطة الرحمانية. ومما ضمته المكتبة من تراث الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري:

ـ دفتر الدفاتر: وهو عبارة عن مجموعة رسائل في آداب الطريقة الرحمانية والذكر والخلوة ونتائجها يزيد على السبعين صفحة، توجد منه ثلاث نسخ تحت رقم 40/ خ..

ـ رسالة خلوة السرداب: وتضمنت مرائيه التي رآها أثناء إقامته بدارفور بالسودان، وخلوة السرداب نوع من أنواع الخلوات كما هو معروف عندهم، تكون محفورة تحت الأرض، مكث بها الشيخ ثلاثة أشهر حتى وقع له الفتح، وصف فيها ما شاهده وما رآه من الأنوار وما مـر به من الامتحانات، كما تضمنت معلومات هامة عن حياته. نسخها الشيخ عاشور الخنقي، نقلا عن نسخة من مكتبة باش تارزي بقسنطينة بطلب من المؤسس ، وذلك سنة 1302هـ وهي في 86 صفحة.

ـ رسالة فتح الباب وختم الكتاب: وهي رسالة في آداب الذكر وشروطه وكيفيته، أولهـا: "يا أيها الباحث عن خاصية نفسه واستجلاب روحانية قدسه..."، في 55 ورقة بخط عاشور الخنقي 1302هـ.

ـ شرح على الريفاوي: وهـو شرح لقصيدة تسمى ((مطلع قوته قولي)) وهي من نظم عبد الله بن عبد الله الملقب بـ"الريفاوي" نسبة إلى الريف المصري، وجمع الشيخ بن عبد الرحمن في هذا الشرح أصول الطريق وأركانه وآداب المريد، الخرقة، الأسماء السبعة...الخ، وضعه تعليما للمبتدئ وتذكيرا للمنتهي. كما توجد منه نسخة بالمكتبة الوطنية بالحامـة: 944، 930، الخزانة العامة بالرباط رقم 3643 نسختان.

ـ طي الأنفاس والأسماء السبعة: عبارة عن مجموعة رسائل تناولت آداب الطريقة بشكل عام، من آداب الذكر وآداب الخلوة وعلامات تزكية النفس، درجة الفناء، مقامات النفس وكيفية الانتقال من مقام إلى آخر، توجد نسخة منه بالمكتبة القاسمية بالهامل، نسخ 1296هـ، رقم 1/28ن.

ـ عبارات شيخنا الأزهري الناهية وقوانين التربية: جمعها الشيخ أحمد بن مزيان؟ وقد اختصرها من كتابه المجموع ((دفاتر الشيخ الأزهري))، تضمن وصية الأزهري، وقانون الورد، شروط الشيخ، أركان الطريقة وشروطها...الخ، نسخ 1300هـ، في 96 ورقة.

ـ كتاب روض الجنان في شرح رسالة ابن عبد الرحمن: محمد العـربي بن الفخار اللمداني، أحد مريدي الشيخ الأزهري. وهو شرح لرسالة الأزهري إلى مريديه وإخوانه، في ما يتعلق بأمور الذكر وشروطه والخلوة آدابها، وآداب الطريقة الرحمانية وقواعدها. مخطوط من 120 ورقة، نسخ مصطفى بن سادات، 1305هـ.

كما نجد بالمكتبة تراث الشيخ عبد الرحمن باش تارزي، وهو أحد كبار رجال الطريقة ومن تلامذة الأزهري وخليفته في المنطقة الشرقية. فنجد مثلا:

ـ رسالة في رد اعتراضات بعضهم على الطريقة الرحمانية: وهي في الدفاع عن الطريقة الرحمانية ورد بعض اعتراضات المعاصرين فيما يتعلق بـ: الذكر وكيفيته، شروط الشيخ وواجباته، خروج محمد بن عبد الرحمن الأزهري عن السنة...وما إليها من الاعتراضات التي نجدها كثيرا في كتابات تلك الفترة. ذكر فيها بعض صفات الشيخ الأزهري وبعض أقواله، وعرف بالطريقة الرحمانية وسلسلة الطريق وآداب الطريق وآداب المريد... الخ. وهي رسالة في 9 ورقات ضمن مجموع.

ـ وكتاب المنح الربانية في بيان المنظومة الرحمانية: للشيخ مصطفى بن عبد الرحمن باش تارزي (ت 1252هـ= 1836م)، والمنظومة أصلا لوالده عبد الرحمن باش تارزي، وهي في بيان آداب الطريقة الخلوتية الرحمانية وشروطها وأركانها، واشتهرت المنظومة وشرحها بين طلبة العلم والتصوف، وتعد من المصادر الأساسية للطريقة الرحمانية. مخطوط في 120 ورقة، وقد طبع بتونس بالمطبعة الرسمية على نفقة الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي سنة 1307هـ.

ـ العَلم الآخر الذي نجد له تراثا بالمكتبة هو الشيخ عبد الرحمن الأخظري ومنظومته القدسية في التصوف من 349 بيتا في آداب السلوك ونكران البدع، في نقد المخادعين باسم الدين وكشف عن حالهم للأمة ودفع شبهاتهم، حددت الخطوط العامة للتصوف السني بعيدا عن الترهات والسلوكات المنحرفة التي ألصقت به وهو منها براء. مطلعها:

يقول راجي رحمة المقتدر *** المذنب العبد الذليل الأخضري
بحمد رب العالمين أبتدي *** ثم صـلاته عـلى محمــد
يا طالبا على كمال قدسه *** وقاصدا إلى عـلاج نفسـه
إعلم بأن الجوهر الإنساني *** هو الذي يدعونه الروحاني



عرفت شهرة كبيرة لدى الأوساط الصوفية، وحظيت بمكانة مرموقة لدى علماء المشرق والمغرب، وعليها شروح كثيرة منها: شرح الورتيلاني، بن مصباح، الزريبي.....

ـ العَلم الخامس هو الشيخ محمد بن يوسف السنوسي: واحد من كبار رجالات التصوف في الجزائر ودافع برسالته ((نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير)) عن الصوفية والتصوف، واعتبرت من أهم مراجع التصوف، واعتمد عليها رجالات الطريقة الرحمانية في الدفاع عن طريقتهم ضد أهل الظاهر.

توجد منها نسختان بالمكتبة إحداهما نسخت بتاريخ 01 محرم 1338هـ. أوراقها 10. رقم: 31ب. ونسخة أخرى: في ذيل وصية زروق.

ـ ومن نفائس المكتبة كتاب الهواتف للشيخ محمد التارزي بن محمد بنعزوز البرجي (ت 1310هـ)، وهو كتاب في التصوف يشبه مواقف النفري، قسمه إلى مقدمة تناول فيها الإلهام والكشف، الهواتف النثرية، الهواتف الشعرية، زوائد وفرائد، نشر بعض المقتطفات منه محمد الصغير الجلالي في ((تعطير الأكوان))، كما نشر إحدى قصائد الكتاب عبد الرحمن بن الحاج في كتابه ((الدر المكنوز)).

ـ كما نجد تأليف أحمد بن ثابت البجائي (ت 1152هـ= 1739م) التفكر والاعتبار في فضل الصلاة على النبي المختار، وهو من كتب الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام التي عرفت شهرة كبيرة بالمغرب الإسلامي. وقد تضمن الكتاب معلومات هامة عن حياة المؤلف التي قال عنها الدكتور سعد الله: "إننا لا نعرف عنها الشيء الكثير".

ـ وكتاب تنبيه الأنـام في علو مقام النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: لعبد الجليل بن محمد القيرواني الراشدي (ت 941هـ= 1533م). اشتمل على جمل عجيبة ونبذ غريبة في فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل محبته وحرمته.

الفقـه:

وقد أحصينا حوالي ثمانية مؤلفات في الفقه منها:

ـ أجوبة الشيخ محمد المكي بنعزوز البرجي (ت 1334هـ= 1916م)، مستهل أولا بنص سؤال السائل، وهو عبد الحفيظ بن عثمان القاري الحنفي المتوفي بعد 1298هـ= 1881م. وقد طبع الكتاب.

ـ التصريح والتبريح في أحكام المغارسة: لعبد الرحمن بن عبد القادر المجاجي (ت 1020هـ= 1611م). عدد أوراقه 47. تحت رقم: 233هـ.

ـ حاشية الرُماصي على شرح التتائي لمختصر خليل: مصطفى بن عبد الله الرُماصي (ت1136هـ= 1724م). في جزأين، ج 1 عدد أوراقه 298، ج 2/ 180 ورقة. رقم: 51ف.

ـ الدرر المكنونة في نوازل مازونة: ليحيى بن أبي عمران أبو زكريا المغيلي المازوني (ت883هـ= 1478م). أو ما يعرف بنوازل مازونة، يتضمن فتاوى علماء المغرب العربي المتأخرين، في الجزء الأول عشرون فصلا أولها مسائل الطهارة وآخرها مسائل العيوب، وفي الجزء الثاني سبعة عشر فصلا أولها مسائل السلم وآخرها مسائل الغصب. في جزأين، تاريخ النسخ: 17 رجب 1182، أوراق الجزء الأول: 140. الجزء الثاني: 170. تجليد مزهر ومطلق. رقم 9ن. توجد منه نسخة أخرى بالمكتبة الوطنية بالحامة: 1335 ـ 1336.

اللغة والأدب:

حوالي 11 تأليفا في اللغة والأدب منها:

ـ جواهر الفوائد وزواهر الفرائد: محمد بن عبد الرحمن الديسي (ت 1921م). والكتاب في اللغة والأدب، عدد الأوراق: 101. رقم: 13خ.

ـ الجوهر المكنون في صدف الثلاثة فنون: عبد الرحمن بن محمد الأخضري (918 ـ 983هـ= 1512 ـ 1575م). أرجوزة في البلاغة لخصها من مختصر القزويني المسمى بتلخيص المفتاح للسكاكي، عدد أبياتها 295، الأوراق: 9. رقم: 8ب. طبعت في مصر 1290هـ.

ـ الحديقة المزخرفة في حواشي الزهرة المقتطفة: محمد بن عبد الرحمن الديسي. وهو في إعراب الجمل، والمتن والشرح كلاهما للمؤلف، عدد الأوراق: 55. رقم: 50خ.

ـ الحلل الحريرية في شرح المقامات الحريرية: لأبي راس المعسكري (ت 1238هـ= 1824م). عدد الأوراق: 150. رقم: 10ن. توجد منه نسخة بالحامة: 1893 ـ 1894، وبرلين: 8546.

ـ الحلل الحسان: محمد العيد بن البشير الهاملي (ت 1367هـ= 1948م).

ـ شرح الآجرومية: للبجائي لأحمد بن علي البجائي النحوي (ت 837هـ= 1436م). تاريخ النسخ: أواخر شعبان 1012هـ، الأوراق: 37. توجد نسخة بمكتبة باريس: 4098، 4140.

ـ شرح شواهد شذور الذهب: أبو القاسم بن محمد البجائي (ق 11هـ= 17م). تاريخ النسخ 1133هـ. الأوراق: 74. رقم: 64د /مج.

ـ فتح المولى في شرح شواهد الشريف ابن يعلى: عبد الكريم بن محمد الفكون القسنطيني (ت 1663م). تاريخ النسخ: 25 ربيع أول 1146 هـ. الأوراق: 141. تجليد أصلي مؤطر مزهر الوسط رقم: 16ن. نقلت عن نسخة نقلت عن خط المؤلف.

ـ منة الحنان المنان: وهو ديوان الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي، فيه نحو 200 قصيدة بين الطوال والمقطوعات في أكثر من 4000 بيت، في جزأين، الجزء الأول 56 ورقة، الجزء الثاني 54 ورقة. نسخة أخرى في مجلد واحد. رقم: 76خ.لم يطبع. الجزء الأول فيه خمسة فصول، الأول في علم أصول الدين، الثاني في النحو، الثالث في الألغاز، الرابع في الغزل، الخامس في المديح النبوي. الجزء الثاني فيه ستة فصول، الأول في الدعاء والمديح، الثاني في التقاريظ، الثالث في التهاني، الرابع في الإجازات، الخامس في الرثاء، السادس في مواضيع مختلفة. ـ حاشية الهاملي على التحفة السنية: محمد العيد بن البشير الهاملي (ت 1367هـ= 1948م).

ـ التحفة السنية: منظومة من 515 بيتا، وهي ترجمة وافية للشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي.

العقيدة:

وقد أحصينا حوالي: 08 مؤلفات، جلها شروح على عقائد الشيخ السنوسي. إلا عقيدة أبي مدين والعقيدة المرشدة لابن تومرت منها:

ـ أم البراهين: محمد بن يوسف السنوسي التلمساني (ت 895هـ= 1490م)، وهو مختصر مفيد محتو على جميع عقائد التوحيد، شرحه هو والتلمساني والغنيمي، عدد أوراقه 68. توجد منها ثلاثة نسخ.

ـ شرح أم البراهين: محمد بن أبي القاسم الفجيجي التلمساني (ت1021هـ= 1612م). عدة نسخ. الأوراق: 92. رقم: 20ك.

ـ عقيدة الغوث أبي مدين: أبو مدين الغوث (ت 594هـ= 1198م)، تاريخ النسخ: ربيع أول 1122هـ. مكان النسخ: القدس الشريف. فلسطين. الأوراق: 3رقم: 21/4ف.

ـ العقيدة المرشدة: محمد بن عبد الله بن تومرت (485 ـ 524هـ= 1092 ـ 1130م).

الأوراق: 03. تجليد: مزهر وسط وأركان. رقم: 1/09ن.

ـ الفتح المبين في شرح أم البراهين: محمد بن إبراهيم الملالي التلمساني (ت 897هـ= 1492م).

توجد منه ثلاث نسخ، أقدمها بتاريخ 1153هـ. الأوراق: 20. رقم: 65خ. توجد منه نسخ بكل من الحامة الجزائر، المتحف البريطاني، الخزانة العامة بالرباط، إسطنبول: مكتبة السليمانية.

ـ كفاية المريد في شرح عقيدة أهل التوحيد: مصطفى بن عبد الله الرماصي (ت 1136هـ= 1724م). تاريخ النسخ: ربيع الثاني 1145هـ. الأوراق: 105. رقم: 5ك /مج.

المنطق:

وتدور معظمها حول كتاب السلم المرونق للأخضري منها:

ـ السلم المرونق في علم المنطق: لعبد الرحمن الأخضري، وهو نظم في 94 بيتا لكتاب إيساغوجي في المنطق لصاحبه أثير الدين، عدد أوراقه 4. رقم 19ب. طبع في بولاق 1241. عليه 25 شرحا وحاشية.

ـ شرح السُلم المرونق: الأخضري. تاريخ النسخ: 1 المحرم 1202 هـ. الأوراق: 27. رقم: 15/2ن. وقد شرحه أيضا الشيخ سعيد بن إبراهيم قدورة (ت 1066هـ) في كتابه شرح السُلم المرونق، موجود بالمكتبة، عدد الأوراق: 68. رقم: 36ك /مج 8. توجد منه نسخ بكل من الحامة: 1418ـ 1427، 1430.

ـ كما يوجد كتاب محمد بن عبد الكريم المغيلي ((لب اللباب في رد الفكر إلى الصواب))، وهو كتاب في المنطق، فيه أربعة فصول. الأوراق: 10. رقم: 45ن.

التاريخ:

أحصينا مجموعة من الكتب لا تتجاوز الخمسة منها:

ـ عجائب الأسفار ولطائف الأخبار:أبو راس المعسكري (ت 1238هـ= 1824م). تاريخ النسخ: 19 ربيع الأول 1294 هـ. الأوراق: 207. رقم: 27ن.

ـ فتح الإله ومنته في التحدث بفضل ربي ونعمته: أبو راس الراشدي المعسكري.

تاريخ النسخ: 16 ذو القعدة 1310 هـ. الأوراق: 65. رقم: 28س.

ـ الكتاب الثالث في التاريخ هو عقود الجواهر فيمن ولي الإمارة من الأتراك بالجزائر: وهو يتحدث عن تاريخ الجزائر التركية، يؤرخ للدايات الذين توارثوا الحكم بها، لم يعلم مؤلفه، عدد أوراقه: 50. رقم: 76ف. يقع في كراستين، ليس فيه اسم المؤلف ولا الناسخ ولا تاريخ النسخ، ولم يرد ذكره في المراجع.

ـ ذخيرة الأواخر والأوائل : لأبي حامد المشرفي، ويعرف أيضا برحلة المشرفي، هو كتاب في التاريخ تضمن تاريخ البشرية من عهد سيدنا آدم إلى دولة الأتراك بالجزائر، ضمنه الحديث عن علماء الجزائر في العهد التركي وبداية الاحتلال الفرنسي، يقع في 660 صفحة، عليه تعليقات الشيخ محمد بن أبي القاسم بخط يده.

متفرقات:

هناك بعض الموضوعات المتنوعة التي كتب فيها الجزائريون كالطب والفلك والردود ونجدها بالمكتبة:

ـ توهين القول المتين: محمد بن عبد الرحمن الديسي (1340هـ= 1921م). وهو رد على كتاب (القول المتين) لأحد الأباضية وهو الشيخ قاسم بن سعيد بن قاسم الشماخي العامري. طبع في الجزائر وعلى هامشه القول المتين، بدون ذكر السنة ولا دار الطبع، ولعلها مطبعة ردوسي قدور.

ـ جراب المجربات: عبد الله بن عزوز التلمساني المراكشي (ت 1204هـ= 1789م). تاريخ النسخ: 28 شوال 1258هـ، عدد الأوراق: 238. رقم: 2ع. موضوعه الطب، ليس فيه ما يوحي وأنه مستنسخ. وفي دار الكتب المصرية، رقم (34طب)، ص: 84. وأيضا فيه: جراب المجربات وخزانة الأطباء، لمحمد بن زكريا أبي بكر الرازي، رقم (1196طب)".

ـ شرح منظومة ابن أبي الرجال لابن قنفذ: أحمد بن حسن بن قنفذ القسنطيني (ت 810هـ= 1407م). الأوراق: 55. التجليد مؤطر نباتي وسط. رقم: 8ع /مج. وليس في المخطوطة ما يثبت أنها مستنسخة، ولا تكون إلا بخط مختص في الفلك نظرا إلى دقة الرسوم.

ـ عمدة ذوي الألباب في شرح بغية الطلاب في علم الأسطرلاب: محمد بن يوسف بن عمر السنوسي. عدد الأوراق: 58. رقم: 11ع /مج.

ـ مقدمة في القراءات: محمد بن أبي القاسم البوجليلي (ت بعد 1300هـ= بعد 1882م). الأوراق: 32. رقم: 24ب. رتبه على مقدمة وفوائد، الأولى في بيان إسناده في قراءة القرآن وترجمة موجزة لشيوخه، الثانية في ذكر بعض فضائل القرآن الكريم، الثالثة في المنقول عنهم، الرابعة في تسمية الروايات، وخاتمة. لا يستبعد أن تكون بخط مؤلفها.

ـ هدم المنار وكشف العوار: محمد بن عبد الرحمن الديسي. وهو رد على كتاب: منار الإشراف على فضل عصاة الأشراف ومواليهم من الأطراف لابن عاشور الخنقي، وهو مطبوع في الجزائر عام 1323هـ= 1914م عن المطبعة الثعالبية. وهذا الرد لم يطبع. تاريخ النسخ: 19 ربيع أول 1353هـ. الأوراق: 42. رقم: 52خ.

ـ غنية الوافد وبغية الطالب الماجد: الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، وهو ثبت الثعالبي، مذيل بترجمة عن حياته. تاريخ النسخ: جمادى أولى 1305هـ. الأوراق: 16. مؤطــر. رقم: 39ن.

وقد ساهمت المكتبة في الفترة الأخيرة في نشر التراث الجزائري، وكانت لها اليد الطولى في إنجاز العديد من الدراسات الأكاديمية:

• الحلل الحريرية: لأبي راس المعسكري، تم تحقيق الجزء الأول منه. رسالة ماجستير من إعداد الطالب الطيب بلعدل، معهد الأدب، جامعة الجزائر، سنة 2000.

• سلم الوصول- القهوة المرتشفة : للشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي.

• أنيس الجليس: لابن الحاج اليبدري التلمساني. رسالة ماجستير. من إعداد الطالب:

• ذخيرة الأواخر: لأبي حامد المشرفي، تقديم وتعليق الأستاذ عبد المنعم القاسمي الحسني .

• ديوان منة الحنان المنان: للديسي.

• لطائف المنن: للسكندري، رسالة ماجستير، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، الباحثة سلطاني.

كما قامت دار الخليل القاسمي، بنشر الأعمال التالية:

• الوصية الجلية للسالكين الطريقة الخلوتية: كمال الدين البكري الخلوتي.

• تلخيص تاج التراجم: لابن كمال باشا الرومي الحنفي.

• عقد الجمان النفيس في ذكر الأعيان من شرفاء غريس: لعبد الرحمن بن عبد الله التوجيني.

• المقدمة الولاثيقة لمعرفة بعض أحكام الطريقة: لمؤلف مجهول.

• تحفة المحبين المهتدين: للديسي.

هذا وفي القدر كفاية والله من وراء القصد ... ومن أراد الإطلاع أكثر ما عليه إلا التوجه شطر هذه الزواية المعمورة...
وصلي اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تكملة الموضوع

دور الزوايا والطرق الدينية في محاربة الإحتلال الفرنسي في الجزائر



دور الطرقية في مقاومة الاستعمار الفرنسي ـ
بقلم الأستاذ الدكتور: عبد المنعم قاسمي الحسني.

ـ يذكر حمدان خوجة في كتابه المرآة أن شيوخ الطرق الصوفية هم الذين أمروا جميع المواطنين الجزائريين بالتعبئة العامة والدفاع عن مدينة الجزائر العاصمة بعد تخلي الأتراك عن هذه المهمة.

ـ كشف الضابط دي نوفو في كتابه الإخوان الصادر سنة 1845 عن الدور الرئيس الذي أدته الطرق الصوفية في مقاومة الاحتلال، وتحدث النقيب ريتشارد عن ثورة الظهرة التي قامت سنة 1845 مبرزا الدور المهم الذي قامت به الطرق الصوفية في هذه الثورة.

ـ ومن تقرير للمفتشية العامة حرر بالجزائر سنة 1864 يعترف بالدور الخطير الذي تقوم به الطريقة الدرقاوية: " الدرقاوية كانوا معادين لنا كل العداء لأن غايتهم كانت سياسية بوجه خاص، أرادوا ان يشيدوا من جديد صرح امبراطورية إسلامية ويطردوننا، إن هذه الطريقة منتشرة جدا في الجنوب ومن الصعب جدا مراقبتهم، لقد كانت ندوات الإخوان سرية وكانت أغلبية رؤسائهم معروفة".

ـ " إن مشائخ الزوايا يختارون في تدريسهم للقراءة نصوصا من القرآن معادية لنا، مما يحطم فيهم وبسرعة الشعور الذي سعينا لتطويره فيهم من طرف مؤسساتنا وتعتبر التأثيرات الدينية من ألد أعدائنا والتي يجب أن نخشاها ونخطط لها سياستنا، ولقد كانت القبائل الأشد عداء لنا هي التي تلك التي ينتشر فيها التعليم الإسلامي". من تقرير الملازم " بوسري" بعد ثورة 1846.

ـ وجاء في تقرير القائد الأعلى " دي توربيل" بتاريخ 4 أوت 1859، بعد الاضطرابات التي رافقت المعارك التي خاضوها ضد الجزائريين ما يلي: " إن مبعوثين وفدوا من مختلف أنحاء الشرق وينتمون إلى مجموعة سيدي عبد الرحمن بوقبرين الدينية الرحمانية، التي يسكن مقدمها الأكبر سي المختار بواحة أولاد جلال (بسكرة) ليسوا غرباء عما يجري، وقد كانت أشغال لجان التجمعات التي شرع فيها من نواح عدة في نفس الوقت موضوعا لخطبهم ومواعظهم".

ـ لقد كانت السرية التامة التي تحيط بالزوايا، وما يجري داخلها، من نشاط شيوخها والتي لم يستطع الاستعمار بما لديه من إمكانيات ووسائل الإطلاع عليها، يقول ماك ماهون سنة 1851: " يجب على الإنسان أن يقضي حياته كلها في الزاوية حتى يعرف ما يجري فيها وما يقال فيها".

ـ ويقول المؤرخ الفرنسي مارسيل إيميري:

" إن معظم الثورات التي وقعت خلال القرن التاسع عشر في الجزائر كانت قد أعدت ونظمت ونفذت بوحي من الطرق الصوفية، فالأمير عبد القادر كان رئيسا لواحدة منها وهي الجمعية القادرية، ومن بين الجمعيات المشهورة التي أدت دورا أساسيا في هذه الثورات: الرحمانية السنوسية الدرقاوية الطيبية".

ـ ويؤكد السيد أوكتاف ديبون المفتش العام للبلديات الممتزجة بالجزائر ـ ومن مؤلفي كتاب الطرق الدينية في الجزائر 1897 ـ في تقرير بعث به إلى لجنة مجلس الشيوخ المكلفة بالجيش والتي كان يرأسها "كليمانصو": " إننا سلفا نجد يدا مرابطية وراء كل هذه الثورات التي يقوم بها الأهالي ضدنا".

ـ الشيخ محي الدين حمل راية الجهاد ويحملها بعده ابنه الأمير عبد القادر، وكان من أبرز المجاهدين في جيش الأمير عبد القادر سيدي محمد بن علال بن الولي الصالح سيدي مبارك دفين القليعة وشيخ زاويتها، الذي تولى قيادة الجيوش وخاض كبريات المعارك في نواحي وهران إلى أن سقط شهيدا في معركة وقطعت رأسه ووضعت في حراب من جلد وأرسلت إلى مريديه وأتباعه،

ـ في شهر يناير من عام 1845 شهدت منطقة الظهرة معركة هامة أطلق عليها الفرنسيون " انتفاضة الطرق الصوفية"، وذلك لمشاركة العديد من الطرق فيها كـ: الرحمانية، القادرية، الطيببية، وانتقم المحتل من عرش أولاد رياح الساكن جنوب مدينة تنس والذي كان له شرف المشاركة في هذه الثورة.




ـ ثورة الشريف محمد بن عبد الله المعروف بـ " بو معزة" في منطقتي الشلف والونشريس (1846 ـ 1847): من أتباع الطريقة الطيبيبة، استنفر القبائل والأعراش بمنطقة الظهرة والشلف والونشريس، واتسعت لتشمل التيطري والحضنة وجبال ديرة وسور الغزلان، ثم امتدت إلى نواحي أولاد جلال، حيث وجدت الزاوية المختارية وشيخها الجليل الشيخ المختار بن عبد الرحمن مقدم الطريقة الرحمانية كامل الدعم والمساعدة.

ـ ثورة البطل الشيخ بوعمامة، انتشرت ثورته عبر مناطق عين الصفراء وتيارت وفرندة وسعيدة وعين صالح وتوات، وكرزاز, توفي سنة 1908 بعد ثلاثة عقود من الكفاح. وكانت ثورته امتداد لثورة سبقتها بقيادة أولاد سيدي الشيخ جنوب وهران، استمرت من سنة 1864 إلى 1880، وامتدت إلى جبل عمور التيطري متليلي, ورقلة, أدرار، سعيدة، غليزان، سور الغزلان....

ـ ثورة بن ناصر بن شهرة من الطريقة القادرية، بدأ يعد للثورة سنة 1846 اعتقل سنة 1851 ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من " بوغار". قال عنه الضابط الفرنسي " لويس رين": " كان ابن ناصر بن شهرة الملاح الحقيقي للصحراء". كما وجد المساعدة في الزاوية الرحمانية بنفطة لشيخها مصطفى بن عزوز التي كانت قبلة الثوار والمجاهدين، واستمر بن شهرة في كفاحه ضد الاستعمار إلى سنة 1875 حين أرغمه باي تونس على مغادرة بلاده، فيختار التوجه بحرا إلى بيروت ثم دمشق التي توفي بها سنة 1882.




الطريقة الرحمانية:

موضوع الطرق الصوفية من الموضوعات التي تشغل بال الكثير من الناس، والعديد من الباحثين والأساتذة والدارسين داخل الجزائر وخارجها، والحق أن للطرق الصوفية أهمية بالغة في الإسلام، وذلك أنها تمثل الجانب العملي من التصوف، وهو جانب ارتبط بحياة المجتمعات الإسلامية وجماهير الناس، ويسجل التاريخ لكثير من الطرق الصوفية مواقف لا تنقصها الشجاعة إزاء مواجهة العدو أو الظالم، ورد الظلم والدفاع عن مصالح الطبقات الفقيرة المستضعفة، وذلك في عزة مدهشة قل أن توجد في هذا العصر، ولا يخفى علينا دور الطريقة القادرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ودور السنوسية في ليبيا غير خاف على أحد، ونجد الدور نفسه قامت به الطريقة الشاذلية في مصر تجاه المحتل، وحفاظا على مصالح العباد، في عصر الشاذلي نفسه, والطريقة الرحمانية من ضمن هذه الطرق الصوفية التي أدت دورا هاما في المجتمع الجزائري والمجتمع التونسي.

وهي تمثل أحد المعالم الرئيسية البارزة وظاهرة دينية روحية اجتماعية وسياسية هامة في تاريخ الجزائر المعاصرة، فمن أي زاوية تناولها وجدنا الكثير من الفوائد والفرائد التي تساعدنا على فهم الكثير من الحقائق في الناحية الدينية، الناحية السياسية، الناحية الاجتماعية.

والطريقة الرحمانية هي طريقة دينية صوفية، نشأت في الجزائر في أواخر القرن الثاني عشر الهجري = الثامن عشر الميلادي، على يد مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري ( ومنه أخذت اسمها )، ففي سنة 1183 هـ أسس الشيخ زاويته بقرية آيت إسماعيل ومنها انطلقت الطريقة الرحمانية التي كانت تسمى في البداية الطريقة الخلوتية.

وهي طريقة تدعو إلى الصفاء والعودة إلى المنابع الأولى للإسلام ـ كما نجد ذلك في مصادرها ومراجعها الأساسية ـ، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق تطهير النفس وتخليصها من الشوائب والرعونات التي تمنعها من الوصول إلى جناب الحق، ويجب عليها قطع سبع مراحل أو أنفس بواسطة سبعة أسماء، شرح هذه الطريقة وفصلها في رسائله الكثيرة والمتعددة التي كان يرسلها إلى أتباعه ومريديه، والذين كان يطلب منهم ألا يبقوها بأيديهم بل يبعثوا بها إلى غيرهم لكي يستفيدوا منها، ثم تعود إليه في آخر المطاف، وهي طريقة عرفت نجاحا كبيرا، وطبقها أتباعه بالحرف، مما أدى إلى سرعة انتشار الطريقة الرحمانية في القطر الجزائري، وقد عرفت هذا الانتشار الواسع في حياة مؤسسها نفسه.

والشكل العام في التنظيم في الطريقة الرحمانية متشابه مع بقية الطرق الأخرى، فهناك الشيخ أو المعلم الذي يكن له المريدون كل الطاعة، وهناك المقدم وهو الذي ينوب عن الشيخ في بعض المهام والوظائف، وهناك المريد وهو محور العلملية التربوية في الطريقة.

وتهدف الطريقة الرحمانية ـ على ما يذكره أتباعها ـ إلى الجمع بين المنهجين المعروفين في الفكر الإسلامي:

1 ـ منهج العلماء الذين يرون ضرورة التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية.

2 ـ منهج الصوفية الذين يرون ضرورة التمسك بالتجربة الدينية.

ثـورات الطريقـة الرحمانيـة:

كان للانتفاضات والثورات الشعبية التي قامت بها الطريقة الرحمانية خلال القرن التاسع عشر أسس دينية، وهي الجهاد ضد النصارى المعادين للإسلام، وبناء على ذلك أدت الزوايا الرحمانية دورا كبيرا ورائعا في معظم تلك الانتفاضات وأثّرت بشكل جلي على مسارها واستمرارها، فثورة المقراني مثلا كان لزعيمها الروحي الشيخ الحداد الدور الرائد في قيام هذه الثورة التي خرج طلاب الزوايا من سيدي موسى اويدير وآث وغليس وغيرها من الزوايا التابعة للطريقة الرحمانية استجابة لدعوة الجهاد، وبفضل هؤلاء المجاهدين استمرت الثورة....

1 ـ ثورة الحاج عمر:

وتعتبر زاوية امحمد بن عبد الرحمان في ذراع الميزان هي الأخرى كغيرها من الزوايا، أدت دورا كبيرا في المقاومة, إذ تزعم قيّمها الحاج عمر عام 1851 حركة ثورية ضد القوات الفرنسية، وكان قد عُيَّن في عام 1854 مقدما للرحمانيين، وهو زوج الشيخة فاطمة إحدى بنات الشيخ علي بن عيسى الخليفة الأول لمؤسس الزاوية، وكان شديد الحيوية والنشاط، ومال إلى تأييد الثوار أثناء ثورة الشريف بوبغلة واعتصم بالمناطق الجبلية الحصينة قرب الزاوية حتى أرغمته القوات الفرنسية على الاستسلام يوم 14 نوفمبر 1851 في بني كوفي بآيت إسماعيل.

وقد احتفظ برئاسة الزاوية والإخوان حتى عام 1856، حيث تزعم من جديد الثورة بنفسه، ربط صلاته بالشيخ واعراب في اث ايراثن ولالا فاطمة والشيخ محمد بن عبد الرحمان شيخ بني منقور وقادوا جميعا في جبال جرجرة جماهير الرحمانيين ضد الجيش الفرنسي الذي كان يقوم بعمليات استكشافية في جبال جرجرة تمهيدا لغزوها، وزحف الحاج عمر بنفسه يوم الثاني من سبتمبر 1856 على رأس إخوانه إلى ذراع الميزان، وتواصلت المعارك حول هذه المدينة إلى غاية، يوم 22 من نفس الشهر وقام الجنرال يوسف بالزحف على زاوية آيت إسماعيل وعسكر حولها، وقد اختارته فرنسا لمثل هذه المهمة لشدة حقده على الإخوان خاصة وعلى الجزائريين بصفة عامة.

2 ـ ثورة لالا فاطمة نسومر:



ولدت لالا فاطمة بقرية ورجة سنة 1246هـ/1830م وتربت نشأة دينية. ولما واتتها الظروف انضمت إلى المقاومة حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقة جرجرة وفي صد هجومات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق المواصلات و لهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ الزوايا و القرى، و لعل أشهر معركة قادتها فاطمة نسومر هي تلك التي خاضتها إلى جانب الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين روندون و ماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمزقيدة حيث أبديا استماتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القوات عدة وعددا اضطر الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الانسحاب نحو بني يني ، وهناك دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا ووكلاء مقامات أولياء الله فجندوا الطلبة والمريدين وأتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين روندون ويوسف التركي ومعهما الباشا آغة الخائن الجودي، فاحتدمت المعركة وتلقت قوات العدو هزيمة نكراء، و تمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في المعركة..

بالرغم من الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات روندون يتشكرت ، إلا أن ذلك لم يثنه من مواصلة التغلغل بجبال جرجرة، فاحتل عزازقة في سنة 1854 فوزع الأراضي الخصبة على المعمّرين الوافدين معه، و أنشأ معسكرات في كل المناطق التي تمكّن منها، وواصل هجومه على كل المنطقة . بالرغم من التغلغل والزحف لم يثبّط عزيمة لالة فاطمة نسومر من مواصلة هجوماتها الخاطفة على القوات الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن و الأربعاء و تخلجت وعين تاوريغ وتوريرت موسى، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة وعتاد حديث، إضطرت على إثرها فاطمة نسومر إلى إعطاء الأوامر بالإنسحاب لقواتها إلى قرية تاخليجت ناث عيسو، لا سيما بعد إتبّاع قوات الاحتلال أسلوب التدمير والإبادة الجماعية، بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز ولا رحمة.



ولم يكن انسحاب فاطمة نسومر انهزاما أو تقهقرا أمام العدو أو تحصنا فقط بل لتكوين فرق سريعة من المجاهدين لضرب مؤخرات العدو الفرنسي وقطع طرق المواصلات و الإمدادات عليه.

الشيء الذي أقلق جنرالات الجيش الفرنسي و على رأسهم روندون المعزز بدعم قوات الجنرال ماكمهون القادمة من قسنطينة . خشي هذا الجنرال من تحطم معنويات جيوشه أمام هجمات فاطمة نسومر، فجند جيشا قوامه 45 ألف رجل بقيادته شخصيا، اتجه به صوب قرية آيت تسورغ حيث تتمركز قواة فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7000رجل و عدد من النساء وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين خرجت فاطمة في مقدمة الجميع تلبس لباسا حرير يا أحمر كان له الأثر البالغ في رعب عناصر جيش الاحتلال.

على الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة فاطمة نسومر فإن الانهزام كان حتميا نظرا للفارق الكبير في العدد و العدة بين قوات الطرفين، الأمر الذي دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات و إيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان.

إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهود ،إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر حيث تمّ اعتقالهم جميعا ، ثم أمر الجنرال روندون بمحاصرة ملجأ لالا فاطمة نسومر وتم أسرها مع عدد من النساء ....

وخوفا من تجدد الثورة بجبال جرجرة أبعدت لالا فاطمة نسومر مع 30 شخصا من رجال ونساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وبقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة ، على إثر مرض عضال تسبب في شللها.

3 ـ ثورة الشيخ بن جار الله:

من ثورات الأوراس ضد الاحتلال الفرنسي تلك التي دعا إليها وقادها المجاهد البطل محمد امزيان من قرية جار الله نواحي تكوت، وهو من إخوان زاوية الشيخ المصمودي، وكان إماما ومدرسا بجامع سيدي عيسى بوقبرين, وكان وثيق الصلة بالزاوية الرحمانية بتبرماسين.

اندلعت الثورة يوم 30 ماي 1879م في قرية الحمام جنوب إيشمول، وامتدت حتى شملت جنوب شاشار، والتف حولها أعراش أولاد داود، بني بوسليمان واحمر خدو، وجماعة من بني وجانة، ومن الزوايا زاوية بوزينة بقيادة الهاشمي بن دردور، لكن العدو باغت المجاهدين بقوات لا قبل بها، وقد سقط من الشهداء يومئذ 120 شهيدا.

أما القائد بن جار الله فقد تسلل إلى تونس، حيث أقام بزاوية الشيخ إبراهيم ولد الشريف وهي زاوية رحمانية بقابس، ولكن عيون فرنسا كانت تلاحقه فألقي عليه القبض رفقة أخيه ونخبة من المجاهدين، ونقلوا إلى قسنطينة حيث حوكموا، وصدرت الأحكام في 26 جوان 1879م، وكانت كالتالي:

14 حكما بالإعدام، 26 حكم بالأشغال الشاقة، 16 حكم بالبراءة، وبعد صدور عفو من رئيس جمهورية فرنسا في 09 نوفمبر 1880 خففت أحكام الإعدام إلى الأشغال الشاقة والنفي، وهكذا نفي المجاهدون إلى كورسيكا وكايان ومن هذا الأخير فر القائد بن جار الله إلى مكة أين توفي بها سنة 1889.

4 ـ ثورة الهاشمي بن علي دردور([1]): (1230/ 1317 هـ =1815/ 1899م).

من زعماء الجهاد في الجزائر، وكبار رجال الطريقة الرحمانية، وإليه تنسب الطريقة الدردورية إحدى فروع الطريقة الرحمانية. ولد سنة 1230 هـ = 1815م بمدرونة بمنطقة وادي عبدي في قلب الأوراس بالشرق الجزائري، حفظ القرآن بمسقط رأسه، ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره, ثم التحق بزاوية الشيخ محمد بن عزوز البرجي, ومنها انتقل إلى زاوية الشيخ عبد الحفيظ الخنقي بخنقة سيدي ناجي, ثم زاوية بوحجر نواحي قالمة ليعود بعد ذلك إلى مسقط رأسه.

سافر إلى مصر لمواصلة تعليمه, وبالضبط جامع الأزهر, وبعد تخرجه تولى التدريس بالإسكندرية إلى غاية سنة 1870, حيث عاد إلى أرض الوطن, وأسس زاوية ببلده سنة 1289 هـ= 1876م([2])، أصبحت تشكل خطرا على الاحتلال الفرنسي، شارك في انتفاضة الأوراس سنة 1879م بإخوانه ومريديه، مما أدى بالسلطات الاستعمارية إلى نفيه إلى جزيرة كورسيكا سنة 1293 هـ= 1880م، وفي سنة 1303 هـ= 1890م وبعد أن قضى في المنفى أكثر من عشر سنوات، أطلق سراح الشيخ الهاشمي وعاد إلى أرض الوطن, استأنف نشاطه بالزاوية, وتعود السلطات الفرنسية إلى اعتقاله ثانية سنة 1895 ونقلته إلى باتنة غير أن سكان الأوراس قاموا بمظاهرات لإطلاق سراحه وكان في طليعة المحتجين جماعة من الأعيان من بينهم الشيخ المبارك بن محمد بن بلقاسم من زاوية ثنية العابد وتحت ضغط الجماهير تم الإفراج عن الشيخ الهاشمي.

واصل الشيخ مهمته التعليمية والجهادية إلى أن وافاه الأجل سنة 1317 هـ= 1899م. عن عمر يناهز الخامسة والثمانين.

وصفه كل من ديبون وكوبولاني بأنه من ألد أعداء فرنسا ويحمل لها حقدا شديدا


_______________________________________

[1] ) أنظر: ديبون وكوبولاني 412، تاريخ الجزائر الثقافي 7 / 156، 158.

[2] ) يذكر الأستاذ صلاح مؤيد العقبي في كتابه الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر عند الحديث عن زاوية الشيخ علي دردور أن مؤسس زاوية مدرونة هو الشيخ علي دردور والد الشيخ الهاشمي وذلك في نهاية القرن الثامن عشر، وأن الشيخ الهاشمي قد حفظ القرآن بها وتولى التدريس بها وهي التي قامت بالمشاركة في ثورة ابن جار الله 1879م.
تكملة الموضوع

نفطة مدينة العلم و العلماء



نفطة مدينة تقع في ولاية توزر بالجنوب التونسي.

تقع مدينة نفطة في أقصى الجنوب الغربي للجمهورية التونسية ويحدها:

- شمالا: شط الغرسة

- غربا: حزوة

- شرقا: توزر

- جنوبا: شط الجريد

واحة " نفطة " بوابة الصحراء للقادم من الشمال، وتبدو وكأنها سجاد مخملي بسطته الطبيعة على عتبات الصحراء، حيث يتدفق فيها الماء من عيون طبيعية ثم ينساب في سواقي صافية يروي الواحة الجميلة المزدانة بأنواع النباتات المختلفة.

تاريخ المدينة وأهم المواقع التاريخية والأثري
اتفق عدة مؤرخين وفي طليعتهم ابن الشباط التوزري بأنه مؤسس مدينة نفطة كان"قسطل بن مام ابن نوح عليه السلام بعد الطوفان. وعرفت في ذلك العهد باسم مؤسسها (قسطيلية) الرومانية. باللغةKASTEL أن التسمية من "القصور" والأرجح ورد أن مدينة قسطيلية اختفت بعد ثلاثة قرون من تأسيسها وظهر شمالها (مكان زاوية سيدي حمد الآن مدينة" كتهاور"2300 قدم أسسها النفتوهيم الفارون من مصر اتقاء غزو سلطان الرعاة .

وانقرضت"كتهوار" بعد خمسة قرون من تأسيسها وظهرت مكانها "أقارصل نبت" وهي التي أدركت الغزو الروماني وهي التي صالح أهلها عقبة بن نافع سنة 65 هـ ، وهي التي ولد بها طارق بن زياد البربري مولى موسى بن نصير وقائد الفتح للأندلس كما ذكره البارون ديكلام.

نفطة كانت تعرف بالكوفة الصغرى لكثرة علمائها وبثغر الصحراء وهي الرابطة بين غرب الشمال الإفريقي وشرقه وبين القيروان وجنوب الصحراء من بلاد السودان وعرفت ثراء واسعا لذلك ولكثرة مياهها وخصوبتها وجمال واحاتها.

وأنجبت علماء من أوائل العصور الإسلامية مثل أبي الحسن إسماعيل القرشاني في 240 هـ وعبد الرحمان ابن الصائغ النفطي تولى خطة قاضي الجماعة بتونس 646 هـ 1248 م. وإبن الإمام أبو القاسم عبد الرحمان الذي أتم أول شرح لصحيح مسلم سنـة 531هـ. والعالم السني قمة التصوف العملي والذي ركز المذهب السني بالجريد ونفزاوة في 610 هـ. وأبو العباس الدرجيني القرن 7 للهجرة، وصاحب كتاب الطبقات، واستمر عطاء نفطة وإشعاعها العلمي في مختلف العصور. نفطة مسقط رأس ( الشيخ المكي بن نصر) ولد "الشيخ المكي بن نصر" بنفطة، وهي ثاني مدن الجريد، بعد مدينة توزر بالجنوب الغربي من البلاد التونسية.

ومدينة نفطة معروفة منذ تاريخ قديم بمشائخها الأجلاء وبعلمائها الأفاضل، منهم الولي الصالح ابوعلي السني ، المعروف بسيدي بوعلي السني، المعروف بسيدي بوعلي، والعالم الجامع الشيخ المكي بن عزوز والشيخ الصالح الخضر بن الحسين الذي تولى مشيخة الجامع الأزهر بالقاهرة. ومدينة نفطة مشهورة أيضا بعدد جوامعها الكبيرة وكذلك مساجدها وأضرحة أوليائها الصالحين وأيضا بمجالس تدريس العلم و الفقه في الدين التي يقوم بها عدد من المشائخ والعلماء بمدينة نفطة لهذه الأسباب أطلق على مدينة نفطة تسمية الكوفة الصغرى تشبيها بمدينة الكوفة الموجودة بالعراق من ناحية انتشار مجالس العلم وتعداد بيوت الله. وخير ما تقدم به مدينة نفطة بعض ما جاء في القصيدة المطولة نظمها الشاعر الليبي علي نور الدين الفكيني في أكتوبر 1930م حيث قال:

فإذا نزلت بنفطـــة فاقصد بهــا أهل الوفــا والجـــود والإحســان قوم كرام قد علت أحسابهـــــم بنزاهـــة وتقى وصدق لســـان هـــم آلفوا بينهم بمجالـــس مزدانة بفصاحــــة وبيــــــان في كوفة الغرب التي قــد فاخرت بأبي علـي صاحـــب البرهـــان علم همام مصلح ذو همــــــة روحية، فذ، عظيم الشــــــان وبه الجريـــد زهي بإرشاداتــه متمتـعا باليسر والعمـــــــران واحاته وافــت بوافر دقلــــة ومراتع للغيد والغــــــــزلان

ويصف السيد علي نور الدين فاكيني بموضع آخر مدينة نفطة ومدن وقرى الجريد أخرى كما يلي : بها بساتين جميلة مزدهرة تشرب من العيون والآبار ....ومائها عذب زلال وتحيط بالواحات الرمال والسباخ وأرض من مراعي الإبل . وفي القرن العشرين أنجبت نفطة الشيخ محمد المكي بن عزوز ق/1915 م، من أصحاب خير الدين باشا و تلميذ و صديق الشيخ سالم بوحاجب زعيم الإصلاح . و الشيخ محمد المكي خال الشيخ الخض حسين الذي تولى مشيخة الأزهر سنة 1952 والذي نشر له الأستاذ علي الرضا الحسيني 26 تأليفا و كان رئيسا لمكتب تحرير المغرب بالقاهرة و شيخ كبار علماء الازهر و الشيخ النوري بن بلقاسم و محمد بن إبراهيم الذي كان يلقب بجنرال العلماء ، و عمر زعيبط و العروسي العبادي و التابعي الوادي و إبراهيم الحداد و التارزي بن عزوز و إبراهيم بن حسن و إبراهيم خريف و إبراهيم صمادح والشيخ محمد بن حمد والموثق المؤرخ محمد الصالح المهيدي صديق الشاعرين مصطفى خريف و أبي القاسم الشابي والطاهر الحداد و الشعراء الكثيرون منهم محي الدين خريف وعبد الباقي خريف و الشاعر الاجتماعي والسيد التابعي وعبد الحميد خريف الشاعر الصحافي واحمد عامر الصحافي الشهير .

ومن الشعراء الفحول مثل محمد بن رمضان في عهد الدولة الفاطمية الذي كان قاضيا على طبنة ( بالجزائر) و مصطفى خريف صديق أبي القاسم الشابي و صاحب الديباجة والمتانة و المنور صمادح و الميداني بن صالح رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الآن . و القصاص المبدع البشير خريف و الهادي بن صالح و التابعي الأخضر ، والدكتور عبد الحميد الأرقش رئيس قسم التاريخ بجامعة منوبة وصاحب التآليف الدقيقة مثل كتابه المطبوع بالغة الفرنسية: "المهمّشون بتونس" والدكتور عبد الكريم قابوس والمختص في المسرح والسينما والأديب التابعي الأخنش الذي كان ينظم الشعر الجيد باللغة الفرنسية وكان من أوائل التونسيين الذين درسوا بجامعة مونبيليى بفرنسا، وفتى الواحة(عبد الرحمان عمار) الأديب المتعدد المواهب والصحفي المناظل نجيب بن السعيد بن عزوز صاحب جريدة الإعلان. والأستاذ أحمد جليد رئيس قسم الدوريات بالمكتبة الوطنية بتونس والذي كان نعم المعين لكل الباحثين ، بكل تفان وإخلاص.


نفطة كانت تعد 50 مسجدا و 16 جامعا ( إلى أول عهد الاستقلال ) و آهل مالي يعدون نفطة خامس بلد في الإسلام ، و بها من الفرق الصوفية العلوية و القادرية و الرحمانية (العزوزية) نسبة إلى مؤسسها العلامة الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي والسلامية. و كانت نفطة بيت العلوم الإسلامية و حفظ القرآن و خاصة للطلبة الجزائريين و أولاد بويحيى وتمغزة و الفراشيش و الجنوب الشرقي من أهل مدنين و تطاوين و بن قردان و قد تخرج منها أمثال الشيخ العربي التيسي الذي كان نائب الشيخ ابن باديس في جمعية العلماء و اغتاله الاستعمار الفرنسي ، و الدكتور الإقبال موسى مدير البحث العلمي بجامعة الجزائر و الطاهر الزردومي من قادة الثورة ، استشهد في معركة تحرير الجزائر و غيرهم كثير. وكانت مأمنا لــ700 مهاجر من الإخوان الجزائريين حيث يجدون الأمن والمعونة كما كان الطلبة يجدون الرعاية و ضمان السكن و المئونة والتعليم مجانا لوجه العلم كما هو الشأن في جميع ربوع الجريد.

------
المصدر:
موسوعة المعرفة (mohtawa.org)
تكملة الموضوع

طريق الوصول إلى محبة سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله سلم



طريق الوصول إلى محبة سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله سلم

بقلم : محمود حسين الكتانى.

الحمد لله ولى من كان تقيا وأصلى وأسلم على من قربه ربه نجيا وكان به حفيا وعلى آله وصحبه الذين رضوا بالله ربا فكان ربهم عنهم راضيا مرضيا.

مما لاشك فيه أننا نحب النبي الأعظم الفاتح الخاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلنا يحاول أن يبرهن على تلك المحبة بشتى السبل ولكن يثور التساؤل هل محبته صلى الله عليه وآله وسلم كمحبة بعضنا البعض أم أن هناك معان أخرى يمكن أن تكون هي طريق الوصول إلى محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والإجابة أن المعني الحقيقي الدال والموصل إلى إظهار محبته صلى الله عليه وسلم هي القيام بأداء حقوقه صلى الله عليه وآله وسلم..
فتعالوا بنا نتعرف على حقوقه صلى الله عليه وآله وسلم حتى نصل سويا إلى محبته الخالصة بغير عناء
فتعالوا بنا نتعرف على تلك الحقوق التي هي طريق الوصول إلى محبة الرسول صلى الله عليه وآله سلم وننظر هل أدينا تلك الحقوق...

الحقِّ الأول :

أن على الناس أن يؤمنوا به ويصدقوه فيما أخبَرَ عن ربِّه، وأن يطيعوه ولا يعصوا له أمراً، وأن يحتكموا إليه ، وأن لا يقدموا بين يديه بقولٍ أو فهم أو فعل ينمُّ عن الاعتراض أو المخالفة لحكمه وأمره وسنَّته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهي كل ما صح عنه من قول، أو فعل، أو إقرار. وبالتالي فإن التعقيب على سنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وردها يكون كمن يرد سنَّته ويُعقِّب عليه في حياته وحضرته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال رب العزة جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ رُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء:59 .
وقال عز من قائل : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور:63.
وقال جل وعلا : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }النساء:65.
فقد أقسم الله سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكِداً النفي قبله ، فقال : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يؤمن الخلق حتى يحكموا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل ما شجر بينهم ، واشترط ألا يبقى في النفس من حكم الله أدنى حرج فقال : ( ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ) أي مما قضى به الله ، ثم أكد التأكيد على التسليم بالتسليم فقال : (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) فالتسليم والإيمان هما صفة أساسية من صفات المسلم الحق الذي ينقاد لله تعالى فيما دعاه إليه ، قال جل وعلا : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور51
وقال تعالى أيضا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَـوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} الحجرات:1-2.
فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يُخافُ منه أن تحبط أعمال صاحبه وهو لا يشعر ، فوجب الحذر من ذلك ، فمن المعلوم أن ذلك لِمَا ينبغي له (صلى الله عليه وآله وسلم) من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال والإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واجب وحق على كل من سمع به فقد روى مسلم ، عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنه قال: (( والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار )).
فمجرد السماع بالنبى (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوم به الحجة على السامع ويُدفع به الجهل عنه أى عن السامع ، ويحقق عنده العلم بحقيقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقيقة دعوته .
خلاصة الأمر أن الإيمان بالنبي حق من حقوقه (صلى الله عليه وآله وسلم) روى الترمذي، وابن ماجه، في حديث صححه الحاكم : عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( لا يؤمنُ عبدٌ حتى يؤمنَ بأربعٍ: يَشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموتِ والبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدَرِ )) .

الحق الثانى :

مبايعته صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمنا كيف نبايعه ، روى عن عبادة بن الصامت في حديث متفق عليه ، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحوله عصابة من أصحابه: (( بايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئاً، ولا تَسرقوا، ولا تَزْنوا، ولا تقتلوا أولادَكــــــم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروفٍ ، فمن وفىَّ منكم فأجره على الله، ومن أصابَ من ذلك شيئاً فعُوقِب به في الدنيا، فهو كفَّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله عليه في الدنيا ، فهو إلى الله إن شاءَ عفا عنه وإن شاء عاقبَهُ )) ، قال عبادة بن الصامت فبايعناه
على ذلك ، إذن فبيعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي العمل بكل ما أمر به صلوات ربى وسلامه عليه بذلك الحديـث ،

الحق الثالث :

حق للنبي صلى الله عليه وسلم طاعته طاعة كاملة أخرج البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ((" كلُّ أمتي يَدخلون الجنة إلا من أبى " قيل: ومن يأبى يا رسولَ الله؟ قال:"من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" )) ،
وأول من أطاع النبى صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال ومافعل هم صحابته رضوان الله عليهم وكانوا يدافعون أشد الدفاع عن سنته ومن أمثلة ذلك
ماأورده ابن ماجة فى السنن عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه نهر رجلا كان يترك الحديث ويضرب الأمثال ، قال أبو هريرة : يا ابن أخي ، إذا حدثتُكَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثاً فلا تضرب له الأمثال .
وما روى ابن ماجة أيضا فى سننه عن ابن عمر، أن رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (( لا تمنعوا إماءَ الله أن يصلين في المسجد )) . فقال ابنٌ له : إنا لنمنعهنَّ ، فغضب ابن عمر غضباً شديداً ، ونهر ابنه وقال : أحدث عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول إنا لنمنعهنّ ؟‍! .
روى الدارمي ، مشكاة المصابيح: 194، صحيح الجامع الصغير: 5308 . عن جابر،أن عمر بن الخطاب ، أتى رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفى يده نسخةٍ من التوراة، فقال: يا رسولَ الله ! هذه نسخة من التوراة ، فسكت النبى، فجعل عمر يقرأ ووجه النبِّي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتغير، فقال أبو بكر لعمر : ثكلتك الثواكل ! ما ترى ما بوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! فنظر عمر إلى وجهِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: أعوذُ بالله من غضب اللهِ وغضب رسوله ، رضينا بالله رباً ، وبالإسلامِ ديناً ، وبمحمدٍ نبياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيَّاً وأدركَ نبوتي لاتّبعني )) .
فإذا كان هذا ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن يتبع نبي الله موسى ويترك محمداً صلوات ربي وسلامه عليه ، فكيف بمن يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه .. ويتبع من يحاولون فرض فكر بعينه على الناس متسترين تحت مسمى السلف وهم عن السلف ببعيــد ..
وانظروا أحبتي في الله إلى ذلك المشهد لصحابي جليل في طاعته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي صحيح سنن أبي داود 966عن جابر، قال : لما استوى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة ( أي على المنبر ) ، قال: ( اجلسوا ) ، فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، وكان قادما ولم يكن دخل المسجد بعد ، فجلسَ على بابِ المسجد ، فرآه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فقال له : (( تعالَ يا عبدَ الله بنَ مسعود )) .
فانضروا الى ابن مسعود وشدة حرصه (رض)، على امتثال أمر النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسرع ما يمكن ؛ حيث وافق أمر النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لحظة دخوله باب المسجد فجلس فى مكانه ، وفي ذلك دلالة على مدى قدسية أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفوس أصحابه ، وشدة انقيادهم له صلى الله عليه وآله وسلم .

الحق الرابع :

وهو حق يعد من لوازم الإيمان وشروطه حُبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوقيرُه. قال تعالى: { قُلْ إِنْ كَـانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْــرِهِ وَاللَّهُ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة:24.
وقال تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } الفتح:9.

وروى عن أنس ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولده، والناسِ أجمعين )) متفق عليه.
وفي رواية مسلم: (( لا يؤمنُ عبدٌ حتى أكونَ أحبَّ إليه من أهلِه ومالِه والناسِ أجمعين )) .
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحبونه صلى الله عليه وآله وسلم ويوقرونه ويعظمونه حتى أن عروة بن مسعود لقريش حين أرسلوه ليفـاوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ، قال : (( دخلت على الملوك : كسرى وقيصر والنجاشي ، لم أرى أحدا يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدا ، كان إذا أمرهـــم ابتدروا أمره ( اى كلهم يتهافت على التنفيذ) وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما لـه ))
هكذا كانوا يحبونه يعظمونه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع ما جبله الله عليه من الأخلاق الكريمة ولين الجانب وسهوله النفس ، ولو كان فظا غليظ القلب لا نفضوا من حوله .

واليكم صُوَرٌ من احترامِ وتوقِير السَّلفِ الصالحِ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما نقله القاضي عياض ، من كتب أصحاب مالك قال :

كان الإمام مالكُ رحمه الله إذا ذُكِرَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يتغير لونُه وينحني حتى يَصعُبَ ذلك على جُلسائه ، فقيل له يوماً في ذلك ؟ فقال : لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون ؛ لقد كنتُ أرى محمد بن المنكدر وكان سيِّدَ القُرَّاء ، لا نكادُ نسألُه عن حديثٍ أبداً إلا يبكي حتى نرحمَهُ ، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد ـ وكان كثيرَ الدُّعابة والتَّبسُّمِ ـ فإذا ذُكِرَ عنده النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اصفر لونُه!
ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم، يَذكرُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيُنظَرُ إلى لونِه كأنَّه نزفَ منه الدم، وقد جفَّ لسانُه في فمِه هيبةً لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولقد رأيتُ الزُّهريَّ ـ وكان لمن أهنأ الناس ـ فإذا ذُكِر عنده النبيُّ، فكأنه ما عرفَك ولا عرفتَهُ.
ولقد كنتُ آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكِر عنده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بكى حتى لا يبقى في عينهِ دموعٌ .
ولقد كنت آتي صفوان بن سليم ـ وكان من المتعبدين المجتهدين ـ فإذا ذُكِر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، بكى فلا يزالُ يبكي حتى يقومَ الناسُ عنه ويتركوه .
هكذا كان احترام السلف وتوقيرهم لشخص النبى صلى الله عليه وسلم

الحق الخامس :

من حقُوقهِ صلى الله عليه وآله وسلم ألا يُغَالُى الناس في إطرائه ، فقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ): (( لا تَطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه؛ فقولوا عبد الله ورسوله )) ، أي لا تغالوا في مدحي ، كما غالت النصارى في عيسى ابن مريم ، وادعت له الألوهية ، أما مدحه صلى الله عليه وسلم بذكر محاسنه وصفاته وأخلاقه وما إلى ذلك فذلك كله ليس فيه شئ من المغالاة فقد مدحه ربه جل وعلا في عديد من آيات القرآن الكريم بذكر تلك الصفات .
فقد روى البخاري عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعوِّذٍ رضي الله عنها ، قالت : دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غداة بُنِيَ عليَّ ، وجويرات يضربن بالدُّف ، يَندُبْنَ من قُتل من آبائي يومَ بدر ، حتى قالت جارية : وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غدِ ! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تقولي هكذا ،ـ وقولي ما كنتِ تقولين ". فنهاها عن ذلك لأن علم ما في غدٍ من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، كما قال تعالى: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } الأعراف188
وروى رواه أحمد، والنسائي عن أنسٍ رضي الله عنه، أن ناساً قالوا: يا رسول الله يا خيرَنا وابنَ خيرنا، وسيدنا وابنَ سيدنا، فقال: (( يا أيها الناس قولوا بقولِكم ولا يستهوينَّكم الشيطانُ [ أي فتقولون ما لا ينبغي قوله ] ، أنا محمد عبد الله ورسولُه، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجـل ))

ذلك هو خلق النبي وتواضعه لله فقد روى أحمد، وابن ماجه، والبيهقي، والطبراني في الكبير ، عن ابن عباس، قال : جـاء رجـلٌ إلى النبي ( ص) ، فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاءَ اللهُ وشِئتَ ! فقال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل : (( أجعلتني مع الله ندَّاً ؛ لا بل ما شاء اللهُ وحده ))
و روى ابن ماجه والحاكم في المستدرك عن أبي مسعود البدري ، قال أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ ، فكلمه فجعلَ ترتعدُ فرائِصُه، فقال له : (( هوِّن عليك؛ فإنِّي لستُ بملِكٍ، إنَّما أنا ابنُ امرأةٍ من قريش، كانت تأكلُ القديدَ )) . ،. والقديد : هو اللحم المملح المجفف في الشمس .

الحق السادس :

إذا كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد حذر من إطرائه فإن سادس حق من حقوق النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا ننتقص شيئا من قدره (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن انتقص شيئاً من قَدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو شتمَه، أو استهزأ به، أو قلَّل من شأنه أو قال كلاماً بحقه على وجه التهكم والسخرية .. فهو كافر مرتد ، يُقتل حداً وكفراً. شاتم النبي ( ص) يُقتل حداً وكفراً ، فإن تاب وصدق في توبته نفعته توبته ، وسقط عنه حكم الكفر، ويبقي الحد قصاصاً وحداً من حدود الله لا بد منه حصانة للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ولحرماته ، وحقاً من حقوقه .. وهذا الحد حق لكل نبي من أنبياء الله تعالى؛ فمن تَعرَّض لنبي من أنبياء الله تعالى بالطعن والسب أو الاستهزاء فحكمه كحم من يتعرض لنبينا صلوات الله وسلامه عليه وآله بشيءٍ من ذلك ، ذلك لأن الله جل وعلا حذر من ذلك فقال : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } التوبة:66.

وانظروا أحبتي في الله إلى ما فعله زوج مع زوجته دفاعا عن حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) روى أبو داود، والنسائي، وفى صحيح سنن أبي داود: ، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن أعمى كانت له أمُّ ولد ( زوجة حامل )، تشتمُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتقعُ فيه ، فينهاها فلا تنتهي ، وِيِزْجُرُها فلا تنزجر. قال : فلما كانت ذات ليلة جَعَلَتْ تقع في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشتمُه ، فأخذ المعْوَلَ فوضعه في بطنها ، واتكأ عليها فقتلها ، فوقع بين رجليها طفلٌ ( سقط حملها )، فلطَّخت ما هناكَ بالدم ، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجمع النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الناسَ ودعا الرجل فقال : (( أُنشدُ اللهَ رجلاً فعلَ ما فعل ، لي عليه حقٌ إلا قام )) ، فقام لأعمى يتخطَّى الناسَ ، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدَي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال : يا رسول الله ! أنا صاحبها ، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجُرُهِا فلا تنزجر ، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، وكانت بي رفيقة ، فلما كانت البارحة جَعَلَتْ تشتِمُك وتقعُ فيك ، فأخذت المعْول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها ، فقـال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( ألا اشهدوا أن دمَها هَدْرٌ )) ـ أي لا قصاص ولا ديّة على قاتلها ـ وذلك لأنها كانت تسب وتشتم النبى صلى الله عليه وسلم فذاك حدها فوجب قتلها .
وفى صحيح سنن النسائي عن أبي برزة الأسلمي ، قال : أغلظ رجلٌ لأبي بكر الصديق ، فقلت : أقتلُه : فانتهرَني أبو بكر، وقال : ليس هذا الحد لأحد بعد الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم). وقوله " بعد الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم) " ؛ أي من غير الأنبياء فمن تَعـرَّض لنبي من أنبياء الله تعالى بالطعن والسب أو الاستهزاء فحكمه كحم من يتعرض لنبينا صلوات الله وسلامه عليه بشيءٍ من ذلك .

الحق السابع :

فمن حقه صلى الله عليه وآله وسلم ألا نتحدث عنه كذبا ففى صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( مَن كذبَ عليَّ متعمِّداً فليَتبوَّأ مقعدَهُ مِنَْ النَّار )) .
و أخرج الإمام أحمد عن أبي قتادة، قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إياكم وكثرة الحديث عني ؛ من قال عليَّ فلا يقولنَّ إلا حقَّاً أو صدقاً، فمن قال عليَّ ما لم أقُل، فليتبوَّأ مِقْعَدَهُ مِنْ َالنَّار))..
فكل من يتقول على النبى صلى الله عليه وسلم بما لم يقل، أو يفتي في مسألة من المسائل وينسب فتواه من غير علم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أكثر من يفعل ذلك في زماننا فمن فعل ذلك فليتبوأ مقعده من النار !!

الحق الثامن :

أن يُصلَّى عليه صلى الله عليه وآله وسلم كُلَمَا ذُكِرَ .. فمن لم يفعل ذلك فهو بخيل، وقد ظلمَ نَفْسَه ، قال جل وعلا : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما } الأحزاب: 56. فصلاة الله على عبده ونبيه ثناء عليه ، ورفع لمقامه وذِكره ، في الأرض وفي السماء .. وصلاتنا والملائكة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثناء عليه ، وإظهار لفضله وشرفه ، ولعظيم حقه علينا .. ودعاء منا بأن يثني الله عليه .. ويُعلي من ذكره ومقامه (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد قال بهذا المعنى البخاري في صحيحه .. كما ثبت أن الدعاء إلى الله لا يصعد إلا بالصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي صحيح الجامع الصغير عن علي رضي الله عنه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (( كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) )) .

وروى الترمذي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً، قال : (( إن الدعاءَ موقوفٌ بين السماء والأرض؛ لا يَصعدُ منه شيءٌ حتى تُصلِّي على نبيِّك
( صلى الله عليه وآله وسلم) )) .
فابتداء الدعاء بالصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم جعل حاجة الداعي ومسألته في الوسط بين أول دعائه وآخره وختمه بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر واجب لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويجعل دعائه أحرى بالقبول ؛ فالله تعالى أكرم من أن يقبل أول الدعاء وآخره ، ثم يرد وسطه ، والله تعالى أعلم.
وروى النسائي وغيره عن أبي بُردة ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( مَن صلَّى عليَّ من أمتي صلاةً مخلصاً من قلبه؛ صلَّى الله عليه بها عَشر صلواتٍ، ورفعه بها عشْرَ درجاتٍ، وكتبَ له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشرَ سيئاتٍ )) .
وروى الطبراني، عن أنسٍ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( أكثروا الصلاةَ عليَّ يومَ الجمعةَ؛ فإنه أتاني جبريلُ آنفاً عن ربِّه عز وجل فقال: ما على الأرضِ من مسلمٍ يُصلي عليكَ مرةً واحدة ؛ إلا صلَّيْتُ أنا وملائكتي عليه عشراً )) .

يا ألله.....انظروا أحبتي في الله فلا يعلم كم عدد الملائكة إلا الله ؛ وإذا كان كل ملكٍ يُصلي على من صلى على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر مرات ، فهذا يعني أن من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرةً يُصلَّى عليه مئات الملايين من المرات من قِبَلِ ملائكة الله تعالى .. وعلى قدِّر عددهم .. هذا غير صلاة الرب عـز وجل على عبده .. وصلاته ( صلى الله عليه وآله وسلم) تكفي وزيادة .. فأين المغترفــــــــون ؟!! ألا ترون معي أن في ذلك رد على الجهلاء الذين ينكرون كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دون وعى ولا علم .

وروى الترمذي عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أولى الناسِ بي يومَ القيامة أكثرُهم عليَّ صلاةً )) .

وأخرج أحمد ، والترمذي، والحاكم عن أُبي بن كعب ، قال : قلت يا رسول الله ! إنِّي أُكثِرُ الصلاةَ عليكَ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال: " ما شِئتَ "، قال: قلتُ الرُّبعَ ؟ قال: " ما شِئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك "، قلت: النُّصفَ ؟ قال: " ما شِئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك "، قال: قلتُ ثُلُثَين ؟ قال: " ما شِئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك "، قال: أجعَــل لك صلاتي كُلَّها؟ قال: " إذاً تُكفَى همُّكَ، ويُغفَر لك ذنبُكَ ".
و أخرج ابن ماجة عن أبي الدرداء قال : قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " أكثروا من الصلاةِ عليَّ يومَ الجمعة؛ فإنه مشهودٌ تشهدُه الملائكةُ، وإنَّ أحداً لن يُصلي عليَّ إلا عُرِضت عليَّ صلاتُه حتى يفرغَ منها " قال: قلت وبعد الموت ؟ قال: إنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء" ، فنبيُّ الله حيٌّ يُرزَق.
وروى البزار ، عن عمار بن ياسر، قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
(( إن الله وكَّلَ بقبري ملَكاً أعطاهُ الله أسماءَ الخلائقِ؛ فلا يُصلِّي عليَّ أحدٌ إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلانُ ابنُ فلانٍ قد صلَّى عليكَ )) .
وروى الطبراني، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) :
(( أتاني جبريل فقال: يا محمد ! من ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليكَ فماتَ فدخل النار فأبعدَهُ الله، قل: آمين، فقلت: آمين )) .
وعن جابر بن عبد الله أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: " لما رقيتُ الدرجةَ الأولى ـ أي من المنبر ـ جاءني جبريل فقال:" شَقِيَ عبدٌ ذُكِرْتَ عنده ولم يُصلِّ عليك، فقلت: آمين ". فصلوا عليه عباد الله وسلموا تسليما .

أما تاسع حقُوقِه (صلى الله عليه وسلم ) :

أن يُطلب له من الله الوسيلة روى أحمد والبخاري، وأصحاب السنن ، عن جابر، قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم): (( من قال حينَ يسمعُ النداءَ: اللهمَّ رب هذه الدعوة التامَّةِ، والصلاةِ القائمةِ، آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة )).
" والوسيلة " ؛ هي منزلة في الجنة لا تُعطى إلا لعبد واحدٍ، كما ورد ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : (( سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله تعالى ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له شفاعتي )) .

" أما المقام المحمود "؛ هو الشفاعة الأولى التي يُعطاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويعتذر منها الأنبياء، إلا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فيقول: " أنا لها، أنا لها " فيحمده الناس على ذلك ؛ أن أراحهم الله تعالى ـ بشفاعة نبيه ـ من شدة هول يوم الحشر والزحام ، وما هم فيه من موقف عصيب ..

وأخيرا وليس بآخر :

فإن من حقه صلى الله عليه وسلم أن نحيى سنته ونعمل بما أحل وننتهى عما حرم ففى صحيح سنن ابن ماجه : عن المقدام بن معد يكرب الكندي ، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " يُوشِكُ الرجلُ مُتكئاً على أريكَته يُحَدَّثُ بحديثٍ من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتابُ الله عز وجل ، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحلَلْناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه، ألا وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل ما حرَّم الله ".

فالأحكام الشرعية ـ من تحليل وتحريم ، وبيان ما هو واجب وما هو مندوب كما تؤخذ من كتاب الله تعالى ، كذلك فهي تؤخذ من سنة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكما أن القرآن حجة، كذلك السنة فهي حجة، من ردها فقد رد حجة القرآن ولا بد من الطاعة ، كما قال جل وعلا : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } الحشر:7. وفي صحيح البخارى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله " وفى ذلك رَدٌ على القرآنيين ؛ الذين ينكرون السنة ويبطلون العمل بها ، ويزعمون أنهم لا يؤمنون ولا يعملون إلا بالقرآن .. وهؤلاء كذابون ومتناقضون إذ أن الإيمان بالقرآن يؤدي بالضرورة إلى الإيمان بالسنة... ومن كان هذا قوله واعتقاده لا شك في كفره وزندقته وخروجه من الإسلام لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( أوتيت القرآن ومثله معه )).. لذلك فإن من حقوقه صلى الله عليه وسلم الدفاع عن شريعته وهديه فليس لأي مسلم حين يسمع من يهاجم شريعة النبي صلي الله عليه وسلم أو شخصه الكريم أن يسكت على ذلك مع قدرته على الدفاع { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ } التوبة40.

------------------

اللهم ارزقنا حب نبيك وطاعته وارزقنا في الآخرة شفاعته
اللهم اجعلنا ممن يردون حوضه
واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا
اللهم إنا نسألك محبته بقدر ما آمنا به ولم نره
ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله
آمين آمين آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلِّ اللهمَّ على عبدكَ ونبيِّك محمد عدَدَ خلقِك ، ورِضا نفسِك ، وزِنَةَ عَرْشِك ومِدادَ كلماتكِ، السَّاعَةَ وكلَّ ساعةٍ، وإلى أن تقوم الساعة ، وسلِّم تسليماً كثيراً
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |