بسم الله الرحمان الرحيم
الرسالة الآولى
الرسالة الآولى
من خديم الخدام و مقبل تراب الأقدام , محب الصالحين من الناس و الإخوان , عبده و أ قل عبيده عبد الرحمان .
إلى الحبيب الذي أخد من كل فن بنصيب , سيدي محمد بن عزوز , منحه الله تعالى الرضا و الفوز .
سلام الله عليك و رحمة الله وبركاته , و على كل من تعلق بك من الأهل و الإخوان و التلاميذ و العشائر و الأصحاب و الأحباب كل واحد باسمه .
و بعد . فقد بلغني مكتوبك هذا , و قام لدي مقامك , فان ما عجزت عنه الأقدام تبلغه الأقلام , فوجدته كناب مشتاق , و من بغيته التلاق , جزآك الله خيرا , و كفاك ضيرا و جعلك من العشاق , و هكذا شأن المتحابين في الله , زادك الله تعالى من ذلك . و قولك ( الحمد لله الذي أتى بك و كنا بقيد الحياة ) هكذا كان يقول شيخنا , نفعنا الله تعالى به , طول الله بنا الأعمار في الخير حتى نشبع من طاعة الله تعالى إن شاء الله . و قولك الظريف ( و لقد قامت قلوبنا ) إلى قولك ( و إن كان لنا العيب عند من يقربنا ) إلى قولك ( و لم نر شيئا و لم نستحسن شيئا سوى محبتك ) نعم , ذلك هو المطلوب من السير و السلوك إلى مالك الملوك , فاشكر الله تعالى يزدك .
و لقد حكي لنا الأستاذ رحمه الله تعالى حكاية : رأى معروف الكرخي في المنام , فقيل له : ما فعل الله بك يا معروف ؟ فقال : خيرا إن شاء الله تعالى , فقيل له بورعك أم بزهدك ؟ فقال معروف رضي الله تعالى عنه و نفعنا به : بعملي بموعظة ابن السماك . قال لنا الأستاذ : أعلمكم بموعظة ابن السماك ؟ قلنا : نعم . قال : قال ابن السماك رحمه الله تعالى : من اعرض عن الله بكلياته , أعرض الله عنه جملة , و من أقبل على الله بقلبه , أقبل الله عليه برحمته و بوجوه الخلق إليه , و من تارة فتارة فالله يرحمه . ثم فسر لنا " من أعرض عن الله بكلياته " قال : هو من لم يأخذ وردي , أو أخده و فرط فيه , فهذا هو المعرض عن الله , لقولهم : من أخد الورد و تركه كان كمن ارتد و العياذ بالله تعالى , و من أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه برحمته و بوجوه الخلق إليه , معناه : ألبسه الله تعالى خلعتين , خلعة ظاهرة يعلمها الخلق منه و لا يعلمها هو من نفسه , و خلعة باطنه يعلمها هو من نفسه و لا يعلمها غيره منه .
أشكر الله تعالى . و هذا جوابك . و إن كانت لنا حياة فستأتيك الخلعة الباطنة إن دمت , فالبدوام تنقطع الأوهام . و ينكشف عن القلب الغمام , و اترك الزيارة إلى وقت الإمكان , حيث تعذر الآن الزمان , و أفضلها وقت الأنوار و الأثمار , كما كان يأمرنا به الأستاذ رحمه الله تعالى .
و لا تقل لماذا كتب لي في بطاقتي , و لم يكتب لي في مكتوب أخر . حتى لا يضيق الكتب . و أنت خبير يا سيدي بأن الشيخ رحمه الله تعالى , في الكثير و الغالب لا يكتب إلا في البطاقة المرسلة إليه . و لا يحب كثرة التمجيد و الكلام لغير فائدة . و في الحديث الشريف ( مسألة من العلم خير من الدنيا و ما فيها و من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ) .
فعليك أيها الحبيب بالإقبال على الله تعالى بقلبك من غير التفات إلى إقبال الخلق م إدبارهم , فيمنحك الله تعالى الخلعتين , و لكن واحدة بعد واحدة . كما جرت عادة الله تعالى بذلك . و عليك بالنصيحة لنفسك أولا , فان من نصح نفسه قدر على نصح غيره . أعننا الله تعالى و إياكم على النصيحة لأنفسنا و لغيرنا , و رزقنا و إياكم الإقبال على الله تعالى بالقلب و اللسان و الجوارح بمنه و كرمه و جوده و فضله , و لم يجعل كلامنا حجة علينا أمـــين .
و بلغ سلامنا إلى من سلم علينا . و يسلم عليكم كافة أولادنا و أهلينا و الإخوان و النقباء و على من ذكر سلاما تاما مبارك عاما . و بلغ سلامنا إلى سيدي المبروك و الوالدة .
و قولك ( خشيت ) الخ . فأنا راض عنك إن رضيت بي , أنت تعلم ذلك من قلبك , فان القلوب لا بعد بينها و لو تباعدت الأجسام . و لقد أخبرني سيدي مصطفى بصدقك و دوام نيتك . و قد كان يذكر لنا الشيخ رحمه الله تعالى مرارا : من دام على عادته , دامت سعادته في الدارين , و من لا , فلا .
و لا بد سيدي أن تنصحني و ننصحك هكذا , و نكون إن شاء الله من المتناصحين في الدين لا غير , خصوصا في هذا الزمان , الذي صار فيه الدين غريبا و القابض عليه كالقابض على الجمر .
جعلنا الله و إياكم من أصحاب الدين المتين , و لا تلتفت لمادح و لا لقادح , و لا تتحرك لذالك كما لا يتحرك جبل من نفخ ناموسه .
و هذا ما ورد علي في الوقت , كتبته عاجلا و عليكم السلام .
أواخر شعبان عام 1214 أربعة عشر و مأتيين و ألف , من هجرة من خلقه الله تعالى على أكمل وصف , سيدنا محمد صلى الله عليه و على أله و صحبه و سلم .
إلى الحبيب الذي أخد من كل فن بنصيب , سيدي محمد بن عزوز , منحه الله تعالى الرضا و الفوز .
سلام الله عليك و رحمة الله وبركاته , و على كل من تعلق بك من الأهل و الإخوان و التلاميذ و العشائر و الأصحاب و الأحباب كل واحد باسمه .
و بعد . فقد بلغني مكتوبك هذا , و قام لدي مقامك , فان ما عجزت عنه الأقدام تبلغه الأقلام , فوجدته كناب مشتاق , و من بغيته التلاق , جزآك الله خيرا , و كفاك ضيرا و جعلك من العشاق , و هكذا شأن المتحابين في الله , زادك الله تعالى من ذلك . و قولك ( الحمد لله الذي أتى بك و كنا بقيد الحياة ) هكذا كان يقول شيخنا , نفعنا الله تعالى به , طول الله بنا الأعمار في الخير حتى نشبع من طاعة الله تعالى إن شاء الله . و قولك الظريف ( و لقد قامت قلوبنا ) إلى قولك ( و إن كان لنا العيب عند من يقربنا ) إلى قولك ( و لم نر شيئا و لم نستحسن شيئا سوى محبتك ) نعم , ذلك هو المطلوب من السير و السلوك إلى مالك الملوك , فاشكر الله تعالى يزدك .
و لقد حكي لنا الأستاذ رحمه الله تعالى حكاية : رأى معروف الكرخي في المنام , فقيل له : ما فعل الله بك يا معروف ؟ فقال : خيرا إن شاء الله تعالى , فقيل له بورعك أم بزهدك ؟ فقال معروف رضي الله تعالى عنه و نفعنا به : بعملي بموعظة ابن السماك . قال لنا الأستاذ : أعلمكم بموعظة ابن السماك ؟ قلنا : نعم . قال : قال ابن السماك رحمه الله تعالى : من اعرض عن الله بكلياته , أعرض الله عنه جملة , و من أقبل على الله بقلبه , أقبل الله عليه برحمته و بوجوه الخلق إليه , و من تارة فتارة فالله يرحمه . ثم فسر لنا " من أعرض عن الله بكلياته " قال : هو من لم يأخذ وردي , أو أخده و فرط فيه , فهذا هو المعرض عن الله , لقولهم : من أخد الورد و تركه كان كمن ارتد و العياذ بالله تعالى , و من أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه برحمته و بوجوه الخلق إليه , معناه : ألبسه الله تعالى خلعتين , خلعة ظاهرة يعلمها الخلق منه و لا يعلمها هو من نفسه , و خلعة باطنه يعلمها هو من نفسه و لا يعلمها غيره منه .
أشكر الله تعالى . و هذا جوابك . و إن كانت لنا حياة فستأتيك الخلعة الباطنة إن دمت , فالبدوام تنقطع الأوهام . و ينكشف عن القلب الغمام , و اترك الزيارة إلى وقت الإمكان , حيث تعذر الآن الزمان , و أفضلها وقت الأنوار و الأثمار , كما كان يأمرنا به الأستاذ رحمه الله تعالى .
و لا تقل لماذا كتب لي في بطاقتي , و لم يكتب لي في مكتوب أخر . حتى لا يضيق الكتب . و أنت خبير يا سيدي بأن الشيخ رحمه الله تعالى , في الكثير و الغالب لا يكتب إلا في البطاقة المرسلة إليه . و لا يحب كثرة التمجيد و الكلام لغير فائدة . و في الحديث الشريف ( مسألة من العلم خير من الدنيا و ما فيها و من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ) .
فعليك أيها الحبيب بالإقبال على الله تعالى بقلبك من غير التفات إلى إقبال الخلق م إدبارهم , فيمنحك الله تعالى الخلعتين , و لكن واحدة بعد واحدة . كما جرت عادة الله تعالى بذلك . و عليك بالنصيحة لنفسك أولا , فان من نصح نفسه قدر على نصح غيره . أعننا الله تعالى و إياكم على النصيحة لأنفسنا و لغيرنا , و رزقنا و إياكم الإقبال على الله تعالى بالقلب و اللسان و الجوارح بمنه و كرمه و جوده و فضله , و لم يجعل كلامنا حجة علينا أمـــين .
و بلغ سلامنا إلى من سلم علينا . و يسلم عليكم كافة أولادنا و أهلينا و الإخوان و النقباء و على من ذكر سلاما تاما مبارك عاما . و بلغ سلامنا إلى سيدي المبروك و الوالدة .
و قولك ( خشيت ) الخ . فأنا راض عنك إن رضيت بي , أنت تعلم ذلك من قلبك , فان القلوب لا بعد بينها و لو تباعدت الأجسام . و لقد أخبرني سيدي مصطفى بصدقك و دوام نيتك . و قد كان يذكر لنا الشيخ رحمه الله تعالى مرارا : من دام على عادته , دامت سعادته في الدارين , و من لا , فلا .
و لا بد سيدي أن تنصحني و ننصحك هكذا , و نكون إن شاء الله من المتناصحين في الدين لا غير , خصوصا في هذا الزمان , الذي صار فيه الدين غريبا و القابض عليه كالقابض على الجمر .
جعلنا الله و إياكم من أصحاب الدين المتين , و لا تلتفت لمادح و لا لقادح , و لا تتحرك لذالك كما لا يتحرك جبل من نفخ ناموسه .
و هذا ما ورد علي في الوقت , كتبته عاجلا و عليكم السلام .
أواخر شعبان عام 1214 أربعة عشر و مأتيين و ألف , من هجرة من خلقه الله تعالى على أكمل وصف , سيدنا محمد صلى الله عليه و على أله و صحبه و سلم .
الرسالة الثانية
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله كثيرا كثيرا كثيرا .
من عبد الله سبحانه , عبد الرحمان , إلى الحبيب اللبيب , الفاضل الحبيب الحسيب , سيدي محمد بن عزوز و كافة التلاميذ .
سلام الله تعالى و رحمته و بركاته عليكم و على من تعلق بكم .
و بعد : نحن في خير إن كنتم فيه , و نلتمس منكم الدعاء الصالح في مظان الإجابة , كما هو منا لكم فيها , و على الله القبول , و هو نعم المولى و نعم المسؤول .
و قد بلغنا الزيتون و الحوالة و شيء من التمر جازاكم الله خيرا , و كفاكم ضيرا . و تقبل سعيكم و أوسع عليكم من فضله , و أفرغ عليكم من عطائه و بذله , و رزقكم الله تعالى الطاعة و القبول و السير و الوصول . و لا بد لكم من الجد و الاجتهاد و التعشيق و التنشيط و الإخلاص لقوله عليه السلام ( لو شئت أقسم لكم أن أحبكم إلى الله تعالى المحببون عباد الله إلى الله تعالى المحببون الله تعالى إلى عباده الماشون في الأرض بالنصيحة ) و عليكم بمراتب الطريق إلى الله تعالى ثلاثة : شريعة و طريقة و حقيقة . فالشريعة العلم الذي يجب على كل مكلف معرفته , و الطريقة القصد إلى الله تعالى بذاك العلم , و هو السير إليه تعالى و هو العمل , فأما علما بلا عمل . كما أن عملا بلا علم لا عبرة به و هما متلازمان . و أما الحقيقة فهو ثمرتها و هو الوصول إلى المطلب و مشاهدة النور المرغوب . و منه قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله تعالى فيه . فالوصول عظمة و اقتدار , لا وصول مسافة و انتظار . و قال في الحكم : وصولك إلى الله تعالى وصولك إلى العلم به , و جل ربنا أن يتصل بشيء , أو يتصل به شيء , و قربك منه أن تكون شاهد القربة , و من أراد السير و السلوك إلى منازل الملوك , فعليه بالأركان الثمانية و إلا فهو في ورد التبرك .
قال في الحكم : إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فاتبعه , فانه ما يثقل عليها إلا ما كان حقا . و قال أيضا : من علامات إتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات , هي الاشتغال بالزيادة على الورد الذي هو الاسم الوجد ليصل به إلى الرب الواحد , و إلا فهو ذو أرباب متفرقون , لقولهم : لا يستحقر الورد إلا جهول . الوارد يوجد في الدار الآخرة , و الورد ينطوي بانطواء هذه الدر , و أولى ما يقتنى ما لا يخلف وجوده .
و أما غير طريقتنا فهي وظائف , و طريقتنا هي الورد . و لا بد من معرفة مراتبه و أركانه و شروطه و أصوله . و قد تقدم الكلام على المراتب باختصار , و أما الأركان الثمانية التي تقدم ذكرها فهي : تقليل الطعام , و تقليل المنام , و تقليل الكلام , و مفارقة الأنام , و فكر تام , و هو ترك الأمل , و نفي الخواطر و حديث النفس . و السادس : ذكر مدام , و دوام طهارة , و صحبة رابطة .
و أما الشروط فتسعة : أربعة عامة تجب على المبتدئ و هي مراتب الورد في القلوب , و بعكسها يبور الورد في القلوب . أولها الإكثار من الذكر , و ثانيها الإكثار من المذاكرة بعد كل حضرة أو قبلها رأسية أو كراسية , و ثالثها الإكثار من الزيارة و اللقاء و النظرة و التعرض لنفحات الرب , لشيخه أو نائب شيخه أو إخوانه فقط فقط فقط . و لا تزور غير من ذكروا . و رابعها الهروب و البعد و التجنب من الأضداد و مرض القلوب و المنهمكين في أمر الدنيا الحريصين على جمعها فقط , فان كان مرض الأجساد يعدي , فمرض القلوب أعدى منه . اه انتهى.
الرسالة الثالثة
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله كثيرا كثيرا كثيرا .
من عبد الله سبحانه , عبد الرحمان , إلى الحبيب اللبيب سيدي محمد بن عزوز.
أعز الله أخانا بعز أهل الكمال , و فتح الله تعالى عليه في الحال و المآل , و كان الله تعالى لنا و له في كل فعل و مقال.
سلام الله تعالى عليكم , و على كل من تعلق بكم من الأهل و الأولاد و الإخوان , و على سيدي المبروك أخيكم , من كافة أهلينا و أولادنا و جميع الإخوان عليكم و على الإخوان .
و بعد . نحن في خير إن كنتم فيه أنتم , و المطلوب دعاؤكم لنا في عامة الأوقات و خاصتها كما منا ذلك لكم , و على الله القبول , و هو نعم المولى و نعم المسئول .
فعليك أيها الحبيب على الله تعالى الإكثار من الورد الذي تعارفنا لأجله من غير استعجال للفتح , و إن لم يكن إلا منحك الله تعالى بالدوام عليه , فقد أعظم عليك منته ظاهرة و باطنة , كما في شرف علمك . قال صاحب الحكم رحمه الله تعالى : إذا رأيت عبدا أقامه الله بوجود الأوراد , و أدامه عليها من طول الإمداد , فلا تستحقرن ما منحه مولاه , لأنه لم تر عليه سيم العارفين و لا بهجة المحبين , فلولا وارد ما كان ورد . و قال الإمام القشيري : الذكر منشور الولاية , فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور . و قال الشاعر :
حسامي و منهاجي القويم و شرعتي و منقدي في الدارين من كل فتنة
و شافني من أمراض جسمي و باطني و مرهم ترياقي من كل علــــــة
محبة رب العالمـــــــــين و ذكـــره على كل أزماني بقلبي و لهجتــي
فــــما للمــــريد إلا ذكــــــــر مــراده و ما للمحب إلا رضـــاء الأحبـة
و عجبني قولك الظريف : و لو قلت لي ائت وحدك لأتيت , و أبقى عندك زمانا و هو المطلوب و المقصود . قال الشاعر :
و إن ساعدتك الوقت فزت بخلوة ينــم عـليــك من خمايلنــا نذ
أكملك البقــايا مــا دمــت باقيــا بها يشرق القلب و ينتعش الورد
و قولك : و قد جاءني اثنان من سيدي علي بن عيسى الخ . و لا باس أن تكتب له و تطلب منه الدعاء و هي الكل , فانه خليفة الشيخ و نائبه , و بالنية و الصدق و الإخلاص يبلغ القاصر بفضل الله تعالى إلى مرتبة الخواص . و قرأت بطاقتك كلها إلى قولك : فأدعو لي الخ . فانا لا ننساك بالدعاء دائما و أنت كذلك . أصلح الله تعالى منا و منكم الأعمال و الأقوال و الأحوال عاجلا بمنه و فضله و كرمه .
فعليك بتجريد القريحة , و العزم بنفسك للنصيحة , فان الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك . و عجبني تواضعك و انتباهك من غفلتك , زادك الله تعالى منه , و بصرك الله بعيوبها , و غلبك عليها أمين . فان معاداة النفس أصل من أصول الطريق , فلا تركن إليها , و لا تستحسن حالها . قال ابن عطاء الله رحمه الله تعالى : أصل كل معصية و غفلة و شهوة , الرضا عن النفس , و أصل كل طاعة و يقظة و عفة , عدم الرضي منك عنها . فالعاقل من تفطن لمآله , و تبصر بأحواله . و كما في شرف علمكم شروط الورد تسعة : أربعة عامة و خمسة خاصة , فمعنى العامة أنها تجب على المبتدئ و المتوسط و المنتهي , و هي الإكثار من الذكر وحده لأهل السير و السلوك , أقل ما يذكر بين ليل و نهار اثنا عشر ألفا , و أوسطه خمسة و ثلاثون ألفا , و المنتهي سبعين ألفا . و الثاني المذاكرة كراسية و رأسية و الثالث الزيارة و الرابع الفرار من الأضداد و اختيار العزلة على الخلطة لكثرة الفساد , و عليكم بالعض بالنواجذ على هذه الأربعة فإنها تنشط القريحة , و تشفي القلوب الجريحة , و التفريط بها و الإخلال يكون سببا للانحلال , كالخروج من الورد و الانسلال .
قال في الحكم : الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها علامة الاغترار . و قال أيضا : لا يخاف أن تلتبس الطرق عليك , و إنما يخاف من غلبة الهوى عليك .
فعليكم أيها الأحباب على الله بدوام طاعته , و أفضلها هو الذكر الذي نحن بصدده . فان الإنسان لم يخاطب بجميع العبادات كما خوطب بالذكر في جميع حالاته , و لم يترك له حالة لم يتعلق به خطابه , و ذلك لشدة اعتناء المذكور بالذاكر , و لو لم يكن إلا قوله تعالى : " فاذكروني أذكركم " لكان كافيا , و بالإنعام و الألطاف وافيا , و عليكم بإقامة الحضرة في كل مكان عندكم في وقت تعقب الملائكة فينا , و هما الغداة و العشي , لقوله تعالى لحبيبه و صفوة خلقه : "وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه " الآية .
و لا بد أن تراعوا شكر الله فيها بترتيبها و إقامتها و إطالتها , حيث رتعكم الله تعالى في رياض جنته . قال تعالى "و لمن خاف مقام ربه جنتان" الآية . و قال عليه السلام ( فإذا دخلتم رياض الجنة فارتعوا , قيل : و ما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال : حلق الذكر ) . نبهني الله و إياكم لإقامة شكره على ما منحنا من فضله بكرمه و جوده و منه .
و السلام عليكم و رحمة الله , و فيه كفاية . كتبته عاجلا لكثرة الأشغال , نقلته من خط الشيخ المذكور حرفا بحرف , و الله يوفقنا إلى محبته أمين . انتهى
وهذه رسالة من الشيخ مصطفى بن عبد الرحمان باش تارزي
إلى الشيخ محمد بن عزوز البرجي
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله كثيرا كثيرا كثيرا . من عبد ربه المنان , مصطفى بن عبد الرحمان , إلى الحبيب في الله تعالى , العارف ربه , بقية أثر الطريق , و رائحة الشيخ على التحقيق , سيدي الشيخ محمد بن عزوز , أعزه الله تعالى بعز طاعته , و جعله من أهل حضرته أمين . بعد السلام و رحمة الله و بركاته و طلب صالح الدعاء , فاني أحمد إليكم الله تعالى , و أشكره على ما أنتم عليه , و لقد أبكاني و ذكرني قولك (غاب عني و تركني يتيما ) . . الخ . فكلنا كذلك . و إني عبد الله أولى بهذه الجملة من غريق , فليت شعري متي يكون الوصال , و الخروج من ربقة هذه الأحوال , و الأوصال ؟ و ما ذكرت من ما حصل لبعض المجدين مثل الوله أو غيره , فالذي يظهر و الله أعلم أنه من صفات أصحاب المقام الثالث , أصحاب النفوس الملهمات , فانهم في هذا المقام لا يقع نظرهم إلا على الله لظهور الحقيقة الإيمانية على باطنهم , و فناء ما سوى الله في شهودهم , فمن ذلك يحصل لهم الوله و الشوق و الهيمان و البكاء و القلق و عدم الاعتراض على الخلق و الاشتغال بالحق , و تطوير و تعاقب القبض و البسط و غير ذلك كما لا يخفى , و لا ينفعهم و لا يعينهم على مطلوبهم إلا الإكثار من ذكر الاسم الثالث في جميع الأوقات بالقيام و القعود و الاضطجاع أناء الليل و النهار , حتى يتخلص السائل ببركاته من خطر هذا المقام , و به ينقطع ما بقي من التفات النفس إلى المقام الأول و الثاني , لأنها لا تخلو من التفات إليهما , لأن الطبع يغلب التطبع الخ . و من عثرت عليه ممن بدت عليه علامة مقام , وجب عليك نصحه نقله إلى الاسم المناسب له , حتى لا يعود أخره على أوله , لأن كل اسم بالنسبة إلى أهله نار لا تبقي و لا تذر . فابذل جهدك في نصح الخليقة على الحقيقة . و قد بلغت السلام كما ذكرت إلى جميع من ذكرت و السلام . و يبلغ السلام إلى سيدي المبروك و كافة الأهل و الإخوان و الطلبة و سائر المعينين على طاعة الله من كاتب الحروف و اخوانه . و يصلكم الظهير المجدد , و الأصل بقي عندي كما ذكرت و السلام . كتب عاجلا , و إن يسر الله تعالى جمعنا فليكن صحبتك تأليف الشيخ رحمه الله بخط يده . اه انتهى .