من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تراجم الأولياء والصالحين في الجزائر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تراجم الأولياء والصالحين في الجزائر. إظهار كافة الرسائل

ترجمة الشّيخ الرّباني العارف باللّه محمد بجاوي المدعو سي محمد العـقـون

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الشّيخ الرّباني العارف باللّه محمد بجاوي  المدعو

 [سي محمد العـقـون]
1900م – 1958م

أحد أعلام بـلدة بـرج بن عزوز                                                                                       بقلم الأستاذ:  أحمد جَلال البرجي


هو محمد بجاوي بـن محمد بـن أحمد وابن فاطنة (فاطمة) بجاوي، المعروف لدى الجميع (سي محمد العقون) وهذا لقب أطلقه عليه بعض أقاربه لكثرة صمته وهدوئه، فلازمه إلى ما بعد وفاته، فالتصق باسمه ليميّـزه عن بقيّة المحمدين، وكلمة "العقون" هنا تعني الصَّمُوت أي كثير الصمت وهي بلغة سكان المنطقة.

* كثيرٌ من عامّة النّاس لا يفقهون حقيقة الصّمت والسّكوت، فالصّمتُ جميلٌ، و أجمله على مَن   يُـتـقن صنعته، الصّمت هو العلم الأصعب، الصّمتُ حراكٌ فكريٌّ، هو الأستاذ لِعلم التّحصيل، الصّمتُ يـقي الفردَ معايبه، ويُوّلـد فيـه  مهابته، لكنّه هو العلـمُ الأصْعب، إنّه الرّجلُ الرّبّانيُّ التّقيُّ الخَلوق، القرآنـيُّ السّـنّـيُّ الورِعُ العميق.


مولده وتعلُّمه:

ولد شيخنا على أرض بلدته الطّيّبة "بـرج بن عزوز" خلال 1900م من عائلة عريقة محبّة للعلم والدّين تـهتمّ بزراعة النّخيل، حظي الطّفل بـتـنشئـة اجتماعيّة محافظة على الدّين والأخلاق، والأصول التّربويّة النّبيلة السّائدة آنذاك في أغلب عائلات البلدة، أُدخل الكُـتّاب صغيراً لِيتـعلّم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، فحفظه في العاشرة من عمره على يد جدّه الشيخ أحمد بجاوي بالمسجد العتيق.

ولمّا كانت نفسه راغبةً في الاستزادة من العلم، أُدخل الزّاويـة العثمانيّة العامرة لِينهل من معينها، فدرس علم الفقه وعلم الحديث وغيرهما من علوم الدّين التي كانت تُقدَّم في الزّاوية، إلى جانب النّحو والصّرف والتّـاريخ  والأدب، وكان ذلك على يد الشّيخين عبد الله بـن عـزوز، والمداني بـن عـزوز وغيرهما مِن أكْـفـَـإِ شـيـوخ الزّاويـة.

تعليمه لِلقرآن الكريم:

بدأ تحفيظ القرآن الكريم للتّلاميذ سنةَ 1915م، حين بلغ من العمر 15سنة، ولم تطلْ مدّة هذا التّعليم إلاّ لعامين تقريباً، حيث كُلّف بإمامة المصلّين.

بعض طلبته:

من أسماء تلاميذه في حفظ القرآن الكريم والتي بقيت عالقةً بذاكرة الحاضرين الشيخ عبد الرّحمن بشار الذي  كان قـيّـما بمسجد حدود بمدينة طولقة، رحمه اللّه وغـفر له، وأمّا طلبته في الفقه والتّفسير وأخذ الفتوى عنه، فهم كثرٌ من بين المصلّين في المسجد، المستمعين لدروسه وخطبه.

توليه منصـب الإمامة:

لمّا كان جدّه أحمد بجاوي إمام المسجد العتيق متوجّها إلى البقاع المقدّسة لِأداء فريضة الحجّ، كان قد اقترح على المصلّين اسمين اثنين مِن أنجب وأكْـفـإِ  طلاّبه لِيخلفه أحدُهما في إلقاء الدّروس والصّلاة، أحدهما الشيخ محمد بجاوي، والثاني الشيخ الطاهر شريف، فوقـع اخـتـيار المصلّين على الشيخ محمد بجاوي (محمد العقون)  لِلصّلاة، وَأمّا فيما يتعلّق بـتـقديم الدّروس، فكان لكلّ واحد منهما فترتـه،  وبهذا ظلّ المسجد العتيق عامراً، وبهذا الإجراء وفي هذه الظروف تولّى الشيخ محمد العقون الإمامة بالمسجد العتيق عامَ 1917م حين بلغ من عمره 17.

مهام الـشّـيـخ بالمسجد:

كان يؤمّ عمـّـار المسجد في الصّلوات الخمس، وكان إماماً خطيباً في صلاة الجمعة، ومفسّرا كتابَ الله للمصلّين خلال أيام الأسبوع، وكان يتداول حصص الدّروس للمصلّين مع الشّيخ الطّاهر شريف، وكان يجيب عن أسئلة المصلّين المسْتـفْـتـيـن.

علاقته بمجتمعه:

كان الشّيخ محمد بجاوي حسن الطّلعةِ طلْقَ الوجهِ، لا يُرى إلاّ وهو بشوش يـسـرُّ النّاظرين، كان لا يُـمانـع في الإجابة عن سؤال المارّين من عمّال وفلاّحين دون حرج، ولا تسويف، فيُسارعُ بفتواه الفوريّة التي يـتـمـيّـز بها دون  سائر شيوخ البلدة.

علاقته بجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين:

لم يشذّ شيخنا عن القاعدة ذلك لانتمائه الديني والعلمي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فانخرط بـهـا وجمع جرائدها ووثائقها خاصة الشهاب والبصائر يقرأ وينوّر غيره من خلالها.

مشاركته في الثّورة :

شيخنا محمد بجاوي لم تُـثـنِه وظيفته كإمام و لا التزاماتُه المسجديّة عن مشاركته في ثّورة التحرير، فوطنيّته وضميره الجمعي ألزمه بالعمل المتاح له، فكان يجمع المساعدات للثّورة وكان يجلس قاضيا لجبهة التحرير بأمر منها وكان يقدّم دعمه للثّورة بكلّ سريّة.

إلـقاء الـقـبض عليه:

لما كان وطنيا مخلصا، مجاهدًا بالكلمة ، عـضوا بـ (ج-ع-م-ج) ينـهـجُ نهجـهَـا ويرفع لواءها،  ويدعم الثّورة بماله وباشتراكات أهل بلدته، أحسّت السّلطة الاستدماريّة بذلك فألقت عليه  القَبض سنة 1939م وحكمت عليه بالنّفي إلى عمق الصّحراء هو والشّيخ المولود بـن الأشهب من بلدة ليشانة، وزجّوا بهما في القطار من مدينة بسكرة، وكان قد تحرّك بعضُ وُجهاء البلدة وسعوا لِخلاصه بكلّ ما أوتوا، ولمّا وصل القطار إلى بلدة أوماش، بلغ الأمرُ الجـلاّدين لِيُـطلـقـوا سراحـه فأنزلوه فوراً  وجاء به  أهل البلدة إلى عرينه (بـرج بـن عـزوز). 

ما قيل عنه:

قال عنه الشّيخ علي حرابي بـن العطوي:

كان الشّيخ محمد العقون بحرا عميقا في علوم الفقه والدين، وإنّ الدروس التي حضرتها وسمعتها منه، ما سمعت مثلها ولا حتّى من شيوخ الحرم المكّـي، ثمّ أضاف قائلاً: أمّا إذا حلّ شهر رمضان، فإنّه يـتـفـرّغ لِتقديم الدّروس الرّمضانيّة الشّـيّـقـة بــمعيّة قريبه الشّيــخ الطاهر شريف.

وحدّثـني الشّيخ عبد القادر بجاوي بن امحمد فقال:

أرسلني إليه أحد شيوخ البلدة في قضيّة فقهيّة، يبدو أنّها الْتبَست عليه، وأراد أن يعرف رأي  الشّيخ فيها، كي لا يستبدّ برأيه، بالرّغم من أنّ الذي بعثني إليه، شيخٌ فقيهٌ يُحسب له ألفُ حساب، فقال: اذْهب إلى سي محمد بجاوي وقل له : بعثني إليك فلان ويقول لك: إنّي اشتريتُ أضحيّة، واكتشفت أنّ بأذنها شقّاً فهل تجزئ؟  ففعلتُ فذكر لي الفتوى، فنقلتها إلى الشّيخ  المُستفتي على عجل، فسكتَ قليلاً ثـمّ قال: اِرجعْ إليه وقلْ لهُ: أين وجدتَ هذه المعلومة؟ فرجعتُ إلى الشّيخ محمد ثـانيةً، وقرأتُ الرّسالـةَ الشّفـويّة، فـأجاب على الفوْر قائلاً: قل له: إنّها في كتاب كذا (وذكر الكتاب) وفي صفحة كذا ( وذكر رقم الصّفحة)، وأردف قائلاً: وقل له: إنّ الكتاب موجود عند عبد الحفيظ جلاّب.

وأجابني الشّيخ عمر قويدر بن عبد الحفيظ عن سؤالي : شيخَنا ماذا تعرف عن الشيخ محمد العقون؟ تهلّل وجهـه وقال: كان الشّيخ محمد العقون ذا وجه سمحٍ بشوش، كان لا يُـرى عليه غضبٌ ولا حزن، لا يـبـخلُ على أحـدٍ سأله ، كان يسوقُ فتواه الفوريَّـة بلطفٍ وذكاء، فلا يتحرّجُ ولا يتأخّر.

وفاته:

انتقل الشّيخ إلى مثواه الأخير في: 16/05/1958م  بـمــسقط رأسـه (بلــدة بـرج بـن عــزوز)، ودُفــن في مقبرة العــائــلـة  وقد خلّف من البنين خمسة، ومن البنات واحدةً.

رحمه اللّه ورضـيَ عنـه، وأدخـلـه فسيح جـنّاتـه.

وقد ترك مكتبةً معتبرة تزخر بأمّهات الكـتـب الفـقـهيـّة، وبعـض التّـفاسير، وكتب الحـديث والنّحـو والصّرف وبعض المخطوطات، ضاع بعضها خلال ثورة التّحرير بفعل تحويلها من مكان إلى آخر، والبعضُ ضيّعتْه السّنــون العـجـاف، وجـاءتْ نـكـبة فيـضان 1969م فـأتـلـفت البـاقي، ولم يـبقَ مـنهـا إلاّ مـلامحُـهـا العـالقـةُ بـذاكـرةِ الأهـــل.

بـرج بن عــزوز في: 19/03/2015
تكملة الموضوع

حمل مخطوط مغناطيس الدر النفيس - لابن أبي حجلة التلمساني

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


- مخطوط: مغناطيس الدر النفيس.
- تصنبف: أبو العباس شهاب الدين ابن أبي حجلة التلمساني.
- عدد الصفحات: 53.
- مصدرالمخطوط: مكتبة جامعة ييل – نيوهافن - الولايات المتحدة الأمريكية.
[Yale University - New Haven -USA]


- حجم الملف: 25.5 ميجا.

أوله:

"..الحمد لله الذي جعل من أدباء الكُتاب من إذا سئل أجاب ودخل من بيوت شعره من باب وخرج من باب ما انهمل السحاب وتمسك الأديب بأهداب الآداب.."

آخره:

"..وكان الفراغ من كتابة هذه الرسالة يوم الثلاث المبارك شهر شعبان المبارك تسعة عشر يوما خلت من سنة ثلاثمائة واثنين من شهر الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى آله وصحبه أجمعين" اهـ.

رابط التحميل


ترجمة المصنف:

ابن أبي حجلة التلمساني: (725 - 776هـ / 1325 - 1375م)

أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد بن أبي حجلة التلمساني، شهاب الدين، أبو العباس: شاعر، أديب، ناثر، ولد بتلمسان بزاوية جده الشيخ أبي حجلة عبد الواحد، ورحل مع أبويه وإخوته فزار الحجاز ودخل دمشق فأقام فيها مدة، ثم انتقل إلى القاهرة واشتغل بالأدب وولع به حتى مهر، ثم ولي مشيخة الصوفية بصهريج منجك بظاهر القاهرة ومات فيها بالطاعون.

 كان حنفيا يميل إلى مذهب الحنابلة ويكثر من الحط على أهل "الوحدة" وخصوصا ابن الفارض، وقد امتحن بسببه على يد السراج الهندي قاضي الحنفية. 

قال ابن حجر: وكان كثير المروءة، جم الفضل، كثير الاستحضار، عارض جميع قصائد ابن الفارض بقصائد نبوية وأوصى أن تدفن معه، ومن نوادره انه لَقّبَ ابنه جناح الدين .. ".

 له أكثر من ثمانين مصنفا في الحديث والفقه والنحو والأدب، منها:

" ديوان الصبابة" وهو أشهرها، ويضم أشهر قصص عشاق العرب الجاهليين والإسلاميين وشعرهم، و"غرائب العجائب وعجائب الغرائب" و"سكردان السلطان " و"الآدب الغض " و"منطق الطير" و"الطارىء على السكردان " و"أسنى المقاصد في مدح المجاهد" و"أطيب الطيب " و"نموذج القتال في نقل العوال" ذكر فيه منصوبات الشطرنج، و"تسلية الحزين في موت البنين" و"جوار الأخيار في دار القرار" في مناقب عقبة بن عامر، و"حاطب الليل " في الأدب و"رسالة الهدهد" و"زهر الكمام وسجع الحمام " و"السجع الجليل فيما جرى بالنيل" و"سلوك السفن إلى وصف السكن" و" الطب المسنون في دفع الطاعون " و"عنوان السعادة ودليل الموت على الشهادة" و"قصيرات الحجال" و"مغناطيس الدر النفيس" و"مجتبى الأدباء " و"مواصل المقاطع" و"النحر في عمدة البحر" و"النعمة الشاملة في العشرة الكاملة" و"هرج الفرنج" و"دفع النقمة في الصلاة على نبي الرحمة"صلى الله عليه وسلم.

المرجع:

معجم أعلام الجزائر ص: 364، الطبعة الثانية 1980 بيروت.
تكملة الموضوع

ترجمة العلاّمة الشيخ الحاج العربي بن الحبيب سيناصر الغريسي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


العلاّمة الشيخ الحاج العربي بن الحبيب سيناصر الغريسي (ت1351هـ)

[من أعلام القرن الرابع عشر الهجري]

هو الفقيه العلامة الأمثل المدرس الأحفل العالم الأفضل سيدي الحـاج العربي بن الحبيب بن المصطفى، من أكابر العلمـاء، وأمـاجد الفضلاء، سليل أسرة «آل سيناصر الحسيني»، وهي من الأسر العلمية العريقة التي أنارت سمـاء العلم بمدينة وجدة.

وأصلهم من بلاد غَرِيس (معسكر) بالمغرب الأوسط [الجزائر حاليا]، حيث هاجر بعض أفراد هذه الأسرة، وهو سيدي المصطفى بن عبد الله منها إلى المغرب الأقصى، واتخذ قرية تغاسروت الواقعة قرب تافوغالت بجبال بني يَزْنَاسن مستقرا له، فصلح أمره وبعد صيته، واشتهر بالعلم والصلاح، ونزل بعض أبنائه مدينة وجدة، وبها ولد المترجم حوالي (1281هـ)، ونشأ في حضن والده العلامة سيدي الحبيب، في كنف العلم والدين والصيانة، وتلقّى على يديه جملة من العلوم، وعلى علمـاء وجدة، ثم انتقل إلى مدينة فاس، فدرس بها على عدد من علمـاء القرويين، إلى أن علا كعبه في العلم، وفاق أقرانه في الاجتهاد والتحصيل، لمـا كان يتحلى به من قوة الذكاء والحافظة، ثم رجع إلى بلده وانتُدب لتولي خِطَّة القضاء، فحُمدت فيه سيرته، وتعرّض نتيجة ذلك لمحنة من عامل الحضرة الوجدية بغية عزله عن منصبه، وأظهرت مكيدته هاته مكرَ وحسدَ بعض علمـاء وجدة وأعيانها الذين ساروا معه في الركب نفسه، فرفع المترجم أمره إلى السلطان بفاس، الذي أكد أحقية الحاج العربي في القضاء، بل تجاوز الأمر بهؤلاء إلى تهديده بالقتل، وكان ذلك يوم 30 من ذي قعدة عام(1323هـ)، بعد استباحة حرم المحكمة الشرعية بوجدة، فأدى ذلك إلى عزل الحاج العربي عن خِطَّة القضاء وعُين مكانه الفقيه الهاشمي بن رُوكش، إلا أنه مـا لبث أن عزل وأعيد الحاج العربي من جديد.


ولم تُثْن هذه الفتن والمحن الحاج العربي عن نشر العلم، ولم تَحُدّ من عزيمته القوية في ذلك، حيث كان رحمه الله قد اتخذ حجرة خاصة يطالع فيها ويتفرغ فيها للتأليف، وكان على اطلاع واسع بالأدب والشعر بالإضافة إلى تمكنه من الفقه والخبرة بالنوازل الفقهية، حتى وصفه علمـاء وجدة في تقاييدهم بـ:«النّحرير النَّفَّاع الدَّرَّاكة الهمـام اللوذعي الفهامة»، ونوَّه به العلامة محمد بن عبد الباري الحسني التونسي في كتابه«الشهائد والفتاوي» فقال:«الشريف المعظم القاضي المحترم».

ومن جهوده في خدمة العلم: تأسيسه المعهد الإسلامي الملحق بالجامع الأعظم الذي كان قِبلة طلاب العلم والمعرفة من بني يَزْنَاسن وتلمسان، وكان يدرس علوم الحديث والفقه وألفية ابن مـالك بشرح المكودي إلى عام (1350هـ)، وكان أخذ على عاتقه حمل لواء التعليم بالمعهد بمساعدة أربعة علمـاء، وتخرج على يديه ثُلَّة من علمـاء وجدة من أشهرهم العلامة الأديب المؤرخ الفقيه قَدُّور بن علي الوَرْطَاسي (ت1994م)، ولعل دأبه على التدريس والقراءة لم يساعده على التأليف إذ لم يُعرف من مؤلفاته سوى رسالة وسمها بـ«التوصل إلى حكم التوسل»، و«جواب في شأن الشيخ أحمد بن عْلِيوة المُسْتَغَانْمِي».


 كما كانت له مواقف وطنية مشهودة ضد الحماية الفرنسية وكشف مخططاتها الاستعمـارية والدفاع عن السلطة الشرعية للبلاد، وفي هذا الصدد اشتهر بموقفه من فتنة الثائر «بُو حْمَـارة» والقيام على إظهار مكتومها الخياني، مـمـا دفع بهذا الأخير إلى إرادة قتله غيلة.

وبعد حياة حافلة بالعطاء في مـجال العلم والتدريس والقضاء، والكفاح الوطني خَفَتَ نجم الحاج العربي وأسلم الروح لباريها يوم الخميس 18 صفر 1351هـ/23 يونيو 1932م، وكانت جنازته من أيام الله المشهودة، وخلف مكتبة عامرة تزخر بنوادر الكتب والمؤلفات، وهي الآن متاحة ببيته بمدينة وجدة، الذي يعتبر تحفة معمـارية تَمَّ ترميمها مؤخرا وتحويلها إلى مؤسسة علمية تحمل اسم «مؤسسة مولاي سليمـان لإنعاش المدن العتيقة بوجدة وبالجهة الشرقية».

مصادر الترجمة:

كتاب الشهائد والفتاوي فيما صح لدى العلماء من أمر الشيخ العلاوي، لمحمد بن محمد بن عبد الباري الحسني التونسي (ص47)، خطط المغرب الشرقي، للدكتور بدر المقري (ص34).

إعداد:

ذ.جمال القديم – عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث.
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة الشيخ الطاهر شريف بن أحمد البرجي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


الشّيخ الرّبّاني العارف باللّه الطاهـر شَريف بن أحمد البرجـي 1899م ـــ 1967م.

عُرف بـ: "سي الطاهر بن الشريف" [أحدُ أعلام بلْدَة بُرج بـنْ عَزوز]

بقلم الشاعر الأستاذ: أحمد جَلال البرجي.

توطئة:

أيّها القائد في طريق الحقّ بمنهج الصّدق لقطع حبل الجهل والرّقّ،  أيّها الرّجل السّخـيّ الوقـور المــهاب أيّها الحـامـد الشّـاكــر لـربّـك الـكـريم الـو هّـاب، أيّـهـا المـقـيم الـعابـد الـقـائـم الـسّــاجــــد، أيّـهـا القـرآنـيّ الـفـهــيـم أيّـهـا الـفـقـيـه الـحـلـيـم، أيّـهـا السّـنّـيّ الـمـربّــي على هـدْي الـنّـبـيّ ومـنـهـج ربـّـي ما أوفــركــم حـظّـا أيّـهـا الـرّجل الأمـين ! مـا أضْـيـعَ الـعـمــر الذي لــم يُـقـضَ في عـلـمٍ وديـــــــــــــن !.

مولده وتعليمه:

ولـد الـطّـاهـر شـريف مِن رحـم بـلـدة بـرج بـن عـزوز، مِـن أبـويـْن كـريـمـيـن يـنـتـمـيان إلى عـائـلـة مـتـعـلّـمـة، مُـهـتـمّة بالـقرآن وأصـول الـفـقـه، كـان أبـوه أحـمـد فـلاّحـا كـأغـلـب أبناء الـمـنطـقـة، حـيـث واحــاتُ الـنّـخـيـل، وكـانـت أمّـه فـاطـنـة بـجـاوي امـرأةً صـالـحـة، مِـن بـيـت عـلـم وفـقـه وديـن، أدخـلـه والـده زاويـة الشّــيـخ سيدي محـمـد بـن عـزوز الـبــرجـي  وبـمـسـجـد الـشـيـخ حـفـظ الـقـرآن الـكـريـم في سـنٍّ مُـبـكّـرة على يـد الـشّـيـخ عـبد الـرّحـمـن حـضـــري بـن حـمـيـدة، ولـمّـا ظـهـرت عـلـيـه مـلامـحُ الـفـــطـنـة والـنّـبـاهـة والـتّـمكّن، كُـلّـف بـتـعـلـيـم الـقـرآن فـي نفـس الـمـسجـد تـحت إشراف خـالـه الـشّـيـخ أحـمـد بـجـاوي، وكـان قـد أبـدى حـيويّـة فـي الأداء بـتـحـكّـم واقـتـدار، بـالـرّغـم مِـن صـغـر سـنّـه.

انتقالُه إلى الزّاوية العُثمانيّة:

ولـمّـا كـان لـه رصـيـده من عـلـوم الـدّيـن والـقـرآن، وأحـبّـهـا وشُـغـف بـهـا رغـبـتْ نـفـسـه في الاسـتـزادة، فـتـوجّـه إلى الـزّاويـة الـعـثـمـانـيّـة (سيدي علي بن عمر) بـِـ ـطـولـقـة لإتـمـام تـعـلـيـمـه في الـفـقـه والـتّـفـسـيـر وعـلـوم الـقـرآن والـشّـريـعـة، فـكـان لـه ذلـك، وعلى يـد الـشّـيـخ عبد اللّه الأخـضـري والـشّـيـخ مـحـمـد الـمـدني بـن أحـمـد بـن علي بـن عـمـر، فـصـلُـب عـودُه واشـتـدّ سـاعـده. 

نشاطه في جمعـيّة العلماء:

ولـمّـا اجـتـمـعـتْ فـيـه أنـبـل صـفـات الـعـلـم والـدّيـن والـثّـقـافـة والـوطـنـيّـة وكـانـت قـد بـرزت جـمـعـيّـة الـعـلمـاء  الـمـسـلـمـيـن، فـانـخـرط بـهـا كـعـضـو عـامـل عـامَ 1933م، وكـان مـتـابِـعـاً لـهـا في كـلّ نـشـاطـاتـهـا، مّـشـتـركـاً في مُـخـتـلـف جـرائـدهـا كـالـبـصـائـر والـشّـهـاب، وكـان يـحـضـر اجـتـمـاعـاتـهـا الـمـحـلّـيّـة ببسكرة والـجـهـويّـة بـقـسـنـطـيـنـة والـوطـنـيّـة بـالـعـاصـمـة.

 محطّـةُ الـعِلاج والـفرَج:

في عـام 1935م أصـيـب الـشّـيـخ بـمـرض في عـيـنـيْـه، حـرمـه نـعـمـة الـبـصـر إذ كـفّ مـدّة، فـسـافـر إلى الـعـاصـمـة طـالـبـاً الـعـلاج والاسـتـشـفـاء، ونـذر إلى ربّـه أن يُـعـلّـم الـقـرآن مـجّـانـا بـعـد شـفـائـه، وخـلال إقـامـتـه الـعـلاجـيّـة بالعـاصمـة كـان يـتـــردّد عـلى نـــادي الـتّـــرقّــي، لـيـربـــحَ وقـتـاً يـسـتـــمْـتـــع فيـه بـالاسـتـمـــاع إلى الـشّـيوخ الأفـاضـل: عبد الحميد بن باديـس، العربي التّـبسي، والطيب العقبـي...

مرحلةُ التدريس:

وبـعـد أن مـنّ اللّه عـلـيـه بـأن ردّ لـه نـعـمـة الـبـصـر، رجـع قـافـلاً إلى مـسـقـط رأسـه بـلـدة بـرج بـن عـزوز لـيـعـلّـم أبـنـاءها القـرآن الـكـريـم مـجّـانـاً، وكــانـت لـه طـريـقـتـه الـمـتـمـيّـزة في الـتّـحـفـيـظ الـصّـحـيـح بـتـدريـب طـلـبـتـه عـلى قـواعـد الـتّـرتـيـل والـتّـجـويـد، ودعـمـاً للـزّاد الـمـعـرفـيّ كــان يُـقـدّم لـهـم دروسـاً في الفـقـه والـشّـريـعـة، وقـواعـد اللّـغـة الـعربـيّـة، كمَـتْـن الآجـرُّومـيّـة، والمرشد المعين لابـن عـاشـر، وقــد أخـبـرنـا بـعـضُ طـلـبـتـه مـنـهـم الـمـجـاهـد الـبـشـيـر شـريـف بـن الـمـولـود قـائـلاً: إنّ الـشّـيـخ الـطـاهـر شـريـف هـو الـذي عـلّـمـنـا مـخـارج الـحـروف، وقـواعـد الـتّـرتـيـل والـتّـجـويـد، كـالـقـلْـقَـلـة والإدغـام  والإمـالـة وغـيـرها.

مُعاملته لـلـطّـلـبـة:

كـان الـشّـيـخُ الطـاهـر مـعـلّـمـاً قـديـرا ومُـربّـيـا صـارمـاً، يُـهـذّب الـطّـباع ويـعـدّل الـسّـلـوك ويُـقـوّم الـلّـسـان، حـيـث كـان يـخـطـو بـتـلامـيـذه عـلى الـمـنـهـج الـتّـربـويّ الإسـلامـيّ بِـتُـؤدة وثـبـات، يـحـضّـهـم عـلى الـتّـعـاون والـتّـعـامـل بـاحـتـرام ويـحـثّـهـم عـلى الـنّـظـافـة والـطّـهـارة والـصّلاة، وكـان  وقـتُ صـلاة الظّـهـر يُـدركـهـم في الكّـتّـاب، فكـان في كـلّ مـرّة يأمر أحـدَهـم بِـأداء الإقـامـة للـصّـلاة، كـان يوصيهم بالـتّـخـاطُـب بـالـعـربـيّـة، والاسـتــقـامـة في السّـيْـر في الـطّـريــق والـتـــزام الـيـمـيـن وكـان يـراقـبـهـم في الـزّاويـة وخـارجَـهـا، كـمـا كـان يـحـرص عـلى غـرس الـشّجـاعـة الأدبـيّـة فـي تـلامـيـذه مِـن خـلال تـحـضـيـره لـهـم للاحـتـفـال بـالمـولـد الـنّـبـويّ الـشّـريـف، بـالمـدائح الـنّبـويّـة والقـصـائد الـدّيـنـيّـة والـخُـطـب.

مِـن طـلَـبةِ الـشّـيـخ:

. الـمـعـلّـم الـمـتـقـاعـد الـطـاهـر لـحْـرش بـن عـمـر أطـال اللّه عـمـره.
. مـحـمـد لـعـجـال بـن الـعـربـي، وكـان مـسـاعـدَه الأوّل في تـحـفــيـظ الـقــرآن ذلـك لـحـفـظـه وكـبـر سـنّـه.
. مـحـمـد حـضـري بـن الـمـداني مُـسـاعـدُه الـثّـاني لـحـفـظـه وخــفّـتـه وذكـائـه وسرعـتـه في الــتّـنـفـيـذ، وحـدّثـنـي بـنـفـسـه قـائـلاً: حـفـظـتُ الـقـرآن عـلى سـي أحـمـد حـضـري بـن ابـراهـيـم ثـمّ جـئـتُ إلى الـشّـيـخ الـطّـاهـر لأصـحّـح قـراءتي وأقـوّم لـسـاني فـي حـفـظِ  الـقـرآن.
. الـمـجـاهـد الـمـرحـوم عـلي شـريـف بـن مـحـمـد ( ابن أخيه).
. الـمـثـقّـف الإعـلامـي الأسـبـق عـلي لـحـرش بـن الـمـبـروك أطـال اللّه عـمـره.
. المـجـاهـد الـمـرحـوم والـمـعـلّـم الـفـقـيـه، مـحـمـد شـريـف بـن الـطـاهـر(نجله).
. الـشّـيـخ الـمـرحـوم مـحـمـد بـجـاوي بـن الـحـاج، كـان إمـامـاً بـأحـد مـسـاجـد مـديـنـة عـيـن تـمـوشـنـت.
. الـشّيـخ الـبـشـيـر بـسـعـودي بـن أحـمـد بـن الـسّـايـح الـمـقـيـم بـمـكّـة الـمـكـرّمـة أطـال اللّه عمره، وكـان والـده أحـمـد بـن الـسّـايـح مِن أكـثـر جُـلاّس الـشّـيـخ.
. الـشّـيـخ الـطـاهـر عـمـراوي بـن الـهـامـل أطـال اللّه عـمـره.
. الـشّـيـخ الـسّـعـيـد حـايـف بـن الـبـشـيـر أطال اللّه عـمـره.


الإدارة الـفـرنـسـيّـة تـوقـف نـشـاطَـه الـتّـعـلـيـمـيّ:

لـمّـا أحـسّـت الـسّـلـطـةُ الاسـتـدمـاريّـة، بـأنّ الــشّـيـخ لـم يـقـتـصـر نـشـاطُـه عـلى الـتّـعـلـيـم وتـحـفـيـظ الـقــرآن، وأدركـتْ أنّـه يُـلـقّـن الـطّـلـبـة الـرّوح الـوطـنـيّـة والـدّفـاع عـن الـوطـن، الأمـر الـذي أزعجـهـا، فـأمـرتـه الإدارة الفـرنـسيّـة عام 1956م بـالـتّـوقّـف عـن الــتّـعـلـيم.

الـشّـيـخ عـلى مِـنـبَـر الـمـسـجـد:

لـم يـجـد شـيـخـنـا بُـدّاً مِن أن يُـنـشـئَ جـبـهـةً أخـرى، ومـنـبـراً آخـر في مسجد الـشّـيـخ مـحـمـد بـن عـزوز، لـيـلـقـي فـيـه دروس الـفـقـه والـتّـفـسـيـر، فـكـان رحـمـه اللّـه مُـربّـيَ الـصّـغـار ومُـصـلـحَ الـكـبـار.

عـلاقـتـه بـمـجـتـمـعـه:

كـان الـشّيـخ الـطـاهـر شريـف رجـلاً ربّـانـيّـاً مـسـتـقـيـمـاً وقـوراً مُـهـابـاً مُـطـاعـا يـمـدُّ الـيـدَ  الـبـيـضـاءَ عـونـاً وكـرمـاً وسـخـاءً للـفـقـراء والـضّـعـفـاء والأيـتـام، كـان قـبـلـةً لـلمـسـتـفـتـيـن والمـتـخـاصـمـيـن، واقـفـاً ضـدّ الـبـدع والـشّـعـوذة والـخـرافـات كـان يّـحـارب الـحـمـلات الـتّـبـشـيـريـّة، إذ كـلّمـا نـزل بـالـبـلـدة بـعـضُ الـمـبـشّريـن الـمـسيـحـيّـين، تـصـدّى لهـم مُـحاوراً بـلـطـف ولـين، حـتّى يـصـدَّهـم بِـيـسـر وإقـنـاع ولـم يـغـفـل عـن واجـبـه الـثّـوريّ، ولـم يـقـتـصـر دوره في ثـورة الـتّحـريـر الـكـبـرى على نُـصـح الـشّـباب وتـشـجـيـعـهم وتـوجـيـهـهم لـلـدّفاع عـن الـوطـن واللّغـة والـدّيـن بـل كـان يُـشـارك بـأمـوالـه الـتي كـان يُـرسـلـها إلى المـجـاهـديـن الأحـرار، كان يـحـبّ  رجـال الـثّـورة والأدب، وعـلى رأسـهـم الـشّـاعـر مـحمـد الـعيد آل خـلـيـفـة حـيث كـان مـن حـيـن لآخـر يُـردّد بـعـض قـصـائـده، وكـثـيـراً مـا كـان يُـرى وهـو يـقـرأ تـفـسـيــر الـشّـيـخ بـيّـوض. 

مِن مَـواقِـفـه:

* حـدّثـنـي أحـد طـلـبـتـه الأفـاضـل قـال: فـي الـفـتـرة الـتي كـنـتُ تـلـمـيـذاً عـنـده أخـذنـي والـدي مـرّة إلى الـسّـوق فـتـغـيّـبـت ذلك الـيـوم، وفـي الـيـوم الـمـوالي دخلتُ الـكُـتّـاب كـعـادتـي، فـدعـانـي وسـألـنـي، أجـبـتُـه بـارتـيـاح: أخـذنـي أبي إلى الـسّوق قـال: ارجـع وادعُ أبـاك، ولـمّـا جـئـتُ مـع أبـي ودخـلـنا عـلـيـه، تـوجّـه نـحـو الـوالـد سـائلاً بـنـبـرة غـضـب ولـوم: لِـمَ أخـذتَ الطّـفـل إلى الـسّـوق؟ طـأطـأ أبـي ولـم يـنْـبِـس بـبـنت شـفـة، والـشّـيـخ مُـسـتـرسِـل في اللّـوم والـعـتـاب، وأخـيـراً حذّره قـائلاً: إيّـاك أن تـأخـذه مـرّة أخـرى إلى الـسّـوق وتُـعـطـلّـه عـن الـحـفـظ والـتّحصيـل.

* زار مـرّة إحـدى الـقـرى الـقـريـبـة كـعـادتـه فـاسـتـضـافـه أحـد أبـنـائـهـا، وكـان يـعـرفـه تـمـام الـمـعـرفـة فـأجـابـه، غـاب الـرّجـل هـنـيـهـة ثـمّ عـاد بـشـيء من الأكـل والشّـراب، وقـدّم لـه لـبَـنـاً فـاعـتـذر الـشّـيـخ عـن تـــنــاولـه، ألـحّ الـرّجـل، سـألـه الـضّـيـف: مِـن أيـن لـك هـذا اللّـبـن؟ أجـاب: مـن عـنـدي، مـِن عـنـزاتـي عـنـدهـا قـال الـشّـيـخ:  أعـرف أنّـك لا تـمـلـك بـسـتـانــاً ولا حـشـيـشـاً، أُحْـــرج الـرّجـلُ وسـكـت... عـنـدئـذٍ قـال الـشّـيـخ: هـذا اللّـبـنُ حـرامٌ لا أشـربـه.

* وكـان مـرّةً في الـبـسـتـان وكـان مـعـه أحـد الـفـلاّحـيـن وفي يــده مِـحـشّـة مِنـقّـة ( آلـة يـدويّـة صـغـيـرة لـقـطـع الـحـشـيـش) أخـذ الـفـلاّح يُحـدّثـه عـن الـمـرأة ويُـعـبّـرُ عـن رأيـه فـيـهـا بـكـلّ مـا يَـشـعُـر ويـحـسّ، والـشّـيـخ يـسـتـمـع فـي صـمـت، إلى أن قـال لـه: يـا شـيـخ ! لـمـاذا الـمـرأةُ عـوجـاء؟ فـضّل الـشّـيـخ أن يُـجـيـبـه وِفْـق عـقـلـه ومـداركـه، فـقـال سائـلاً: مـا هـذا الـذي فـي يـدك؟ قـال: مـِحـشّـة قـال أهـي مـعـوجّـة أم مـســقـيـمـة؟ قـال الـرّجل: مُـعـوجّـة قـال الـشّـيـخ: مـا رأيـك لـو كـانـت مـسـتـقـيـمـة، هـل تُـؤدّي عـمـلـها؟ فـبُـهـتَ الـرّجـل فـقـال: الـشّـيـخ: هـكـذا هـيَ الـمـرأة عـوْجـاء لـتُــؤدّي دورهـا.

انـتـقـالُـه إلى مـديـنـة طـولـقـة:

بـعـد أن تـقـادم مـسـكـنـه بِـبرج بـن عـزوز، وكـان قـد رجـع ابـنـه مـحـمـد مِـن الـعـاصـمــة حـيـث كـان يــشـتـغـل مـعـلّـمـا بـهـا، وبـــدا لـهـــذا الأخــــيـر أن يـغـيّــــر الـمـسـكـن الـقـديـم، فـارتـأى أن يـكـون فـي مـديـنـة طـولـقـة، وانـتـقـلـت الـعـائـلـة وعـلى رأسـهـا كـبـيـرهـا الـطـاهـر، وَكـان ذلك فـي شـهـر جـويـلـيـة عـام 1967م .

 وفاته:

أُصـيـب الـشّيـخ بـمـرض خـفـيـف (التهاب الحنجرة) عـلى إثـر حـمّـام سـاخـن كـانَ قـد أخـذه،  وذلك فـي شـهـر سـبـتـمـبـر مِـن عـام 1967م، ولـم يـدم مـعـه سوى يـومـيـن وتـوفّـاه اللّه لـيـلـة الـسّـبـت 09/09/1967م، بـمـديـنـة طـولـقــة ودُفـن فـي  مـسقـط رأسـه بـلـدة بـرج بـن عـزوز بـمـقـبـرة الـعـائـلـة، كـانـت  جـنـازتـه مـهـيـبـة حـضـرهـا جـمـع غـفـيـر مـمّـن يــعــرفــونـه مِـن مـواطـنـي ولايـة بـسـكـرة رحـمـه اللّه وغـفــر لـه، وجـــزاه كُـلّ الـخــيـــر عـن صـالـــح أعـمـــالــه، وأسـكــنــه الـفـردوس مـع الأنـبـيـاء والـشّـهـداء والـصّـالـحـيـن.
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بجاوي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


العلامة محمد بجاوي  [19091992م]=[13271413هـ]

توطئة:

قادمة من عمق الأزمنة ملتحفة بإشراق العلماء، ومشبعة أرضها الطيبة بفيوضاتهم الربانية " برج بن عزوز" بلدة العلم والعلماء، نائمة في أحضان النخيل تحفظ وتحافظ على إرث ثقيل كان له تأثيره في العقل العربي والوجدان الإسلامي.

"برج بن عزوز" من أشهر بلدات منطقة الزيبان (بسكرة) في الجنوب الشرقي الجزائري، كانت ولمّا تزل منارة علمية ومعرفية لأزمنة طويلة، وحق لها أن تفاخر بما أنجبت من أعلام وعلماء أجلاء ابتداءا بشيخ المشايخ الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي، الذي عُلمت البلدة باسمه وعلماء آخرين أثروا المكتبات العربية والإسلامية بنِتاجاتهم المتنوعة في علوم كثيرة... ومن بين هؤلاء الأعلام الشيخ العلامة الفقيه المحدث المربي سيدي محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بجاوي.

وقبل إضاءة سيرة شيخنا نتقدم بجميل الشكر وعميق التقدير والعرفان للذين قدموا لنا العون والمساعدة من أجل إنجاز هذه الترجمة من أبناءه وحفدة جزاهم الله كل خير.

*-*-*

ولد الشيخ محمد بجاوي عام 1909م بقرية برج بن عزوز دائرة طولقة التي تبعد عن مقر الولاية بسكرة بحوالي 40 كلم وعن العاصمة الجزائر بـ 400 كلم، وفي كتاتيبها حفظ القرآن الكريم ثم واصل تعليمه في الزاوية العثمانية بطولقة، وما أن حصّل على قسط من العلم والمعرفة حتى التحق  بمدينة قسنطينة وتتلمذ على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله.

كما واصل تعليمه في جامع الزيتونة بتونس فتخرج بشهادة التطويع سنة 1939، ولما رجع إلى مسقط رأسه أسس بها وبمدينة طولقة مدرستين عصريتين وأنشأ أفواجا من الكشافة الإسلامية لكن السلطة المحلية ضايقته فانتقل إلى مدينة الجزائر بأمر من جمعية العلماء فدرس في المداس الحرة التابعة للجمعية ابتداءا من بوزريعة ثم بلعباس وبعدها في مدينة عين تموشنت بالغرب الجزائري.


ولنشاطه الإصلاحي اتهمته السلطات الفرنسية مرة أخرى بالتحريض على الثورة وحرق مزارع المعمرين، اعتقل في بداية عام 1956 ونقل إلى مدينة وجدة المغربية وحُكِم عليه بعشرين سنة سجنا مع الأشغال الشاقة ثم نقل بعد ذلك إلى سجن البرواقية بمدينة المدية ومكث هناك إلى غاية الاستقلال، وهو ذات السجن الذي اعتقل فيه البطل الشهيد عيسات إيدير مؤسس وأول أمين عام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، كذلك شاعر الثورة الجزائري مفدي زكريا ونظم فيه قصيدته الشهيرة "وقال الله" تخليدا للذكرى الثالثة لاندلاع الثورة الجزائرية المجيدة.

وبعد الاستقلال استقر بمدينة عين تموشنت فعُيّن أستاذا بثانوية البشير الإبراهيمي ثم إمام في مسجد عبد الحميد ابن باديس حتى سن التقاعد.


لقد ورث محمد بجاوي بعض البساتين فأوقفها ومنزله الذي بناه بماله الشخصي حبسا ووقفا لوجه الله الكريم.

توفي الشيخ محمد بجاوي وارتحل  إلى جوار ربه بمدينة عين تموشنت ودفن فيها وذلك بتاريخ السابع عشر من شهر جانفي 1992 إفرنجي، بعد أن سار طويلا على طريق الحق هاديا ومرشدا ومُعلما، ولا ريب أن ارتحاله أعقب حزنا وفراغا جسيما لدى أهالي البلدة، ولكن عزاءنا الوحيد هو وجود بقية صالحة من أبناءه وحفدته وتلامذته يسيرون على خطاه ونهجه، فرحم الله شيخنا الجليل رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين كل الخير آمين.
تكملة الموضوع

ترجمة الشيخ العارف بالله العلامة مبروك خلفي البرجي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


الشيخ العارف بالله العلامة مبروك خلفي (1921م - 1989م)

[واحد من أعلام بلدة برج بن عزوز]

بـقَـلم الأستاذ الشاعر: أحمَد جَـلال البـرجي

عفواً أيُّـها الشَّيخُ الوقُور، ثُـم عفوا سيّدي أيُّـها العبْدُ الشَّـكُور، لستُ من صنفِ الجَحُود لستُ كالعبد الكفُور، غَـيرَ أنّـي لا أَفِـرُّ من ذُنــوبي لفـتُـوري...

وأقِـرُّ أنّني كنتُ سهوت،  وبنفسي قد لهوت،  عن كرامِ الأهلِ مَن غابوا بموت...

قـيّدَ النّـسيانُ فكرًا والبصيرة، حَـدّدَ الشُّـغلُ مَـسَـارًا والوتيرَة، وعزائِي أنَّـني أقفُوا المسيرَة، ظلّ قلبي مع نفسي في اجترار اللّومِ من ثِقلِ الجَـريرَة...

*.*.*

مولده ونشأته:

* كانتْ بلدتُـهُ (بـرج بن عزوز) مسقطَ رأسهِ مِن الأبويْن محمد بن المولود والخالديّة خلفي من نـفسِ الأسرة التي تعُودُ إلى عائِلة "غربالْ" من غـمْرة من أولاد عبد المومن والتي يـرجع أصلها  إلى الأدارسة.

ولِـدَ الطّفلُ بصيرًا، ولسوءِ حظِّـه، ما اكتَـحَـلتْ عَـيْـنَـاهُ إلاّ بنُـورِ بَلدته وأسرته حيثُ أُصيبتَـا بمرضٍ أفقدهُـمَـا نعمَـةَ البصر في الشهر السادس من عمره، كما أنّه فقد والده في حداثة سنّـه، بيْد أنّ رعاية الأمِّ وحنوَّهَـا الغامر، عوّضه الشّيء الكَـثِير هوَ وإخوتِه وأخواته، وكانت امرأة صالحة، فطنةً، متديّنَة محبّةً للعلـمِ والقرآن الكريم فَـتقدّمتْ بولديْـها المبروك والصالح إلى الكتّـاب ليتعلّما مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، كدأب أبناء وبنات بلدته.

شيوخه:

* كان الشّيخ الطالب لخضر بن عبد الرحـمن الذي وفد إلى البلدة من أولاد بـراهم بولاية برج بوعريريج حالياً (منطقة سطيف سابقا ) كان أوّل مَن تولّـى تحفيظَـهُ القرآن الكريم، وفتح الله عليه، وحـفظهُ في سنِّ السّادسة، وأعـاده في العاشــرة، ثم أخذ الفقه وعلم الفرائِض وشرح الرّحبيّة (منظومة في علم الفرائض) على يد الشيخ محمد بـن الحاج بجاوي البرجي، كما قد ساهم في تعليمِه كلٌّ من الشّيوخ: السعدي يخلف سيدي العياشي مزوز، والأخضر القاسمي بـن الرّبيع.

يومياته:

* كان شيخنا مبروك خلفي مولعاً بمجالسِ العلم والعلماء، فكان يُجالسُ الشّيخ الطّاهر شريــف، المــعروف بِـ سي الطّاهـر بن شريف الذي كان رحـمه اللهُ لغــويـّا، ضليعًــا في علوم القرآن وتحفيظه، متميّزا في الإفتاء، جادّ امتروّيا مـتـثـبّـتاً صارماً، كما كان يجلس إلى جانب الشّيخ عبد الحفيظ جلاّب، والمولود بن حميدة حضري، يتناولون أطراف الحديث في أمور الدّين والدّنيا، وقد أنعم اللّه عليه بحدّة البصيرة وقوّة الذّاكرة، فيستـمع بكلّ اهتمام، فيلتقط المعلومةَ ويُقوّم خطأها، ويقدّم الصّواب بأُسلوب شيّق واضح مفهوم.

كانت الإذاعـةُ المسموعـةُ أهمّ الوسائط المتاحة لهُ في عـصره وبيئتـه، فكان يُـتابـعُ من خلالها برنامج الشّيخ عبد الرّحمن الجيلالي (رأي الدّين) الذي كان يُبثُّ من خلال الإذاعة الوطنـيّة المسموعـة، وكان يُـتابـع نشرات الأخبار الوطنيـّة والعربيـّة والدّولـيّة مِن مختلف الإذاعات، خاصّةً الإذاعـة البريطانيّة (هنا لندن).


عُرف الشّيخ مبروك بتواضعه الكبير، يُجالس كلّ فئات المـجتـمع، يُـفـتي وينصح يُـنبّه السّاهي، يُذكّرُ النّاسي، يعظُ  العاصي، ويُرشد الضّال، - كان وحيدَ بـلـدته المقصودَ في عقد القران، والإفتاء وتـقسيم التّركات، حتّى قال عنه أحد العارفين مخاطباً أهل البلدة قائلاً: " لو يغيب عنكم سي المبروك يُصيـبُكم العمى". 

* لقد ربّـى الشّيخُ أجيالاً وعلّـمَ، وحفَّظَ بدءًا بأخيه الصالح الذي أصبَحَ مساعدهُ  الأوّل فـي الزاوية  (الكتّاب)  المعروفة بزاوية بن الوافي المفتوحة لكل أبناء وبنات البلدة كما كانت تساعده مجموعة من معلّمي القران منهم: الشّيخ عبد الله رحمه، والشّيخ علي حرابي والشّيخ الأخذاري قويدر، وبعض من كبار الطّلبة الحافظين من كتاب الله، وكان الشّيخُ بينهم كالبدر، وهم النّجوم، يستـمدّون منه الضّياء داخل قلعتهم وخارِجها يستشيرونه في مسائل الكتاب والسنّة والفقه والميراث، ولـمّا تقادم مبنى الزاوية زاوية بن الوافي أو "بن اللافي" وهو الاسم المشهور بين أهالي البلدة، وتهاوت بعض أركانه، انتقل هو وطقمه إلى الزاوية المجاورة التي بنـاها أحد المحسنين المسمّـى عبد القادر دودان، وذلك لتحفيظ القرآن الكريم، وظَـلَّ هذا الخـيِّــرُ بتكفَّلُ بدفع رواتب معلميها مدة طويلة حتى زمنٍ قريب.


طريقته ومنهجه التعليمي:

* ظَـلّت الزاوية غاصّة بالبنين والبنات كبارًا وصغَـارً، غير أنّ لكل فئة جانبها الخاص يتنافسون في الحفظ مثْـنى وثُلاث ورباعَ، وكان للدورة التّحفيظيّة مراحلها فترة للحفظ، وثانية للاستظهار، وثالثة للمحو، ورابعة للكتابة، وخامسة للتّكرار، كلُّ ذلك في نظام وانسجام، وإذا أخـلَّ أحد بنظام هذا المجال الحيويّ الروحانيّ، يعرّض نفسهُ للّوم ويقع تحت طائلة التّأديب،  وكان لشيخنا طريقته في التّأديب، فلا تصاحبه عصا طويلة، ولا يرفـع قدمي أحد لتطبيق أسلوب "الفَلاقَة"، فطريقته العمليّة العلميّة تـربويّة نظيفة، حيثُ كان يُمسك بـرأْس الطّفل المراد تأديبه، بيديه الاثنتين ويسحبه إلى صدره برفق ذلك ليحفظ الرأس وما يوعى، والوجه وما حوى، ثُم يَـمُدُّ كفّيْه إلى ظهر الطفل بضربٍ خفيف وكأنه المسح مصحوبًا بعبارات اللّوم والتّـأنيب دون تعنيف ولا تجريح، وبهذه الطريقة وهذا الأسلوب، كان الإقبال عليه وعلى زاويته كبيرًا برغبة ومحبّة وبهذه الثقة الخالصة التي غاصت جذورها في ثرى المحبّة والأمل، امتدت بـراعم عطائها وأثمرتْ.

تلاميذه:

من الأسماء التي بقيت عالقة بذاكرتنا من تلاميذ الشيخ، الذين مروا من تلك الزاويـة في تلك الحقبة، والذين لاشكّ لهم ذكـرياتـهم بها: أ.د/ محمد قـويــدري ابن الطاهر، والدكتور كمال عجالي، والدكتور محمد نجيب جلاب وكلّما نبشت ذاكرتي واستثـرتها وجدت جُلّ مَن كان يـرتادها استقر في وظيفة مرموقة ومنصب محترم، والكثير منهم أساتذة ومعلمون، لذلك كلما تذكّرنا مَن عاش أجواء هذه الزاوية ومثيلاتها ونهل من معينها إلاّ وجدناه قائدًا لا مقوّدًا، معلما، أستاذا، إمامًا، قاضيا، مجاهدا،  فلّاحا صالحا، عاملا مُتقناً، صانـعــاً مخلصا ، عدا مَن لمْ يخلص لمخلصيها...

هكذا كانت الزاويةُ والكـتّابُ والمدرسةُ، وكان المعهدُ والجامعة، جاهــدةً موفّـقـةً في صنـعِ الفردِ الصّالح، وهكذا كان رجالها مخلصين موفّقين في بناء المجتمع الصّالح.

وفاته:

ويرحل الشّيخ حين تخطَّفَه الموت، وتغربُ به سنة 1989 فجأةً، وقد أدّى واجباً وزيادة، ولم يأْخذ بعض ما يستحقّ، ويغيب تاركاً فراغاً كبيراً كان يملـؤُه.

ما قيل فيه:

- قال عنه علي حرابي وهو أحد شيوخ البلدة ومجالسيه: "لقد انطفأ مصباح بـرج بـن عزوز"
- وقال عنه الشّيخ خالد رحمه، رحمه الله تعالى، وكان أحدَ جُلسائه والعارفين به:  "لم تعد للحياة قيمةٌ بعد وفاة الطّالب سي المبروك ".

- وقال عنه الشّيخ  العلاّمة عبد المجيد حبّه رحمه اللّه: " إنّ الشّيخ مبروك خلفي عالمٌ بحق ولكنّه مغبون"، وقال أيضاً: "لا يمكن أن أفتي لأهل الزّاب وفيهم الشّيخ الجليل مبروك خلفي".

*.*.*

رحمه الله تعالى شيخنا مبروك خلفي، وغفر له، وتقبّل منه صالح أعمـال، وأسكنه فسيحَ جنّاته.
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة أبو عبد الله محمد بن الحسن بن ميمون التميمي القلعي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله محمد بن الحسن بن ميمون التميمي القلعي

[... 673 هـ / ... 1274م]

ومنهم شيخنا الشيخ الفقيه، الأستاذ النحوي اللغوي، المحصل التاريخي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي بن ميمون التميمي القلعي من قلعة بني حماد، كان جده ميمون قاضيا بها، نشأ بالجزائر وقرأ بها وانتقل إلى بجاية مستوطنا، وبها قرأ وبرع، لقي بها مشائخ منهم الشيخ أبو الحسن الحرالي، والفقيه أبو الحسن ابن أبي نصر، والفقيه أبو بكر ابن محرز، والفقيه أبو المطرف ابن عميرة، وأبو زيد ابن السطاح وغيرهم. وقرأ بالجزائر على أبي عبد الله ابن منداس وغيره.

كان في علم العربية بارعا مقدما محكما لفنونها الثلاثة، النحو واللغة والأدب، وكان له درس يحضره من الطلبة فضلاؤهم ونبهاؤهم، وتجري فيه المذكرات المختلفة في التفسير والحديث، وأبيات الغريب وغيرها، وتمضى في ذلك من المعاني المنقحة ما لا يكاد أن يوجد مثله في نوادر الكتب. 

وكان رحمه الله قويا في علم التصريف ومحبا في التعليل، وكان جاريا فيه على سنن أبي الفتح ابن جني وكان كثير التلامذة والأصحاب، وتقرأ عليه جميع الكتب النحوية واللغوية والأدبية ويقوم على جميعها أحسن قيام، وهو أفضل من لقيت في علم العربية، لزمت عليه القراءة ما ينيف على عشرة أعوام واستمتعت به كثيرا واستفدت منه كبيرا، قرأت عليه الإيضاح من فاتحته إلى خاتمته، وقرأت عليه قدر النصف من كتاب سيبويه وقرأت عليه قانون أبي موسى الجزولي وقرأت عليه جملة من "الأمالي" ومن "زهر الأدب" ومن "المقامات" وقصائد متخيرات من شعر حبيب ومن شعر المتنبي وحضرت قراءة "المفصل" ومضى في الميعاد في مدة قراءتي عليه أضعاف أضعاف ما قرأته بلفظي عليه.

له كتاب سماه "بالموضح في علم النحو" وله "حدق العيون في تنقيح القانون" وله "نشر الخفي في مشكلات أبي علي" هو على الإيضاح، وكان يؤثر كتاب الإيضاح على غيره من الكتب.

وكان فيه فضل سخاء ومروءة وانتخاء، وكانت يده ويد الطلبة في كتبه سواء لا مزية له عليهم فيها، وكان في ذلك على نحو قول الأول:

كتبي لأهل العلم مبذولة *~* يدي مثل أيديهم فيها
أعارنا أشياخنا كتبهم *~* وسنة الأشياخ نمضيها

وكان سخي الدمع سريع العبرة، سمعته يقول إنه رأى رب العزة جل جلاله في المنام، فقال له يا محمد قد غفرت لك. فقال يا رب وبماذا؟ قال بكثرة دموعك، وكان بارع الخط حسن الشعر.

 ومن نظمه رحمه الله في الزهد ومدح النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

أمن أجل أن بانوا فؤادك مغرم *~* وقلبك خفاق ودمعك يسجم
وما ذاك إلا أن جسمك منجد *~* وقلبك مع من سار في الركب متهم
ومن قائل في نظمه متعجبا *~* وجسم بلا قلب فكيف رأيتم
ولا عجب أن فارق الجسم قلبه *~* فحيث ثوى المحبوب يثوى المتيم
وما ضرهم لو ودعوا أودعوا *~* فؤادي بتذكار الصبابة يضرم
عساكم كما أبدوا صدودا وجفوة *~* يعودون للوصل الذي كنت أعلم
وأني لأدعو الله دعوة مذنب *~* عسى انظر البيت العتيق والثم
فيا طول شوقي للنبي وصحبه *~* ويا شد ما يلقى الفؤاد ويكتم
توهمت من طول الحساب وهوله *~* وكثرة ذنبي كيف لا أتوهم
وقد قلت حقا فاستمع لمقالتي *~* فهل تائب مثلي يصيح ويفهم
وذلك في القرآن أوضح حجة *~* وما ثم إلا جنة أو جنهم
إليك رسول الله أرفع حاجتي *~* فأنت شفيع الخلق والخلق هيم
فقد سارت الركبان واغتنموا المنى *~* واني من دون الخلائق محرم
فيا سامع الشكوى أقلني عثرتي *~* فانك يا مولاي تعفو وترحم
ويا سامعين استوهبوا لي دعوة *~* عسى عطفة من فضله تنسم
وهبني عصيت الله جهلا وصبوة *~* فمن يقبل الشكوى ومن يرحم
وقد أثقلت ظهري ذنوب عظيمة *~* ولكن عفو الله أعلى وأعظم
وأختم نظمي بالصلاة مرددا *~* على خير خلق الله ثم أسلم

ومن شعره أيضا في هذا المعنى:

الخبر أصدق في المرأى من الخبر *~* فمهد العذر ليس العين كالأثر
واعمل لأخرى ولا تبخل بمكرمة *~* فكل شيء على حد إلى قدر
وخل عن زمن تخشى عواقبه *~* أن الزمان إذا فكرت ذو غير
وكل حي وان طالت سلامته *~* يغتاله الموت بين الورد والصدر
هو الحمام فلا تبعد زيارته *~* ولا تقل ليتني منه على حذر
يا ويح من غره دهر فسر به *~* لم يخلص الصفو إلا شيب بالكدر
انظر لمن باد تنظر آية عجبا *~* وعبرة لأولي الألباب والعبر
أين الألى جنبوا خيلا مسومة *~* وشيدوا إرما خوفا من القدر
لم تغنهم خيلهم يوما وان كثرت *~* ولم تفد إرم للحادث النكر
بادوا فعادوا حديثا أن ذا عجب *~* ما أوضح الرشد لولا سيئ النظر
تنافس الناس في الدنيا وقد علموا *~* أن المقام بها كاللمح بالبصر
أودى بدارا وأودى بابن ذي يزن *~* وفل غرب هرقل إنه لحر
ولم يفد سبأ مال ولا ولد *~* ومزقته يد التشتيت في الأثر
ولتفتكر في ملوك العرب من يمن *~* ولتعتبر بملوك الصين من مضر
أفناهم الدهر أولاهم وآخرهم *~* لم يبق منهم سوى الأسماء والسير

وكان يسلك في شعره على طريق حبيب بن أوس، وكان صاحبه أبو عبد الله الجزائري يسلك في شعره سلوك المتنبي، وكانا يتراسلان الأشعار يجاوب كل واحد منهما الآخر على طريقته، فكان الأستاذ رحمه الله ينحو نحو حبيب والأديب أبو عبد الله الجزائري ينحو نحو المتنبي، ولولا الإطالة لأتيت من شعر كل واحد منهما ما يستظرف معناه ويروق محياه.

وشهرته بالأديب سماه بذلك الشيخ أبو الحسن الحرالي، وذكر أن سبب هذه التسمية إنه جرى بين يدي الشيخ رضي الله عنه ذكر ما قاله الرجل "واترك الريحان برحمة الرحمن للعاشقين" وتكلم في معناه فقال بعض من حضر أشار إلى العذار لأن ولوع القائل كان به، قال فقلت إنما أشار إلى دوام العهد لأن الأزهار كلها تنقضي أزمانها والريحان يدوم عهده، فاستحسن ذلك الشيخ رحمه الله وقال أنت أديب، فجرى عليه اسم الأديب، وهو أكثر الناس شعرا، وقد شرع في تدوين شعره في عام ثلاثين وستمائة، وهو في كل عام يقول منه ما يكتب في ديوان، وعاش بعد شروعه في تدوين شعره ثلاثا وأربعين سنة، ولو تم له تدوينه لكان في مجلدات كثيرة، ولكن بأيدي الناس منه كثير، وتواشيحه حسنة جدا، وتوفي رحمه الله ببجاية عام ثلاثة وسبعين وستمائة رضي الله عنه.

المرجع:

كتاب عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، لأبي العباس الغبريني.
تكملة الموضوع

ترجمة الشيخ العلامة الإمام الحافظ محمد بابا اعمر البليدي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


الشيخ العلامة الإمام  الحافظ محمد بابا اعمر البليدي (1893- 1976م)

هو الشيخ الإمام، الحافظ المجود الجامع، شيخ الإقراء والمقرئين اللامع، من حظي بالقبول التام القارئ والسامع، العالم العامل، القدوة، فقيه القراء ومسند المقرئين العلامة مقرئ أهل الجزائر، الفقيه، المحدث محمد بابا عمر بن الحاج مصطفى رحمه الله تعالى، إحدى شخصيات القرن العشرين البارزة في الميدانين الديني والمعرفي بل والأخلاقي، وان مزاياه الحميدة المتمثلة في معرفـته الواسعة للعلوم الإسلامية وتضلعه في الإفتاء وكرم شمائله وخصاله الإنسانية السامية وتواضعه المطلق سمات جعلت منه الأب الروحي والأستاذ الفكري الموجه لدى الأجيال المتعاقبة وذهبت بصيته إلى ما بعد حدود بلاد الجزائر.

مولده و طلبه للعلم:

ولد الشيخ محمد بابا عمر بن الحاج مصطفى بمدينة البليدة في الخامس من شهر أوت سنة 1893م وتابع دراسته على الطريقة التقليدية في جامع ابن سعدون بالبليدة حيث تحصل على أول إجازاته في القراءات السبع قراءة وإقراء منحها إياه العلامة المغربي خادم الحديث النبوي محمد عبد الحي الكتاني الحسني الإدريسي الفاسي وكان سنه آنذاك دون الثلاثين، فكان إماما  بلا مدافعة  في القراءات.

فكان الشيخ كالأترج مصداق قول النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القران مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر.

وقارئه المرضي قرّ مثاله *** كالا ترج حاليه مريحا وموكلا
هو المرتضى أما إذا كان أمّة *** ومّيه ظلّ الرزانة قنقلا

قال صلى الله عليه وسلم: [من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت].

وتلت هذه الإجازة إجازات أخرى هي :

   إجازة في جميع التصانيف العلمية المتداولة في جميع الديار والأقطار( نظم ابن عاشر، رسالة ابن أبي زيد القيرواني متن مختصر خليل، ومتن الأجرومية ، متن قطر الندى وبل الصدى صغرى الإمام السنوسي، نظم السلم في المنطق)... إلخ سلمها له السيد قدور أحمد بن الحاج العربي المفتي المالكي بمحروسة البليدة.

-    إجازة في الحديث النبوي الشريف سلمها له الشيخ سيدي قدور الأمين الإمام الأول في الجامع الأعظم بالجزائر.

-    إجازة منحها إياه فضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي الحسني في رواية الحديث النبوي فيما ثبت له روايته من الكتب الحديثية وكتب العلوم الشرعية والأدبية.

وقد كان الشيخ يفتتح رواية البخاري بالسند المتصل كالتالي : بالسند المتصل بإجازة من شيخنا المرحوم سيدي قدور الأمين عن الأستاذ المرحوم سيدي محمد ابن أبي قندورة عن علامة الجزائر ومفتي المالكية سيدي عبد الرحمن بن الحفاف عن شيخه العلامة المحدث قاضي الجزائر ثم مفتيها المرحوم سيدي أحمد ابن الكاهية بسند مذكور رجاله مصرح بهم إلى عبد الله سيدي محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي رضي الله عنه وعن الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى ابن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [إنما الأعمال بالنيات]... إلى آخر الحديث، وكان الشيخ محمد بابا عمر أحد المتخصصين في المتميزين في قراءات القرآن وترتيله وتجويده وكان ذلك من أسباب ذيوع صيته في العالم الإسلامي واستقطاب اهتمام مشاهير علمائه.

تدرجه في عدة مهام

وقد عينته وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية للمشاركة عدة مرات في ملتقيات قراءات القرآن، حيث ترأس غير مرة مسابقات تجويد القرآن الكريم، كما كلفته الوزارة نفسها بتدريس القراءات القرآنية في معاهد تكوين الأئمة. وقد أطلق اسمه منذ بضع سنين على دفعة من الأئمة المتخرجين [دفعة الشيخ نحمد بابا عم] تكريما لذكراه وعرفانا بمجهوداته الجبارة ودوره الفعال في تكوين الأئمة وتوجيههم، وفضلا على كل هذا فقد كان رجل فقه قدير يرجع إليه في جميع الأحوال والمناسبات، ومن أبرز مميزاته شدة ورعه والتي دفعت به إلى أن يهب حياته لخدمة الدين الإسلامي الحنيف ونشر مبادئه في مختلف الأوسط الاجتماعية والثقافية.

وقد تدرج قيد حياته عدة مهام هي:

-    تم تعيينه حزّابا بمسجد البليدة سنة 1919م
-    ثم عين إماما بمسجد القبة سنة 1925م حاليا يسمى المسجد العتيق.
-    عين إماما بالجامع الجديد بالجزائر العاصمة سنة 1940م
-    ثم عين مفتي الديار الجزائرية في الجامع الأعظم بالجزائر العاصمة ابتداء من سنة 1941م.

بالإضافة إلى مختلف المهام التي قام بها في المساجد كان يضطلع بتدريس الحديث النبوي الشريف في معهد الدراسات الإسلامية العليا التابع للتعليم العالي الرسمي الكائن مقره آنذاك في قصر الشتاء جوار جامع كتشاوة بالجزائرالعاصمة، وتجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن الشيخ محمد بابا عمر كان مولعا بالموسيقى الأندلسية الجزائرية مطلعا اطلاعا واسعا على أصولها وأنواعها ومقاماتها وقد ساعدته هذه المعرفة على إتقان التجويد وإعطائه طابعا متميزا، وكان ذا صوت حسن.

نشاطه الثوري:

وفضلا على كل هذا فقد عرف الشيخ طوال حياته وخاصة أثناء حرب التحرير بنضاله الحثيث من أجل إعلاء شأن الدين الإسلامي والمحافظة على العقيدة والإيمان وبمواقفه المشرفة من هذه الثورة المباركة.
فقد فتح أبواب الجامع الأعظم على مصراعيه أمام مناضلي الثورة التحريرية كما قام بإيوائهم في مكتبه بل كان أيضا يقوم بإخفاء أسلحتهم والأدوية الموجهة إليهم فيه مما جعله محل تفتيش من قبل السلطات الفرنسية.

ونذكر في هذا السياق الرسالة المفتوحة المشرفة التي وجهها الشيخ محمد بابا عمر للسلطات الفرنسية بتوقيعه وتوقيع عدد آخر من العلماء منددا بالقمع الفرنسي في الجزائر والانتهاكات المرتكبة ضد الشعب الجزائري مبينا فيها على الخصوص بأن الحل الوحيد لإنهاء حرب الجزائر هو التفاوض مع جبهة التحرير الوطني. وقد أثار هذا التصريح الذي نشر في الجزائر وفرنسا وتونس والمغرب جدلا كبيرا في الأوسط السياسية الفرنسية والدولية وقد ورد في جويت لوموند بتاريخ 14-11-1956م.

وقل كانت معارضة الشيخ شديدة لمحاولة إدخال إصلاحات مزعومة على النصوص القانونية المتعلقة بوضعية المرأة المسلمة الجزائرية، وقد دامت أكثر من سبعة أشهر وتوجت أخيرا بتصريح أدلى به في جريدة " لوجورنل دا لجي " الصادر في 8 - 9 فبراير 1959 (أي في خضم حرب التحرير) ونشر المقال في ثلاثة أعمدة من الصفحة الأولى قال فيه إن كل محاولة إدخال أي إصلاح على قانون ?المرأة المسلمة الجزائرية تبوء بالفشل إذا كانت مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية.

وقد جاء تصريحه ردا على السلطات الفرنسية التي كانت على وشك إصدار قوانين "عصرية" جديدة مستمدة من التشريع الفرنسي بشأن الأحوال الشخصية الخاصة بالأسرة الجزائرية المسلمة.
كما صرح الشيخ في أوت 1958 للجنرال ديغول الذي خصه باستقبال في قصر الإليزي بباريس بدعوة خاصة منه قائلا: [إن الحل الوحيد لإيقاف الحرب في الجزائر هو فتح مفاوضات مع ممثلي جبهة التحرير الوطني].

وفاته:

انتقل الشيخ بعد حياة حافلة بالجهاد إل جوار ربه يوم عيد الأضحى سنة 1976 ودفن بمقبرة سيدي امحمد في اليوم الموالي أي الجمعة المصادف للثالث من شهر ديسمبر، رحمه الله وطيب ثراه وقدس سره وجزاه الله على ما قدم للإسلام خير الجزاء ولطف به وبنا، آمين.

للترجمة مصادرها ومراجعها
تكملة الموضوع

حمل كتاب مختارات من تراث شيخ الأزهر محمد الخضر حسين - ج²

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


- كتاب: مختارات من تراث شيخ الأزهر محمد الخضر حسين – ج²

[هدية مجلة الأزهر المجانية لعدد ربيع الأول 1422هـ]

- المؤلف: العلامة محمد الخضر حسين الطولقي.
- الناشر: منشورات الأزهر الشريف – دار الجمهورية، ج.مصر.العربية.
- حالة النسخة: منسقة ومفهرسة.

رابط التحميل



ترجمة الإمام العلامة محمد الخضر حسين:


أولا: نسبه

ينتسب الإمام العلامة الشيخ محمد الخضر حسين إلى أسرة عريقة في العلم والشرف حيث تعود أسرته إلى بيت العمري في بلدة طولقة من عمالة بسكرة جنوب الجزائر وقد رحل أبوه من طولقة إلى نفطة على مقربة من الحدود الجزائرية بتونس بصحبه صهره مصطفى بن عزوز حينما دخل الاستعمار الفرنسي الجزائر، ومما يدل على عراقة أسرته في العلم أن منها جده مصطفى بن عزوز البرجي وأبو جده لأمه الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي من أبرز رجالات التصوف بالجزائر، وخاله العلامة محمد المكي بن عزوز من كبار العلماء وكان موضع الإجلال في الخلافة العثمانية.

ثانيا: مولده ونشأته.

ولد الشيخ في 26 رجب 1293هـ/ 16 أغسطس 1876م، وكثر الجدال حول مكان مولده، حيث يقول بعض الباحثين أنه ولد في نفطة التونسية [¹] بيد أن البعض الآخر من الباحثين يرى أنه ولد في طولقة ونشأ بها، ثم هاجر مع أبيه إلى قرية نفطة التونسية هروبا من المستعمرين الفرنسيين، وهذا ما نميل إليه [²]، وفي ذلك يقول أستاذنا الدكتور محمد رجب البيومي: " ولد الأستاذ بقرية من قرى الجزائر على حدود  القطر التونسي في أسرة تعتز بعراقة النسب، وتفخر بما أنجبت من العلماء والأدباء، وحين بلغ الثانية عشر من عمره التحق بجامع الزيتونة طالبا، وأكب على التحصيل والتلقي حين نال الشهادة العالمية عن جدارة، وتهيأ للإفادة العلمية كاتبا ومدرسا وقاضي[³].

ثم أخذ العلم في نفطة، وقد ذكر أن والدته قد لقنته مع إخوانه كتب الكفراوي في النحو والسفطي في الفقه المالكي.

وفي عام 1306 انتقل مع أسرته إلى العاصمة، فتعلم بالابتدائي وحفظ القرآن مما خوله الانتظام بجامع الزيتونة، فجد واجتهد وثابر على مواصلة العلم حتى صار مثار إعجاب أساتذته، حيث درس على أستاذه سالم أبو حاجب صحيح البخاري، وعنه أخذ ميوله الإصلاحية وأخذ التفسير عن أستاذيه عمر بن الشيخ ومحمد النجار.

وفي عام 1316 نال شهادة التطويع التي تخول حاملها إلقاء الدروس في الزيتونة تطوعا، وكانت هذه الطريقة دربا للظفر بالمناصب العلمية وميدانا للخبرة والتدريب على مهنة التعليم، فعظمت مكانته في نفوس زملائه، وذاع صيته في البلاد حتى صار من قادة الفكر وذوي النفوذ، وأعجب به طلبة الزيتونة..

وفي عام 1329 وجهت له تهمة بث العداء للغرب ولاسيما فرنسا، مما وجهه صوب الشرق، وزار كثيرا من بلدانه، وزار حاله محمد المكي بن عزوز في الأستانة ولعل هذه الرحلة لاكتشاف أي محل منها يلقي فيه عصا الترحال، ثم عاد إلى تونس فلم يطب له المقام والمستعمر من ورائه.

ثم رحل على دمشق الشام عام 1330 مع أسرته ومن ضمنها أخواه العالمان المكي وزين العابدين، فهين الشيخ محمد الخضر حسين مدرسا بالمدرسة السلطانية وألقى في جامع بني أمية دروسا قدّره العلماء عليها وتوثقت بينه وبين علماء الشام الصلة وبخاصة الشيخ البيطار والشيخ القاسمي...

ثالثا: هجرته إلى مصر واستقراره بها:

لما سقطت الشام في أيدي الفرنسيين 1339هـ/1920م ما وسعه المقام فيها، وذلك لأن الفرنسيين كانوا قد حكموا عليه غيابيًا في تونس بالإعدام لاتهامه بالمشاركة في تحريض المغاربة بألمانيا وتركيا على الثورة ضد الفرنسيين في شمال إفريقيا، فهرب إلى مصر، وبقي فيها إلى نهاية حياته المباركة .

وعمل في مصر مصححًا بدار الكتب المصرية بشفاعة أحمد تيمور باشا الذي عرف قدره، وكان يلقي المحاضرات والدروس في مساجدها، ويكتب المقالات المتنوعة الكثيرة.

وفي القاهرة أنشأ "جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية" التي تهتم بالمغاربة من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، وذلك سنة 1342هـ/1924م، وبعد عشرين سنة ألف جمعية "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية".

وفي مصر اختلف مع طه حسين عندما ألف كتابه "في الشعر الجاهلي"، وكان في الكتاب انحراف خطير واتباع لأقوال المستشرق الإنجليزي مرجليوث وطعن في القرآن، فاشتد غضب علماء الأزهر حين صدر هذا الكتاب، وحاكموا صاحبه إلى محاكم مصر التي كانت تحت التأثير الإنجليزي فبرأته، وهنا ألف الشيخ محمد الخضر كتابه "نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، الذي كان باعتراف طه حسين من أهم الردود عليه وأشدها حجة.

وفي سنة 1346هـ/1928م شارك في تأسيس "جمعية الشبان المسلمين"، ووضع لائحتها مع صديقه محب الدين الخطيب.

وفي مصر أنشأ "جمعية الهداية الإسلامية" مع بعض المشايخ منهم شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي، وذلك في سنة 1346هـ/1928م لمّا رأى التفسخ الخلقي آخذًا في الانتشار بين كثير من شباب مصر آنذاك، وكان من أهداف الجمعية محاربة الفساد والإلحاد، والتعريف بالإسلام، والسعي لتمتين الصلات بين الشعوب الإسلامية والسعي؛ لإصلاح شأن اللغة العربية وإحياء آدابها، وأصدر مجلة "الهداية الإسلامية" لتكون لسان حال الجمعية، وأُلقيت المحاضرات في المساجد والنوادي خاصة التي تتبع هذه الجمعية، وقد رَأَس الجمعية الشيخ محمد الخضر حسين، وفيها بعض الأعضاء البارزين مثل الشيخ علي محفوظ، والشيخ عبد الوهاب النجار، وفتحت الجمعية فروعًا في مصر وسوريا والعراق.

رابعا: المناصب التي توالها الشيخ بمصر:

    التدريس في الأزهر: اختير الشيخ محمد الخضر حسين للتدريس في قسم التخصص بالأزهر، وهذا دال على مدى علمه؛ إذ لا يدرس في الأزهر آنذاك إلا كبار العلماء.

    رئاسة تحرير مجلة الأزهر: اختير الشيخ محمد الخضر لتولي رئاسة تحرير مجلة الأزهر التي صدرت في بداياتها باسم "نور الإسلام" وذلك سنة 1349هـ/1931م، ثم تحولت إلى مجلة الأزهر، وما زالت تصدر إلى يومنا هذا، وبقي الشيخ فيها إلى أن عزل عنها بعد أربع سنوات.

•    وتولى رئاسة تحرير مجلة لواء الإسلام" سنة 1366هـ/1946م.

    وفي القاهرة اختير عضوًا بـ"مجمع اللغة العربية الملكي" عند إنشائه سنة 1351هـ/1932م.

    واختير عضوًا لهيئة كبار العلماء سنة 1370هـ/1950م.

    ثم اختير شيخًا للأزهر بعد ثورة يوليو في سنة 1371هـ/1952م، وفي عهده أرسل وعاظًا أزهريين إلى السودان، ثم استقال منه بعد أقل من سنتين، وفي ولايته للأزهر دلالة على رفعة شأنه عند العلماء والساسة، فقد كان الأزهر أعظم مؤسسة إسلامية في العالم الإسلامي، وقد قال الشيخ العلامة الأستاذ محمد الفاضل بن عاشور التونسي عند اختيار الشيخ محمد الخضر شيخًا للأزهر: ليحق لهذه الحقبة من التاريخ التي تُظِلُّنا أن تفخر بأنها بلغت فيها الصلات بين الأزهر والزيتونة أوْجها؛ فقد احتضن الأزهر إمامًا من أئمة الأعلام، كان أحد شيوخ الزيتونة العظام"، وقد أحسنت مصر وفادته منذ نزل إليها سنة 1339هـ/1920م، وتجنس بجنسيتها وبقي فيها إلى وفاته، ودفن فيها.


خامسا: مؤلفاته:

للشيخ عدة كتب؛ منها: "وسائل الإصلاح" ثلاثة أجزاء. وفي الكتاب نقد للأوضاع القائمة، وتقويم لها، وفيه ردٌّ على بعض الضلال الفكري الذي كان سمة من سمات ذلك العصر، وفيه تركيز على أثر العلماء والعناية بهم وحثهم على القيام بوظائفهم.

ومن كتبه أيضًا: بلاغة القرآن - أديان العرب قبل الإسلام - تونس وجامع الزيتونة - حياة ابن خلدون - دراسات في العربية وتاريخها - "تونس.. 67 عامًا تحت الاحتلال الفرنساوي" أصدره سنة 1948م - أدب الرحلات - الحرية في الإسلام - آداب الحرب في الإسلام – "تعليقات على كتاب الموافقات" للشاطبي - إضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات.

سادسا: أواخر حياته:

استمر فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين -رحمه الله- في أواخر حياته يلقي المحاضرات ويمد المجلات والصحف بمقالاته ودراساته الـقـيمة، بالرغم مما اعتراه من كبر السن والحاجة إلى الراحة وهذا ليس غريباً عمن عرفنا مشوار حياته المليء بالجد والاجتهاد والجهاد .

وكان أمله أن يرى الأمة متحدة ومتضامنة لتكون كما أراد الله خير أمة أخرجت للناس، وحسبه أنه قدم الكثير مما لا نجده عند الكثير من علماء هذا الزمان.

سابعا: وفاته رحمه الله تعالى:

وفي عام 1377 هـ انتقل إلي رحاب الله ، ودفن في مقبرة أصدقائه آل تيمور جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء ، ورحمه رحمة واسعة بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه آمين.


مراجع الترجمة:

•    مقال للأستاذ الدكتور مجاهد توفيق الجندي – جامعة الأزهر الشريف – المنشور بالمجلة الخلدونية (الجمعية الخلدونية بسكرة) العدد 8 ديسمبر 1432.
•    سلك الدرر في أعيان القرن الثاني ط1/ دار صادر بيروت 2001م.
•    النهضة الإسلامية للبيومي ، ط/دمشق .
•    دراسات في حضارة الإسلام ، هاملتون جب ، ط1/ الهيئة العامة

هوامش:

[¹] راجع الأزهر الشريف في عيده الألفي، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1403هـ، ص:258 و259، و شيوخ الأزهر الهيئة العامة للاستعلامات ص:42.

[²] الدكتور مجاهد توفيق الجندي أستاذ بجامعة الأزهر الشريف، ج/ مصر العربية – ضيف شرفي وأحد المدعوين للجمعية الخلدونية ببسكرة – الجزائر، 2010 وذلك ضمن فعاليات الملتقى الوطني السادس(بسكرة عبر التاريخ) الذي تناول شخصية الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي الجزائري شيخ الأزهر الشريف.

[³] انظر مقدمة لكتاب الحرية في الإسلام للشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق بقلم محمد رجب البيومي - هدية مجلة الأزهر لعدد ذي القعدة 1424هـ.
تكملة الموضوع

حمل مخطوط إرشاد أهل الهمم العلية فيما يطلب منهم من الأدعية النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين




- مخطوط: إرشاد أهل الهمم العلية فيما يطلب منهم من الأدعية النبوية.
- تصنيف: العلامة سيدي عبد الله بن غانم الدرّاجي المسيلي.
- مصدر المخطوط: جامعة تورنتو – كندا [University of Toronto].
- مجموعة: توماس فيشر [Collection:  thomasfisher].
- عدد الأوراق: 244.

رابط التحميل


أوله:

" الحمد لله الملهم من شاء لطرق السعادة، فأوصلهم بفضله لنيل الحسنى وزيادة، فخاضوا في بحار كرمه العميقة، واستخرجوا درر المعارف من صميم الشريعة والحقيقة..."

آخره:

" إنتهى نقله البسكري اللهم أعمر قلبي من بوساوس ذكرك واطرد عني وساوس الشيطان "اخرجه أبو بكر بن داود في ذم الوسوسة" هذا ما يسر الله جمعه بقدر الطاقة ولكن يحتاج إلى مزيد تحرير فمن أراد ذلك فعليه بالتنقير والحمد لله العلي الكبير وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسائر أحزابه ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين"

وجاء في أخر ورقه من هذا المخطوط العبارة التالية:

" وكتبت هذه الجمل بعد المقابلة بحسب الطاقة في الحرم النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام في ثاني أشرف الربيعين سنة 1286 قاله جامعه الفقير غفر الله له الذنب الكبير والصغير والحمد لله رب العالمين"

ترجمة المصنف:

سيدي عبد الله بن غانم الدرّاجي الهذالي المسيلي ( ... – 1296هـ/ ... – 1879م)



السيد عبد الله بن غانم الدراجي الهذالي النجاعي، كان رحمه الله من أهل العلم والدين والزهد واليقين، انتقل من وطنه قسنطينة عالما يريد العلم، متجردا عن الدنيا وأهلها إلى أن لقي الله  تعالى بعمل صالح يشهد له به كل من رآه ولازمه، وأصله من فرقة الهذالة من قبيلة أولاد درّاج الضاعنة في الحضنة من أحواز المسلية.

أسفاره ورحلاته:

استوطنت عائلته مدينة قسنطينة، وبها تعلم وانتقل منها إلى تونس عالما، وأخذ في قراءة البخاري دراية ورواية، وحضر لختمه باي تونس سيدي أحمد الحسيني وأعيان المدينة علما وسياسة، فوقع له ما وقع.

وذهب إلى المدينة المنورة فألقى عصا التسيار بها، وأقبل فيها على علوم الآخرة ونشرها، ولقيه بها العلماء زوار الضريح النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وأخذوا عنه وأجازهم، وانتفعوا به، ومنهم في وطننا العلامة العامل الفاضل الورع البركة ابن البركة شيخنا سيدي محمد الحفناوي ابن القطب سيدي علي بن عمر صاحب زاوية طولقة، ومنهم الفقيه المفسر المحدث النحوي الصوفي العالم التقي خاتمة علماء وقته في مدينة الجزائر سيدي الحاج علي بن الحفاف مفتي السادة المالكية بها.

ووقعت بينه وبين صاحب الترجمة مخاطبات في مسائل كثيرة عمل فيها بقوله، ورجع من الحج يحدث عنه بعجائب من المكاشفات والكرمات، ومنهم من استجازه في بلده وأجازه، كشيخنا نخبة العصر ونابغته، قاموس العلوم وقابوسها، حفيدنا سيدي المكي ابن القطب سيدي المصطفى بن القطب الشيخ بن عزوز البرجي والحاصل أن الشيخ عبد الله الدراجي قد انتهى به في المنورة ما انتهى بالشيخ عليش في مصر وبعد كل نهاية بداية، نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدارين.

كرامته:

كان الشيخ عالما صارما لا يخاف في الله لومة لائم، فلا يبالي بأمر أمراء المدينة ولا بِنَهيهِم في ما يراه مخالفا للشريعة، حكى أهل الثقة والصدق أنه من مر بالحرم الشريف فوجد فيه نساء الحجاج وأولادهم على حالة تنافي حرمة المحل، فلم يتمالك أن هجم عليهم بعصاه وأخرجهم منه، وصارت ضجة عظيمة انتهى خبرها إلى والي المدينة، فأمر الوالي بأن لا يبقي الشيخ في المدينة بعد ثلاثة أيام، ولما أخبروه بالأمر قال لهم قولوا له هو الذي يخرج من المدينة قبل ثلاثة أيام، وما أصبح الصباح حتى شاع أن الوالي مشرف على الهلاك، وكان كذلك واضطر الوالي بعد المعالجة ونحوها إلى استرضاء الشيخ فرضي عنه وزال ما به.

له من التآليف "إرشاد أهل الهمم العلية فيما يطلب منهم من الأدعية النبوية على اختلاف أحوالهم الزكية" فيه ثمانية فصول في نحو سبعة كراريس ومنها "إتحاف المريدين بتحقيق رابطتهم بالحضرتين".

ومن أحفاده في مدينة الجزائر اليوم قاضي السادة الحنفية الفقيه الشيخ حمو بن الدرّاجي، وأخيه الأديب الأريب علي الدرّاجي مترجم إدارة المجابي الجزائرية.

وفاته:

توفي سيدي عبد الله سنة 1296.

المرجع:

كتاب تعريف الخلف برجال السلف – لأبي القاسم محمد الحفناوي – مطبعة بيير فونتانة الشرقية – الجزائر، ج2 / ص: 234.
تكملة الموضوع

ترجمة صاحب وسيلة المتوسلين سيدي بركات العروسي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




سيدي بركات محمد العروسي القسنطيني صاحب وسيلة المتوسلين / (ت: 897هـ = 1492م).


1) كلمة شكر:

بادئ ذي بدء أود أن أتوجه بأسمى معاني الشكر والامتنان للباحث الجزائري الأستاذ د.محمد قويدري بن الطاهرالذي قدّم لي يد العون وأمدني بالعديد من المصادر والمراجع والوثائق الهامة التي لولاها ما تمكنت من إنجاز هذه الترجمة، التي أحسبها إلا ثمرة من ثمرات توجيهاته لي، والله أسئل أن يتقبل منه ويكون عمله هذا خالصا لوجه الكريم.

*.*.*

2) الترجمة:

هو العارف بالله سيدي بركات محمد العروسي القسنطيني، فقيه وأديب ومتصوف عاش في قسنطينة المحروسة في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، وهو ابن سيدي أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الدائم الشهير بـ "ابن عروس بن عبد القادر التميمي الهواري"[1] المولود  في حدود أحد وثمانين وسبعمائة (781 هـ / 1379 م) بقرية من الجزيرة القبيلة تسمّى بالمزاتين، والتي تبعد مسافة خمسين ميلا عن مدينة تونس العاصمة، والمتوفي أيضا بتونس في سنة 868هـ، / 1463م، وضريح والده موجود قرب جامع الزيتونة، بزاويته المعروفة باسمه المحاذية لجامع حمودة باشا بالنهج الحامل لاسمه بأرباض المدينة العتيقة قرب بطحاء باب سويقة وقرب حي الحفصية [2] وهو من المزارات الشهيرة بتونس.




 وللعلامة الشيخ سيدي عمر بن علي الراشدي الجزائري كتابا أفرده في ذكر مناقب والد صاحب الترجمة سماه بـ "ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب سيدي أحمد بن عروس" [3]  ذكر فيه جملة من مناقب وكرامات وآثار الشيخ رضي الله عنه، وهو من ومعاصري سيدي أحمد بن عروس ومريديه، وقد حضر جنازته.

***

نشأ سيدي بركات محمد العروسي في نواحي بسكرة[4]، في عصر كثُر فيه الصالحون والمتصوفة منهم سيدي محمد بن محمد الفراوسني البجاوي، وسيدي عيسى بن سلامة البسكري، وسيدي بركات محمد العروسي صاحب الترجمة متصوف وأديب وشاعر كبير، قضى حياته كلها في الزهد والعبادة ومجاهدة النفس، شيخا عارفا بالله، معظما عند الخاصة والعامة مشهودا له بالتقوى والصلاح وبحبه الكبير لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظم العديد من القصائد والمدائح النبوية الشريفة وكتب في المواعظ وتنبيه الغافلين في ذكر الله ودرع العصاة، وعرفت المجالس التي كتبها في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم شهرة كبيرة ويحتوي كتابه (وسيلة المتوسلين في الصلاة على سيّد المرسلين) على "أربعة وعشرون" مجلسا للذكر، أضاف إليها الشيخ سيدي محمد بن عزوز البرجي البسكري، مجلسين "اثنين" ليوافق ختمة نهاية فصل الشتاء "ستة وعشرون" مجلسا، إذ جرت العادة بقراءته في فصل الشتاء في كل يوم جمعة في المساجد والزوايا في بلدان المغرب العربي كلها، وفي معرض ذلك جاء في الصفحة 200 وما بعدها من هذا الكتاب ما يلي:

".. قال مؤلف هذين المجلسين العالم العامل العلامة البحر الفهامة العلم الشهير والدراك النحرير الشيخ سيدي محمد بن عزوز برد الله ضريحه، وسقى بوابل غيث الرحمة روحه وأعاد علينا والمسلمين من المتوسلين في فصل الشتاء بنحو الجمعة، فألحقت هذبن المجلسين من كلام أولياء الله تعالى ليوافق تمام الشتاء تمامه قاصدا وجه الله العظيم.." أهـ. [5]

 وما تزال بعض المساجد والزوايا في الجزائر تقرأه لحد الآن، والذي انتهى من تأليفه يوم الأحد الرابع من شهر شعبان من سنة 877هـ الموافق لـ 1472 إفرنجي.


*.*.*

قام بطبعه السيّد بومدين الحاج بن زين محمد الكُتبي ببلدة أولاد جلال، من عمالة بسكرة بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1384هـ/ 1965م، أيضا طُبع الكتاب بتونس دون ذكر تاريخ الطبع على نفقة الشيخ أحمد بن حفيظ بن الحاج قسّوم خراشي البسكري، في حوالي 160 صفحة، على يد ناسخه أحمد بن بلقاسم بن المبارك بن الصغير بن القريشي الدراجي، وقد فرغ من نسخه كما هو مدون في نهاية الكتاب: صبيحة يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ذي القعدة الحرام عام سبعة عشر وثلاثماية وألف 1317هـ.

*.*.*

يذكر الناشر في مقدمة هذه الطبعة قصة غريبة في سبب تأليف سيدي بركات العروسي لكتابه هذا، مفادها أن المؤلف أي "سيدي بركات" كان كاتبا لدى باي قسنطينة ! فمرّ ذات يوم وهو راكب على بغلة، فسقط منه القلم الذي كان يُدَّون به، فطلب من أحد المارّين أن يناوله إياه فرفض هذا الأخير وقال له: أنت من أعوان الباي والقلم هذا لطالما كتب المظالم وأخاف الله أن ألمسه، ولهذا لن أعينك على معصية...ولأجل هذا "يقول الناشر" كان سببا في توبة المؤلف ومن ثَم تصنيفه لهذا الكتاب؟ !.



وسيلة المتوسلين (طبعة تونس) ص:3.

وتجدر الإشارة أنه خِلافا للرواية الواردة أعلاه، فإن تاريخ وفاة سيدي بركات العروسي المتفق عليه هو سنة 897هـ ثمانمائة وسبعة وتسعون هجرية الموافق لعام 1492ميلادي وذلك في العديد من المراجع مثل ما جاء في هدية العارفين ومعجم المؤلفين، وكلاهما أثبتوا أنه كان حيا قبل 1492م، أيضا كتاب تاريخ قسنطينة أم الحواضر في الماضي والحاضر، وغيره من الكتب... وهي السنة عينها التي سقطت فيها غرناطة ! ما يعني أنه لا يتوافق إطلاقا مع تواجد البايات في مدينة قسنطينة ويتعارض تماما حتى مع تاريخ التواجد العثماني في الجزائر!! مما يجعل من الرواية بلا سند تاريخي وليس لها ما يبررها ويسندها، كما تجدر الإشارة أننا نجهل السبب الحقيقي الذي لأجله أورد الناشر أحمد بن حفيظ بن الحاج قسّوم خراشي البسكري‏ "طبعة تونس" هذه الرواية وما الغاية من ذلك.. وللقارئ أن يتأمّل ويتدبّر في الأمر.

وأخير قام بطبعه شيخ الزاوية القادرية ببسكرة المحروسة سيدي الشاذلي الشاذلي سنة 2010م.

*.*.*

وعند وفاته دفن بقسنطينة في الجامع المعروف باسمه ( جامع سيدي بركات العروسي) والكائن بناحية الكازينو رحبة الزرع القديمة بقسنطينة، وهو أول مسجد هدمه الفرنسيون عند احتلالهم المدينة مساء الجمعة يوم 13/10/1897م ولم يبق له أثر.

*.*.*
مؤلفاته:

"مفتاح الإشارة في فضائل الزيارة"، أظهر فيها نبوة خالد بن سنان العبسي وهذا ما ذهب إليه عبد الرحمن الأخضري في القدسية، يقول رضي الله عنه:

سر يا خليلي إلى رسم شغفت به *** طوبى لزائر ذاك الرسم والطلل. أهـ

"وسيلة المتوسلين بفضل الصلاة على سيد المرسلين"، ط.1965 القاهرة عيسى البابي  على نفقة الحاج بن زوين ببلدة أولاد جلال، بسكرة ومخطوطات المكتبة الوطنية الجزائرية، 2103-3129. فهرس مخطوطات الشيخ الخليل بن مصطفى القاسمي، إعداد نجله محمد فؤاد القاسمي.

"تذكرة الغافل وتبصرة الجاهل" توجد منه نسخة بالمكتبة الوطنية الجزائر، رقم: 2752.

المجالس.

 أنظر: كتاب فهرست معلمة التراث الجزائري بين القديم والحديث، للشيخ بشير ضيف بن أبي بكر بن البشير بن عمر الجزائري، دار ثالة للنشر،الجزائر، ط.الثانية،2007م، ص: 222.



*.*.*

من إعداد الأستاذ / قويدري محمد بن الطاهر، باحث في التاريخ ومفتش بوزارة العدل – الجزائر... مع إضافات من العبد الفقير الذليل المفتقر إلى رحمة المولى الجليل صاحب هذه المدونة صلاح.


3) مراجع:

•    كتاب إرشاد الحائر إلى آثار أدباء الجزائر، من تأليف:  محمد بن رمضان شاوش، والغوثي بن حمدان.
•    تاريخ مدينة قسنطينة أم الحواضر في الماضي والحاضر، تأليف: محمد المهدي بن علي بن شغيب.
•    أعلام التصوف، تأليف: أ.د.عبد المنعم القاسمي الحسني.
•    معجم أعلام الجزائر- عادل نويهض.
•    هدية العارفين (3/42) في اسم بركات.
•    معجم المؤلفين لـ عمر رضا كحالة، ص: 424،  رقم الترجمة: 3181، مؤسسة الرسالة.


4) هوامش:

•    [1] أنظر: كتاب "ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب سيدي أحمد بن عروس"، لمؤلفه عمر بن علي الراشدي الجزائري، ص:191، الطبعة الأولى، مطبعة الدولة التونسية 1303.
•    [2] أنظر كتاب "دراسات في الأدب الشعبي التونسي" للباحث التونسي جلول عزونة، دار سحر للنشر- تونس.
•    [3] أنظر معجم أعلام الجزائر، تأليف: أ.د.عادل نويهض- ص: 146، الطبعة الثانية 1980، بيروت.
•    [4] أنظر كتاب "إرشاد الحائر إلى آثار أدباء الجزائر" الجزء الأول، ص: 374، ذكر أنه عاش في مدينة بسكرة.
•    [5] أنظر كتاب "الشيخ محمد بن عزوز البرجي وكتابه قواطع المريد" لمؤلفه د.كمال عجالي.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |