بسم الله الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
- مخطوط: الدرة المصونة في ذكر أولياء وعلماء بونة.
- تصنيف: سيدي أبو العباس أحمد بن قاسم بن محمد ساسي التميمي البوني.
- مصدر المخطوط: خزانة الشيخ الموهوب أولحبيب للمخطوطات بجاية - الجزائر.
- مادية المخطوط: نسخة حسنة متآكلة الأطراف تنقصها بعض الصفحات.
لمحة حول المخطوط والمصنف:
توطئة:
متفرد بمقامه بين المقامات التي آوينا إليها عبر أزمنة وأزمنة هربا من هجير التزييف والعبث بانتمائنا وأمور ديننا ودنيايا.. ولمّا نزل نأوي إليها كي نحتمي من "أشباه" يزعمون العلم والتأريخ للأعلام والعلماء ولا يتورّعون في تزييف السيّر استنادا إلى ما حصّلوه من "فكر" لا يتوافق مع أًًصولنا وميراث أجدادنا، ومؤسف ان عالم الأنترنت يضج بحملات التحريف والتشويه لأعلام وعلماء يُراد لهم أن يكونوا على "مذاهب" لم ينتموا إليها، وما حملت كُتبهم وكتاباتهم، تكذّب الإفك المُعلن من أولئك الاشباه الأدعياء.. وانتصارا لأوليائنا وموروثنا وأصولنا وما نهلناه من معين شيوخنا بعيدا عن كل ريح قادمة من خارج حياضنا...
نُبحر مع المتفرّد بمقامه بين المقامات لنؤّكد حضوره بيننا قويا مُطهّرا ونستحضر صوته مُجلجلا وهو يفاخر في قصيدته "الدرة المصونة" بأولياء بونة وأفضالهم وفضائهم وجليل أعمالهم بمعاني تصفع من يطمحون إلى "تفصيل" سير لأوليائنا على مقاس خيالاتهم وما أوحته لهم الريح القادمة من خارج حياضنا...
وأهمس في كل أذن جعلت من التصوّف "خروجا عن الدين" ومن الزوايا أماكن يُبتلى فيها العلماء بـ"التصوف".. اهمس قائلا: لولا الأولياء الصالحون والزوايا ما ثبتت اللغة العربية في أرضنا ولولاهم ما ارتوى عطش الإنسان على هذه الأرض من رحيق دينه.. ثم أن كل علماء الجزائر تخرّجوا في الزوايا ونهلوا من كتب الأولياء، فلماذا الجحود والنكران يا انتم الذين جعلتم من التصوف ابتلاء "يستفيق" منه العلماء، هذه أرض التصوف والزوايا التي انبتت الأولياء والعلماء والثورات والمجاهدين.. فاحتفظوا بريحكم واكتبوا عن "أعلامكم" واتركوا أنوار هذه الأرض لأبنائنا... وفي هذا الموضوع نفتح نافذة على عالم علامة وشيخ فهامة قيل فيه أنه ابتلي بالتصوف.. فإليكم سيرته وردّه على هؤلاء بمقتبسات من أقواله..
يقول رضي الله عنه في ترجمته للشيخ أبي العباس أحمد بن علي البوني دفين تونس مانصه: "وقبره بجبانتها مشهور، زرته، وبركت به، رحمهُ الله تعالى.. وهو صاحب كتاب (الوعظ الغريب) وعظه يذيب الصُّخور، وطيبه يعبق دون بخور، وكتابه (شمس المعارف) الذي كلامه يغني عن سماع المعازف، لا ينبُو عنه إلا غير عارف، ومن بحره غير غارف..، وقد كان من حال هذا الشيخ، رضي الله تعالى عنه، أنّه يتناول التراب، فيرجع في يده المباركة ذهباً، وإلى ذلك أشرت في الألفية المذكورة" يعني "الدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة".
وبأبي العباس أعني البوني *** غياث كل عاجز مغبون
وهو الذي ألف في الوعظ وفي *** سر الحروف أمره غير خفي
دفين تونس وذو العلوم *** وفي الطريقتين ذو فهوم
في كفه صار التراب ذهبا *** ومع ذا تركه وذهبا
هذا وقد عظم في القاموس *** مقامه مسلك النفوس
ترجمة المصنف:
هو العالم العلامة الفقيه السند الثبت الحجة المصنف سيدي أبو العباس أحمد بن قاسم بن محمد ساسي التميمي البوني، وُلد رضي الله عنه ببونة ( وهي المدينة المعروفة الآن بعنابة وتقع في أقصى شرق الجزائر) سنة (1063ه /1653م)،. نشأ في أسرة ميسورة الحال، معروفة بعراقته في العلم و المعرفة وبالتصوف، فقد كانت عائلتُه حسب ما ذكره في كتابه ((الدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة )) :"...تنتمي إلى مجموعة بشرية واسعة مُمتدّة غرباً إلى نواحي قسنطينة، وشرقاً إلى نواحي الكاف وباجة، حيث أخذت العلم من هذه النواحي" ، و هو تميمي النسب، كما كان يضيف ذلك إلى إسمه في الكتب و المخطوطات التي خطها بيديه.
كما أن أسرة البوني اشتهرت بأنها كانت على علاقة طيبة ووطيدة مع العثمانيين سواءا الباشاوات في الجزائر العاصمة ، أو بايات الشرق الجزائري ، كما ساهمت هذه الأسرة مثل الكثير من الأسر العلمية الجزائرية في الإنتاج العلمي و الفقهي أيضا مساهمة واضحة.
طلبه العلم و شيوخه:
في بونة بدأ تعليمه على يد والده قاسم بن محمد البوني الذي كان من علماء بونة ( عنابة) المشهورين بالتقوى و الصلاح ، درس في جامعها التفسير و الحديث و بعض الفقه ، وجدّه محمد بن إبراهيم ساسي البوني [الذي أخذ عنه الحديث بالدرجة الأولى، و لما كان جده قد جمع بين علمي الفقه و التصوف ، فهو من أبرز مرابطي وعلماء القرن الحادي عشر في عنابة.
ساح البوني طويلا و طلب العلم في تونس و المغرب و في مصر، و لا سيما مدينة رشيد التي إلتقى بعلمائها و أجاز فيها حسن بن سلامة الطيبي في الحديث. كما سافر الى الحجاز و استقر هناك فترة بعد ادائه لفريضة الحج يتصل بشيوخ الحجاز و العلماء الذين يقصدون البقاع المقدسة من مختلف اقطار العالم الاسلامي ليأخذ منهم و يستفيد مما لديهم من علوم و معرفة و خاصة الحديث الشريف، وقد كتب عن رحلته الحجازية كتاب هو في حكم المفقود سماه (الروضة الشهية في الرحلة الحجازية).
شيوخه في علم الحديث الشريف:
لقد جعلت عنوانا خاصا لشيوخه في الحديث الشريف نظرا لما عرف عنه من عنايته بهذا العلم الشريف و رحلاته و أسفاره المتعددة لطلبه و أخذه من أفواه و مجالس شيوخ وعلماء هذا الفن في مختلف البلدان و الأصقاع ، و يظهر ذلك كذلك من خلال التأليف في هذا الميدان ( سأذكرها بعد حين، إلى جانب ثبته و فهرسته و إجازاته) إضافة الى المجالس التي كان يعقدها لرواية وشرح الصحاح الستة و الموطأ ، كلها تدل على الاهتمام الكبير الذي كان يوليه للحديث الشريف رواية و دراية حتى لقب بالمحدث والمسند والجماع والمطلع و غيرها من الألقاب و الأوصاف التي حلاه بها مترجموه و معاصروه و تلاميذته.
إن مصادر شيوخ أحمد البوني في علم الحديث هي كتبه و مؤلفاته، حيث تعرض لذكرهم في عدة مناسبات، ومن هذه المؤلفات :
- الرحلة الحجازية المسماة ب (الروضة الشهية في الرحلة الحجازية)
وقد عددهم فبلغوا اثنين و عشرين شيخا من تونس ومصر و الحجاز، وهذه الرحلة هي التي نصح إبنه الناس بالإطلاع عليها لأن (( فيها طرفا و ظرفا)).
أ - الألفية الصغرى المعروفة بإسم ( الدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة )، وقد خصص الباب الرابع منها لتعداد شيوخه في علم الحديث الشريف و قسم الباب الى ثمانية فصول كالتالي:
- الفصل الأول لذكر شيوخه المغاربة.
- الفصل الثاني في ذكر شيوخه من بونة.
- الفصل الثالث في ذكر شيوخه من باجة.
- الفصل الرابع في ذكر مشيخته من أهل تاستور وسليمان.
- الفصل الخامس في ذكر مشيخته من أهل الكاف.
- الفصل السادس في ذكر مشيخته من أهل القيروان.
- الفصل السابع في ذكر مشيخته من أهل سوسة.
- الفصل الثامن في ذكر مشيخته من أهل تونس.
ب - كتاب: (التعريف بما للفقير من التواليف).
ج - إجازته لولده أحمد الزروق و محمد بن علي الجعفري مفتي قسنطينة.
و هي الإجازة التي جمع فيها أكثر شيوخه كعادة المحدثين في إجازاتهم ، و هذه الإجازة كتبها في أخريات أيامه سنة 1136 هـ ، و قد قال عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس و الأثبات :"... وقد وقفت على إجازة المترجم أحمد بن قاسم المذكور العامة لولده أحمد الملقب زروق ورفيقه محمد بن علي السعيدي الجعفري نسبة إلى الجعافرة عرب بناحية قسمطينة [قسنطينة ] المعروف بمفتي قسمطينة وهي في نحو أربع كراريس اشتملت على فوائد وغرائب عدد فيها شيوخه وأسانيد الستة وبعض المصنفات المتداولة في العلوم ))، كما ذكر مؤرخنا الدكتور أبو القاسم سعد الله – حفظه الله- أنه اطلع على نسخة من هذه الاجازة مكتوبة سنة 1140 هـ ، أي بعد وفاته بفترة قصيرة ، وذكر أن البوني بدأها بالتعريف بشرف علم الحديث الشريف ، ثم قال إنه أخذه عن والده محمد ساسي ، و يحي الشاوي و أحمد العيدلي الزواوي الملقب بالصديق، و أبي مهدي عيسى الثعالبي ، و أبي القاسم بن مالك اليراثني الزواوي أيضا و بركات بن باديس القسنطيني، و هؤلاء جميعا من الجزائريين، كما ذكر غيرهم من التونسيين و المصريين و المغاربة... و إكتفى البوني بذكر بعضهم فقط وذلك ((خوف الإطالة ))، ثم ذكر كتب الحديث التي أخذها عن هؤلاء، و فصل القول فيها، و عدد أيضا بعض تأليفه، ثم أحال المجيز على كتابه (التعريف بما للفقير من التواليف)".
ومن شيوخه أيضا:
- محمّد بن محمّد بن سليمان المغربي الرداني المكي (توفي بدمشق سنة 1094 ) صاحب كتاب " صلة الخلف بموصول السلف"
- خليل بن إبراهيم اللقاني العلامة المسند المالكي الأزهري (ت سنة 1105هـ) له فهرس " إتحاف ذوي الإرشاد لتحرير ذوي الاسناد"
- أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن احمد بن علوان الزرقاني محدث الديار المصرية، له " شرح المواهب " و" شرح الموطأ" و"شرح البيقونية" و"مختصر المقاصد الحسنة "للسخاوي و غيرها( ت سنة 1122)
- أبو عبد الله محمد الخرشي المالكي ( ت 1101 هـ)
- الشيخ إبراهيم بن التومي (المتوفى سنة 1087ه /1676م).
- الشيخ عبد الباقي الزرقاني المتوفى سنة (1099هـ).
- يحي الشاوي الملياني ( ت 1096 هـ)
- أحمد بن عبد الطيف البشبيشي
- إبراهيم الشبرخيتي المالكي.
- أبو الحسن علي الخضري الرشيدي الحنفي
- أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز المنوفي الشافعي.
وغيرهم كثير.
علاقته بعلماء و حكام عصره:
اشتهر مترجمنا بعلاقاته الكثيره و مراسلاته مع علماء عصره و صداقته لهم مثل شيخه بركات بن باديس القسنطيني، و تلامذته حسن بن سلامة الطيبي المصري، و عبد الرحمن الجامعي، وعبد القادر الراشدي القسنطيني و غيرهم من الطلاب النجباء الذين اسهموا بنشاط علمي بارز ، و انتجوا مؤلفات عديدة شملت مختلف مجالات الفكر الإسلامي ، و يكفي ذكر إبنه المحدث المسند أحمد الزروق الذي أجاز مرتضى الزبيدي سنة 1179 هـ ، وكذلك أبو زيد عبد الرحمن الجامعي الفاسي المغربي الذي نزل عنده و أخذ عليه و طلب منه الإجازة، و ترجم له في رحلته المسماة ب " نظم الدرر المديحية في محاسن الدولة الحسينية "وفي " التاج المشرق الجامع ليواقيت المغرب والمشرق" حيث قال عنه :"... لما دخلتها[ يعني بونة ] أممت دار الشيخ الرباني العالم العرفاني ... أبي العباس أحمد بن الولي الصالح البر الناجح أبي عبد الله قاسم ابن الولي الصالح أبي عبد الله محمد المعروف ساسي فوجدته طلق المحيا، وأنزلني بمنزل لإكرام أضيافه مهيأ، فأقمت عنده ينزهني في كل يوم في رياض تآليفه الحديثية وغيرها، وينثر علي كل ساعة من فرائد فوائده ما تبخل به على الغائصين قعور بحرها، وكنت أحضر أثناء تلك المدة مجلس رواية الصحيحين بين يديه مع مشايخ بلده وولديه ومما رويت عنه فسح الله في أجله وأسهب، وإن تآليفه بلغت ما ينيف على المائة ما بين مختصر ومسهب ،ولما وقفت في علم الحديث على البحر العباب والعجب العجاب سألته الإجازة فيما وقفت عليه وغيره من تصانيفه ".
كما كانت تربطه علاقات طيبة بحكام عصره خاصة الباشوات و البايات العثمانين من خلال محاولاتهم للتقرب منه و طلب وده، نظرا للمكانة العلمية و الروحية التي كانت تتمتع بها الأسرة، و ما اكتسبه البوني من حب الناس و احترامهم له ، فتوددوا اليه و أرسلوا له الهدايا و العطايا ، و مما يجدر ذكره هنا ان الباشا محمد بكداش [و بكداش:كلمة تركية معناها الحجر الصلب] عندما كان موظفا في حكومة الباشا السابق له حسين خوجة – وهذا الباشا حسين خوجة كان صديقا للبوني ولوالده من قبله - قد نُفِيَ الى مدينة بونة ، فحضر دروس الشيخ ابو القاسم البوني و تتلمذ له و قامت بينهما صداقة دامت حتى بعد تعيين محمد بكداش في أعلى هرم السلطة ، وتوليه حكم ( باشوية ) الجزائر، حيث كانت بينهما مراسلات و سفارات ، وحين فتح هذا الباشا مدينة وهران سنة 1120ه، بعد احتلالها من قبل الأسبان مدة ستّ ومائتي سنة ، ذكر هذا الحدث أحمد البوني في درته حين قال:
وفتحتْ على يديهِ وهرانُ *** فكَملَ المَجْدُ له والبرهان
ثم أهدى إليه أرجوزة مهنِّئاً إياه فيها بفتح وهران، ولافِتَاً نظره إلى أحوال مدينة بونة ( مشيرا إليها بهذي القرية ) ، و ما يجري فيها من مظالم و مناكر فقال:
يا حاكَم الجَزائـر *** يا أنْس نَفْس الزَائرِ
أريدُ أنْ أخْبركُـمْ *** أدَامَ رَبَّيِ نَصْركُـمْ
بحَالِ هَذي القرْيَةِ *** بِالصّدْق لاَ بالفريةِ
قدْ صَالَ فيهَا الظَّالِمُ *** وهَان فِيهَا العالِمُ
خُرّبَتِ المسَاجِــدُ *** وقلَّ فيها السَّاجِدُ
حُبُسُهَا قَدْ أسرفَــا *** نَاظِرُهُ فأشْرفَـا
وأهْمِلَتْ أسْعَارُهـا *** وبُدِّلَتْ شِعَارُهَـا
والشّرْعُ فِيها باطِلُ *** والظلمُ فيها هَاطِلُ
والخَوفُ في سُبُلِهَا *** والقحط في سُنْبُلِهَا
وَكَمْ من القبَائِـح *** وكَمْ من الفضائِحِ
يَضيقُ عَنها النّظمُ *** وَخارَ مِنْهَا العَظمُ
نِبكي عليها بالدمِ *** قدْ قرُبَتْ مِنُ عَدِمِ
والله قَدْ وَلاكُـم *** حُكماً وقدْ عَلاكُمٌ
فداركوا الإسْلاَمَا *** ونوّروُا الظَّلامَـا
وسَدِّدُوا الأحْكَامَا *** وقرِّحُوا الأنَامَـا
آثاره و مؤلفاته :
ألف أحمد البوني تأليف كثيرة بلغت، كما أخبر بنفسه، أكثر من مائة تأليف، بدون المنظومات و المقطوعات. و هو الذي كتب تأليفا خاصا سماه ( التعريف بما للفقير من التواليف). وقد علق عليها الدكتور أبو القاسم سعد الله – حفظه الله – في موسوعته تاريخ الجزائر الثقافي ج 2 فقال : " ...و من هذه التأليف ما كمل و منها ما لم يكمل، و منها الشعر و النثر، كما أن منها ما يدخل في باب الحديث و السنة و ما يتناول غير ذلك. و قد أطلعنا على بعض أعماله فكان منها القصير الذي لا يتجاوز الكراسة و منها الوسط و الطويل".
وقد نشر أبو القاسم الحفناوي قائمة لتلك التآليف في كتابه "تعريف الخلف برجال السلف" ، إلا أنَّ الأستاذ سعيد دحماني، ذكر أثناء التعريف بكتابه " بونة إفريقية، بلد سيدي أبي مروان الشريف " أنَّ تآليفه بلغت زهاء (165) عنواناً، معظمُها "منظومة في قالب (أراجيز)، مواضيعها تتعلق بالحديث [الشريف ] والسنة [ المطهرة] والقرآن [ الكريم] ".
و قبل أن اسرد بعضا من عناوين هذه المؤلفات ، أقول مع الأسف الشديد ان اكثرها ضاعت او اتلفت ، وأنه لم يطبع من هذه الثروة العلمية الهامة - حسب علمي- إلا كتابين إثنين كلاهما في التاريخ هما:
1- "الدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة" نشر الدكتور ابن أبي شنب، في التقويم الجزائري لسنة 1331ه /1913م.: ((...وهو عبارة عن منظومة تحتوي على ألف بيت (1000) ،إختصرها من منظومته الكبرى المحتوية على ثلاثة آلاف بيت (3000)، وهي منظومة للتعريف ببونة وعلمائها و صلحائها، وكذلك علماء القرى المجاورة، والعلماء الواردين عليها ، سواء أكانوا عابري سبيل أم مقيمين من مختلف جهات العالم الاسلامي...والعنوان أخذ من قوله:
فجئْتُـهُ "بدُرَّةٍ مَصوُنّـهْ"...ذَكَرْتُ فِيهَا أوْلياءَ بُونَهْ
لَكن بلا طولٍ وَلاَ تاريخ…لضيق نَظمِي بهِم صَريخِي
ويبدو أنَ أحد طُلاَّبه هو الذي طلب منه تأليف درته، كما ذكر وكان على أهبة السَّفر، فاستعجله، فقال:
طالَبَهَا مُسافِرً وذو عَجل *** زوَّدتُه بها وإنّي في خَجَل
لِذَاكَ رامَ مِنّي بعضُ الأذكياء *** تَوَسلاً بذِكرِ بَعضِ الأزكياء
فجئْتُهُ "بدُرَّةٍ مَصوُنّهْ" *** ذَكَرْتُ فِيهَا أوْلياءَ بُونَهْ
لَكن بلا طولٍ وَلاَ تاريخ *** لضيق نَظمِي بهِم صَريخِي
وقد اشترط في مترجميه العلم مع الاستقامة والصلاح، يقول:
بشرْطٍ إنْ كانوا لعلْمٍ دَرَسوا*** أوْ لِصَلاحٍ نُسِبُوا ما انْدرسُوا".
وبعد ذلك يُشير إلى أنّ مترجَميه، الذين عاشوا قبل القرن التاسع، مذكورون في
تأليف علي فضلون، يقول:
حَوَاهُم جَمْعُ "علي فضلوني" *** لآخر التَّاسعِ مِنْ قرون
ثم أتيت بالذينَ بَعدَهْ *** أرجُو بهِم تفْريجَ كُلِّ كُرْبَهْ
مِن عاشِرِ القُرونِ والحادي عَشر *** وفي البلادِ ذِكْرُهُم قدِ انتَشرْ
وبعد نهاية الشاعر من ذكر مترجَميه من علماء بونة، يختمُ القصيدة بالموازنة بينهم وبين معاصريه، فيقول:
والآن يَلْحَنون فوقَ المنبرِ *** لا يقبَلونَ النّصْحَ حَتّى مِنْ بَري
وكُتِبَ الجَهلُ على جباههم *** اليَومَ يخْتَمُ على أفواهِهمْ
لَيتَ الجُدودَ نظَروا إلَيْهِمْ *** ولَوْ رَأوْهُم لَبَكوا عَليهمْ .
وقد انتهى أحمد البوني من تأليفه أواخر القرن الحادي عشر، وفي ذلك يقول:
"في عام تسعين وألف نظمتُ *** وآن أنْ أدعو لمّا تمَمْتُ "
2- "التعريف ببونة إفريقية، بلد سيدي أبي مروان الشريف "(تقديم الأستاذ سعيد دحماني)، نشر المجلس الشعبي البلدي بعنابة، سنة 2001م : ((وهذا الكتاب بمثابة رد على ما أورده الرحالة محمد العبدري البلنسي عن بونة وقسنطينة في كتابه: "الرحلة المغربية" وهذا ما يؤكده قول البوني في مقدمة كتابه [ بعد البسملة والحمدلة و الصلاة و السلام على النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وسلم]:"… لمّا كتبتُ بإعانة الله تعالى رحلة الإمام العبدري رحمه الله تعالى، عثرتُ على بعض الأماكن ارتكب فيها غير الصّواب، عند ذكره بلدنا وبلد قسنطينة فأردتُ التنبيه عليها ليعلمها كل أوّاب، وقد كتبتُ عليها أزيد من 300 طرة، كلُّ واحدة أحسن من دُرّة عند ذي نفس برة، فمن أضافها لهذه الأوراق، كانت حاشية عليها عذب موردها وراف، وقد أعجلني الوقت عن فعل ذلك، وقد أذنت غيري أن يفعله ساعياً في خير المسالك، راجياً ثواب الإعانة على العلم الشريف ذي الظل الوريف. وقد أخل بالتعريف ببلد هذا العبد الضعيف، بل ذكر لها نقيصة عظيمة، وأموراً مخلة بها هضيمة، لا يقبلها عقل عاقل، ولا يصدق بها ناقل، وسأفَصّلُ ذلك تفصيلاً حسناً، وأؤصّلُ فضلها تأصيلاً بسنا، قولاً بالحق لا مبالغة فيه ولا إيقالَ، وإن كنت في كثير من الاشتغال، وسميت هذه الأوراق (ببعض التعريف ببونة إفريقية بلد سيدي أبي مروان الشريف)".
وهذا ثبت ببعض مؤلفاته الأخرى التي ضاع أكثرها:
1-إتحاف الأقران ببعض مسائل القرآن.
2-إتحاف الألبان بأدوية الأطباء.
3-إتحاف النجباء بمواعظ الخطباء.
4-إظهار القوة بإحكام الباب والكوة.
5-الإعانة على بعض مسائل الحصانة.
6-إعلام الأحبار بغرائب الأخبار.
7-إعلام أرباب القريحة بالأدوية الصحيحة.
8-إعلام القوم بفضائل الصوم.
9-إلهام السعداء لما يبلغ لمراتب الشهداء.
10-الإلهام والانتباه في رفع الإبْهام والاشتباه.
11-أنس النفوس بفوائد القاموس.
12-تحفة الأريب بأشرف غريب.
13-الترياق الفاروق لقراء وظيفة الشيخ زروق.
14-تعجيز التصدير وتصدير التعجيز.
15-تلقيح الأفكار بتنقيح الأذكار.
16-تليين القاسي من نظم الإمام الفاسي.
17-تنوير قلوب أولي الصفا بذكر بعض شمائل الحبيب المصطفى.
18-الثمار المهتصرة في مناقب العشرة.
19-الجوهرة المضيَّة في نظم الرسالة القدسية (أبياتها نحو 775 بيتاً).
20-حث الوُرّاد على حب الأوراد (في ثمانية أجزاء).
21-خلاصة العقائد للقاني والتواتي.
22-رفع العناء عن طالب الغناء.
23-الظل الوريف في البحث عن العلم الشريف.
24-الفتح المتوالي بنظم عقيدة الغزالي.
25-الكواكب النيرات المعلقة على دلائل الخيرات.
26-لبّ اللباب في ذكر رب الأرباب.
27-المنهج المبسوط في نظم عقيدة السيوط.
28-نظم تراجم كتاب الشمائل للترمذي.
29-نظم كتاب البخاري.
30-الياقوتتان: الكبرى والصغرى في التوحيد.
31- نظم الخصائص النبوية.
32- المستدرك على الحافظ السيوطي من خصائص الجمعة.
33- زاد المسير إلى دار المصير.
34- إظهارنفائس ادخاري المهيأة لختم كتاب البخاري.
35- اختصار مقدمة ابن حجر للفتح.
36- فتح الباري في شرح غريب البخاري.
37- التحقيق في أصل التعليق الكائن في البخاري.
38- الإلهام والانتباه في رفع الإيهام والاشتباه الكائن في البخاري
39- التحرير لمعنى الأحاديث من الجامع الصغير
40- نفح الروانيد بذكر بعض المهم من الأسانيد.
41-تخميس القصيدة المسماة قرة العين بمدح الصحيحين
42-النفحات العنبرية بنظم السيرة الطبرية.
43-طل السحابة في الصحابة[رضي الله عنهم].
44- الدّخر الأسنى بذكر أسماء الله الحسنى.
45- الثمار المهتصرة في مناقب العشرة.
46- تنوير السريرة بذكر أعظم سيرة.
47- التيسير في إسنادنا في كتب جمع من التفاسير.
48- فتح الاغلاق على وجوه مسائل مختصر خليل بن اسحاق.
49- نظم شعب الايمان.
50- سوابغ النعم وسوابق الكرم.
إن المتمعن في عناوين هذه التآليف يدرك أن البوني كان من الشخصيات المتعددة الثقافة، فهو صوفي مع رسوخ قدمه في الفقه المالكي والتفسير والحديث النبوي الشريف، كان أديبا شاعرا يملك ناصية القوافي، وقد استغل هذه الملكة الشعرية في تنظيم منظومات شعرية تعليمية الهدف منها تبسيط العلوم لطلبة العلم وتسهيل حفظه كما هي عادة العلماء المدرسين، فعلى سبيل المثال فقد قام بنظم كتاب " غريب القرآن الكريم" لِلْعَزِيزي في نحو أربعة آلاف بيت (4000)، و نظم " نخبة الفكر لابن حجر " سماه " الدرر في نخبة الفكر"، كما نظم "الخصائص الكبرى" للسيوطي في نحو ثمان مائة بيت(800)، ونظم "الأجرومية" في تسعين بيتا(90)، وغيرها من المنظومات.
وفاته:
توفى رضي الله عنه في مدينة بونة (عنابة) و فيها دفن و ذلك سنة (1139ه /1726م).
رضي الله عليك أيها الولي الطاهر، ورضي الله على كل ولي من أولياء ارض التصوف النقي الذي حفظ لنا ديننا ولغتنا وهويتنا من رياح المذاهب والأفكار الدخيلة.. واترك للقارئ أن يٌدرك بالذوق والمعرفة من خلال ما عرضناه، إن كان شيخنا كما زعم "الأشباه" انه ابتلي بالتصوف أم أنه متصوف يعتز بالأولياء ويجل ذكرهم ويخلّد آثارهم.
مصدر الترجمة:
أحمد البوني و كتابـــــه: "التعريف ببونة إفريقية بلد سيدي أبي مروان الشريف"
للدكتور.سعد بو فلاقة- المنشورة بمجلة التراث العربي - العـــدد:(94-93)-(المحرّم -ربيع الثاني)-1425 هـ= ( آذار- حزيران) 2004- السـنة الرابعة والعشـرون- مطبوعات اتحاد الكتّاب العرب بدمشق.