من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

صور لمقام سيدي بن عزوز البرجي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


مقام ولي الله شيخ المشايخ الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله تعالى عنه وأرضاه
{ زاوية برج بن عزوز ولاية بسكرة }

تكملة الموضوع

ترجمة الإمام العلامة العارف بالله سيدي محمد بن علي السنوسي



ترجمة الإمام العلامة البحر الفهامة العالم الكامل العارف بالله سيدي محمد بن علي السنوسي رحمه الله تعالى.

أولاً اسمه ونسبه الشريف :

هو الإمام المجتهد الولي الصالح الداعية الأستاذ سيدي محمد بن علي بن السنوسي بن العربي بن محمد بن عبد القادر بن شهيدة بن حم بن القطب الشهير السيد يوسف بن القطب السيد عبد الله بن خطاب بن علي بن يحيى بن راشد بن أحمد المرابط بن منداس بن عبد القوي بن عبد الرحمن بن يوسف بن زيّان بن زين العابدين بن يوسف بن حسن بن إدريس بن سعيد بن يعقوب بن داود بن حمزة بن علي بن عمران بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا علي بن أبي طالب وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت إمام المرسلين مولانا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فالإمام السنوسي ينتمي إلى السلالة الطاهرة والنسب الطيب الشريف ، وهذا مما يوجب زيادة المحبة وزيادة الإتباع ، لما ورد في كتاب الله تعالى: (( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى )) .

ثانياً مولده ووفاته :

لم تختلف المصادر التي تحدثت عن الحركة السنوسية في يوم مولد الإمام السنوسي ، ذلك أنه كان من الموافقات الربانية أن يولد الإمام السنوسي في يوم ذكرى مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم من سنة 1202 هـ ، الموافق لـ 22/ 12/ 1798 م ، في بلدة تسمى (مستغانم) من بلاد الجزائر ، ولذلك تبرك أهله بهذا اليوم فسموه محمداً .

وتشير المصادر أنه قد نشأ يتيماً ، فقد توفي والده وهو صغير فنشأ في حجر عمته وكانت من الصالحات ، فأشغلته بعلم العقائد والتوحيد صغراً بعد أن جمع القرآن الكريم، وفي قراءته على شيوخ بلده لاحظ عليه شيوخه إتقان ما درس عليهم ، حتى قال له أحدهم: إن هذا القدر الذي معك من أصول علم الدين على صغر سنك لا يوجد عند أكابر علماء بلدك ،وتجمع المصادر على أن الإمام السنوسي توفي في التاسع من صفر الخير سنة ست وسبعين ومائتين وألف 1276 هـ بمدينة الجغبوب بليبيا ، طيب الله ثراه وأعلى منزلته، وهذا يعني أنه عاش 74 سنة ، تكللها العمل الدؤوب والحركة المستمرة ، لم توان خلالها ولم يتوقف.

ثالثاً شيوخه ورحلاته:

وفي تاريخ الإمام السنوسي نجد أنه قد سار في طلب العلم ورحل ، وذلك شأن علماء هذه الأمة،فقد رحل أول طلبه العلم إلى فاس التي كانت تمثل كعبة العلم في بلاد المغرب ، وذلك لوجود جامع القرويين بها الذي كان منارة المغرب ، كما كان الجامع الأزهر في مصر، ويلاحظ على هذا الإمام أنه شغف بالعلم منذ صغره ، ولذا كان إلى وفاته معطاء لما حصله وغير متكبر على كل من يستفيد منه،ولا شك أن بركة شيوخه واحترامه لهم وتقديره لجهودهم تنتقل إلى الطالب ، كما هو معلوم في آداب العلم والعلماء ،وتشير المصادر إلى أنه مكث مدة تقارب الثمان سنوات ، درس فيها كثيراً من العلوم ، ولم يتوقف طلبه على العلوم الدينية الشرعية ، بل نراه قد قرأ العلوم العصرية على علماء فاس ، فقرأ الهندسة والحساب والهيئة والطبيعة ، وغيرها.

ثم بعد إقامته بفاس سافر إلى الحجاز ومصر ، وفي هذه الفترة من حياته حدث في الأمة - أو ظهر فيها - الضعف ، فاحتلت الجزائر وبدأ الفرنسيون الهجوم على تلك البقعة من العالم الإسلامي ، مما لا نشك أنها قد أخذت حيزاً من تفكيره في كيفية إعادة مجد هذه الأمة الذي بدأ يبهت ،ولا بد لي من التعريج على ذكر بعض شيوخه من علماء عصره الذين أخذ عنهم العلم ، ولست أريد حصرهم هنا ، وإنما أذكر أشهرهم.

1 السيد محمد السنوسي ، وهو أول من قرأ عليه في بلده مستغانم ، فقرأ عليه القرآن الكريم وأتقنه ، وقرأ عليه ما تيسر من العربية والفقه والتفسير والحديث والتصوف ، وكان هذا الشيخ من كبار مشايخ بلده ، ويبدو أنه من نفس العائلة أو القبيلة .

2 الإمام العارف بالله سيدي أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني الإمام الصوفي المحقق صاحب التفسير العجيب وشرح الحكم العطائية والمباحث الأصلية.

3 العلامة الإمام الأصولي السيد الطيب بن كيران الفاسي ، شارح عقيدة ميارة ، وهو من أكابر علماء التوحيد وأصول الدين ، وتخرج على يديه جمع من أكابر العلماء.

4 الإمام الولي الصوفي الشيخ العربي بن أحمد الدرقاوي الشريف الحسني ، من أهل الاستقامة ، صاحب الطريقة الدرقاوية أحد فروع الطريقة الشاذلية.

5 العلامة الهمام سيدي محمد بن طاهر الفيلالي ، قرأ عليه مختصر السعد وجمع الجوامع لابن السبكي والسلم وجملة صالحة من مختصر خليل في الفقه المالكي ، وهو يروي عن الحافظ بن كيران.

6 العلامة المتقي المتفنن أبو المواهب سيدي أبو بكر بن زياد الإدريسي ، قرأ عليه الفرائض وعلوم الحساب والأربعين ومضاعفاتها والإسطرلابين وصناعتها وعلوم الرياضة الأربعة والهندسة والهيئة والطبيعة وغيرها من العلوم.

7 وقرأ أيضاً في مصر على الشيخ الصاوي المالكي ، والعلامة العطار ، والقويسني شارح السلم ، وغيرهم .

وبالجملة فشيوخه كثر ، وله منهم الإجازات بالأسانيد العالية في علوم الرواية والدراية .

وأسجل هنا كلمة لأحد مشايخ الأزهر ، قالها عند مجيء السيد السنوسي إليهم...

فقام قائلاً:

( أنصتوا أيها العلماء ، لقد حل بين أظهركم إمام الأمة المحمدية ، ونبراس الشريعة المطهرة ، وشمس سماء المعارف الإلهية ، ألا وهو الشيخ الكامل محمد بن علي السنوسي ).
وهنا نسجل مدى تقدير شيوخ الأزهر لهذا الإمام أولاً ، وإن كانوا فيما بعد من أحد المعوقات لدعوته الإصلاحية.


يقول الأستاذ محمد الطيب الأشهب: " إن هذه الأسفار الشاقة التي قام بها الإمام الأكبر السيد محمد بن علي السنوسي بين فاس إلى مصر والحجاز ، باحثاً ومنقباً عن الوسيلة التي تمكنه من خدمة الإسلام ورفع شأن المسلمين ، ما هي إلا جزء من برنامج ضخم أخذ يعمل على تنظيمه ووضع الخطط الخاصة به .
وفي الوقت نفسه كانت عاملاً من عوامل الاطلاع والاستطلاع إذ كان أثناء هذه التنقلات يقابل العلماء والحكام والأفراد ، وكان يعمل على توسيع مداركه وزيادة تعليمه وإن لم يكن في نظر عارفيه محتاجاً إلى علوم أخرى بالنسبة لما تحصل عليه ، إلا أنه عليه رضوان الله كان يتمثل له نصب عينيه قول الله تعالى: (( وفوق كل ذي علم عليم )) ، وفي هذه الأسفار كان يتجلى له بوضوح كل ما يعانيه المسلمون من تدهور وانحلال وتأخر وانحطاط .
وفي ذلك يقول المؤرخ التركي شهبندر زادة ، عندما أخذ يتحدث عن زيارة الإمام لمصر فقال: وقد أحدثت هذه الزيارة في نفسه تبدلاً عظيماً ، وانتقش في ذهنه أن الدولة العثمانية هي في طريق الانحطاط والاضمحلال ".

وتجدر الإشارة هنا إلى شخصية كان له أثر كبير في نفس وفكر الإمام السنوسي ، وهو الإمام العالم أحمد بن إدريس ، ذلك الصوفي الصالح الذي أخذ عنه الإمام السنوسي حيث جعل السيد أحمد بن إدريس السنوسي خليفته في طريقته ودعوته ، وكأنما تبلورت فكرة العمل من خلال الزاوية المتطورة ( الزاوية السنوسية ) بعد لقياه لهذا العالم .

رابعا مؤلفاته وآثاره:

لا شك أن عالماً كبيراً وداعية مجتهداً مثل السيد السنوسي بما توفر فيه من نظر ورأي سديدين كان يبدي آراءه وينشرها بين أتباعه ، ولذا فإنه كان مضطراً في بعض الأحايين إلى كتابه هذه الآراء والاجتهادات ، كما أن الباحث لا يستطيع الحكم على الآخرين إلا من خلال آثارهم وما نقل عنهم .

وللإمام السنوسي رحمه الله مؤلفات كثيرة في مجالات شتى ، حصرها الدكتور الدجاني على النحو التالي:

أولاً المطبوع منها:

1- المسائل العشر المسماة: بغية المقاصد في خلاصة الراصد ، موضوعه عشر مسائل فقهية ، خالف فيها السنوسي مشهور مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ، بين أدلة مأخذه في هذه المسائل ، مناقشاً ومحرراً لمشهور المذهب في هذه المسائل .
2- السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين ، تكلم فيه عن سلسلة الطرق الصوفية الموجودة في وقته ، وبين طرق اتصالها إلى أصحابها .
3- إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ، وهو في أصول الفقه ، بين فيه وجهة نظره في الاجتهاد .
4- المنهل الروي الرائق في أسانيد العلم وأصول الطرائق ، بين فيه أسنايد روايته للكتب الحديثية والفقهية ، كتبه استجابة لمن سأله بيان أسانيده في السنة .
5- الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية .
6- المسلسلات العشرة في الأحاديث النبوية .
7- رسالة مقدمة موطأ الإمام مالك رضي الله عنه ، مقدمة رائقة في بيان بعض تاريخ هذا الكتاب العظيم ، وذكر بعض شروحه ومنزلته من كتب السنة .
8- شفاء الصدر بأري المسائل العشر ، وهو مختصر بغية المراصد السابق ذكره .

ثانياً المخطوط:

1- الشموس الشارقة في أسانيد شيوخنا المغاربة والمشارقة .
2- البدور السافرة في عوالي الأسانيد الفاخرة .
3- الكواكب الدرية في أوائل الكتب الأثرية .
4- سوابغ الأيد بمرويات أبي زيد .
5- رسالة جامعة في أقوال السنن وأفعالها .
6- هداية الوسيلة في اتباع صاحب الوسيلة .
7- طواعن الأسنة في طاعني أهل السنة .
8- رسالة شاملة في مسألتي القبض والتقليد .
9- رسالة السلوك .
10- شذور الذهب في محض محقق النسب .

ثالثاً: ما ذكر اسمه ولم يعلم مكانه ، وهي كثيرة جداً تبلغ 23 رسالة وكتاب .
ويكون مجموعها أكثر من أربع وأربعين مصنفاً ، في مختلف العلوم وإن كان الغالب فيها السنة والتصوف .

رحمه الله تعالى برحمته والواسعة ، وطيب ثراه وأعلى منزلته
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة إبراهيم بن محمد الساسي العوامر السوفي

ابراهيم بن محمد الساسي العوامر

نسبه و مولده و نشأته :

هو إبراهيم بن محمد الساسي بن عامر الملقب بالعوامر ، من مواليد وادي سوف سنة 1881م ، و هي السنة التي احتلت فيها تونس ، و كانت الجزائر يومئذ تحت حكم الحاكم لويس تيرمان Louis Termain الذي زار وادي سوف ، و كانت رئاسة المكتب العربي في المدينة للضابط كوفييه .

و أما نسبه فقد ذكره هو بنفسه في كتابه '' الصروف في تاريخ الصحراء و سوف '' في القسم الثاني الخاص بأنساب وادي سوف الذي قسمهم الى قبائل و فصائل و عمائر و بطون و أفخاذ . و من بين تلك القبائل قبيلة الشبابطة العربية التي قسمها الى اثني عشرة عميرة ، و تسمى الثانية منها أولاد بوجديد و تنقسم الى ست فصائل، اثنتان اصليتان ، و اربع ملحقات ، و تعرف الرابعة منها بالعوامر و هي التي ينتمي اليها صاحب الترجمة ، و العوامر حسب رأيه هم أصحاب سيدي عامر بن صالح بن محمد بن أحمد ....بن إدريس الأكبر مؤسس الدولة الادريسية ، و ينحصر نسل بني عامر الواديين في احد أبنائه و هو محمد بن عامر الذي قدم من ناحية سوسة التونسية و تناسلت منه ذرية كثيرة مات بعضها من غير عقب ، و البعض عقب و هم أولاد عامر و إبراهيم و احمد و علي ، و الثاني هو جد إبراهيم العوامر ، و قد أنظمت فصيلة العوامر إلى أولاد بوجديد بالمصاهرة.

لقد نشأ العوامر في مدينة وادي سوف حيث قرا و درس على شيوخها و منهم عبد الرحمن العمودي و محمد العربي بن موسى ، و في شبابه كان الفرنسيون قد سمحوا بالدروس المسجدية ، ثم رحل الى تونس و دخل الى الزيتونة لاستكمال دراسته ، و هناك درس على الشيخين المتنورين وكلاهما كان من شيوخ ابن باديس أيضا ، يتعلق الأمر بالشيخ محمد النخلي و محمد الخضر حسين ، و كان الأول نقادا خبيرا، و أستاذا كبيرا ، ميالا لتحقيق المباحث ، نابغة و شعلة في الذكاء و المحاضرة ، ذا همة عصامية و نفس أبية ، تصدر للتدريس و تخرج عليه الكثير من الفحول و قضى جل عمره قراءة و اقراءا و ختم الكتب العالية في فنون شتى فشاع ذكره و ارتفع قدره ، توفي سنة 1342 هـ.

بعد أن أتم العوامر دراسته بتونس خرج إلى دنيا العمل حيث توظف في القضاء بمحكمة الوادي التي كان يشرف عليها المكتب العربي العسكري ، و قد طال عهده في القضاء ، و لم يمارسه في سوف فقط ، بل عين في أولاد جلال أيضا و في توقرت أيضا، و كان عمله في المحكمة نضالا و جهادا ، اذ البس المحكمة لباسها الحقيقي ، فنظم الأحكام و طبقها حسب الفقه الاسلامي المالكي كما يقول أحد تلامذته ، و في حادثة الأرامل اللواتي قتل أزواجهن و أغير على ابلهن في حدود صحراء طرابلس ( ليبيا )، و تآمر الحكام الفرنسيين على الاستئثار بجزء كبير من الدية المالية التي أرسلتها الحكومة الايطالية لهؤلاء الأرامل ، وقف الشيخ القاضي في وجه المتآمرين و كشف ألاعيبهم ، بكل صرامة ، حيث أعاد لهن حقوقهن مما يدل على نصرته للحق و العدالة و دفاعه عن مصالح الضعفاء و عدم مبالاته بالحكام الفرنسيين عندما تمس المصالح الدينية للأمة.

و لم تشغل وظيفة القضاء و مشاكلها و تبعاتها الشيخ العوامر عن التدريس متطوعا في مساجد الوادي حيث كان يدرس العلوم الدينية و اللغوية ، و كان يلقي درسا صباحيا لطلبة العلم ، و بعد صلاة المغرب يلقي درسا في مختصر خليل يحضره الطلبة و غيرهم ثلاث ليالي في الاسبوع ، و يلقي أيضا درسا في التفسير ، و لم تتعطل الدروس سوى ليلة الجمعة و صباحها حسب احد تلامذته و هو حمزة بوكوشة ، وقد قرأ عليه مقدمة ابن آجروم في النحو ، و مختصر خليل في الفقه المالكي ، و كان يذكر بعد قراءة المتن أقوال الشيوخ و يقارن بينها و يوجهها ثم يرجح بينها و ينقد بعضها ، و قد يخالف صاحب المتن أحيانا ، و يخرج عن المذهب المالكي إلى غيره ، و كان سهل العبارة في درسه ، و يفهمه الجميع على مختلف مستوياتهم و درجاتهم ، كثير الاطلاع ، جماعة للكتب مغرما بها.

و مثل الكثير من علماء عصره ، ارتبط العوامر بالطرق الصوفية التي كانت متنفذة في وادي سوف و اهتم بها و انظم إليها و هي التيجانية القادرية الرحمانية ، و كانت التيجانية هي طريقة والده محمد الساسي ، و القادرية هي طريقة والدته.

آثاره رضي الله عنه :

و الى جانب العمل في سلك القضاء والتدريس و الفتوى و الاهتمام بالطرق الصوفية و خدمتها ، شارك العوامر في النشاط الثقافي بتأليفه في العروض و المواريث و التاريخ و التصوف ، و فيما يلي قائمة الكتب و الرسائل التي وضعها :

1 – '' الصروف في تاريخ الصحراء و سوف '' و هو من كتب التاريخ المحلي الخاصة بالجنوب الجزائري ، و قد ألفه سنة 1331 هـ / 1931 م ، بطلب من أحد الفرنسيين الذي لم يذكر اسمه و عبر عنه بولاة الامور ، و ينقسم الكتاب الذي هو عبارة عن مسائل و حوادث متفرقة و ليس تاريخا مترابطا الى قسمين متميزين ، الاول في المسائل النبذ التاريخية ، و الثاني في الأنساب و هو اقل حجما ، و من موضوعات القسم الاول مسائل عامة في الجغرافية و صفة المنطقة و نباتها و عمرانها ، و الشعوب القديمة السابقة للفتح الإسلامي ثم الفتح نفسه ، و الهجرة الهلالية خصوصا قبيلة طرود و عدوان و ما جرى في عهدهم من وقائع ، و كذلك مسائل و احداث جرت في القرن التاسع عشر بما فيه العلاقات مع الفرنسيين.
أما قسم الأنساب فان كل قبائل سوف عربية حسب العوامر ، و قد ذكر القبائل بالتفصيل في مناطق الوادي و هي كوينين و قمار و تاغزوت و الدبيلة و سيدي عون و الزقم و البهيمة و غيرها ، و من مصادره ابن خلدون و ابن أبي دينار ، و الزركشي و العدواني ، و مخدرة الشيخ العروسي ، كما اعتمد على الرواية الشفوية و أقوال العلماء ، قام بنشر الكتاب ابنه الجيلالي و طبع بالدار التونسية للنشر سنة 1977م .

2 – البحر الطافح في بعض فضائل شيخ الطريق سيدي محمد الصالح ، و هي رسالة ألفها العوامر في هذا الشيخ إعجابا به و بطريقته الرحمانية في وادي سوف ، و كذلك وفاءا لوصية جده الذي أوصاهم بخدمة أولاد شيخه حسبما ورد في الرسالة.

3 – منظومة العوامر في العقائد ، و هي رجز قصير نظمه سنة 1322 هـ

4 – مواهب الكافي على التبر الصافي '' و هو شرح للكتاب الذي وضعه الشيخ المولود بن الموهوب مفتى قسنطينة بعنوان : '' التبر الصافي في نظم الكتاب المسمى بالكافي في الشعر و القوافي '' ، أي ان ابن الموهوب قد نظم كتاب الكافي في العروض و القوافي ، و قد طبع شرح العوامر هذا بتونس سنة 1323هـ .

و يبدو من خلال الوثائق و تلامذة ابن العوامر انه قد ربط علاقة وطيدة بالشيخ ابن الموهوب ، و مال اليه و أعجب بأفكاره فتخلى عن الكثير من معتقداته الصوفية ، و قام بالإضافة إلى النظم المذكور بتشطير القصيدة المعروفة لابن الموهوب المعروفة بالمنصفة و سماه '' مطالع السعود في تشطير أدبية الشيخ المولود '' و نشر التشطير في جريدة الفاروق العدد 56 السنة الثالثة 1914 م ، و هذه القصيدة في ذم البدع و الطرق الصوفية التي تدعو الى الشعوذة و التخاذل ، و هي صيحة إصلاح اجتماعي و أخلاقي في ذلك العصر ، و قد قام بشرحها أيضا شيخ ابن الموهوب الشيخ عبد القادر المجاوي و سمي شرحه : '' اللمع في نظم البدع ''.

5 – المسائل العامرية على مختصر الرحبية '' و الرحبية نسبة الى محمد بن علي الرحبي و هو عالم فقيه ، و هي من المتون الأساسية التي كان يحفظها التلاميذ في علم الفرائض ، و قد شرحها العوامر و تناول فيها آيات الميراث ، و عدد أسباب الميراث ، و باب الوارثين من الذكور و الوارثات من الإناث و غير ذلك ، و الكتاب مطبوع بتونس سنة 1325 هـ و عليه تقريظ لأحد تلامذة اسمه الهاشمي بن الحاج أحمد.

6 – '' النفحات الربانية على القصيدة المدنية ''

7 – '' النونية على الآجرومية '' و هو نظم وضعه على الآجرومية في النحو.

وفاته رضي الله عنه:

و على العموم فقد اثرى العوامر المكتبة الإسلامية و العربية بمؤلفات علمية لها قيمتها منها ما طيع و منها ما يزال مخطوطا ، و قد أصيب في اواخر حياته بمرض اعقده في الفراش حتى وفاته سنة 1934 م بمدينة تقرت .( ص 22 حتى 28 )

ومن أروع مؤلفاته هذه القصيدة المباركة المسماة بـ "المبشر" وهي تقريبا على وزن المنفرجة لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه

يا من يبشِّرُ بعد اليأس بالفرجِ *** عجِّلْ بطرد جميع الضّيق والحرجِ
يا نجلَ غوثِ الورى السَّامي برتبتهِ *** المولديِّ السَّريِّ واضح النَّهَج
يا صاحبَ الوقت يا «بُوبَكرِ» يا سندي *** أرجو انتعاشًا بكم يا ساطعَ الأَرَج
إنِّي بُليتُ بقومٍ لا خلاقَ لهمُ *** يسعَونَ خلفي بإدخالي إلى اللُّجَج
تعصَّبـوا واستعــانوا بالذي لهمُ *** ولفَّقُوا زورهمْ من باطل الحُجج
وقصدُهم أن أُرى بالأرض منطرحًا *** يدوسني ذو الخنا منهم وذو الرهج
ونترك الملكَ معْ إخوان مَجمعنا *** ويذهب الجمعُ أشتاتًا من الدرج
ولا يُرى ذاكرٌ لسرِّ طلعتكم *** و يصبح القومُ بعد الحزم في الهَرَج
ويذهب الذكرُ أدراجَ الرّياح كما *** قد يَدْلَهِمُّ الفضا من بعد ذا البَلَج
ويضمحلُّ الرجا من صدق وعدِكمُ *** ووعد والدكم في مجمع السُّرُج
لكنني لا أرى هذا يكون لنا *** لأنَّ شيخي يزيح الوغْدَ بالبهَج
يا صاحبَ الفضل يا «بُوبَكْر» يا أملي *** قل لي: عليك برفع الصّوت بالهرج
واضربْ بأرضك لا تخشَ العدا أبدًا *** واقطعْ بصارمك الماضي شَوى السلج
واظهرْ وفاخرْ بآباءٍ ذوي هممٍ *** لا يرتضون مسيرَ النَّجْل في الدُّلَج


المصادر و المراجع :

- أعلام الجزائر منشورات وزارة المجاهدين 2007 م. .(ص 22 - 28 )
- ابراهيم العوامر '' الصروف في تاريخ الصحراء و سوف '' تونس ، الدار التونسية للنشر ، 1977.
- تعريف الخلف برجال السلف ، الحفناوي ج2.
- جريدة صدى الصحراء العدد 13 و 29 ، مارس 1926 م .
- ابو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائري الثقافي ج4.
- اعلام الجزائر ,عادل نويهض ، بيروت . ط 1980م.
تكملة الموضوع

دور الزوايا والطرق الدينية في محاربة الإحتلال الفرنسي في الجزائر



دور الطرقية في مقاومة الاستعمار الفرنسي ـ
بقلم الأستاذ الدكتور: عبد المنعم قاسمي الحسني.

ـ يذكر حمدان خوجة في كتابه المرآة أن شيوخ الطرق الصوفية هم الذين أمروا جميع المواطنين الجزائريين بالتعبئة العامة والدفاع عن مدينة الجزائر العاصمة بعد تخلي الأتراك عن هذه المهمة.

ـ كشف الضابط دي نوفو في كتابه الإخوان الصادر سنة 1845 عن الدور الرئيس الذي أدته الطرق الصوفية في مقاومة الاحتلال، وتحدث النقيب ريتشارد عن ثورة الظهرة التي قامت سنة 1845 مبرزا الدور المهم الذي قامت به الطرق الصوفية في هذه الثورة.

ـ ومن تقرير للمفتشية العامة حرر بالجزائر سنة 1864 يعترف بالدور الخطير الذي تقوم به الطريقة الدرقاوية: " الدرقاوية كانوا معادين لنا كل العداء لأن غايتهم كانت سياسية بوجه خاص، أرادوا ان يشيدوا من جديد صرح امبراطورية إسلامية ويطردوننا، إن هذه الطريقة منتشرة جدا في الجنوب ومن الصعب جدا مراقبتهم، لقد كانت ندوات الإخوان سرية وكانت أغلبية رؤسائهم معروفة".

ـ " إن مشائخ الزوايا يختارون في تدريسهم للقراءة نصوصا من القرآن معادية لنا، مما يحطم فيهم وبسرعة الشعور الذي سعينا لتطويره فيهم من طرف مؤسساتنا وتعتبر التأثيرات الدينية من ألد أعدائنا والتي يجب أن نخشاها ونخطط لها سياستنا، ولقد كانت القبائل الأشد عداء لنا هي التي تلك التي ينتشر فيها التعليم الإسلامي". من تقرير الملازم " بوسري" بعد ثورة 1846.

ـ وجاء في تقرير القائد الأعلى " دي توربيل" بتاريخ 4 أوت 1859، بعد الاضطرابات التي رافقت المعارك التي خاضوها ضد الجزائريين ما يلي: " إن مبعوثين وفدوا من مختلف أنحاء الشرق وينتمون إلى مجموعة سيدي عبد الرحمن بوقبرين الدينية الرحمانية، التي يسكن مقدمها الأكبر سي المختار بواحة أولاد جلال (بسكرة) ليسوا غرباء عما يجري، وقد كانت أشغال لجان التجمعات التي شرع فيها من نواح عدة في نفس الوقت موضوعا لخطبهم ومواعظهم".

ـ لقد كانت السرية التامة التي تحيط بالزوايا، وما يجري داخلها، من نشاط شيوخها والتي لم يستطع الاستعمار بما لديه من إمكانيات ووسائل الإطلاع عليها، يقول ماك ماهون سنة 1851: " يجب على الإنسان أن يقضي حياته كلها في الزاوية حتى يعرف ما يجري فيها وما يقال فيها".

ـ ويقول المؤرخ الفرنسي مارسيل إيميري:

" إن معظم الثورات التي وقعت خلال القرن التاسع عشر في الجزائر كانت قد أعدت ونظمت ونفذت بوحي من الطرق الصوفية، فالأمير عبد القادر كان رئيسا لواحدة منها وهي الجمعية القادرية، ومن بين الجمعيات المشهورة التي أدت دورا أساسيا في هذه الثورات: الرحمانية السنوسية الدرقاوية الطيبية".

ـ ويؤكد السيد أوكتاف ديبون المفتش العام للبلديات الممتزجة بالجزائر ـ ومن مؤلفي كتاب الطرق الدينية في الجزائر 1897 ـ في تقرير بعث به إلى لجنة مجلس الشيوخ المكلفة بالجيش والتي كان يرأسها "كليمانصو": " إننا سلفا نجد يدا مرابطية وراء كل هذه الثورات التي يقوم بها الأهالي ضدنا".

ـ الشيخ محي الدين حمل راية الجهاد ويحملها بعده ابنه الأمير عبد القادر، وكان من أبرز المجاهدين في جيش الأمير عبد القادر سيدي محمد بن علال بن الولي الصالح سيدي مبارك دفين القليعة وشيخ زاويتها، الذي تولى قيادة الجيوش وخاض كبريات المعارك في نواحي وهران إلى أن سقط شهيدا في معركة وقطعت رأسه ووضعت في حراب من جلد وأرسلت إلى مريديه وأتباعه،

ـ في شهر يناير من عام 1845 شهدت منطقة الظهرة معركة هامة أطلق عليها الفرنسيون " انتفاضة الطرق الصوفية"، وذلك لمشاركة العديد من الطرق فيها كـ: الرحمانية، القادرية، الطيببية، وانتقم المحتل من عرش أولاد رياح الساكن جنوب مدينة تنس والذي كان له شرف المشاركة في هذه الثورة.




ـ ثورة الشريف محمد بن عبد الله المعروف بـ " بو معزة" في منطقتي الشلف والونشريس (1846 ـ 1847): من أتباع الطريقة الطيبيبة، استنفر القبائل والأعراش بمنطقة الظهرة والشلف والونشريس، واتسعت لتشمل التيطري والحضنة وجبال ديرة وسور الغزلان، ثم امتدت إلى نواحي أولاد جلال، حيث وجدت الزاوية المختارية وشيخها الجليل الشيخ المختار بن عبد الرحمن مقدم الطريقة الرحمانية كامل الدعم والمساعدة.

ـ ثورة البطل الشيخ بوعمامة، انتشرت ثورته عبر مناطق عين الصفراء وتيارت وفرندة وسعيدة وعين صالح وتوات، وكرزاز, توفي سنة 1908 بعد ثلاثة عقود من الكفاح. وكانت ثورته امتداد لثورة سبقتها بقيادة أولاد سيدي الشيخ جنوب وهران، استمرت من سنة 1864 إلى 1880، وامتدت إلى جبل عمور التيطري متليلي, ورقلة, أدرار، سعيدة، غليزان، سور الغزلان....

ـ ثورة بن ناصر بن شهرة من الطريقة القادرية، بدأ يعد للثورة سنة 1846 اعتقل سنة 1851 ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من " بوغار". قال عنه الضابط الفرنسي " لويس رين": " كان ابن ناصر بن شهرة الملاح الحقيقي للصحراء". كما وجد المساعدة في الزاوية الرحمانية بنفطة لشيخها مصطفى بن عزوز التي كانت قبلة الثوار والمجاهدين، واستمر بن شهرة في كفاحه ضد الاستعمار إلى سنة 1875 حين أرغمه باي تونس على مغادرة بلاده، فيختار التوجه بحرا إلى بيروت ثم دمشق التي توفي بها سنة 1882.




الطريقة الرحمانية:

موضوع الطرق الصوفية من الموضوعات التي تشغل بال الكثير من الناس، والعديد من الباحثين والأساتذة والدارسين داخل الجزائر وخارجها، والحق أن للطرق الصوفية أهمية بالغة في الإسلام، وذلك أنها تمثل الجانب العملي من التصوف، وهو جانب ارتبط بحياة المجتمعات الإسلامية وجماهير الناس، ويسجل التاريخ لكثير من الطرق الصوفية مواقف لا تنقصها الشجاعة إزاء مواجهة العدو أو الظالم، ورد الظلم والدفاع عن مصالح الطبقات الفقيرة المستضعفة، وذلك في عزة مدهشة قل أن توجد في هذا العصر، ولا يخفى علينا دور الطريقة القادرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ودور السنوسية في ليبيا غير خاف على أحد، ونجد الدور نفسه قامت به الطريقة الشاذلية في مصر تجاه المحتل، وحفاظا على مصالح العباد، في عصر الشاذلي نفسه, والطريقة الرحمانية من ضمن هذه الطرق الصوفية التي أدت دورا هاما في المجتمع الجزائري والمجتمع التونسي.

وهي تمثل أحد المعالم الرئيسية البارزة وظاهرة دينية روحية اجتماعية وسياسية هامة في تاريخ الجزائر المعاصرة، فمن أي زاوية تناولها وجدنا الكثير من الفوائد والفرائد التي تساعدنا على فهم الكثير من الحقائق في الناحية الدينية، الناحية السياسية، الناحية الاجتماعية.

والطريقة الرحمانية هي طريقة دينية صوفية، نشأت في الجزائر في أواخر القرن الثاني عشر الهجري = الثامن عشر الميلادي، على يد مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري ( ومنه أخذت اسمها )، ففي سنة 1183 هـ أسس الشيخ زاويته بقرية آيت إسماعيل ومنها انطلقت الطريقة الرحمانية التي كانت تسمى في البداية الطريقة الخلوتية.

وهي طريقة تدعو إلى الصفاء والعودة إلى المنابع الأولى للإسلام ـ كما نجد ذلك في مصادرها ومراجعها الأساسية ـ، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق تطهير النفس وتخليصها من الشوائب والرعونات التي تمنعها من الوصول إلى جناب الحق، ويجب عليها قطع سبع مراحل أو أنفس بواسطة سبعة أسماء، شرح هذه الطريقة وفصلها في رسائله الكثيرة والمتعددة التي كان يرسلها إلى أتباعه ومريديه، والذين كان يطلب منهم ألا يبقوها بأيديهم بل يبعثوا بها إلى غيرهم لكي يستفيدوا منها، ثم تعود إليه في آخر المطاف، وهي طريقة عرفت نجاحا كبيرا، وطبقها أتباعه بالحرف، مما أدى إلى سرعة انتشار الطريقة الرحمانية في القطر الجزائري، وقد عرفت هذا الانتشار الواسع في حياة مؤسسها نفسه.

والشكل العام في التنظيم في الطريقة الرحمانية متشابه مع بقية الطرق الأخرى، فهناك الشيخ أو المعلم الذي يكن له المريدون كل الطاعة، وهناك المقدم وهو الذي ينوب عن الشيخ في بعض المهام والوظائف، وهناك المريد وهو محور العلملية التربوية في الطريقة.

وتهدف الطريقة الرحمانية ـ على ما يذكره أتباعها ـ إلى الجمع بين المنهجين المعروفين في الفكر الإسلامي:

1 ـ منهج العلماء الذين يرون ضرورة التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية.

2 ـ منهج الصوفية الذين يرون ضرورة التمسك بالتجربة الدينية.

ثـورات الطريقـة الرحمانيـة:

كان للانتفاضات والثورات الشعبية التي قامت بها الطريقة الرحمانية خلال القرن التاسع عشر أسس دينية، وهي الجهاد ضد النصارى المعادين للإسلام، وبناء على ذلك أدت الزوايا الرحمانية دورا كبيرا ورائعا في معظم تلك الانتفاضات وأثّرت بشكل جلي على مسارها واستمرارها، فثورة المقراني مثلا كان لزعيمها الروحي الشيخ الحداد الدور الرائد في قيام هذه الثورة التي خرج طلاب الزوايا من سيدي موسى اويدير وآث وغليس وغيرها من الزوايا التابعة للطريقة الرحمانية استجابة لدعوة الجهاد، وبفضل هؤلاء المجاهدين استمرت الثورة....

1 ـ ثورة الحاج عمر:

وتعتبر زاوية امحمد بن عبد الرحمان في ذراع الميزان هي الأخرى كغيرها من الزوايا، أدت دورا كبيرا في المقاومة, إذ تزعم قيّمها الحاج عمر عام 1851 حركة ثورية ضد القوات الفرنسية، وكان قد عُيَّن في عام 1854 مقدما للرحمانيين، وهو زوج الشيخة فاطمة إحدى بنات الشيخ علي بن عيسى الخليفة الأول لمؤسس الزاوية، وكان شديد الحيوية والنشاط، ومال إلى تأييد الثوار أثناء ثورة الشريف بوبغلة واعتصم بالمناطق الجبلية الحصينة قرب الزاوية حتى أرغمته القوات الفرنسية على الاستسلام يوم 14 نوفمبر 1851 في بني كوفي بآيت إسماعيل.

وقد احتفظ برئاسة الزاوية والإخوان حتى عام 1856، حيث تزعم من جديد الثورة بنفسه، ربط صلاته بالشيخ واعراب في اث ايراثن ولالا فاطمة والشيخ محمد بن عبد الرحمان شيخ بني منقور وقادوا جميعا في جبال جرجرة جماهير الرحمانيين ضد الجيش الفرنسي الذي كان يقوم بعمليات استكشافية في جبال جرجرة تمهيدا لغزوها، وزحف الحاج عمر بنفسه يوم الثاني من سبتمبر 1856 على رأس إخوانه إلى ذراع الميزان، وتواصلت المعارك حول هذه المدينة إلى غاية، يوم 22 من نفس الشهر وقام الجنرال يوسف بالزحف على زاوية آيت إسماعيل وعسكر حولها، وقد اختارته فرنسا لمثل هذه المهمة لشدة حقده على الإخوان خاصة وعلى الجزائريين بصفة عامة.

2 ـ ثورة لالا فاطمة نسومر:



ولدت لالا فاطمة بقرية ورجة سنة 1246هـ/1830م وتربت نشأة دينية. ولما واتتها الظروف انضمت إلى المقاومة حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقة جرجرة وفي صد هجومات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق المواصلات و لهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ الزوايا و القرى، و لعل أشهر معركة قادتها فاطمة نسومر هي تلك التي خاضتها إلى جانب الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين روندون و ماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمزقيدة حيث أبديا استماتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القوات عدة وعددا اضطر الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الانسحاب نحو بني يني ، وهناك دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا ووكلاء مقامات أولياء الله فجندوا الطلبة والمريدين وأتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين روندون ويوسف التركي ومعهما الباشا آغة الخائن الجودي، فاحتدمت المعركة وتلقت قوات العدو هزيمة نكراء، و تمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في المعركة..

بالرغم من الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات روندون يتشكرت ، إلا أن ذلك لم يثنه من مواصلة التغلغل بجبال جرجرة، فاحتل عزازقة في سنة 1854 فوزع الأراضي الخصبة على المعمّرين الوافدين معه، و أنشأ معسكرات في كل المناطق التي تمكّن منها، وواصل هجومه على كل المنطقة . بالرغم من التغلغل والزحف لم يثبّط عزيمة لالة فاطمة نسومر من مواصلة هجوماتها الخاطفة على القوات الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن و الأربعاء و تخلجت وعين تاوريغ وتوريرت موسى، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة وعتاد حديث، إضطرت على إثرها فاطمة نسومر إلى إعطاء الأوامر بالإنسحاب لقواتها إلى قرية تاخليجت ناث عيسو، لا سيما بعد إتبّاع قوات الاحتلال أسلوب التدمير والإبادة الجماعية، بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز ولا رحمة.



ولم يكن انسحاب فاطمة نسومر انهزاما أو تقهقرا أمام العدو أو تحصنا فقط بل لتكوين فرق سريعة من المجاهدين لضرب مؤخرات العدو الفرنسي وقطع طرق المواصلات و الإمدادات عليه.

الشيء الذي أقلق جنرالات الجيش الفرنسي و على رأسهم روندون المعزز بدعم قوات الجنرال ماكمهون القادمة من قسنطينة . خشي هذا الجنرال من تحطم معنويات جيوشه أمام هجمات فاطمة نسومر، فجند جيشا قوامه 45 ألف رجل بقيادته شخصيا، اتجه به صوب قرية آيت تسورغ حيث تتمركز قواة فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7000رجل و عدد من النساء وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين خرجت فاطمة في مقدمة الجميع تلبس لباسا حرير يا أحمر كان له الأثر البالغ في رعب عناصر جيش الاحتلال.

على الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة فاطمة نسومر فإن الانهزام كان حتميا نظرا للفارق الكبير في العدد و العدة بين قوات الطرفين، الأمر الذي دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات و إيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان.

إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهود ،إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر حيث تمّ اعتقالهم جميعا ، ثم أمر الجنرال روندون بمحاصرة ملجأ لالا فاطمة نسومر وتم أسرها مع عدد من النساء ....

وخوفا من تجدد الثورة بجبال جرجرة أبعدت لالا فاطمة نسومر مع 30 شخصا من رجال ونساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وبقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة ، على إثر مرض عضال تسبب في شللها.

3 ـ ثورة الشيخ بن جار الله:

من ثورات الأوراس ضد الاحتلال الفرنسي تلك التي دعا إليها وقادها المجاهد البطل محمد امزيان من قرية جار الله نواحي تكوت، وهو من إخوان زاوية الشيخ المصمودي، وكان إماما ومدرسا بجامع سيدي عيسى بوقبرين, وكان وثيق الصلة بالزاوية الرحمانية بتبرماسين.

اندلعت الثورة يوم 30 ماي 1879م في قرية الحمام جنوب إيشمول، وامتدت حتى شملت جنوب شاشار، والتف حولها أعراش أولاد داود، بني بوسليمان واحمر خدو، وجماعة من بني وجانة، ومن الزوايا زاوية بوزينة بقيادة الهاشمي بن دردور، لكن العدو باغت المجاهدين بقوات لا قبل بها، وقد سقط من الشهداء يومئذ 120 شهيدا.

أما القائد بن جار الله فقد تسلل إلى تونس، حيث أقام بزاوية الشيخ إبراهيم ولد الشريف وهي زاوية رحمانية بقابس، ولكن عيون فرنسا كانت تلاحقه فألقي عليه القبض رفقة أخيه ونخبة من المجاهدين، ونقلوا إلى قسنطينة حيث حوكموا، وصدرت الأحكام في 26 جوان 1879م، وكانت كالتالي:

14 حكما بالإعدام، 26 حكم بالأشغال الشاقة، 16 حكم بالبراءة، وبعد صدور عفو من رئيس جمهورية فرنسا في 09 نوفمبر 1880 خففت أحكام الإعدام إلى الأشغال الشاقة والنفي، وهكذا نفي المجاهدون إلى كورسيكا وكايان ومن هذا الأخير فر القائد بن جار الله إلى مكة أين توفي بها سنة 1889.

4 ـ ثورة الهاشمي بن علي دردور([1]): (1230/ 1317 هـ =1815/ 1899م).

من زعماء الجهاد في الجزائر، وكبار رجال الطريقة الرحمانية، وإليه تنسب الطريقة الدردورية إحدى فروع الطريقة الرحمانية. ولد سنة 1230 هـ = 1815م بمدرونة بمنطقة وادي عبدي في قلب الأوراس بالشرق الجزائري، حفظ القرآن بمسقط رأسه، ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره, ثم التحق بزاوية الشيخ محمد بن عزوز البرجي, ومنها انتقل إلى زاوية الشيخ عبد الحفيظ الخنقي بخنقة سيدي ناجي, ثم زاوية بوحجر نواحي قالمة ليعود بعد ذلك إلى مسقط رأسه.

سافر إلى مصر لمواصلة تعليمه, وبالضبط جامع الأزهر, وبعد تخرجه تولى التدريس بالإسكندرية إلى غاية سنة 1870, حيث عاد إلى أرض الوطن, وأسس زاوية ببلده سنة 1289 هـ= 1876م([2])، أصبحت تشكل خطرا على الاحتلال الفرنسي، شارك في انتفاضة الأوراس سنة 1879م بإخوانه ومريديه، مما أدى بالسلطات الاستعمارية إلى نفيه إلى جزيرة كورسيكا سنة 1293 هـ= 1880م، وفي سنة 1303 هـ= 1890م وبعد أن قضى في المنفى أكثر من عشر سنوات، أطلق سراح الشيخ الهاشمي وعاد إلى أرض الوطن, استأنف نشاطه بالزاوية, وتعود السلطات الفرنسية إلى اعتقاله ثانية سنة 1895 ونقلته إلى باتنة غير أن سكان الأوراس قاموا بمظاهرات لإطلاق سراحه وكان في طليعة المحتجين جماعة من الأعيان من بينهم الشيخ المبارك بن محمد بن بلقاسم من زاوية ثنية العابد وتحت ضغط الجماهير تم الإفراج عن الشيخ الهاشمي.

واصل الشيخ مهمته التعليمية والجهادية إلى أن وافاه الأجل سنة 1317 هـ= 1899م. عن عمر يناهز الخامسة والثمانين.

وصفه كل من ديبون وكوبولاني بأنه من ألد أعداء فرنسا ويحمل لها حقدا شديدا


_______________________________________

[1] ) أنظر: ديبون وكوبولاني 412، تاريخ الجزائر الثقافي 7 / 156، 158.

[2] ) يذكر الأستاذ صلاح مؤيد العقبي في كتابه الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر عند الحديث عن زاوية الشيخ علي دردور أن مؤسس زاوية مدرونة هو الشيخ علي دردور والد الشيخ الهاشمي وذلك في نهاية القرن الثامن عشر، وأن الشيخ الهاشمي قد حفظ القرآن بها وتولى التدريس بها وهي التي قامت بالمشاركة في ثورة ابن جار الله 1879م.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |