من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة الولي الصالح سيدي محمد بن عبد الرحمان النعاس

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 


الولي الصالح العارف بالله سيدي محمد بن عبد الرحمان النعاس (1860- 1945م) - (1276-1364هـ)

نسبه:

هو العارف بالله سيدي محمد بن عبد الرحمان بن سليمان بن بلخير بن قويدر بن عثمان بن بو عبد الله بن العقون بن بو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان بن سالم إلى أن يصل نسبه إلى محمد بن عبد الله المكنى بنائل الذي يرجع نسبه إلى أولاد فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. أما جده من جهة الأم فهو الشيخ الفاضل عبد القادر بن طمار صاحب الأسرار النورانية والفيوضات الربانية، أحد شيوخ الزوايا الرحمانية في ربوع أولاد نائل، كان معروفا بالكرم والجود والعلم والمعرفة الذي يلحق نسبه إلى عرش أولاد أم هانيء.

مولده:

ولد رضي الله عنه في سنة 1860م، نشأ وترعرع في حجر والده حيث تربى في كنف الحنان والمودة محفوفا بالرعاية الأبوية في جو روحي وعلمي وفي وسط رواد الزاوية من طلبة علم ومعرفة، حيث قرأ القرآن وأجاد حفظه على يد الشيخ السعيد بن إبراهيم في سن مبكرة ثم شرع في دروس الفقه والأحاديث والتفسير وعلم الميراث وعلم الفلك على يد نخبة من العلماء أبرزهم الشيخ آدم الدلماجي، دفين قبة والده الشيخ النعاس، ثم الشيخ مهني بن الوناس وبعد ذلك و بتوجيه من والده انتقل إلى زاوية الشيخ محمد بن عبد الله (مولى الشرشارة)، فأكمل دراسته وأخذ عنه مبادئ وآداب في طريق القوم. عاد بعدها إلى زاوية أبيه أين وجد أباه قد عين السيد القاضي المختار بن علي مدرسا بالزاوية، حيث كان معروفا بمكانته العلمية خاصة في فن الخطابة والبلاغة، وفن البديع وعلم الأصول والنحو والصرف فلازمه وأخذ عنه نصيبه من العلم خاصة في هذه الاختصاصات. تلكم هي بعض النقاط المضيئة في حياته الدراسية.

أما في الجانب الروحي وآداب الطريق، فإن والده أحاطه بعناية كاملة ورعاية سامية، وذلك كإشارة منه في المهمة التي تنتظره وهي: رئاسة الزاوية، وخدمة المخلوقات وفي هذا الشأن وجهه لأخذ العهد عن الشيخ محمد بن أبي القاسم، فأخذ عنه ونصحه بأن يلازم أباه وٌيخلص في خدمته، وكان حريصا على تلاوة القرآن، وقيام الليل، وصيام الأيام التي ورد فضلها في السنة النبوية، وملازما لحلقات الذكر.

أخلاقه ومناقبه:

كان قليل الكلام، إلا في مذاكرة الإخوان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جدي في كلامه قوي الشخصية لا يحب المزاح ولا يميل إلى كثرة الكلام، يرى عليه هيبة العلماء العاملين، وأخلاق الأتقياء الصادقين، يتصدر المجالس، ويذاكر الجالسين، يحترمه العلماء والأمراء، إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة التي شهد له بها الجميع ومن إشارات أبيه في التزكية له وتعيينه فيما بعد على رأس الزاوية:أبرزها ما كان يخاطب الشيخ عبد الرحمان النعاس به الأخوان ومقدمي الزاوية والطلبة حيث كان يقول لهم إن أخاكم محمد فقد إحدى عينيه ثمنا لخدمة الزاوية وتسيير شؤونها والإشراف على تنظيمها والسير في طريق منهاجها.كان يرسله الشيخ ممثلاله في بعض اللقاءات التي كانت تتم بين مشايخ الزوايا. وكان في حين سفره يتركه نائبا له في الزاوية والإشراف على خدماتها كل هذه المؤشرات دفعت مشايخ الزوايا و الأخوان و تلاميذ الزاوية وافرد عائلته يزكونه بإجماع لتولى رئاسة الزاوية مباشرة بعد وفاة والده الشيخ عبد الرحمان النعاس في سنة 1907م.

المهام التي كان يقوم بها كشيخ للزاوية:

قام بواجب خدمة الطريق و الالتزام بآدابها و سلوكها و رعاية روادها من طلبة وأيتام و معوزين و كل من تقطعت بهم سبل الحياة ، من إيواء وإطعام وتقديم مساعدات لمن يحتاجون ذلك وكان أيضا يقوم بنفسه بإلقاء الدروس الفقهية من عبادات و معاملات و تفسير للقرآن الكريم وعلوم الحديث للطلبة الذين كانوا يأتون من جهات بعيدة و يقيمون بشكل داخلي في الزاوية بمعدل حصتين في اليوم بالإضافة إلى درس عام في المسجد بعد تأسيسه يحضره عامة الناس وما كان يقوم به أيضا إشرافه شخصيا على قراءة الراتب وحلقة الذكر وكذلك القيام بمهام تتعلق بمراقبة مداخيل الزاوية من موارد الأوقاف وغيرها.

وفي المجال الاجتماعي كان يقوم بإصلاح ذات البين وفك النزاعات والخلافات بين الناس وكان يحضى بالتقدير و الاحترام لدى الجميع مما أهله أن يستعان به حتى بعض مشايخ الزوايا في القيام بوضع حد للخصومات التي يصعب حلها فعلى سبيل المثال الشيخ محمد بن عزوز "شيخ زاوية الأحداب" ساعده في حل القضايا الشائكة التي عرضت عليه، كما ساهم في إخـماد بعض الفتن الطائفية التي كانت تحدث بين القبائل و كان يغذيها الاستعمار الفرنسي بوسائل مختلفة و ذلك لتحقيق أهدافه و مخططاته الجهنمية.

- الإنجازات التي تحققت في عهدته:

• بناء مسجد من ماله الخاص الذي ورثه من تركة أبيه حيث أشار إليه بعض الإخوان لتوسيع المسجد فقال لهم بل أحدد مساحته وفق الغلاف المالي الذي أملكه.
• إقامة صلاة الجمعة بعدما توفرت شروطها وكان يؤم المصلين بنفسه.
• توسيع الزاوية وبناء المرافق الخاصة بالطلبة.
• تحديد و تنظيم الحبوسات التابعة لممتلكات الزاوية.

- نشاطه:

تغييره للسوق الأسبوعي في مدينة دار الشيوخ من يوم الجمعة إلى يوم السبت وذلك لتحقيق هدفين:

-1: لكي لا يشتغل الناس بقضاء حاجتهم من السوق على أداء صلاة الجمعة.

-2: قطع الطريق أمام الجالية اليهودية حتى لا تتمكن من القيام بنشاطها التجاري لذلك لكون يوم السبت مقدسا عندهم.
كما قام أيضا بتغيير تسمية المدينة- من حوش النعاس إلى دار الشيوخ في السجل الرسمي الذي كان آنذاك تدون فيه أسماء المدن والأحياء، وذلك لغايتين:

-1: تأخذ التسمية طابع الشمولية لكل المشايخ الموجودين بالمنطقة كالشيخ الحـدي وميصرى والشيخ محمد بن برابح ومن ضمنهم أيضا الشيخ النعاس وكلهم من قبيـلة أولاد العقون والصحاري وأولاد بن عليا وأولاد الغويني ...الخ.

-2: كإجراء احتياطي فيما يتعلق بملكية الأراضي بموجب التسمية التي قد تتخذ كقرينة لذلك وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ذكاء الرجل وتفكيره الواسـع و صفة الورع وإبعاد الشبهات حتى لا يتحمل -رحمه الله- أي مسؤولية حيا أو ميتا.

- حبـه للعلم و تقديره للعـلماء:

كان يحب العلماء ويعظمهم ويخلص في النصيحة لهم ويحث الناس في مواعظـه على تعليم أبنائهم، وفي هذا الشأن لما سمع بثناء الناس على الشيخ عطية مسعودي بعدما أكمل دراسته استدعاه في الزاوية وأقام عنده ضيفا لمدة 03 أيام تحاور خلالها معه في مواضع عديدة فأعجب به ودعا له بالتوفيق وقال له: "يا ولدي كنت عازما أن نعرض عليـك وظيفة الإمامة بمسجدنا وإلقاء الدروس للطلبة بزاويتنا لكن بعدما أجريت هـذا الحوار معك تبين لي أن مستواك لا يواكب قريتنا الصغيرة لأن العالم إذا سكن البادية أو القرية يموت علمه وينساه الناس، فأنصحك أن تلتحق بمدينة الجلفة ثم تابع الشيخ قضيته فأقترح على السيد الشريف بن أحمد بن الشريف أن يعينه بمسجده المسمى بـ"جامع الجمعة" آنذاك فتم ذلك فعلا .

وفي إحدى المرات حدثت وشاية بينهما تسبب في نقلها أحد العوام بدعوى أن الشـيخ عطية ينكر الصالحين في محاولة منه لقطع صلة المودة والمحبة بينهما فنهر ذلك الواشي وقـال له تأدب لأنك طعنت في عالم جليل وإن لحوم العلماء مسمومة ،و لما سمع عطيــة ذلك بعث إليه بالقصيدة التالية يفند فيها مزاعم الشخص فقال:

مـن بعد إهداء السلام والرضا لمن بأفقي العلم نوره أضاء
محمد بن الشيخ عبد الرحــمان بن صفي المرتضى سليمان
يا سيدا حاز الكمال ورعــا وحرس الشرع الشريف ووعى
وجـد في فعل الجميل مخلصا أعـماله لله نرجو مخلصا
اقصص إليـك سيدي حكاية قد حملت في طيها شكاية
وذاك أن بعض أوباش الورى ممن غدوا في سيرهم الى الورى
وهم يرون الغي رشدا والهدى ضلالة وفي السلامة الردى
ويحسبون أنهم عـلى شيء وقد شوتهم نار جهلهم شيا
كنت قد اجتمعت ذات ليلة به في بـيت عبد صالح منتبه
فـجرنا الـحديث أن ذكرنا مـسألة الـدخان اعتبرنا
بقول أهل العلم حيث اختلفوا في حكمه وصنفوا و ألفوا
فـمن مـحرم ومـن مبيح وكـلهـم ذو نظر صحيح
وقلت قال صـاحب المبـاشر في شرح متن القدوة بن عاشر
ومـنع الـتبـاك الأكـثرون وقـد أبـاحـه الـمحققون
فـانظر لـقوله الـمحققون مع تـأمل تـجده قول من جمع
لـكنـه لـما دنـا للـحرم بـموجة من بحر علمكم رمى
فبـاء بـالخيبـة وهـو ممتلى بـالغيظ قائلا بصوت معتلي
لا كـانـت الجهـالة المشؤمة ولا حياة أهـلها الـمذمومة
وليـحي أهل العلم سادة البشر من بـهم دين الحنفي انـتشر
فإنـهم عيـون خــلق الله مبينو الفـروض والـمنـاهي
الحائزون رتبة الكمــــال في الدين والدنيـا وفي المـآلى
هذا تمام القصـة الطريفة بعثتها للحضرة الشـــريفة
تسلية تعــم وفيها عبرة لكل ذي درايــة و خـبرة.

- مواقفه:

من مواقفه كان إذا شرع في إلقاء درس لا يتوقف حتى يكمله مهما كانت الظـروف والأسباب ، و في إحدى المرات بينما هو يلقي درسا بالمسجد للطلبة كعادته إذ جاء وفد من مدينة الجلفة يتكون من القضاة والمسئولين في ذلك العهد فاستقبلوا من طرف الحارس بالزاوية (المقدم) بدار الضيافة وطلبوا مقابلته إلا أنه أمر المقدم بأن يقدم لهم ما يحتاجون إليه من كرم الضيافة وينتظرون إن كانوا في حاجة ماسة لاستقباله حتى يكمل الدرس وفعلا تم ذلك، وفي مجال الدعوة ومناهضة الاستعمار وتشجيع روح المبادرة ما قام به بعد ما تم تأسـيس خلية لجمعية العلماء بالجلفة حيث كان البعض يراها معادية لنشاط الزوايا بينما هو يراها مكملة لنشاطات الزوايا في تلك الحقبة لأن مؤسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمـه الله- كان من أبناء الزوايا (تعلم بالزاوية العساوية ) فاستبشر خيرا للمبادرة وباركهـا وذلك بدعوة لأعضائها وأعيان الجلفة ببيته فقدم كلمة بالمناسبة هنأهم فيها على هذا المجهود التربوي الجديد وعاتب من تخلف عن ركب الجمعية خاصة الوجوه البارزة، و أثناء تأديته لفريضة الحج كان بصحبته مجموعة من خدام الزاوية منهم بوعمارة الحـاج المصطفى من سحارى أولاد إبراهيم وإبراهيمي الحاج أحمد بن الجمعي من فرقة أولاد سـعد عرش أولاد عيفة حيث استقبل الشيخ بصحبتهما من طرف الملك عبد العزيز آل سعود رفقة وفود من عدة دول إسلامية حيث قدم الشيخ بالمناسبة كلمة شكر فيها الملك على المجهودات التي يقوم بها خدمة للحرمين الشريفين ولضيوف الرحمان من جهة ومن جهة أخرى ذكره بالمسؤولية الكبرى التي يتحملها على صعيد واسع فأعجب به الملك ورد على كلمته بالشكر ويروى أنه أستدعي من طرفه في لقاء خاص، كما تروى له عدة مواقف خلال حياته الحافلة بالنشاطات لا يمكننا سردها كاملة في هذه الترجمة المتواضعة.

- آثاره:

من أهم آثره مقال في جريدة البلاغ التي كانت تصدر بمصر الشقيقة بعنوان "الصفات والأخلاق التي ينبغي أن تتوفر في المريد و المنتسب لطريق القوم " نبه فيها ببعض المتطفلين والمشعوذين الذين لا يخلو منهم أي قطاع حيث ذكر في مقالته بأن الطريق أساسها ومبناهـا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،كما كان مشتركا في صحيفة أسبوعية عنوانها" الإسـلام" تصدر عن وزارة التربية والمعارف المصرية تهتم بالجوانب الروحية والتربوية في الإسلام والفتاوى الشرعية توجد منها أعداد كثيرة بمكتبة الزاوية، كما ترك مكتبة غنية بالمخطوطات والمجلدات والمجلات في جميع العلوم والمعـارف توجد بالزاوية.

- وفـاته رضي الله عنه:

توفي إثر مرض ألزمه الفراش لفترة قصيرة سنة 1945 م بمسقط رأسه ودفن بجوار أبيه بالزاوية، ترك ولدين هما الشريف الذي تولى خلافة الزاوية من بعده و عبد الله اللذين كانا خير خلف لخير سلف، رحم الله الفقيد ونفعنا ببركاته - آمين آمين آمين-

مصدر الترجمة:

زاوية الفلاح - قسم مشايخ المنطقة - المنشورة بتاريخ الخميس أكتوبر07 - 2010م.

0 التعليقات :

إرسال تعليق

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |