من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

التصوف في الجزائر بقلم: عبد المنعم القاسمي الحسني ج1



عن التصوف والصوفية في الجزائر
مقاربة موضوعية(1/2)

بقلم: عبد المنعم القاسمي الحسني

يحتل موضوع التصوف وتحديدا الطرق الصوفية أهمية كبرى في حياتنا الفكرية المعاصرة، وهو من القضايا الشائكة والمعقدة في تاريخنا الثقافي والديني، وأسال الكثير من الحبر ولا يزال، ولا زلنا إلى يوم الناس هذا لم نفصل في هذا الموضوع برأي نهائي، فالكثير من الباحثين ما زال يتردد بين الإعلاء من قيمة هذه الظاهرة الدينية وبين الحط منها، وربما يعود ذلك إلى أنها مرتبطة بميول النفس البشرية وأهوائها، ولم يستطع بعضهم التخلص من ذاتيته والحكم على الأشياء بعيدا عن الأهواء والمنطلقات والخلفيات.

ويؤكد هذا الموقف قول أحد الباحثين: "وقد اختلفت آراء الباحثين في تصوف العصر الحديث؛ فمنهم من وجد فيه ـ في نطاق المغرب العربي خلال الفترة الحديثة المبكرة ـ عنصرا إيجابيا في توجيه الحياة الاجتماعية والعقلية والسياسية وخاصة في الدعوة إلى الجهاد وبث الحماسة في الجماهير التي انقادت لهم ، في حين رأى آخرون فيه كثيراً من ألوان السلبية التي جنتها الطرقية الضحلة على الحياة الاجتماعية والعقلية".
على أننا نلاحظ في الفترات الأخيرة عودة الاتجاه الصوفي بقوة إلى الواجهة، وبدء انهيار تلك الصورة القاتمة التي كانت تقدم لنا حول هذا التيار الفكري الراقي من التيارات التي عرفها العالم الإسلامي طيلة عهود طويلة من الزمن. وذلك بعد سقوط الأنظمة المناوئة لهذا الاتجاه، وفشل الحركات السلفية في قيادة المجتمعات الإسلامية.

وأحسب أن هذه المسألة من أهم القضايا المحورية التي يدور حولها النقاش حاليا في العالم الإسلامي والعالم الغربي، فقد اعتنق الكثير من الغربيين الإسلام عن طريق التصوف الإسلامي، وأصبح التصوف اليوم هو المظهر الرئيس للإسلام بالنسبة لهم، وأن الكثير من الدراسات حول العالم الإسلامي، منصبة حصرا على التيار الصوفي دون غيره، وأكثر المفكرين والفلاسفة مقروئية لدى الغربيين هما ابن عربي وجلال الدين الرومي، وهما من أقطاب التصوف الإسلامي.

يقول المستشرق الفرنسي المسلم "إريك جيوفروي" ـ المختص في الصوفية بجامعة لوكسمبورج، شمال فرنسا ـ في حواره الخاص مع "إسلام أون لاين.نت": "أن المستقبل في العالم الإسلامي سيكون حتما للتيار الصوفي". ويرى أيضا أن الصوفية قد مارسوا السياسة في أحيان كثيرة كما مارسوا أدوارا ثقافية واجتماعية، "ثم إننا يمكن أن نلحظ أن هناك مدا جديدا من الأجيال الجديدة للصوفية يعي الأبعاد الاجتماعية للصوفية".
من خلال هذه المنطلقات والمعطيات أردنا الخوض في هذا الموضوع، وأن نبحث في سبب احتلال هؤلاء الصوفية هذه المكانة الرفيعة، ونرى ماذا قدم التصوف والصوفية للمجتمع المسلم؟ وهل اقتصر دورهم فقط على التحرير الذاتي، وتطهير النفس من الرعونات؟ وهل مكثوا في زواياهم يرددون اسم الله الأعظم غير ملتفتين إلى ما يجري حولهم من تطورات وتغيرات؟ كما يرى بعض الناس.
أم أنهم سعوا إلى تغيير واقعهم والمحيط الذي يعيشون فيه، وخدموا المجتمعات التي وجدوا بها وقادوها إلى بر الأمان. إن الإجابة على مثل هذه التساؤلات يتطلب المجلدات لكنا سنحاول أن نختصر قدر الإمكان، وأن نفي بالغرض ونتقيد بالمساحة.

وسنقصر حديثنا على الجزائر فقط دون غيرها من دول العالم الإسلامي ونأخذها كعينة، فالظاهر أن الأمر لا يختلف في بقية دول العالم الإسلامي.
وعليه فسنتناول في هذه العجالة أربعة نقاط أساسية، يمكن من خلالها الإجابة على التساؤلات السابقة وهي: تاريخ التصوف في الجزائر، نشأة العلاقة بين الصوفية والمجتمع، دور التصوف بشكل عام، وأخيرا الدور الاجتماعي الذي قام به التصوف في الجزائر.

تاريخ التصوف في الجزائر:

ظهر التصوف في العالم الإسلامي كمنحى فكري نظري بداية من القرن الثالث الهجري وذلك في عاصمة الخلافة العباسية بغداد، على أيدي رجال شهد لهم الأعداء قبل الأصدقاء بالعلم والفضل والصلاح، وأرسوا قواعد هذا التيار الحديث النشأة، ورسموا له الأسس المنهجية التي بني عليها ولا تزال إلى الآن المصادر الأساسية لهذا العلم.

وفي نهاية القرن الثالث الهجري، بدأ الصوفية ينظمون أنفسهم طوائف وطرقا يخضعون فيها لنظم خاصة بكل طريقة، وكان قوام هذه الطرق طائفة من المريدين يلتفون حول شيخ مرشد يسلكهم ويبصرهم على الوجه الذي يحقق لهم كمال العلم وكمال العمل، كما نجد ذلك في بغداد في العصر العباسي الأول عند فرقة " السقطية " نسبة إلى السري السقطي و" الطيفورية " نسبة إلى أبي زيد طيفور، والخرازية نسبة إلى أبي سعيد الخراز والمحاسبية نسبة إلى الحارث المحاسبي...

فانتقل بذلك التصوف وتطور من ظاهرة أو مسألة فردية بين الإنسان وربه إلى ظاهرة اجتماعية طرقية كثر رجالها وأتباعهم كثرة ظاهرة، ومع تطور التصوف العملي وانتشار الظاهرة الصوفية لدى الأوساط الشعبية، حيث كثر عدد الأتباع والمريدين، والتف المريدون حول الشيخ ونسجوا حوله هالة من التقديس والتبجيل، بدأت تظهر الطرق الصوفية بشكلها المتعارف عليه الآن.
وأول ما عرف العالم الإسلامي من الطرق: الطريقة القادرية، والمدينية والرفاعية والشاذلية والخلوتية...

بالنسبة للجزائر أو ما يعرف قديما بالمغرب الأوسط، فقد بدأ التصوف فيه تصوفا نظريا، ثم تحول ابتداء من القرن العاشر الهجري، واتجه إلى الناحية العملية الصرف، وأصبح يطلق عليه "تصوف الزوايا والطرق الصوفية"، وقد ظل هذا التصوف العملي سائدا في جميع أنحاء المغرب الإسلامي حتى بعد سقوط الدويلات الثلاث ودخول الأتراك العثمانيين.

أما بالنسبة للجزائر أو ما يعرف قديما بالمغرب الأوسط، فقد بدأ التصوف فيه تصوفا نظريا، ثم تحول ابتداء من القرن العاشر الهجري، واتجه إلى الناحية العملية الصرف، وأصبح يطلق عليه "تصوف الزوايا والطرق الصوفية"، وقد ظل هذا التصوف العملي سائدا في جميع أنحاء المغرب الإسلامي حتى بعد سقوط الدويلات الثلاث ودخول الأتراك العثمانيين.

وكان من أوائل وأحد أوتاد الطريقة الصوفية في الجزائر: الشيخ أبو مدين شعيب بن الحسن الأندلسي، وقد عرفت طريقته "المدينيـة" شهرة واسعة وأتباعا كثيرين، في مختلف أنحاء المغرب الإسلامي، وازدادت شهرة على يد تلميذه عبد السلام بن مشيش (ت 665هـ= 1228م)، ثم ازدادت نشاطا وأحياها من بعده شيخ الطائفة الشاذلية وتلميذ ابن مشيش:"أبو الحسن الشاذلي". وكان لتعاليم الشاذلي في الجزائر الأثر الأكبر بحيث يكاد يجزم أن معظم الطرق التي ظهرت بعد القرن الثامن تتصل بطريقة أو بأخرى بالطريقة الشاذلية.
ومن أبرز علماء الجزائر الذين شاع التصوف العملي وانتشر بفضلهم عبد الرحمن الثعالبي ومحمد بن يوسف السنوسي، اللذان يعتبران من كبار العلماء والزهاد في القرن التاسع الهجري، فقد جمع كل منهما بين الإنتاج العلمي والسلوك الصوفي، وانتفع بكل منهما خلق كثير وكان لهما تأثير في المعاصرين وفي اللاحقين، وقد كانا كلاهما من أتباع الطريقة الشاذلية، وألفوا كتبا في أصولها وفي تراجم رجالها. على حد تعبير الدكتور أبو القاسم سعد الله.

