بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
الزاوية لغة هي الركن من البيت، وتقول انزوى القوم إلى بعضهم تضاموا، والزاوية هي المكان المخصّص للتعبّد وتعليم القرآن وعلوم الشريعة، وتعتبر الزوايا العلميّة في القديم مراكز للتربيّة الصوفيّة ، ساهمت بكل وعي في جمع شتات أبناء المجتمع الجزائري إبان فترة الاستعمار وفي التكفل بالفقراء واليتامى، ولعبت دورا كبيرا في المحافظة على القرآن الكريم واللغة العربيّة وعلوم الشريعة، وفي محاربة التنصير... كما أنها هيأت الأرضيّة للجهاد ومحاربة الغزاة..
01- مدخل:
الزوايا جانب مضيء من جوانب الحضارة الإسلامية،اتخذت لنفسها موقعا في الصدارة لتشكل معلما من معالم التاريخ ورحما دافئا تنمو فيه الأرواح الطاهرة وتتغذى المواهب، وبين حناياها تولد المحبة ويعيش التسامح وتتشابك الأنفس على طاعة الله وتوحيده، في هذه البيئة الصحراويّة المتفرّدة بجمالها وطيبة أهلها يجتمع الناس على السطح وينصرفون ولكنهم يتواصلون ويتفاعلون، إنها بيئة عابقة على الدوام برائحة التعاون والتضامن، عابقة بالحياة المتجددة، في فضائها الرحب ونسيجها الإنساني المتميز، ولدت الزاوية العثمانيّة وانبعثت أنوارها تضئ سماء الزيبان،زاوية تنبض بدبّة الحياة لتشكل أقنوم الحياة، قلعة من أهم قلاع العلم في الجزائر بله في المغرب العربي ، إنها العثمانية المحروسة {سيدي علي بن عمر}.قدّس الله روحه ، هي القلعة الشامخة من قلاع العلم والصرح الثقافي الذي لا يضاهى ، كانت ولا تزال مأوى للفقراء والمساكين، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم ، ومعهدا لطلبة علوم الشريعة وأصول الدين، زاويّة تزخر بالتراث العلمي الأصيل وبالمخطوطات ذات القيمة العلميّة النفعيّة والبحثيّة الكبرى، ومكتبة تضم بين جنباتها ذخائر وعلى رفوفها ترقد كنوز المعرفة الأصيلة، وفي طيّات آلاف الكتب القيّمة النادرة يجد الباحث فيها والدارس ضالته ومبتغاه، ويحس الزائر وهو يقف على عتبات المقام الطاهر بكرم الضيافة وحسن الاستقبال، فيشعر أنه في زاويّة علميّة عاملة تقود حركة علميّة تربويّة تعليميّة مباركة، ونهضة فكريّة صوفيّة عظيمة، وقودها الإخلاص في المسعى، وخدمة رسالة الإسلام بصدق ووفاء، زاوية واكبت الأحداث منذ إنشائها عام {1780} وتفاعلت مع المستجدات عبر مسارها الحافل بالانجازات وكان لها يومئذ شأن عظيم في تفعيل الفكر الإسلامي وما تزال إلى يوم الناس هذا، دار مجانيّة للضيّافة والقاصدين، شأن الزوايا الجزائرية ذات التقاليد العربية الإسلامية العريقة، زاويّة تألق نجمها في الميدان الدعوي الأصيل وفي شتى المعارف، وبزغ نورها في علم التصوف، وكان لمشايخها عليهم الرحمة والرضوان، اليد الطولي في التربيّة الروحيّة وتهذيب السلوك، وآية ذلك أن التصوف كما هو معروف عند أهل الاختصاص، فيض من النور وقبس من الذات المحمديّة، ومرتبة عالية من مراتب التهذيب الأخلاقي وإحياء الوازع الديني، فللتصوف دور كبير في الدعوة إلى الله عن طريق القدوة الطيّبة والأسوة الحسنة، والمتصوّفة يعتنون بالنواحي الروحيّة والأخلاقيّة والوجدانيّة كثيرا، إذ التصوف سلوك قائم على التذوق، وهذه الجوانب مهمة للغاية في عالم التربيّة بكل أبعادها وفروعها، وما أحوجنا لهذه التربيّة في حاضرنا الموسوم بحب المادة، والذي صار فيه الإنسان لا ينشد المادة فحسب ولكنه يلهث خلفها ليذوب في ملذاتها، ويدير الظهر عن كل القيّم، فهذا ابن تيمية رضي الله عنه لما سئل عن التصوف والصوفيّة قال: "... والصواب أنهم مجيدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله..." والتصوف لقب أطلق على زهاد أهل السنة والجماعة بعد ظهور زهاد مبتدعين. يقول علماء الأخلاق والتهذيب: "... إن حقيقة التصوف الكاملة الفاضلة هي مرتبة {الإحسان} والتي يذكرها الحديث الشريف {...الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك...} ".. والتصوف تجربة دينيّة ظاهرها التواضع والافتقار وباطنها النزوع إلى التأله أي التخلق بالأخلاق الإلهية ..." أحمد النقشبندي} والصوفي من صفا قلبه لله..
02- النشأة و التأسيس :
تأسّست الزوايا أول الأمر لتعليم القرآن، وتلقين علوم الدين الشرعيّة، ومبادئ اللغة العربيّة، فهي مدارس قرآنيّة ما لبثت أن تحوّلت إلى مرافق لإيواء الفقراء والأيتام وعابري السبيل، وتطورت بإضافة سكنات للطلبة المقيمين، واعتمدت طرقا وأساليب لتلقين الأذكار والتفرغ للخلوة والعبادة ، ثم أقيمت من حولها الأبنية لإسكان الطلبة ودور للضيافة، وظل هذا المعنى قائما في الجزائر إلى يومنا هذا، ومن أهم هذه الزوايا وأكبرها، الزاويّة العلميّة العثمانيّة التي تأسّست عام {1780م-1193 هـ} على يد الوليّ الصّالح والعالم الجليل الشيخ سيّدي علي بن عمر طيّب الله ثراه، ببلدية طولقة إحدى حواضر ولاية بسكرة، وظلت الزاوية العامرة منارة الزيبان محجّة المريدين والمحبين والمحسنين، ومقصد الطلبة والعلماء والباحثين، انتشر اسمها وذاع صيتها في الوطن وخارجه ،ساهمت بكل جرأة وثبات في المحافظة على الإسلام، وتصدّت كأخواتها بكل ما أوتيت من قوّة وعلم لجحافل التنصير، أولئك الذين كانوا يتردّدون على الجهة ولديهم من الخطط والبرامج التنصيريّة الشيء الكثير، كما وقفت بقوّة ضدّ أصحاب البدع والشعوذة، ويشهد الله والتاريخ بأنها كانت رباطا لحراسة ثغور المسلمين، ومنطلقا للمجاهدين المقاومين للاحتلال، {وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون }.
03- حياة الشيخ المؤسس :
وان الشيخ علي بن عمر العالم الرباني الجهبذي المحب للعلم والعلماء، كان صوّاما قوّاما دائم التلاوة للقرآن الكريم طيّب القلب رحب الصد، حلو المعشر، صاحب عفو وتسامح، ولد حوالي عام1166هـ- 1750م} واستشهد عام 1258 هـ -1842م وفقه الله إلى تأسيس الزاوية عام 1780م، وان مؤهلات المشايخ الأتقياء ليست علما فحسب وإنما هي علم و إلهام من الله وعون منه ومؤهلات أخرى، منها الزهد والورع والتسامح وحب الخير،كان الشيخ علي بن عمر رضي الله عنه مثالا في هذه الصفات يستلهم سلوكه من القرآن الكريم ونمط حياته من السنة النبوية ونهج الصالحين والمصلحين اعتمد الطريقة الرحمانية المستوحاة من التصوف، وهي من بين المجموعات المنبثقة عن الخلواتية والتي أسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمان القشتولي الزواوي عام 1715 وهو من أنبغ تلاميذه الشيخ الحفناوي في الأزهر {مصر} وكان فارسا مغوارا تنقل بين السودان {دارفور} والهند والحجاز وليبيا ، أسس زاويتين إحداهما في العاصمة والثانية في أيت إسماعيل في بلا القبائل..
04- موقع الزاوية:
تأخذك الرحلة المباركة إلى الزاوية العثمانيّة المحروسة ، عبر مدن بسكرة عاصمة الزيبان، والتي تفتح صدرها للزوار وتضمهم إليها ضيوفا أفاضل وإخوانا بررة، وأنت في الطريق إليها المظلل بالنخيل كأنك قارئا للتاريخ، تلهمك المناظر الخلابة، والآثار الضاربة في عمق حضارة أهل الزيبان، تستلهم من آثار الكون المعاني النبيلة ومن التاريخ العبر والدروس مما يجعلك تسرح بخيالك في الواحات الجميلة، وتتخيّل أنك تعيش في حلم، والأحلام سماد الواقع كما يقال، فأنت تشاهد على امتداد البصر حقول النخيل والمزارع وكثبان من الرمل الجاثم على كنوز الصحراء، وحيث ما التفت ترى الأغنام منتشرة ومعها حاديها، وقطعان من الإبل طليقة في الفيافي، وفي هذا التزاوج البديع بين الرّمال الذهبيّة والنخل بشموخه، المتميز بجودة تموره {دقلة نور}، ترى النور يصعد إلى السّماء، والنور عادة يهبط إلى الأرض من السّماء، عندما تتراءى لك مئذنة المسجد المخروطيّة الأشكال، تصل الزاوية فتراها عروسا متربعة على واحة غناء، تصافحك خضرة أشجارها الفارعة الطول، ونخل طلعها نضيد، والنخل مؤشر عافية وثقافة وتراث ومودّة ورحمة وخير كثير، فهو الشموخ والطموح والعطاء، وما إن تطأ قدماك أرض فناء الزاويّة حتى تشعر بطهارة المكان وقدسيّته، وحفاوة الاستقبال وكرم الضيّافة، فيمتلئ قلبك خشوعا وابتهاجا، وتنعم بدفء الكلمات، وتشعر أن الحركة من حولك هي السّلام والأمل، إذ الزائر لهذه الزاويّة لا يستطيع إلا أن يحلم وهو يقف أمام الشواهد التاريخيّة الحيّة ليقرأ أسرار العمارة الصحراويّة وثقافة أهل الزاب التي تعبر عن نفسها بجرأة أقوى من اللغة، فالمسجد التحفة ذو الأروقة والساحات والمنارة المثيرة للإعجاب، ودور الطلبة وضريح الشيخ عبد الرحمان الأخضر، والشيخ سيدي محمد بن عزوز البرجي الذي تتلمذ على يديه شيخ الزاوية ومراقد مشايخ وعلماء أجله و فضاءات وأبنية، كلها معالم تزيد المقام هيبة وتألقا، وانك لتعيش صوّرا من التعاطف والإخوة الإنسانيّة بعيدا عن الصّخب، وخواء الرّوح، وجدب الفكر، ونضوب المحبّة، وانعدام التضامن والتآخي، تجلس مرتاحا في رحاب المسجد التحفة، فلا ترى إلا عبّادا ذاكرين الله مخبتين منصتين لأحاديث الشيخ الممتعة ولدروسه المشوّقة التي يجلدها فهما وتطبيقا ويشبعها أمثلة من سيّر الصالحين ليكحل بها العيون، فهو أديب يعيد تشكيل خرائط الخطاب الديني، لذلك تجده يعتني بالعبارات عناية واسعة وينتخب لها الكلمات المعبّرة ذات الرنين ، فتستقر في نفسك أفكار مجلوه، أوعيتها ألفاظ مهذبة لا تمل، وتسعد بحلقات العلم وتلاوة القرآن الكريم جماعيا والأذكار،فتعيش في حالة انتشاء بالجماليات المنعشة للروح المطمئنة للقلوب ،المشعّة بالأجواء النورانيّة الواعظة بفيوض من المعارف الإيمانية ، فالزاوية الصّدقة الجاريّة، مشرع خيري متكامل، يحمل عبر مراحل من الزمن فكرا وثقافة وعادات ذات سمة إنسانية وعبق تراثي مضمخّ بأريج من الذكريات والأعمال الخوالد، وان مشيخة الزاوية وعلماءها الأفذاذ قد رفعوا بيارق النهج التصوفي ذي النبع الصافي المستمد من بيت النبوة ومن السلف الصالح، وكانوا قدوة في التربيّة الروحيّة،وطلائع في الدعوة إلى الله ،سكبوا إرشاداتهم في النفوس الظمأى والأرواح المتعطشة فارتوت علما ومحبّة وجمالا وتسامحا، ونذروا أنفسهم للذبّ عن الإسلام والوطن وحياض اللغة العربيّة، أكرم بهم من سادة أفاضل.
05- مشايخ الزاوية:
تولى شأن الزاويّة منذ إنشائها أشياخ أجله وعلماء عاملين أوفيّاء تميزت فترة كل من تولى المشيخة بميزات خاصة تبعا للظروف السائدة يومئذ، وكانت سيّرهم العطرة حافلة بخدمة العلم وبالوعي بالأهداف والمرامي التي رسمها المؤسس عليه الرحمة والرضوان،{ وكلهم من رسول الله ملتمس*غرف من البحر أو رشفا من الديم }ولعل هذا ما جعل الزاويّة تتألق، لتحظى الأسرة العثمانيّة كلها بالاحترام والتقدير،.."وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا.."وفيما يلي أسماء المشايخ الذين تولوا أمر الزاويّة منذ إنشائها ..
01 - الشيخ علي بن عمر{1780 - 1842 }.
02 - مصطفى بن عزوز {1842- وبقي ستة أشهر فقط }.
03 - علي بن عثمان { 1842-1898}.
04 - عمر بن علي بن عثمان{ 1898-؟ }.
05 - الشيخ الحاج{-1948....؟}.
06 - الشيخ عبد الرحمان{ 1948-1966}.
07 - الشيخ علاوة {1966-1968}.
08 - الشيخ عبد القادر {1968- إلى يومنا هذا...}.
1- تجدر الإشارة أن الشيخ علي بن عمر مات شهيدا في حادث تعرض له اثر محاولته إصلاح ذات البين في خلاف نشب بين قبيلتين وكانت وفاته صلحا.
2 - وان الشيخ عبد القادر حفظه الله سار على نهج جدّه فهو الفقيه المجتهد المحدّث المفسر مع طول باع في التربيّة، وهوا لدائم الحضور في الزاويّة، المنضبط الخادم للمقام والعلم بحق ،استطاع أن يجدد أبنية الزاوية ويطوّر أ داءاتها ويكسبها حبا وتعاطفا وسمعة طيّبة، وقد جمع الله له الجهادين فلمع نجمه في خدمة علوم الشريعة مذ كان يافعا وتقلد مناصب هامة سواء في المغرب الأقصى يوم أن كان لاجئا أو في الجزائر بعد الاستقلال، إذ تولى مهام في وزارة الأوقاف ثم في وزارة التربيّة الوطنيّة ، وساهم في إعداد الوثائق البيداغوجيّة وتأليف الكتب المدرسيّة على مستوى المعهد التربوي، ولد الشيخ بـ طولقة عام 1929 ونشأ في أسرة شريفة النسب عريقة في العلم والإصلاح، وظل طوال حياته وما يزال يساهم في الندوات الفكريّة والملتقيات، وينشط داخل المجلس الإسلامي الأعلى بمداخلات قيّمة ومحاضرات دسمة، نالت إعجاب ذوي الاختصاص وجمهور المثقفين، وكانت لفتاواه الصّدى الطيّب والأثر الحسن في النفوس لأنه لايجا مل في أمور الدين ولا يخشى في الله لومه لائم، وللشيخ كتب قيمة وبحوث، فجزاه الله عن صنيعه وأدام عليه الصحّة والعافيّة وختم له بالخاتمة الطيّبة..
06- الزاوية والحركات الوطنية:
تاريخ الزاوية مليء بالمساهمات والأعمال الخيريّة لصالح الوطن، ويشهد لها التاريخ وعامة الناس بأنها قلعة جهاد وأنها كانت سبّاقة إلى احتضان قادة المقاومة ورجالها،أمدتهم بالرّجال والسلاح والمال وكانت ملتقى لرجال الإصلاح والشيخ شكل جيشا للمقاومة عام 1830وكان للزاوية دور بارز في المقاومة الشعبية مما دفع بالمستدمرين إلى غلقها مدة06 سنوات وفرض الإقامة الجبرية على شيخها واعتقال مساعديه وبعض الطلبة.
07- الزاوية وحرب التحرير:
كانت الزاوية في مقدمة المهللين بالثورة، قاعدة خلفية لها مكث فيها العقيد الحواس وعقد عدة لقاءات ،كانت مركزا للتجنيد وجمع الأموال واستقبال بعض الأسر من أبناء المجاهدين ولذلك تعرضت لمضايقات كادت أن تعصف بالأسرة كلها لولا لطف الله ، وبلغت المضايقات أوّجها في سنة 1957 لما اكتشفت سلطات الاحتلال الفرنسي دور الزاويّة في المقاومة وفي تغذيّة العمل الجهادي ، والوقوف بحزم مع ثورة التحرير، فاعتقلت شيخ الزاويّة الأستاذ عبد الرحمان عليه الرحمة وناله من العذاب ما ناله ، وفرّ الأستاذ عبد القادر الشيخ الحالي للزاويّة إلى المغرب الأقصى ،وكان ملاحقا بينما التحق اثنان من أخوته بجيش التحرير وهما عبد الحميد والأزهري ، يقول الملازم {بوسري } :"...إن مشايخ الزاوية يختارون في مدارسهم للقراءة نصوصا من القرآن معاديّة لنا،مما يحطم وبسرعة الشعور الذي سعينا إلى بنائه..."
08- علاقة الزاوية بغيرها:
للزاويّة أعراس وأفراح ،وأعظم أعراسها السنويّة إحياء ذكرى مولد المصطفي {صلى }بالمناسبة قال الأستاذ علاوة عثماني في مداخلته بوجوب الاحتفال بالمولد النبوي نظريا وعمليا وأبطل بالحجة الدامغة أصوات الناعقين الذين يفتون بغير علم ، وتقوم الزاوية بإحياء المناسبات الدينيّة والوطنيّة وتجتهد في تنظيم الملتقيات والندوات الفكريّة واللقاءات الاخوانيّة، بهدف التعارف بين مختلف الزوايا العلميّة ،وتبادل الآراء ومدّ جسور التعاون لخدمة الإنسان وتهذيب السلوك الرّوحي ، وزيادة مساحات التآلف ، وتفعيل دور الزوايا والفكر الصوفي عامة ،إيمانا من مشيختها بأهمية التصوف في زرع الفضائل، واقتلاع الرذائل ، وإنهاض واستنهاض همّة الأمّة العربيّة والإسلاميّة حتى تستعيد مجدها التليد، ومكانتها العلمية والدينية خاصة المرموقة بين الأمم، وتجابه أطروحات العولمة وحوار الأديان بوعي،فالطرق الصوفيّة قادرة على استيعاب متغيرات العصر فكرا ومبتكرات وتألقا في علوم الشريعة والعلوم الإنسانية وترقيّة الخطاب الدعوي ، إذ بتضافر الجهود والوعي بالأهداف والمرامي تتحقق الغايات ويمكن اختراق الظواهر والمظاهر والتأثير فيها..
9- المكتبة والمخطوطات:
تزخر مكتبة الزاوية بأمّهات الكتب النادرة وبأعداد وفيرة بلغ عددها7000كتاب وبجوار هذا الكم الهائل قسم للتوثيق في جنباته تتناثر عدة وثائق ومخطوطات ،وبين بطون الكتب ترى ملاحظات وتعليقات على الحواشي وإسقاطات على بعض الصفحات ، بعض التدوينات تشرح وتفسر ،وتستقطبك بعض أغلفة الكتب وتضبيرها من طرف أصحابها، أما خزانة المخطوطات للثقافة الإسلامية فتتنوع لتشمل مؤلفات في التاريخ ومصنفات في الأدب إلى جانب الكتب الفقهية، وانك لتقرأ في الكتب القديمة التي يعود بعضها إلى قرن ونيف ما لذ وطاب..
10- تآليف شيوخ الزاوية:
منها ..الدر المكنوز في تاريخ سيدي علي بن عمر وشيخه بن عزوز تأليف الشيخ عبد الرحمان - كتاب للشيخ عبد القادر يشتمل على مجموعة محاضرات ومقالات وفتاوى -منظومة في التصوف تشتمل على 800 بيت للشيخ الحاج بن عزوز بن على مخطوطة، وهناك مخطوطات ووثاق هامة.
11- الذين زاروا الزاوية وكتبوا:
ومن أبرز من زاروا الزاوية رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة حفظه الله ووزراء وعلماء من المغرب وتونس ومصر، منهم الشعراوي عام 1968م ، ومشايخ الزوايا وكتب عنها سعد الله وآخرون..
12- الخلاصة:
وإن الشيخ علي بن عمر رضي الله عنه رجل صالح ومصلح، فقيه متصوف، أسّس زاويّته الجامعة الشعبية على تقوى من الله لخوض المعترك التربوي التعليمي ،وخدمة الدين الإسلامي ،كان قدوة في الأخلاق، ومثالا يحتذي في المجال الجهادي والدعوي، كانت زاويته وما تزال منارة علم ومركز إشعاع ومأوى للفقراء والمساكين وعابري السبيل، وكان المشايخ الذين تولوا أمر الزاوية خير خلف لخير سلف، بذلوا جهدا يكتب لهم في ميزان حسناتهم إن شاء الله ،إذ جعلوا الزاويّة تؤدي رسالتها على أحسن وجه وأكمل صورة، وان الطرق الصوفيّة تصدّت ومنذ القديم إلى الغزو الفرنسي ألتنصيري ووقفت في وجه كل الحملات المغرضة التي تروج ضد التصوف وأعلامه، وإن الزوايا العلمية بإرثها الحضاري وتراثها العلمي، ونضج تجربتها في مجال الدّعوة إلى الله ونصرة النبي {صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم } قادرة على الثبات، لا تزحزحها الأراجيف عن رسالتها الصادقة قيد أنملة، وإن الزاويّة العثمانيّة مافتئت تتبرأ من المنكرات التي تحدث في بعض الزوايا التي ليس لها انتماء صوفي إلا الاسم، إذ المشايخ ألأجله يخجلون من أعمال بعض الدجّالين الذين شوّهت أعمالهم سمعة الزوايا بما يقومون به من شعوذة ودجل وأعمال لا تشرف المسلم، وللأسف يحدث هذا نتيجة الجهل والفقر المعرفي والعلمي وطلب الدنيا، وإن الزوايا العلميّة ساهمت بكل وعي في البحث وفي مختلف القضايا التي ترفع من شأن المسلمين وتذبّ عن الأوطان، وإن الزاويّة العثمانيّة مافتئت تعمل وتسعى جاهدة وسعيها مشكورا إلى بناء عقلية الاجتهاد المحكومة بتأطير الشريعة وقواعدها السمحة...
نفعنا الله بعلم مشايخها وورعهم وأمدّنا بمددهم وبفيوض بركاتهم وبشذى عطر ذكرهم وشكرهم..... وعلى الله قصد السبيل.
بقلم: محمد الصغير داسه
الزاوية لغة هي الركن من البيت، وتقول انزوى القوم إلى بعضهم تضاموا، والزاوية هي المكان المخصّص للتعبّد وتعليم القرآن وعلوم الشريعة، وتعتبر الزوايا العلميّة في القديم مراكز للتربيّة الصوفيّة ، ساهمت بكل وعي في جمع شتات أبناء المجتمع الجزائري إبان فترة الاستعمار وفي التكفل بالفقراء واليتامى، ولعبت دورا كبيرا في المحافظة على القرآن الكريم واللغة العربيّة وعلوم الشريعة، وفي محاربة التنصير... كما أنها هيأت الأرضيّة للجهاد ومحاربة الغزاة..
01- مدخل:
الزوايا جانب مضيء من جوانب الحضارة الإسلامية،اتخذت لنفسها موقعا في الصدارة لتشكل معلما من معالم التاريخ ورحما دافئا تنمو فيه الأرواح الطاهرة وتتغذى المواهب، وبين حناياها تولد المحبة ويعيش التسامح وتتشابك الأنفس على طاعة الله وتوحيده، في هذه البيئة الصحراويّة المتفرّدة بجمالها وطيبة أهلها يجتمع الناس على السطح وينصرفون ولكنهم يتواصلون ويتفاعلون، إنها بيئة عابقة على الدوام برائحة التعاون والتضامن، عابقة بالحياة المتجددة، في فضائها الرحب ونسيجها الإنساني المتميز، ولدت الزاوية العثمانيّة وانبعثت أنوارها تضئ سماء الزيبان،زاوية تنبض بدبّة الحياة لتشكل أقنوم الحياة، قلعة من أهم قلاع العلم في الجزائر بله في المغرب العربي ، إنها العثمانية المحروسة {سيدي علي بن عمر}.قدّس الله روحه ، هي القلعة الشامخة من قلاع العلم والصرح الثقافي الذي لا يضاهى ، كانت ولا تزال مأوى للفقراء والمساكين، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم ، ومعهدا لطلبة علوم الشريعة وأصول الدين، زاويّة تزخر بالتراث العلمي الأصيل وبالمخطوطات ذات القيمة العلميّة النفعيّة والبحثيّة الكبرى، ومكتبة تضم بين جنباتها ذخائر وعلى رفوفها ترقد كنوز المعرفة الأصيلة، وفي طيّات آلاف الكتب القيّمة النادرة يجد الباحث فيها والدارس ضالته ومبتغاه، ويحس الزائر وهو يقف على عتبات المقام الطاهر بكرم الضيافة وحسن الاستقبال، فيشعر أنه في زاويّة علميّة عاملة تقود حركة علميّة تربويّة تعليميّة مباركة، ونهضة فكريّة صوفيّة عظيمة، وقودها الإخلاص في المسعى، وخدمة رسالة الإسلام بصدق ووفاء، زاوية واكبت الأحداث منذ إنشائها عام {1780} وتفاعلت مع المستجدات عبر مسارها الحافل بالانجازات وكان لها يومئذ شأن عظيم في تفعيل الفكر الإسلامي وما تزال إلى يوم الناس هذا، دار مجانيّة للضيّافة والقاصدين، شأن الزوايا الجزائرية ذات التقاليد العربية الإسلامية العريقة، زاويّة تألق نجمها في الميدان الدعوي الأصيل وفي شتى المعارف، وبزغ نورها في علم التصوف، وكان لمشايخها عليهم الرحمة والرضوان، اليد الطولي في التربيّة الروحيّة وتهذيب السلوك، وآية ذلك أن التصوف كما هو معروف عند أهل الاختصاص، فيض من النور وقبس من الذات المحمديّة، ومرتبة عالية من مراتب التهذيب الأخلاقي وإحياء الوازع الديني، فللتصوف دور كبير في الدعوة إلى الله عن طريق القدوة الطيّبة والأسوة الحسنة، والمتصوّفة يعتنون بالنواحي الروحيّة والأخلاقيّة والوجدانيّة كثيرا، إذ التصوف سلوك قائم على التذوق، وهذه الجوانب مهمة للغاية في عالم التربيّة بكل أبعادها وفروعها، وما أحوجنا لهذه التربيّة في حاضرنا الموسوم بحب المادة، والذي صار فيه الإنسان لا ينشد المادة فحسب ولكنه يلهث خلفها ليذوب في ملذاتها، ويدير الظهر عن كل القيّم، فهذا ابن تيمية رضي الله عنه لما سئل عن التصوف والصوفيّة قال: "... والصواب أنهم مجيدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله..." والتصوف لقب أطلق على زهاد أهل السنة والجماعة بعد ظهور زهاد مبتدعين. يقول علماء الأخلاق والتهذيب: "... إن حقيقة التصوف الكاملة الفاضلة هي مرتبة {الإحسان} والتي يذكرها الحديث الشريف {...الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك...} ".. والتصوف تجربة دينيّة ظاهرها التواضع والافتقار وباطنها النزوع إلى التأله أي التخلق بالأخلاق الإلهية ..." أحمد النقشبندي} والصوفي من صفا قلبه لله..
02- النشأة و التأسيس :
تأسّست الزوايا أول الأمر لتعليم القرآن، وتلقين علوم الدين الشرعيّة، ومبادئ اللغة العربيّة، فهي مدارس قرآنيّة ما لبثت أن تحوّلت إلى مرافق لإيواء الفقراء والأيتام وعابري السبيل، وتطورت بإضافة سكنات للطلبة المقيمين، واعتمدت طرقا وأساليب لتلقين الأذكار والتفرغ للخلوة والعبادة ، ثم أقيمت من حولها الأبنية لإسكان الطلبة ودور للضيافة، وظل هذا المعنى قائما في الجزائر إلى يومنا هذا، ومن أهم هذه الزوايا وأكبرها، الزاويّة العلميّة العثمانيّة التي تأسّست عام {1780م-1193 هـ} على يد الوليّ الصّالح والعالم الجليل الشيخ سيّدي علي بن عمر طيّب الله ثراه، ببلدية طولقة إحدى حواضر ولاية بسكرة، وظلت الزاوية العامرة منارة الزيبان محجّة المريدين والمحبين والمحسنين، ومقصد الطلبة والعلماء والباحثين، انتشر اسمها وذاع صيتها في الوطن وخارجه ،ساهمت بكل جرأة وثبات في المحافظة على الإسلام، وتصدّت كأخواتها بكل ما أوتيت من قوّة وعلم لجحافل التنصير، أولئك الذين كانوا يتردّدون على الجهة ولديهم من الخطط والبرامج التنصيريّة الشيء الكثير، كما وقفت بقوّة ضدّ أصحاب البدع والشعوذة، ويشهد الله والتاريخ بأنها كانت رباطا لحراسة ثغور المسلمين، ومنطلقا للمجاهدين المقاومين للاحتلال، {وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون }.
03- حياة الشيخ المؤسس :
وان الشيخ علي بن عمر العالم الرباني الجهبذي المحب للعلم والعلماء، كان صوّاما قوّاما دائم التلاوة للقرآن الكريم طيّب القلب رحب الصد، حلو المعشر، صاحب عفو وتسامح، ولد حوالي عام1166هـ- 1750م} واستشهد عام 1258 هـ -1842م وفقه الله إلى تأسيس الزاوية عام 1780م، وان مؤهلات المشايخ الأتقياء ليست علما فحسب وإنما هي علم و إلهام من الله وعون منه ومؤهلات أخرى، منها الزهد والورع والتسامح وحب الخير،كان الشيخ علي بن عمر رضي الله عنه مثالا في هذه الصفات يستلهم سلوكه من القرآن الكريم ونمط حياته من السنة النبوية ونهج الصالحين والمصلحين اعتمد الطريقة الرحمانية المستوحاة من التصوف، وهي من بين المجموعات المنبثقة عن الخلواتية والتي أسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمان القشتولي الزواوي عام 1715 وهو من أنبغ تلاميذه الشيخ الحفناوي في الأزهر {مصر} وكان فارسا مغوارا تنقل بين السودان {دارفور} والهند والحجاز وليبيا ، أسس زاويتين إحداهما في العاصمة والثانية في أيت إسماعيل في بلا القبائل..
04- موقع الزاوية:
تأخذك الرحلة المباركة إلى الزاوية العثمانيّة المحروسة ، عبر مدن بسكرة عاصمة الزيبان، والتي تفتح صدرها للزوار وتضمهم إليها ضيوفا أفاضل وإخوانا بررة، وأنت في الطريق إليها المظلل بالنخيل كأنك قارئا للتاريخ، تلهمك المناظر الخلابة، والآثار الضاربة في عمق حضارة أهل الزيبان، تستلهم من آثار الكون المعاني النبيلة ومن التاريخ العبر والدروس مما يجعلك تسرح بخيالك في الواحات الجميلة، وتتخيّل أنك تعيش في حلم، والأحلام سماد الواقع كما يقال، فأنت تشاهد على امتداد البصر حقول النخيل والمزارع وكثبان من الرمل الجاثم على كنوز الصحراء، وحيث ما التفت ترى الأغنام منتشرة ومعها حاديها، وقطعان من الإبل طليقة في الفيافي، وفي هذا التزاوج البديع بين الرّمال الذهبيّة والنخل بشموخه، المتميز بجودة تموره {دقلة نور}، ترى النور يصعد إلى السّماء، والنور عادة يهبط إلى الأرض من السّماء، عندما تتراءى لك مئذنة المسجد المخروطيّة الأشكال، تصل الزاوية فتراها عروسا متربعة على واحة غناء، تصافحك خضرة أشجارها الفارعة الطول، ونخل طلعها نضيد، والنخل مؤشر عافية وثقافة وتراث ومودّة ورحمة وخير كثير، فهو الشموخ والطموح والعطاء، وما إن تطأ قدماك أرض فناء الزاويّة حتى تشعر بطهارة المكان وقدسيّته، وحفاوة الاستقبال وكرم الضيّافة، فيمتلئ قلبك خشوعا وابتهاجا، وتنعم بدفء الكلمات، وتشعر أن الحركة من حولك هي السّلام والأمل، إذ الزائر لهذه الزاويّة لا يستطيع إلا أن يحلم وهو يقف أمام الشواهد التاريخيّة الحيّة ليقرأ أسرار العمارة الصحراويّة وثقافة أهل الزاب التي تعبر عن نفسها بجرأة أقوى من اللغة، فالمسجد التحفة ذو الأروقة والساحات والمنارة المثيرة للإعجاب، ودور الطلبة وضريح الشيخ عبد الرحمان الأخضر، والشيخ سيدي محمد بن عزوز البرجي الذي تتلمذ على يديه شيخ الزاوية ومراقد مشايخ وعلماء أجله و فضاءات وأبنية، كلها معالم تزيد المقام هيبة وتألقا، وانك لتعيش صوّرا من التعاطف والإخوة الإنسانيّة بعيدا عن الصّخب، وخواء الرّوح، وجدب الفكر، ونضوب المحبّة، وانعدام التضامن والتآخي، تجلس مرتاحا في رحاب المسجد التحفة، فلا ترى إلا عبّادا ذاكرين الله مخبتين منصتين لأحاديث الشيخ الممتعة ولدروسه المشوّقة التي يجلدها فهما وتطبيقا ويشبعها أمثلة من سيّر الصالحين ليكحل بها العيون، فهو أديب يعيد تشكيل خرائط الخطاب الديني، لذلك تجده يعتني بالعبارات عناية واسعة وينتخب لها الكلمات المعبّرة ذات الرنين ، فتستقر في نفسك أفكار مجلوه، أوعيتها ألفاظ مهذبة لا تمل، وتسعد بحلقات العلم وتلاوة القرآن الكريم جماعيا والأذكار،فتعيش في حالة انتشاء بالجماليات المنعشة للروح المطمئنة للقلوب ،المشعّة بالأجواء النورانيّة الواعظة بفيوض من المعارف الإيمانية ، فالزاوية الصّدقة الجاريّة، مشرع خيري متكامل، يحمل عبر مراحل من الزمن فكرا وثقافة وعادات ذات سمة إنسانية وعبق تراثي مضمخّ بأريج من الذكريات والأعمال الخوالد، وان مشيخة الزاوية وعلماءها الأفذاذ قد رفعوا بيارق النهج التصوفي ذي النبع الصافي المستمد من بيت النبوة ومن السلف الصالح، وكانوا قدوة في التربيّة الروحيّة،وطلائع في الدعوة إلى الله ،سكبوا إرشاداتهم في النفوس الظمأى والأرواح المتعطشة فارتوت علما ومحبّة وجمالا وتسامحا، ونذروا أنفسهم للذبّ عن الإسلام والوطن وحياض اللغة العربيّة، أكرم بهم من سادة أفاضل.
05- مشايخ الزاوية:
تولى شأن الزاويّة منذ إنشائها أشياخ أجله وعلماء عاملين أوفيّاء تميزت فترة كل من تولى المشيخة بميزات خاصة تبعا للظروف السائدة يومئذ، وكانت سيّرهم العطرة حافلة بخدمة العلم وبالوعي بالأهداف والمرامي التي رسمها المؤسس عليه الرحمة والرضوان،{ وكلهم من رسول الله ملتمس*غرف من البحر أو رشفا من الديم }ولعل هذا ما جعل الزاويّة تتألق، لتحظى الأسرة العثمانيّة كلها بالاحترام والتقدير،.."وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا.."وفيما يلي أسماء المشايخ الذين تولوا أمر الزاويّة منذ إنشائها ..
01 - الشيخ علي بن عمر{1780 - 1842 }.
02 - مصطفى بن عزوز {1842- وبقي ستة أشهر فقط }.
03 - علي بن عثمان { 1842-1898}.
04 - عمر بن علي بن عثمان{ 1898-؟ }.
05 - الشيخ الحاج{-1948....؟}.
06 - الشيخ عبد الرحمان{ 1948-1966}.
07 - الشيخ علاوة {1966-1968}.
08 - الشيخ عبد القادر {1968- إلى يومنا هذا...}.
1- تجدر الإشارة أن الشيخ علي بن عمر مات شهيدا في حادث تعرض له اثر محاولته إصلاح ذات البين في خلاف نشب بين قبيلتين وكانت وفاته صلحا.
2 - وان الشيخ عبد القادر حفظه الله سار على نهج جدّه فهو الفقيه المجتهد المحدّث المفسر مع طول باع في التربيّة، وهوا لدائم الحضور في الزاويّة، المنضبط الخادم للمقام والعلم بحق ،استطاع أن يجدد أبنية الزاوية ويطوّر أ داءاتها ويكسبها حبا وتعاطفا وسمعة طيّبة، وقد جمع الله له الجهادين فلمع نجمه في خدمة علوم الشريعة مذ كان يافعا وتقلد مناصب هامة سواء في المغرب الأقصى يوم أن كان لاجئا أو في الجزائر بعد الاستقلال، إذ تولى مهام في وزارة الأوقاف ثم في وزارة التربيّة الوطنيّة ، وساهم في إعداد الوثائق البيداغوجيّة وتأليف الكتب المدرسيّة على مستوى المعهد التربوي، ولد الشيخ بـ طولقة عام 1929 ونشأ في أسرة شريفة النسب عريقة في العلم والإصلاح، وظل طوال حياته وما يزال يساهم في الندوات الفكريّة والملتقيات، وينشط داخل المجلس الإسلامي الأعلى بمداخلات قيّمة ومحاضرات دسمة، نالت إعجاب ذوي الاختصاص وجمهور المثقفين، وكانت لفتاواه الصّدى الطيّب والأثر الحسن في النفوس لأنه لايجا مل في أمور الدين ولا يخشى في الله لومه لائم، وللشيخ كتب قيمة وبحوث، فجزاه الله عن صنيعه وأدام عليه الصحّة والعافيّة وختم له بالخاتمة الطيّبة..
06- الزاوية والحركات الوطنية:
تاريخ الزاوية مليء بالمساهمات والأعمال الخيريّة لصالح الوطن، ويشهد لها التاريخ وعامة الناس بأنها قلعة جهاد وأنها كانت سبّاقة إلى احتضان قادة المقاومة ورجالها،أمدتهم بالرّجال والسلاح والمال وكانت ملتقى لرجال الإصلاح والشيخ شكل جيشا للمقاومة عام 1830وكان للزاوية دور بارز في المقاومة الشعبية مما دفع بالمستدمرين إلى غلقها مدة06 سنوات وفرض الإقامة الجبرية على شيخها واعتقال مساعديه وبعض الطلبة.
07- الزاوية وحرب التحرير:
كانت الزاوية في مقدمة المهللين بالثورة، قاعدة خلفية لها مكث فيها العقيد الحواس وعقد عدة لقاءات ،كانت مركزا للتجنيد وجمع الأموال واستقبال بعض الأسر من أبناء المجاهدين ولذلك تعرضت لمضايقات كادت أن تعصف بالأسرة كلها لولا لطف الله ، وبلغت المضايقات أوّجها في سنة 1957 لما اكتشفت سلطات الاحتلال الفرنسي دور الزاويّة في المقاومة وفي تغذيّة العمل الجهادي ، والوقوف بحزم مع ثورة التحرير، فاعتقلت شيخ الزاويّة الأستاذ عبد الرحمان عليه الرحمة وناله من العذاب ما ناله ، وفرّ الأستاذ عبد القادر الشيخ الحالي للزاويّة إلى المغرب الأقصى ،وكان ملاحقا بينما التحق اثنان من أخوته بجيش التحرير وهما عبد الحميد والأزهري ، يقول الملازم {بوسري } :"...إن مشايخ الزاوية يختارون في مدارسهم للقراءة نصوصا من القرآن معاديّة لنا،مما يحطم وبسرعة الشعور الذي سعينا إلى بنائه..."
08- علاقة الزاوية بغيرها:
للزاويّة أعراس وأفراح ،وأعظم أعراسها السنويّة إحياء ذكرى مولد المصطفي {صلى }بالمناسبة قال الأستاذ علاوة عثماني في مداخلته بوجوب الاحتفال بالمولد النبوي نظريا وعمليا وأبطل بالحجة الدامغة أصوات الناعقين الذين يفتون بغير علم ، وتقوم الزاوية بإحياء المناسبات الدينيّة والوطنيّة وتجتهد في تنظيم الملتقيات والندوات الفكريّة واللقاءات الاخوانيّة، بهدف التعارف بين مختلف الزوايا العلميّة ،وتبادل الآراء ومدّ جسور التعاون لخدمة الإنسان وتهذيب السلوك الرّوحي ، وزيادة مساحات التآلف ، وتفعيل دور الزوايا والفكر الصوفي عامة ،إيمانا من مشيختها بأهمية التصوف في زرع الفضائل، واقتلاع الرذائل ، وإنهاض واستنهاض همّة الأمّة العربيّة والإسلاميّة حتى تستعيد مجدها التليد، ومكانتها العلمية والدينية خاصة المرموقة بين الأمم، وتجابه أطروحات العولمة وحوار الأديان بوعي،فالطرق الصوفيّة قادرة على استيعاب متغيرات العصر فكرا ومبتكرات وتألقا في علوم الشريعة والعلوم الإنسانية وترقيّة الخطاب الدعوي ، إذ بتضافر الجهود والوعي بالأهداف والمرامي تتحقق الغايات ويمكن اختراق الظواهر والمظاهر والتأثير فيها..
9- المكتبة والمخطوطات:
تزخر مكتبة الزاوية بأمّهات الكتب النادرة وبأعداد وفيرة بلغ عددها7000كتاب وبجوار هذا الكم الهائل قسم للتوثيق في جنباته تتناثر عدة وثائق ومخطوطات ،وبين بطون الكتب ترى ملاحظات وتعليقات على الحواشي وإسقاطات على بعض الصفحات ، بعض التدوينات تشرح وتفسر ،وتستقطبك بعض أغلفة الكتب وتضبيرها من طرف أصحابها، أما خزانة المخطوطات للثقافة الإسلامية فتتنوع لتشمل مؤلفات في التاريخ ومصنفات في الأدب إلى جانب الكتب الفقهية، وانك لتقرأ في الكتب القديمة التي يعود بعضها إلى قرن ونيف ما لذ وطاب..
10- تآليف شيوخ الزاوية:
منها ..الدر المكنوز في تاريخ سيدي علي بن عمر وشيخه بن عزوز تأليف الشيخ عبد الرحمان - كتاب للشيخ عبد القادر يشتمل على مجموعة محاضرات ومقالات وفتاوى -منظومة في التصوف تشتمل على 800 بيت للشيخ الحاج بن عزوز بن على مخطوطة، وهناك مخطوطات ووثاق هامة.
11- الذين زاروا الزاوية وكتبوا:
ومن أبرز من زاروا الزاوية رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة حفظه الله ووزراء وعلماء من المغرب وتونس ومصر، منهم الشعراوي عام 1968م ، ومشايخ الزوايا وكتب عنها سعد الله وآخرون..
12- الخلاصة:
وإن الشيخ علي بن عمر رضي الله عنه رجل صالح ومصلح، فقيه متصوف، أسّس زاويّته الجامعة الشعبية على تقوى من الله لخوض المعترك التربوي التعليمي ،وخدمة الدين الإسلامي ،كان قدوة في الأخلاق، ومثالا يحتذي في المجال الجهادي والدعوي، كانت زاويته وما تزال منارة علم ومركز إشعاع ومأوى للفقراء والمساكين وعابري السبيل، وكان المشايخ الذين تولوا أمر الزاوية خير خلف لخير سلف، بذلوا جهدا يكتب لهم في ميزان حسناتهم إن شاء الله ،إذ جعلوا الزاويّة تؤدي رسالتها على أحسن وجه وأكمل صورة، وان الطرق الصوفيّة تصدّت ومنذ القديم إلى الغزو الفرنسي ألتنصيري ووقفت في وجه كل الحملات المغرضة التي تروج ضد التصوف وأعلامه، وإن الزوايا العلمية بإرثها الحضاري وتراثها العلمي، ونضج تجربتها في مجال الدّعوة إلى الله ونصرة النبي {صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم } قادرة على الثبات، لا تزحزحها الأراجيف عن رسالتها الصادقة قيد أنملة، وإن الزاويّة العثمانيّة مافتئت تتبرأ من المنكرات التي تحدث في بعض الزوايا التي ليس لها انتماء صوفي إلا الاسم، إذ المشايخ ألأجله يخجلون من أعمال بعض الدجّالين الذين شوّهت أعمالهم سمعة الزوايا بما يقومون به من شعوذة ودجل وأعمال لا تشرف المسلم، وللأسف يحدث هذا نتيجة الجهل والفقر المعرفي والعلمي وطلب الدنيا، وإن الزوايا العلميّة ساهمت بكل وعي في البحث وفي مختلف القضايا التي ترفع من شأن المسلمين وتذبّ عن الأوطان، وإن الزاويّة العثمانيّة مافتئت تعمل وتسعى جاهدة وسعيها مشكورا إلى بناء عقلية الاجتهاد المحكومة بتأطير الشريعة وقواعدها السمحة...
نفعنا الله بعلم مشايخها وورعهم وأمدّنا بمددهم وبفيوض بركاتهم وبشذى عطر ذكرهم وشكرهم..... وعلى الله قصد السبيل.
بقلم: محمد الصغير داسه
1 التعليقات :
هل كان كناك تواصل حضاري بين الزويا في المغرب العربي خلال العهد العثماني؟ او هل ساهمت هذه الزوايا في التواصل العلمي والفكري بين البلدان المغاربية في تلك الفترة؟
إرسال تعليق