ونستطيع القول أن التصوف العملي أو الطرق الصوفية أول ما وجدت وجدت في بلاد القبايل بجاية والمناطق المحيطة، وكانت بجاية مركز إشعاع طرقي صوفي لعدة قرون من الزمن. بواسطة رجالات التصوف الكبار من أمثال أبي مدين، أبو زكريا الزواوي، أبو زكريا السطيفي، يحي العيدلي، أحمد زروق... ومن بجاية انتشر التصوف إلى بقية مناطق المغرب الأوسط.
ويمكن أن نرجع عوامل وأسباب انتشار التصوف بالجزائر، إلى أسباب فكرية، أسباب سياسية، أسباب اجتماعية...

1 ـ أسباب فكرية: كوجود أعلام صوفية عملوا على نشر هذه الطريقة بكامل المغرب الإسلامي، أثروا بسلوكهم وبعلمهم وبمؤلفاتهم، من أمثال الشيخ أبي مدين، الملياني والثعالبي... ويضاف إلى ذلك تأثر كثير من علمائنا بالتصوف المشرقي بدأ يسيطر بدوره على الساحة الفكرية بعد محاولة الإمام الغزالي التوفيق بين الشريعة والحقيقة.

2 ـ أسباب سياسية: كسقوط الدولة الموحدية: التي كانت تمثل دولة قوية واجهت الغزو الاسباني، ولأسباب داخلية وخارجية تدهورت أوضاعها، وكسقوط الأندلس: نتيجة التدهور السياسي الذي أصابها عقب سقوط الدولة الأموية ونتج عن سقوط الأندلس أمران: الغزو الإسباني لمعظم سواحل المغرب الإسلامي، الأمر الثاني: هجرة كثير من صوفية الأندلس إلى الأراضي الجزائرية.

3 ـ أسباب اجتماعية: منها انتشار البذخ والترف عند طبقات معينة، نتيجة الثراء الفاحش، وتراجع القيم الدينية والأخلاقية حيث أهمل الخاصة والعامة الكثير من مبادئ الدين وسلوكه القويم، وقد حارب الصوفية هذا الانحراف، وقاوموا بكل السبل والطرق هذه الاختلالات، مما أدى إلى انتشار مذهبهم. ولا التفات إلى المحاولات الرامية إلى إرجاع انتشار التصوف بهذه البلاد تفسيرات بعيدة عن الحقيقة والمنطق والصواب مثل: ثأر البربر أو ثأر المرأة أو عبادة الأولياء كتواصل لبعض الطقوس البربرية القديمة. كما يذهب إلى ذلك ادموند دوتيه( )، وغولدزيهر، ومن دار في فلكهم.

وقد مر التصوف في الجزائر بمرحلتين أساسيتين هما:

ـ فترة التصوف النخبوي، وذلك خلال القرون السادس والسابع والثامن الهجرية: وهي الفترة التي بقي فيها التصوف يدرس في المدارس الخاصة، واقتصاره على طبقة معينة من المتعلمين، وعدم انتشاره بين الطبقات الشعبية، وبقائه في الحواضر الكبرى: تلمسان، بجاية، وهران...
ـ فترة التصوف الشعبي، أو ما تعرف بفترة الانتقال من التصوف الفكري إلى التصوف الشعبي، وقد وقع ذلك في القرن التاسع الهجري، وفيها انتقل التصوف من الجانب النظري إلى الجانب العملي، وهو الانتشار الكبير للزوايا والرباطات في الريف والمدن، وانضواء الآلاف من الناس تحت لوائه، والتركيز على الذكر والخلوة، وآداب الصحبة وما إليها من مظاهر التصوف الشعبي. وبفتح باب التصوف للعامة وأهل الريف، انتقل من النخبة إلى العامة، من المدينة إلى الريف، وظهرت الطرق الصوفية الكبرى وانتشرت في مختلف أرجاء القطر: كالقادرية، المدينية، الشاذلية...

العلاقة بين الصوفية والمجتمع:

اتخذ التصوف في الجزائر ـ كما في بقية دول العالم الإسلامي ـ منذ بداية ظهوره بها أبعادا اجتماعية، وذلك بسبب الظروف التي كانت تعيشها البلاد في تلك الفترة (ق7، 8، 9هـ) وانساق الناس ورائه لما وجدوا فيه من مساواة وعدل وإحساس بالوجود والأهمية، فقد كان شكلا من أشكال التعبير عن الغضب الشعبي والتمييز الطبقي بين طبقة الأغنياء والمترفين وطبقة الفقراء والمعدمين.
المتصوفة الأوائل كانوا بمثابة النخبة التي تمسكت باستقلاليتها الفكرية والدينية تجاه السلطة الحاكمة، لذلك وقع اضطهادهم من طرف الحكام، وقاومهم العلماء الرسميون، والمشهد نفسه يتكرر تقريبا في كل العصور والعهود، كما وقع مع أبي مدين الغوث أو ابن النحوي، الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري، أحمد التيجاني، محي الدين بن مصطفى الحسني... والقائمة طويلة.


ووقع الالتقاء بين المتصوفة والشعب، في مواجهة السلطة، تموقعوا في نفس الخندق، فرض عليهم الأمر فرضا، ووجدوا أنفسهم في نفس الجبهة، يقاومون الظلم والتعسف، والتمييز. وهو ربما ما يفسر لنا سر هذه العلاقة بين العامة أو الشعب والمتصوفة، قبل الوصول إلى مبدأ الكرامة وسلطة الأولياء على أفكار العامة وخيالهم.


وسعى الصوفية إلى حل مشاكل المجتمع واتحدا الاثنان في مواجهة السلطة، واتخذا نفس الموقع ونفس الجبهة، فقاموا بمواجهة الظلم والطغيان والفساد، وهو ربما ما يفسر لنا العلاقة بين العامة والصوفية، فاتحاد الهدف نابع من فكر الصوفية وعقيدتهم: العيال عيال الله.
وقد كان الصوفية على مر العصور رمز الوحدة مع المجتمع، والمطالبة علنا بحقوق الشعب ومصالحه، فقد كان الولي الصالح أبو إسحاق الخياط كثير الدخول على يغمراسن لقضاء حاجيات الخلق.


إن هذا التلاقي قد بدأ بشكل عفوي، دون سابق تحضير أو تنظيم أو استعداد، ونتج عنه الكثير من النتائج الهامة لعل من أبرزها، الانتشار السريع للتصوف بين مختلف الطبقات الشعبية، قيادة الشعب بعد انهيار الدولة، واستطاع المتصوفة توظيف هذه العلاقة في الدفاع عن مصالح الشعب، ولم تنقطع هذه الصلة بين المتصوفة والعامة إلى يومنا هذا، بحيث لا نزال نجد تأثيرهم قويا في المجتمعات العربية الإسلامية، بالرغم من هذا التطور الفكري والثقافي، والعولمة ودخول الأفكار الحديثة. وان بنسب متفاوتة بين منطقة وأخرى.
ومن هنا نستطيع أن نفهم: لماذا اختارت الفئات الواسعة من المجتمع الانضمام والانتماء إلى هذا الاتجاه الفكري، في حين كان حكامها يتخذون مذهبا آخرا ويعتنقونه. فكان الصوفي فردا من مجتمع الناس، يأكل ويتاجر ويتزوج كما يفعل الناس، لكنه في نفس الآن كان يمثل قدوة لهم ونموذجا يتطلعون إليه ويعلمون بمتابعة مسيرته بينهم.


حقيقة فيه بعض العناصر الصوفية من لجأ إلى الفلوات والمقابر زاهدا متعبدا متجردا، لكن هذا الكلام لا ينطبق على كل الصوفية بل هي حالات استثنائية خاصة، ثم إنهم يرون أنه عندما تدعو إليهم سيتخلون عن مجاهداتهم الخاصة وينتقلون إلى خدمة الصالح العام، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الأمير عبد القادر، الذي لبى داعي الجهاد وتخلى عن عزلته وتدريسه بزاوية والده الشيخ سيدي نحي الدين بوادي الحمام بالقرب من معسكر .

(يتبع)...

المصدر: موقع الشهاب للاعلام
تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي أحمد التيجاني الشريف الحسني






القطب المكتوم والبرزخ المحمدي المعلوم

الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد التيجاني الشريف الحسني

رضي الله عنه وعنا بحبه


نسبه الشريف رضي الله عنه :

هو شيخ الطريقة ، القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم الشريف العفيف أبو العباس يدي أحمد بن الولي الشهير والعالم الكبير الأمام القدوة النبوي الأتباع ، أبى

عبد الله ، سيدي محمد ، الملقب بابن عمر لشدته في دينه ، بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن أبى العبد بن سالم بن أحمد الملقب " بالعلواني " بن أحمد بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد الجبار بن إدريس بن اسحق بن على زين العابدين بن أحمد بن محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، من سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها بنت سيد الوجود وقبلة الشهود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( نقلا عن الإفادة الأحمدية ) .

النشأة والدراسة في بيئة مفعمة بالورع والصلاح :

ولد سيدي أحمد بن محمد التيجاني عام 1150هجرية الموافق 1737 ميلادية بقرية عين ماضي مقر أسلافه المتأخرين . إذ انتقل جده الرابع ، سيدي محمد

ابن سالم ، مع أسرته ، من أحواز مدينة أسفي بالمغرب الأقصى إلى بني توجين أو تيجانه ، وتزوج منهم وصار أولاده وأحفاده يعرفون بالتيجانيين . فهم أخواله رضي الله عنه ، غلبت إليه النسبة إليهم . أما نسبه الحقيقي فيرتفع إلى سيدي محمد النفس الركية بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب .

وكانت بلدة عين ماضي على قدر كبير من الأهمية العلمية ، ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزاً للمعرفة والولاية والصلاح منذ تأسيسها. وكان جل أفراد أسرة شيخنا ، الذين يشكلون إحدى مكونات هذه البلدة العلمية ، على مستوى رفيع من علمي الظاهر والباطن . وكان آباؤه وأجداده رضي الله عنهم من خيرة العلماء ولهم قدم راسخ في الولاية كجدية سيدي العلامة أحمد بن محمد ، و سيدي الشيخ الولي المكين محمد بن سالم , الذي وفد أولا إلى عين ماضي واتخذها موطنا وتزوج من أهلها . وكان أبوه عالماً ورعاً متبعاً للسنة مدرساً ذاكراً متعلقاً بالله ولا تأخذه فيه لومة لائم . وكان له بيت في داره ، لا يدخله أحد إلا لذكر الله .

نشأ رضي الله عنه ، بين أبويه الصالحين نشأة صالحة يؤدبانه ويلقنانه ويربيانه تربية أمثالهما من أهل البصائر . وكان حيثما يتحرك سيدي أحمد التيجاني داخل هذه البلدة يجد نفسه بين أهل العلم والمعرفة وفي رعاية الفقهاء والصلحاء. وإذا خرج إلى المسجد والزاوية صار في رحاب أساتذة وعلماء مجندين لتلقين تلامذتهم ما يفيد ويقرب إلى الله من العلوم الإسلامية . فتربى سيدي أحمد التيجاني في عفاف وصيانة وتقى وديانة ، أبي النفس عالي الهمة زكى الأخلاق محروساً بالعناية محفوفاً بالرعاية . فكان رضي الله عنه لا يعرف ما الناس فيه من العوائد وما نشؤوا عليه من الزوائد . وكان رضي الله عنه ماضي العزم شديد الحزم في أموره كلها . وكان إذا ابتدأ شيئاً لا يرجع عنه . وما شرع في أمر قط إلا أتمه . تجنح همته إلى معالي الأمور ولا يرضى بسفاسفها .

في ظل هذه الرعاية النموذجية وفى أحضان هذه الأسرة المحبة للعلم والصلاح نشأ سيدي أحمد التيجاني كريم الأخلاق مقبلا على الجد والاجتهاد متمسكاً بالدين وسنة المهتدين معظماً عند الخاصة والعامة . وفى ظل هذه الظروف المطبوعة بالعناية المتميزة حفظ القرآن حفظاً جيداً وهو ابن سبع سنوات ، من رواية الإمام ورش تلميذ الإمام نافع ، على يد الفقيه العلامة المقرئ سيدي محمد بن حمو التيجاني الماضوى الذي تتلمذ بدوره في حفظ القرآن وقراءته على شيخه العارف بالله سيدي عيسى بوعكاز الماضوى التيجاني . وكان رجلاً صالحاً مشهوراً بالولاية . وبعد بت القرآن إشتغل سيدي أحمد التيجاني بطلب العلوم الأصولية والفرعية والأدبية حتى رأس فيها وأدرك أسرار معانيها , يستوي عنده في اهتمامه المنقول والمعقول . واستمر في طلب العلم ببلاده حتى بلغ مرتبة أهلته للتدريس والإفتاء قبل أن يرحل رحلته الأولى إلى فاس . ثم ما لبث ، وهو في عين ماضي ، أن مال إلى الزهد والانعزال والتأمل ، وحبب إليه التعبد وقيام الليل حتى إذا بلغ سن الرشد زوجه والده من غير تراخ اعتناءً بشأنه وحفظاً وصوناً لأمره ، ومراعاة للسنة . وصار رضي الله عنه ، يدل على الله وينصح عباده وينصر سنة رسوله ويحيى أمور الدين وقلوب المؤمنين ، وصار يضرب المثل به وبداره في إحياء السنة وأتباع المحجة البيضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . وحق له أن يسمى محيى الدين ومجدد ما أندرس واضمحل من إيمان المسلمين .

ولعل هذه المؤهلات هي التي جعلت سكان بلدة عين ماضي يوافقون بالإجماع على خلافة والده في رئاسة الزاوية رغم صغر سنه الذي كان يبلغ آنذاك ستة عشرة سنة . وهى المهمة التي مارس خلالها لمدة خمس سنوات تدريس القرآن والسنة وعلوم إسلامية أخرى .

رحلته الأولى إلى فاس ، رضي الله عنه ، وخروجه إلى الصحراء :

لم يكتف سيدي أحمد التيجاني بالرصيد الفقهي والصوفي الذي حصل عليه بمسقط رأسه في المغرب الأوسط ، فشد الرحال إلى مدينة فاس سنة 1171هجرية الموافق 1758ميلادية . وفاس هي المدينة الإدريسية ذات الأهمية العلمية والقداسة والرمز التاريخي والشحنة الروحية القوية . غادر سيدي أحمد التيجاني عين ماضي ، في أول رحلة له إلى مدينة فاس وهو في بداية عقده الثالث . وخلال المدة التي قضاها بها كان يحضر مجالس العلم ويحاور ويساجل كبار علماءها . إلا أن اهتمامه كان يبدو منصبا على الجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر ، يشهد على ذلك نوعية الأشخاص الذين التقى بهم وشد الرحال إليهم داخل المدينة وخارجها :




* التقى في مدينة وزان بالعارف بالله الولي الكبير مولانا الطيب بن سيدي محمد بن مولاي عبد عنه . بن إبراهيم اليملحي ، العلمي الوزاني ، القائم آنذاك بأمور الطريقة بالزاوية الوزانية ، خلفا لأخيه الشيخ مولانا التهامي الوزاني . وقد كان مولانا الطيب رضي الله عنه ذائع الصيت ، تشد إليه الرحال . أذن له مولاي الطيب في تلقين ورده لكن امتنع سيدي أحمد التيجاني لاشتغاله بنفسه رضي الله عنه .

* وفي جبل الزبيب ببني وانجل ، تعرف على العارف بالله سيدي محمد بن الحسن الوانجلي . قال لسيدي أحمد التيجاني ، لما ورد عليه وقبل أن يكلمه ، أنك ستدرك مقام القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي ، وأشار إليه بالرجوع إلى بلده . واكتفى سيدي أحمد التيجاني بالتبرك به دون الأخذ عنه.

* التقى بمدينة فاس الولي الصالح سيدي عبد الله بن سيدي العربي بن أحمد بن محمد المعني الأندلسي من أولاد معن ، وتكلم معه في عدة أمور ودعا له ثلاثا بأن يأخذ الله بيده .

* أخذ الطريقة الناصرية على الولي الصالح أبى عبد الله سيدي محمد بن عبد الله التزانى ، ثم تركها بعد حين .

* أخذ الطريقة ، الصديقية المنسوبة للقطب الشهير آبي العباس سيدي أحمد الحبيب بن محمد الملقب بالغماري السجلماسي الصديقي ، على يد من له الإذن فيها ، ثم تركها بعد حين .

* أخذ عن الولي الصالح الملامتي سيدي أحمد الطواش ، نزيل تازة . فلقنه اسما وطلب منه لزوم الخلوة والوحدة مع الذكر والصبر حتى يفتح الله عليه ، وأخبره بأنه سينال مقاماً عظيماً ، فلم يساعده سيدنا على ذلك . فطلب منه أن يذكره من غير خلوة ، فذكره سيدي أحمد التيجاني مدة يسيرة ثم تركها .

* أخذ الطريقة القادرية بفاس ممن كان له الإذن في ذلك، إلا أن سيدي أحمد التيجاني ما لبث أن تخلى عنها .


هذه باختصار شديد هي حصيلة اللقاءات والاتصالات التي أجراها سيدي أحمد التيجاني خلال رحلاته المذكورة إلى فاس ونواحيها في المجالين العلمي والروحي قبل العودة إلى الصحراء .

انتقل سيدي أحمد التيجاني إلى بلد الأبيض في ناحية الصحراء حيث زاوية الشيخ الصديقي الشهير سيدي عبد القادر بن محمد الأبيض المعروف بسيدي الشيخ . فاختارها منزلاً وقراراً وانقطع فيها للعبادة والتدريس والإفادة لمدة خمس سنوات ، من أوائل سنة 1181 هجرية . جرد نفسه فيها من العلائق وقطعها عن العوائق وجمع نفسه على الذكر وإعمال الفكر حتى لاحت عليه مبادئ الفتح و بوارقه . وكانت تأتيه الوفود للزيارة والأخذ عنه ، فكان يمتنع عن ذلك كل الامتناع ويقول كلنا واحد في الانتفاع ، فلا فضل لأحد على الآخر في دعوة المشيخة إلا سوء الابتداع . وقد زار خلال هذه المدة بلدة عين ماضي مسقط رأسه ودار آبائه وأجداده .

حجه رضي الله عنه ، وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم :

ومن زاوية الشيخ بالصحراء ارتحل سيدي أحمد التيجاني إلى تلمسان ، مدينة الجدار ، ثم غادرها عام 1186 هجرية الموافق 1772 ميلادية ، قاصداً زيارة بيت الله الحرام وقبر نبيه عليه الصلاة و السلام . فلما وصل إلى بلاد زواوة ، أو ازواوى ، سمع بالشيخ الإمام سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري ، ذا الصيت الواسع . فزاره وأخذ عنه الطريقة الخلوتية. ولما وصل تونس ، في نفس السنة ، لقي بعض الأولياء بها ، منهم الولي الشهير سيدي عبد الصمد الرحوي . وقد أخبره شيخ هذا الولي ، من خلال رسول خاص ، بأنه محبوب . مكث سيدي أحمد التيجاني سنة ، ما بين مدينة تونس العاصمة ومدينة سوسة ، فأفتى بها وأجاب على كثير من الأسئلة ، ودرس عدة علوم وكتب ، في مقدمتها كتاب الحكم . فذاع صيته وبلغ خبره إلى أمير البلاد . فطلب منه الإقامة بالديار التونسية للتدريس والإفادة من علومه ، وأعطاه داراً وخصص له أجرة مهمة للعمل . غير أن سيدي أحمد التيجاني، الذي كان وجدانه مشدودا إلى ما هو أطهر وأسمى ، لما جاءه كتاب الأمير أمسكه وسكت وتهيأ من الغد للسفر بحراً لمصر . وبمجرد وصوله إلى مصر القاهرة ، بحراً التقى بشيخها الأكبر ، في ذلك الوقت ، سيدي محمد الكردي المصري داراً وقراراً العراقي أصلاً ومنشأ ، وجرت بينهما مذاكرات . فسأله الشيخ الكردي ، بعد أيام عن مطلبه ، فأجابه سيدي أحمد التيجاني بأن مطلبه هو الحصول على القطبانية العظمى . فقال له لك أكثر منها .

ومن مصر توجه إلى بيت الله الحرام . وكان وصوله إلى مكة في شهر شوال عام 1773م الموافق 1187 هجرية . فسمع بها بالشيخ أبي العباس سيدي أحمد بن عبد الله الهندي ، الذي لم يكن له إذناً بملاقاة أحد . ورغم ذلك أخذ عنه سيدي أحمد التيجاني علوماً وأسراراً ، بواسطة رسول خاص ، من غير ملاقاته . وأخبره بما سيؤول إليه أمره وبشّره بأنه سيرث أسراره ومواهبه وأنواره . وقبل موته في عشرين ذي الحجة عام 1187 هجرية أعطى سيدي أحمد التيجاني سراً كبيراً ، وأمره أن يذكره سبعة أيام ويعتزل الناس ليفتح الله عليه ، لكن سيدي أحمد التيجاني لم يعمل بذلك . وقد أخبره أيضا بأنه سيلتقي بالقطب السمان بالمدينة المنورة ، وبشره أيضا بأنه سيبلغ مقام أبى الحسن الشاذلي ، كما سبق أن أخبره بذلك سيدي محمد بن الحسن الوانجلي المتقدم ذكره . وبعد أن أكمل شعائر الحج وزيارة قبر جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، توجه إلى لقاء سيدي محمد بن عبد الكريم السمان . وخلال هذا اللقاء طلب من سيدي أحمد التيجاني أن يدخل الخلوة عنده لمدة ثلاثة أيام فتعلل له سيدي أحمد التيجاني لعذر قام به . وأذن له الشيخ السمان في جميع الأسماء وأخبره بأنه هو القطب الجامع ، وبشّره بنيل المرام والحصول على الأذن المطلق العام .

العودة من المشرق إلى المغرب والرحلة الثانية إلى فاس :

عاد إلى القاهرة مع ركب الحجيج . وبمجرد وصوله ذهب لزيارة الشيخ الكردي والسلام عليه تأدبا . فرحب به وطلب منه أن يعود لزيارته كل يوم . فامتثل لرغبته . وتطور هذا اللقاء اليومي بينهما إلى جلسات علمية ومناظرات . فكان الكثير من الحاضرين يطرحون خلالها ما أشكل عليهم من المسائل والقضايا ، فكان يجيب عليها بكل كفاءة واقتدار . فذاع صيته بمصر ، ووفد عليه الكثير من العلماء للاستفادة من علومه الغزيرة . ثم أذن له الشيخ محمد الكردي في الطريقة الخلوتية والتربية الروحية ، فامتنع سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه . فقال له لقن الناس والضمان علي . فقال له نعم فكتب له الإجازة وسند الطريق .




عاد إلى تونس ، ولم يمكث بها طويلا ، وارتحل إلى تلمسان عام 1188هجرية الموافق 1774 ميلادية . فقضى فيها حوالي ثلاث سنوات في العبادة والمجاهدة والدلالة على الله . وفي سنة في 1191هجرية الموافق 1777 ميلادية عاد سيدي أحمد التيجاني ثانية من تلمسان إلى فاس ، قاصداً زيارة مولاي إدريس الأزهر . والتقى في هذه الرحلة بكاتبه وخازن أسراره سيدي محمد بن المشرى الحسنى السباعي السائحي التكرتى الدار . ومنذ التقائه به صار يؤم به الصلاة وبأهله ، ويقوم مقامه في كتابة الأجوبة حتى سنة 1208 هجرية ، الموافق 1794 ميلادية ، وهي السنة التي بدأ فيها سيدي أحمد التيجاني القيام بالإمامة بنفسه امتثالاً لأمر جدة عليه الصلاة والسلام . وفى مدينة وجدة وهو قافلا إلى فاس التقى بسيدي علي حرازم برادة الفاسي لأول مرة ، فتوجها معا إلى مدينة فاس . قال سيدي على حرازم برادة عن هذا اللقاء " كنت قد رأيت قبل هذا الوقت بعامين رؤيا تدل على صحبته والأخذ عنه . فبعد يومين أو ثلاثة تعرف إلي وذكر لي هذه الرؤيا بعينها وقد كنت نسيتها ". خلال هذا اللقاء لقنه الطريقة الخلوتية وأسراراً وعلوماً وأخبره بما يؤول إليه أمره من الفتح والتمكين . وبذلك يكون سيدي أحمد التيجاني قد لقن هذه الطريقة أول ما لقنها لسيدي محمد بن المشرى وعلي حرازم برادة . وقد كانا عند حسن ظنه للتفاني الذي أظهراه في خدمة انتشار تعاليم الطريقة . وبعد زيارة ضريح مولاي إدريس أخبر خليفته علي حرازم برادة بأنه عازم على العودة إلى تلمسان ، فودع خليفته في نفس السنة التي وصل فيها إلى فاس وطلب منه ملازمة العهد والمحبة وصدق التوجه الله .

مكث سيدي أحمد التيجاني في تلمسان مدة ثم غادرها إلى قصر الشلالة وأبي سمغون، حيث ضريح الولي الصالح الذي سمي القصر باسمه .

إدراك الولاية والقطبانية بأبي سمغون بفضل العناية المحمدية :

حل سيدي أحمد التيجاني بقصر أبي سمغون سنة الموافق 1196 هجرية 1781 ميلادية وبه حصل له الفتح الأكبر والولاية العظمى التي صبر وصابر من أجل الوصول إليها . ويلاحظ أنه قبل حصول هذا الفتح تغيب عن قرية أبي سمغون مرتين لفترتين قصيرتين . فقد توجه في المرة الأولى إلى توات لزيارة العارف بالله سيدي محمد بن الفضيل ، وهو من أهل تكورارين في توات الغربية . فأخذ كل واحد منهما عن الآخر بعض أسرار الطريق . أما في المرة الثانية فقد توجه إلى مدينة تازة . وبها التقى بصاحبه وتلميذه العارف بالله سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي ، الذي كان يقوم بدور الوساطة في الأجوبة التي كان ينقلها له من الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر . إذ أنه عندما كان يجتمع به لم يكن يقوى على سؤاله مباشرة ، تأدبا مع الحضرة الشريفة .

حصل لسيدي أحمد التيجاني الفتح الأكبر بأبي سمغون منذ السنة الأولى التي أقام بها بعد رحيله من تلمسان عام 1196هجرية . فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقظة لا مناماً ، بتربية الخلق على العموم والإطلاق ، بعد أن كان فاراً منهم . وعين له الورد الذي يلقنه ، وهو مئة من الاستغفار و مئة من الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم . وأذن له صلى الله عليه وسلم بتلقينه لكل من رغب فيه من المسلمين والمسلمات ، بعد تحديد الشروط والتزام المريد بها . وفي رأس المئة عام 1200 هجرية كمل له صلى الله عليه وسلم في الورد اللازم مئة من الكلمة المشرفة

لا إله إلا الله .





وأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه مربية وكافلة ، وأنه لا يصله شيء من الله إلا على يديه وبواسطته ، ولا منة لأحد من شيوخ الطرق عليه " فأنا واسطتك وممدك على التحقيق... فاترك عنك جميع ما أخذت من جميع الطرق والزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة واترك عنك جميع الأولياء ". وعملا بهذا الأمر المحمدي ترك سيدي أحمد التيجاني جميع الطرق ولم يعد يطلب أي شئ من الأولياء . وهذا يدل على أهمية مرتبة الشيخ التيجاني عند الله ورسوله كما أخبره بذلك سيد الوجود ، لأن فتحه ووصوله كان على يديه صلى الله عليه وسلم . ومن كان فتحه ووصوله على يديه كان أرفع قدراً وأعظم شأناً ، كما هو معلوم عند أهل الطرق . ومنذ وقوع هذا الفتح والفيض بدأ يتكاثر على شيخنا ورود الأنوار والأسرار والترقيات في أبي سمغون والشلالة . وما أن اشتهر أمره وذاع خبره بين الناس حتى شرعت تتوافد عليه أعداد كثيرة من الخلق بغية الأخذ عنه والانتماء إليه والاستزادة مما كان يمدهم به في الحس والمعنى .

ثم انتقل من أبى سمغون , من بلاد الصحراء ، في السابع عشر من ربيع الأول سنة 1213 هجرية ، ودخل فاس في السادس من ربيع الثاني في العام نفسه . وبعد أن ركز سيدي أحمد التيجاني أسس الزاوية استمر في نشر الطريقة والإذن في الأوراد . فانطلقت الطريقة التيجانية لتعم المغرب الأقصى بكاملها والصحراء والسودان الغربي . وقد برز سيدي أحمد التيجاني شيخاً عارفاً بالله كرس حياته للتربية الروحية والأخذ بيد السالكين لترقيتهم إلى أعلى درجات القرب ، خصوصاً بعد هجرته إلى فاس للإقامة بها بصفة نهائية إلى لقي ربه في صبح يوم الخميس السابع عشر من شوال سنة 1230 هجرية ، وله يومئذ ثمانون سنة ، ودفن في فاس ، رضي الله عنه وأرضاه .

لقد جمع إمامنا التيجاني بين علو الهمة وحفظ الحرمة ونفوذ العزم ، عمل في بدايته على تصحيح التوبة بشروطها ، وحفظ الشريعة وحدودها . ونفى أرادته وقطع عن نفسه الحظوظ والعلائق ، وانقطع إلى الله بمراعاة حقه ، فانكشفت له الحقائق . عمل على نفى الرخص والتأولات ، وشمر عن ساعد الجد ، وكف نفسه عما لا يعنيه ، وتمسك بالكتاب والسنة وما درج عليه سالف الأمة ، وتوجه بكليته إلى مولاه ، فكفاه عما سواه . أسس بنيانه أولا باشتغاله بعلم الحديث والقرآن ، وتبحر في غرائب العلوم ودقائق الفهوم .

كان الشيخ رضي الله عنه من أعظم الأئمة في من أجمع العلماء على تعظيمه وتوقيره واحترامه من غير مدافع ولا منازع من أرباب الصدق ، وإليه انتهت رئاسة هذا الشأن في تربية السالكين وتهذيب المريدين . ولم يكن أحد قد بلغ ما بلغ . فهو رضي الله عنه شريف الخلاق ، لطيف الصفات ، كامل الأدب ، جليل القدر ، وافر العقل ، دائم البشر ، مخفوض الجناح ، كثير التواضع ، شديد الحياء ، متبع أحكام الشرع وآداب السنة ، محباً لأهل الصلاح والفضل ، مكرما لأرباب العلم .

سئل رضي الله عنه أيكذب عليك قال : نعم ؛ إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه .

من نصائح سيدي أحمد لحافظ القرآن : أقل ما يجزئ حافظ القرآن في كل يوم حزبان .
تكملة الموضوع

ترجمة سيدي الأخضر بن خلوف من أعلام مستغانم


سيدي الأخضر بن خلوف من أعلام مستغانم

مقدمة وتعريف

ركب الولي الصالح لخضر بن خلوف عادة قديمة وثقافة عريقة ضاربة بجذورها في أعماق سكان مستغانم بالغرب الجزائري مع كل ما يتطلبه ذلك من قيم دينية وروحية، فالامر يتعلق برمز ليس كبقية الرموز، له علاقة بعادات وتقاليد ورؤي وعقليات أهالي الظهرة يهدف إلي تخليد مآثر أحد أشهر أعلام المنطقة والمغرب العربي.
ويبدأ الركب بتجمع العديد من الناس يتقدمهم أحفاد الولي الصالح في مكان يعرف بحي تحديت ويتجهون إلي زاوية سيدي بلقايم ثم سيدي تغنيف واخيرا سيدي لخضر حيث يوجد ضريح لخضر بن خلوف.
وأول ما يتراءي للسائرين لحظة وصولهم إلي مقام لخضر بن خلوف نخلته الشهيرة التي تطل من الضريح، حيث أوصي بأن يدفن بالقرب منها وقد ذكر ذلك في أحد قصائده "النخلة المثبتة من بعد اليبوس حذاها يكون قبري يا مسلمين". وقد اقترن وجود هذه النخلة بمادح الرسول (صلي الله عليه وسلم)، حيث امتد جذعها كالحارس الأمين والأبدي لضريح الولي الصالح- وقد تعرضت إلي القطع خلال السنوات الأخيرة، لكنها سرعان ما عاودت الظهور ونمت من جديد.
بعد الوصول إلي المقام يجتمع أتباع هذا الولي في حلقات ذكر يتلون كتاب الله، ويتذكرون مناقب هذا الرجل الصالح الذي جمع بين الدين والدنيا، بين التصوف والجهاد، وتختتم السهرة بإحياء بوصلات غناء شعبي مستمد من الديوان الشعري للولي الصالح. واللافت في هذا الصدد أنّ القائمين علي ركبة لخضر بن خلوف أشد حرصا علي تنظيم حفلة غنائية لاشهر قصائده، يختتمها عادة المطرب معزوز بوعجاج بقصيدة الوفاة. فديوان شعر لخضر بن خلوف شكّل علي مر العصور مصدر إلهام لعشرات مطربي الغناء الشعبي في الجزائر، يمكن أن نذكر منهم قطب الاغنية الشعبية (المدرسة العاصمية) محمد العنقي، والهاشمي قروابي، وعمار الزاهي، وبوجمعة العنقيس.
كما تنظم في هذه المناسبة تنظيم ندوات ومحاضرات يشارك فيها أساتذة الجامعات وباحثون مهتمون بالتراث الشعبي وبسيرة الاولياء الصالحين في الجزائر، وهي فرصة بالنسبة لأبناء المنطقة والاجانب والجالية المقيمة بالمهجر لاكتشاف مناقب ومآثر هؤلاء.
وحسب المتخصص في شؤون التصوف والمتصوفة سعيد جاب الخير، فقد كان للطرق الصوفية تأثير كبير علي الثقافة الشعبية والفنون في الجزائر والمغرب العربي، مضيفا أن المرجعيات الصوفية من الزهاد والعارفين وشيوخ الطرق، توسلت منذ وقت مبكر بالفنون والثقافة الشعبية لتقوم بوظيفتها في نشر وتجذير خطابها الديني والروحي والاجتماعي وحتي السياسي أحيانًا في صفوف الفقراء الذين شكلوا، برأيه، الخزّان الذي لا ينضب والمحرّك الأقوي لدواليب الحركة الصوفية من خلال تركيز شيوخ الطرق عليها والتصاقهم بها في اليومي المعيش وحتّي في الشعار الذي اختاروه لأنفسهم وتسموا به (الفقراء). واستشهد الباحث بعمق التأثير الصوفي في الفنون والثقافة الشعبية الجزائرية، حيث لا يزال الجزائريون إلي يومنا هذا يستعملون في لغتهم العامية كلمات وتعابير من أمثال (بابانا، بابا سيدنا، مول الزمان، مول الساعة، مول السر، مول الحال، الوالي، القبة، الديوان، الحضرة، القناوية..الخ).
ولد لخضر بن خلوف، واسمه الحقيقي أبومحمد لكحل بن عبد الله بن خلوف المغراوي من اشهر وكبر الاولياء الصالحين في الجزائر، في حدود سنة 899 هجرية (1479 ميلادية) وتوفي في سنة 1024 هجرية الموافق ل(1585 ميلادية)، وبالتالي فقد عاش كل القرن التاسع الهجري مثلما أكده هوفي احدي قصائده، ما يعني أنه كان شاهدا علي واقعة مزغران.
ينحدر هذا الولي الصالح من قبيلة الزعافرية، عاش 125 سنة وستة أشهر، قضي الجزء الاكبر منها في بلدة مزغران، ويعتبر أحد حراس مدينة مستغانم السبعة، وهومحبوب في كل منطقة المغرب العربي بفضل اشعاره التي تخطت شهرتها حدود مسقط رأسه بل وكل الجزائر.
تزوج بن خلوف امرأة تدعي "غنو" وهي ابنة الولي الصالح سيدي عفيف شقيق سيدي يعقوب الشريف المدفون بغرب مدينة سيدي علي. وقد رزق منها ببنت اسمها حفصة، وأربعة ذكور هم (احمد، محمد، أبا القاسم، الحبيب) وهي كلها اسماء النبي عليه الصلاة والسلام، أما ابنته فاسمها حفصة.
وسمي لخضر بدلا من اسمه الاكحل، وذلك راجع إلي سنة حميدة للنبي صلي الله عليه وسلم، تقضي باتباع الفال الحسن، فالأكحل معناه الاسود ويرمز إلي الجحيم، عكس لخضر الذي هو لون الإسلام والسلام.
لم يكن بن خلوف متصوفا وحسب، لقد جاهد في صفوف جيش حسن باشا ابن خير الدّين بابا عروج في معركة مزغران الشهيرة التي وقعت في الثاني من ذوالقعدة الموافق ل22 أغسطس 1558 ميلادية. ففي هذه المعركة قضي الكونت الاسباني ألكودات وشهدت هزيمة الجيش الملكي. وقد وصف بن خلوف في إحدي قصائده الشهيرة معركة مزغران وصفا دقيقا، وشبهها بغزوة بدر الكبري.
وووفقا للروايات التاريخية فقد انطلقت الحملة الإسبانية من وهران (عاصمة الغرب الجزائري) بقيادة الكونت دالكوديت الذي جر وراءه جيشا مدججا بالأسلحة والمدفعية قوامه 12 ألف جندي، بالإضافة إلي سفن حربية راسية بخليج ارزيوتراقب الوضع عن قرب لتأمين الشريط الساحلي ولتزويد العساكر بالذخيرة والمؤن، قبل أن تعترضها السفن الجزائرية، وبعد مقاومة قصيرة استسلمت سفن الغزاة فكانت الهزيمة والغنيمة مما حفز وشجع المجاهدين الجزائريين، ونزل ذلك كالصاعقة علي الإسبان فانهارت معنوياتهم قبل الدخول في المعركة.
وحسب ما رواه مؤرخون لالراية فقد كانت معركة مزغران سباقا ضد الساعة، فالقوات الإسبانية حاولت التحرك والتقدم بسرعة لاحتلال مستغانم، والتمركز بها، قبل وصول المجاهدين الجزائريين، ووصلت فعلا إلي أبواب المدينة يوم 22 أوت 1558 فاصطدمت بمقاومة شعبية نظمها الأهالي بمشاركة المتطوعين الذين قدموا من المناطق المجاورة، وأسفرت عن وقوع خسائر فادحة في صفوف الطرفين.
ويضيف هؤلاء أنّ كفة المعركة تؤول لصالح الإسبان، غير أنّ وصول المجاهدين الجزائريين ساحة المعركة ودخولهم في مواجهة حامية انتهت بإحكامهم السيطرة علي مشارف المدينة ومداخلها، فتمكنوا من إلحاق خسائر فادحة بصفوف العدوالذي تراجع وتقهقر إلي الوراء واستحال عليه اقتحام أسوار مستغانم.
وفي صبيحة يوم 24 أغسطس تشتت صفوف الجيش الاسباني وضاق عليها الخناق ودارت رحي المعركة التي شارك فيها البحارة المجاهدون بعد أن تركوا سفنهم فما كان من الإسبان سوي الفرار باحثين عن مخرج، غير أن المجاهدين طاردوهم إلي مزغران فقتل الكونت دالكوديت الذي داسته الأقدام ولم يتم التعرف عليه إلا بعد انتهاء المعركة في 26 أغسطس 1558، كما أسر ابنه دون مارتن بعد أن بلغ عدد القتلي والأسري 12 ألف.
كتب بن خلوف المئات من الابيات والقصائد، حكي في بعض منها مغامراته وحياته، لكنه خصص الجزء الاكبر منها لمدح سيد الانام عليه الصلاة والسلام، وعرف بمادح النبي صلي الله عليه وسلم. لقد جعل بن خلوف الشعر الشعبي أوما يعرف بالشعر الملحون في متناول الجميع، كما عرّف بكبار شيوخ هذا الفن من أمثال المغراوي، المجدوب، النجار، سيدي معمر وغيرهم كثير. فهوأحد الحراس السبعة لمدينة مستغانم.
واللافت أنّ شعر الولي الصالح لخضر بن خلوف بسهولته وحسن سبكه ورقّة الألفاظ وخفّة الأوزان ممّا اكسبه شهرة كبيرةً وانتشارّا واسعا. وفي هذا الصدد، يشير كتاب " سيدي لخضر بن خلوف حياته وقصائده" الصادر حديثا عن دار الغرب للنشر، أنّ إنتاج سيدي لخضر بن خلوف الشعري تأثر بنزعته الصوفية، فانقطع إلي مدح النبيّ صلّي الله عليه وسلم ولم يخرج عن ذلك إلاّ في قصيدة قصّة مزغران التي طرق فيها فن الحماسة تلك المعركة الشهيرة التي انتصرت فيها القوات الجزائرية ضد القوات الاسبانية وذلك يوم 28 أوت 1558م .
وتذكر بعض الروايات أنّ الوالي الصالح سيدي بومدين الشعيب كان له عظيم الاثر في نزعة لخضر بن خلوف الصوفية، وتوجيه ملكته الشعرية نحومدح النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يؤكد أنه رأه في المنام 99 مرة.
غير أنّ رواية أخري تقول إنّ ابن خلوف وبومدين شعيب لم يلتقيا جسديا بل التقيا في عالم الاوراح، باعتبار أنه عاش في القرن السادس عشر والثاني عاش في القرن الثامن الميلادي.
وكان بن خلوف، وفقا للروايات التاريخية، كثيرا ما يقف علي شاطئ البحر المتوسط متأملا في امواجه وزرقة مياهه، معترفا أن هذا البحر هو بحرهم أي الروم، ملقيا ببصره غربا تجاه المحيط الأطلسي الذي كان يسمي بحر الظلمات، متأملا في ملكوت الله، زاهدا في هذه الدنيا، قائلا :

قدر ما في بحر الظلام
من هوايش وحيتان بلا قدر عايشين
مع الموجات بلا زمام
وعدد الرملة والأحجار اللي كاينين
ومن بين أشهر قصائده
قصيدة بعنوان : قدر ما في بحر الظلام التي يقول فيها
قدر ما في بحر الظلام
من هوايش وحيتان بلا قدر عايشين
مع الموجات بلا زمام
وعدد الرملة والأحجار اللي كاينين
وقصيدة الصلاة والسلام التي يقول فيها
صلي الله علي صاحب المقام الرفيع
والسلام علي الطاهر الحبيب الشفيع
قدر الداعي والمدعي ومن هوسميع
قدر الشاري في السوق ومن جا يبيع
قدر الطايع للحق راه في أمره سميع
قدر ما قبضت اليد الكافلة بالجميع
قدر الحلفة والدوم والزرع والربيع
وقصيدة أخري في مدح النبي صلي الله عليه وسلم بعنوان
اختارك الواحد الأحد، يقول فيها
اختارك الواحد الأحد
سبحانه الجليل الفرد الصمد
لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد
أنت العزيز يا محمد
ما أعز منك إلا رب العباد
سعدي بسيدنا محمد
أنت العزيز يا معزوزي
عزك بالدوام رب العزة
سماك علي الرسل افروزي
نطفة من النعيم مفروزة
الأبيات من مديحك تجزي
والخير الكل من يجزا
مشغوف بك ماني رايد
سوي الجليل وأنت نعم المراد
زعزعتها وزير وقايد
نمدح النبي علي رؤوس الأشهاد
سعدي بسيدنا محمد

من كرامات هذا الولي الصلح شاهدهذه النخلة العجيبة التي خرجت من قبر ه.



قصيدة الأمانة

يقول لخضر بن خلوف في هذه القصيدة:

آه يا سعدي وفرحتي بهذا الملقي فيها شلا نصيب من نعايم الأسرار
كنت علي كل يوم تاخذني ضيقة مكاوية منورة بنور الأسرار
حتي جاد الإلاه من له البقا نعم عليا بصورة إمام الجدار
شديت علي عمامتي وركبت مهري سريع ساري للفتنة
وطلعت جبال عزالتي سيفي في يدي مشهره عز الشطنة
الاحد والاثنين والثلاثا والاربعا وانا بين الاجبال سايح طول الليل
عيني علي العاشقين سخفت بالدمعة تري الافضال من الغيوب جيل بجيل
دخلت تلمسان بنهار الجمعة في جبل حنيف بت ساجد طول الليل
غير انايا وسبحتي طلع عليا الصبح واديت السنة
لا حالة كيف حالتي تفكرت اصحاب قانتي في مزغنة
يوم الجمعة طلعت ساري للعباد ثما نادي وهب لي بومكحلة
نصيب مغارة مجاورة سيدي عباد وكفيت علي السجود ما لاح للقبلة
ونظرت خيال جاي يفرفد كالفرفاد يا محسنه بزين مكمول الطولة
ومكنت له بريتي منين فراها انا وإياه تسالمنا
وعجباته جماعتي قضيت منه مسايلي وتعاهدنا
بتنا متذاكرين الليل وما طال علي دين النبي أحمد طه المبرور
قال أنا بومدين أصلي من الأفضال في الأندلس همتي فيها مذكور
قلت أنا بن خلوف مداح المرسال هاويني بالحديث يا مصباح النور
كي ينظر في صيفتي يوجدها نحيلة سقيمة من الامحانا
من فراق اولادي وغربتي بعد كمال الحديث هب لي اليد اليمني
بعد كمال الحديث قالي يا لكحل خوذ الأمانة وسير بها بإذن الله
مية وعشرين شيخ من والي كامل طبعولك بالنصيف ها الكاغط اقراه
وتمم الختمة الشفيع المفضل سقاك بالسر الزمزمي رسول الله
اديت منه أمانتي وثنيت علي الرحول بعدما تعاهدنا
وشديت اطراف ناقتي مع بومدين بكيت يوم تفارفنا.


والحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد، سيد الوجود، وفيض المدد والجود، ورضي الله عن الخاصة من هذه الأمة السابقين منهم واللاحقين...
تكملة الموضوع

ترجمة سيدي الشيخ محمد الهاشمي التلمساني رحمه الله تعالى




ولادته رحمه الله تعالى :

ولد سماحة الأستاذ المرشد الكبير سيدي محمد بن الهاشمي قدس الله روحه من أبوين صالحين، كلاهما من آل بيت النبوة، يرجع نسبهما إِلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، يوم السبت 22 شوال 1298هـ في مدينة سبدو التابعة لمدينة تلمسان، وهي من أشهر المدن الجزائرية. وكان والده من علمائها وقاضياً فيها، فلما توفي ترك أولاداً صغاراً، والشيخ أكبرهم سناً.
بقي الشيخ مدة من الزمن ملازماً للعلماء، قد انتظم في سلكهم جاداً في الازدياد من العلم، ثم هاجر مع شيخه محمد بن يَلِّس إِلى بلاد الشام فاراً من ظلم الاستعمار الإِفرنسي، الذي منع الشعب الجزائري من حضور حلقات العلماء وتوجيههم. وكانت هجرتهما في 20 رمضان سنة 1329هـ عن طريق طنجة ومرسيليا، متوجهين إِلى بلاد الشام. فمكثا في دمشق أياماً قلائل، وعمِلَتْ الحكومة التركية آنذاك على تفريق جميع المغاربة الجزائريين، وكان نصيبه رحمه الله تعالى أن ذهب إِلى تركيا وأقام في أضنة، وبقي شيخه ابن يَلِّس في دمشق. وعاد بعد سنتين إِلى دمشق ؛ فالتقى بشيخه ابن يَلِّس وَصَحبه ولازَمه.

وفي بلاد الشام تابع أخذ العلم عن أكابر علمائها. ومن أشهرهم المحدِّث الكبير بدر الدين الحَسَني، والشيخ أمين سويد، والشيخ جعفر الكتاني، والشيخ نجيب كيوان، والشيخ توفيق الأيوبي، والشيخ محمود العطار وأخذ عنه علم أُصول الفقه، والشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافي وأخذ عنه الفقه المالكي، وقد أجازه أشياخه بالعلوم العقلية والنقلية.

أما من ناحية التصوف فقد أذن له شيخه محمدبن يَلِّس بالورد العام لما رأى من تفوقه على تلامذته، من حيث العلمُ والمعرفةُ والنصحُ لهم وخدمتُهم. ولما قدم المرشد الكبير أحمد بن مصطفى العلوي من الجزائر لأداء فريضة الحج ؛ نزل في دمشق بعد وفاة سيدي محمد بن يَلِّس سنة 1350هـ، وأذن له بالورد الخاص [تلقين الاسم الأعظم] والإِرشاد العام.




أخلاقه وسيرته:

كان رحمه الله تعالى متخلقاً بأخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم)، متابعاً له في جميع أقواله وأحواله وأخلاقه وأفعاله، فقد نال الوراثة الكاملة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم).

وكان متواضعاً حتى اشتهر بذلك ولم يسبقه أحد من رجال عصره في تواضعه.

وكان يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه. دخل عليه رجل فقبَّل يد الشيخ رحمه الله تعالى؛ وأراد الشيخ أن يقبل يده، فامتنع الرجل عن ذلك وقال: أستغفرُ الله يا سيدي أنا لست أهلاً لذلك، أنا أَقبل رجلكم. فقال الشيخ رحمه الله تعالى: إِذا قَبَّلت رِجْلَنَا فنحن نقبل رجلَكم.
وكان يحب أن يخدم إِخوانه بنفسه، فيأتي الزائر، ويأتي التلميذ فيبيت عنده فيقدِّم له الطعام، ويحمل له الفراش مع ضعف جسمه. وكم جئناه في منتصف الليل، وطرقنا بابه، فيفتح الباب وهو بثيابه التي يقابل بها الناس، كأنه جندي مستعد. فما رأيناه في ثوب نوم أبداً.
وكان حليماً لا يغضب إِلا لله. حَدَث أن جاءه رجل من دمشق إِلى بيته وأخذ يتهجم عليه، ويتهكم به، ويتكلم بكلمات يقشعر لها جلد المسلم ؛ ولكن الشيخ رضي الله عنه لم يزد على قوله له: الله يجزيك الخير، إِنك تُبين عيوبنا، وسوف نترك ذلك ونتحلى بالأخلاق الفاضلة. وما أن طال المقام بالرجل إِلا وأقبل على الشيخ، يقبل قدميه ويديه، ويطلب منه المعذرة.

وكان كريماً لا يرد سائلاً. وكم رأينا أشخاصاً يأتون إِليه فيعطيهم ويكرمهم، ولاسيما في مواسم الخير ؛ حيث يأتي الناس لبيته، وترى موائد الطعام يأتيها الناس أفواجاً أفواجاً يأكلون منها، ولا تزال ابتسامته في وجهه، وقد بلغ من كرمه أنه بنى داره التي في حي المهاجرين بدمشق قسمين: قسم لأهله، وقسم لتلاميذه ومريديه.
وكان من صفاته رضي الله عنه واسع الصدر وتحمل المشقة والتوجيه، وشدة الصبر مع بشاشة الوجه ؛ حتى إِني استغربت مرة صبره فقال لي: يا سيدي! مشربُنَا هذا جمالي. وكان يأتي إِليه الرجل العاصي فلا يرى إِلا البشاشة من وجهه وسعة الصدر، وكم تاب على يديه عصاة منحرفون، فانقلبوا بفضل صحبته مؤمنين عارفين بالله تعالى.

حَدَث أنه كان سائراً في الطريق بعد انتهاء الدرس، فمر به سكران ؛ فما كان من الشيخ رحمه الله تعالى إِلا أن أزال الغبار عن وجهه، ودعا له ونصحه، وفي اليوم الثاني كان ذلك السكران أول رجل يحضر درس الشيخ، وتاب بعد ذلك وحسنتْ توبته.
وكان رحمه الله تعالى يهتم بأحوال المسلمين ويتألم لما يصيبهم، وكان يحضر جمعية العلماء التي تقام في الجامع الأموي، يبحث في أمور المسلمين ويحذِّر من تفرقتهم، وقد طبع رسالة تبين سبب التفرقة وضررها، وفائدة الاجتماع على الله والاعتصام بحبل الله سماها: القول الفصل القويم في بيان المراد من وصية الحكيم.

وكان رحمه الله تعالى يكره الاستعمار بكل أساليبه، ويبحث في توجيهه عن مدى صلة الحوادث مع الاستعمار وكيفية الخلاص من ذلك. ولما نَدبتْ الحكومة الشعب إِلى التدرُّب على الرماية، ونظَّمت المقاومة الشعبية، سارع الشيخ لتسجيل اسمه بالمقاومة الشعبية، فكان يتدرب على أنواع الأسلحة مع ضعف جسمه ونحوله وكبر سنه. وبهذا ضرب للشعب المثل الأعلى لقوة الإِيمان والعقيدة والجهاد في سبيل الله، وذكَّرنا بِمَنْ قبله من المرشدين الكُمَّل الذين جاهدوا الاستعمار وحاربوه ؛ أمثال عمر المختار والسنوسي وعبد القادر الجزائري. وما المجاهدون الذين قاموا في المغرب، لإِخراج الاستعمار وأذنابهم إِلا الصوفية.
وكان رحمه الله تعالى حسن السيرة والمعاملة، مما جعل الناس، يُقبلون عليه ويأخذون عنه التصوف الحقيقي، حتى قيل: لم يشتهر الهاشمي بعلمه مع كونه عالماً، ولم يشتهر بكراماته مع أن له كرامات كثيرة، ولكنه اشتهر بأخلاقه، وتواضعه، ومعرفته بالله تعالى.
وكان رحمه الله تعالى إِذا حضرْتَ مجلسه، شعرت كأنك في روضة من رياض الجنة ؛ لأن مجلسه ليس فيه ما يشوبه من المكدرات والمنكرات. فكان رحمه الله تعالى يتحاشى أن يُذكر في حضرته رجل من المسلمين وينقص. ولا يحب أن يذكر في مجلسه الفساق وغيرهم، ويقول: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة.

وبقي رحمه الله تعالى دائباً في جهاده مستقيماً في توجيهه للمسلمين وإِخراجهم مما وقعوا فيه من الضلال والزيغ. فقد كانت حلقاته العلمية متوالية من الصباح حتى المساء ؛ ولاسيما علم التوحيد الذي هو من أُصول الدين، فيبيِّنَ العقائد الفاسدة والإِلحادية، مع بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، والرجوع إِلى الله تعالى؛ والتعلق به دون سواه.

نشاطه في الدعوة والإِرشاد:

كان بيته قبلة للعلماء والمتعلمين والزوار، لا يضجر من مقابلتهم، ويقيم ـ مع ضعف جسمه ـ حلقات منظمة دورية للعلم والذكر في المساجد والبيوت، ويطوف في مساجد دمشق، يجمع الناس على العلم وذكر الله والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). ولم يزل مثابراً على همته ونشاطه ودعوته حتى أيامه الأخيرة.
تتلْمذَ عليه نخبةٌ طيبةٌ صالحة من العلماء وطلاب العلم، ومن مختلف طبقات الأمة يهتدون بإِرشاداته، ويغترفون من علومه، ويقتبسون من إِيمانه ومعارفه الذوقية، ويرجعون إِليه في أُمورهم.
وقد أذن للمستفيدين منهم بالدعوة والإِرشاد، وبذا انتشرت هذه الطاقة الروحية الكبرى في دمشق وحلب، وفي مختلف المدن السورية والبلدان الإِسلامية.

مؤلفاته:

مفتاح الجنة شرح عقيدة أهل السنة.
الرسالة الموسومة بعقيدة أهل السنة مع نظْمها.
البحث الجامع والبرق اللامع والغيث الهامع فيما يتعلق بالصنعة والصانع.
الرسالة الموسومة بسبيل السعادة في معنى كلمتي الشهادة مع نظمها.
الدرة البهية.
الحل السديد لما استشكله المريد من جواز الأخذ عن مرشدين.
القول الفصل القويم في بيان المراد من وصية الحكيم.
شرح شطرنج العارفين للشيخ محي الدين بن عربي.
الأجوبة العشرة.
10ـ شرح نظم عقيدة أهل السنة.
وغير ذلك من الرسائل.

وقد أخذ التصوف عن سيدي الهاشمي رحمه الله تعالى كثيرٌ من العلماء وغيرهم لا يعلم عددهم إِلا الله.
وهكذا قضى الشيخ الهاشمي حياته في جهاد وتعليم، يربي النفوس، ويزكي القلوب الراغبة في التعرف على مولاها، لا يعتريه ملل ولا كسل. واستقامته على شريعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولاً وعملاً وحالاً، ووصيتُه في آخر حياته: عليكم بالكتاب والسنة، تشهد له بكمال وراثته.
وهكذا رحل الشيخ الكبير إِلى رضوان الله تعالى وقربه يوم الثلاثاء 12 من رجب 1381هـ الموافق 19 كانون الأول 1961م، وصُلي عليه بالجامع الأموي، ثم شيعتْه دمشق تحمله على الأكف إِلى مقبرة الدحداح، حيث وُورِي مثواه، وهو معروف ومُزَار. ولئن وارى القبرُ جسدَه الطاهر الكريم، فما وارى علمه وفضله ومعارفه وما أسدى للناس من معروف وإِحسان، فلِمثْل هذا فليعملِ العاملون. وهذا من بعض سيرته الكريمة، وما قدمناه غيضٌ من فيضٍ ونقطة من بحر، وإِلا فسيرة العارفين منطوية في تلامذتهم، ومن أين للإِنسان أن يحيط بما تكنه صدورُهم وأسرارهم ؟

وفي مثله قال القائل:

إِنْ تــســــــلْ أيـــنقــبــورُالـعــظــمــا فــعـــلـى الأفــواه أو في الأنــفـــس
وبمثل هذه الشخصيات الحية نقتدي وبمثلهم نتشبَّه.
فـتـشــبَّــهـُواإِن لم تـكـونـوا مـثلَهــم إِنَّ التـشـــبُّــهَ بالـكــرامِ فــــلاحُ
وقد قيل:
مــوتُ الــتــقــي حــيــاةٌ لا انــقــطـاعَ لهــا قدْ مات قومٌ وهمْ في الناس أحياءُ
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |