من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة الولي الصالح سيدي محمد بن علي المعروف بـ:سيدي هجرس


ضريح سيدي هجرس رضي الله عنه

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، سيدنا محمد وآله وصحبه ومن ولاه.

01) أولا ذكر شجرة نسب سيدي هجرس رضي الله عنه الصحيحة التي لا خلاف فيها.

هو الولي الصالح سيدي محمد المُكنى بــ: "سيدي هجرس" بن على بن سيدي بوزيد بن علي بن موسى بن علي بن المهدي بن صفوان بن يسار بن موسى بن عيسى بن سيدنا إدريس الأصغر بن سيدنا إدريس الأكبر بن سيدنا عبد الله الكامل بن سيدنا الحسن المثنى بن سيدنا الحسن السبط بن سيدنا علي كرم الله وجهه وإبن سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ابنة سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم .

02) ترجمة الولي الصالح سيدي هجرس رضي الله عنه

1- مولده ونسبه الشريف:

هو الولي الصالح الزاهد صاحب الكرامات سيدي محمد بن علي المكنى بــ: "سيدي هجرس" المنحدر من سلالة الأدارسة، بن علي بن بوزيد بن علي بن موسى ، وقع ازدياده رضي الله عنه بقرية تُسمى "أسلا" بالمغرب الأقصى غرب مدينة فاس سنة 500 هجرية ولما بلغ من العمر 20 عشرين سنة انتقل من أسلا المغربية واتجه إلى قلعة الحمادية حيث مكث بها عدة سنوات حتى سنة 540 هجرية ثم خرج منها وسار وله أتباع ومريدين كُثر لعظم بركاته وسلطانه حتى بلغ برج الطابية الذي الآن معالمه موجودة إلى يومنا هذا الذي بناه مولاي عثمان الإدريسي وخلاه منه بسره الإلهي وسلم له جميع الأراضي وله أخبار شتى تدل على سلطانه وفي آخر حياته ترك كل ما كان عليه من أملاك وتفرغ للخلوة واجتهد في العبادة حتى أتاه اليقين، وكانت وفاته حوالي سنة 598 هجرية.

2- أولاده:

بعد وفاة الولي الصالح سيدي هجرس ترك ثلاثة أولاد:

- سيدي قديم المكنى بــ: "سيدي يحيا الحر" الذي بجبل أفول ببلدية تطري المغربية.
- سيدي عبد الرحمان المكنى بـ: "سيدي زرزور" الذي كساه الزرزور بواد بسكرة وقبره يزار هناك يتوسط هذا الوادي فكني به أي سيدي زرزور بالجزائر.



ضريح سيدي زرزور رضي الله عنه بـ:ولاية بسكرة "الجزائر"

- سيدي عامر الذي بقي في المنطقة وقد خلف سيدي عيسى والتي تعرف المنطقة باسمه وهم فرقة أولاد عيسى حاليا أيضا بالجزائر.

3- ومن ذريتهم:

سيدي أسعيد والذي تعرف الفرقة باسمه أي "أولاد سعيد".
وسيدي عبد الله الذي تعرف الفرقة حاليا "بأولاد عمرة".
وسيدي التواتي وتعرف الفرقة باسمه أي "أولاد التواتي" حاليا الواقعة قرب بن يلمان .
وسيدي أعمر والذي تعرف الفرقة باسمه "أولاد عيشة".

هذا ما استطعت جمعه من معلومات حول حياة هذا الولي الصالح المشهور بسيدي هجرس ، صاحب الكرامات العديدة التي لا يزال أهالي تلك المنطقة يذكرونها في ما بينهم إلى يومنا هذا مما يدل على علو شأنه ومقامه عند الله ،فرضي الله عنه ونور ضريحه واسكنه أعلى الجنات مع المقربين آمين ... هذا والله أعلم فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وصلي اللهم وبارك على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة سيدي عبد الوهاب الشعراني التلمساني دفين مصر


مسجد سيدي عبد الوهاب الشعراني

المبحث الأول في شجرة نسب سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

1 ترجمة حرفية من كتاب الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية



أسرة الشعراني:

إلى الدوحة الهاشمية العلوية يرتفع نسب الشعراني فجده الأعلى هو محمد ابن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

وقد هاجر أجداده إلى المغرب الأقصى في الموجات المهاجرة من البيت العلوي التي اختارت الأطراف النائية من الإمبراطورية الإسلامية وفرارا من الملاحم المتتابعة بينهم وبين البيت الأموي تارة والبيت العباسي تارة أخرى .

وكان الملك في مدينة - تلمسان - وما جاورها لقبيلة بني زغلة، وإلى تلك القبيلة ينتسب:عبد الوهاب الشعراني.

ولقد أرخ الشعراني لنفسه في كتابه لطائف المنن فلنستمع إليه وهو يحدثنا عم نفسه بأسلوبه الخاص به :
... أحمد الله تعالى حيث جعلني من أبناء الملوك فإني بحمد الله تعالى عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن احمد بن محمد بن زوفا بن الشيخ موسى المكنى في بلاد البهنسا بابي العمران جدي السادس السلطان احمد بن السلطان سعيد بن السلطان فاشين بن السلطان يحيا بن السلطان زوفا بن السلطان ريان بن السلطان محمد بن موسى بن السعيد بن محمد بن الحنفية بن الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه.



وكان جدي السابع وهو السلطان احمد سلطانا في مدينة تلمسان في عصر الشيخ أبي مدين المغربي ولما اجتمع به جدي موسى قال له الشيخ أبو مدين : لمن تنتسب ؟ قال والدي السلطان أحمد فقال له : إنما عينت نسبك من جهة الشرف فقال أنتسب إلى السيد محمد بن الحنفية فقال له ملك، وشرف ، وفقر ، أي التصوف لا يجتمعن ، فقال يا سيدي قد خلعت ما عدا الفقر، فرباه فلما كمل في الطريق أمر بالسفر إلى صعيد مصر وقال أسكن بناحية (هو) فإن بها قبرك فكان الأمر كما قال.

ولم يحدد لنا التاريخ السنة التي هاجر فيها موسى إلى مصر ولكن كتب التاريخ حددت لنا تاريخ وفاته فقد توفي ببلدة (هو) عام 707 هـ بعد أن نجحت دعوته واهتدى يهديه الصوفي جمهور في الصعيد الأعلى.

واستمرت أسرة الشعراني في الصعيد حتى مطلع القرن التاسع هجري فهاجر عميدها احمد إلى ساقية أبي شعرة بالمنوفية وأسس بها زاوية للعلم والعبادة وأتنقل إلى جوار ربه عام 828 هـ .

المراجع:

كتاب الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية



المبحث الثاني ترجمة الشيخ من كتاب " شذرات الذهب"

الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي



قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته :

هو شيخنا الإمام العامل العابد الزاهد الفقيه المحدث الأصولي الصوفي المربي المسلك من ذرية محمد بن الحنفية ، ولد ببلده ونشأ بها ومات أبوه وهو طفل ،ومع ذلك ظهرت فيه علامة النجابة ومخايل الرياسة والولاية، فحفظ القرآن وأبا شجاع والأجرومية وهو ابن نحو سبع أو ثمان ثم انتقل إلى مصر سنة إحدى عشرة وتسعمائة وهو مراهق فقطن بجامع الغمري وجد واجتهد فحفظ عدة متون منها المنهاج والألفية والتوضيح والتلخيص والشاطبية وقواعد ابن هشام ، بل حفظ الروض إلى القضاء وذلك من كراماته ،وعرض ما حفظ على علماء عصره ثم شرع في القراءة فأخذ عن الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري قرأ عليه ما لا يحصى كثرة منها الكتب الستة ،وقرأ على الشمس الدوخلي والنور المحلي والنور الجارحي ومنلا على العجمي وعلى القسطلاني والاشموني والقاضي زكريا والشهاب الرملي ما لا يحصى أيضا.

ثم قال :

{ هو فقيه النظر صوفي الخبر له دراية بأقوال السلف ومذاهب الخلف }

إلى أن قال :

{ أقبل على الاشتغال بالطريق فجاهد نفسه مدة وقطع العلائق الدنيوية ومكث سنين لا يضطجع على الأرض ليلا ولا نهارا}

ثم قال:

{ أخذ عن مشايخ الطريق فصحب الخواص والمرصفي والشناوي فتسلـّك بهم ثم تصدى للتصنيف فألف كتبا...}

منها:
الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية
مختصر الفتوحات وسنن البيهقي الكبرى
ومختصر تذكرة القرطبي والميزان
والبحر المورود في المواثيق والعهود
وكشف الغمة عن جميع الأمة
والمنهج المبين في أدلة المجتهدين
والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير
ومشارق الأنوار القدسية في العهود المحمدية
ولواقح الأنوار
واليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر
والجوهر المصون في علوم الكتاب المكنون
وطبقات ثلاثة
ومفحم الأكباد في مواد الاجتهاد
ولوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن
وحد الحسام على من أوجب العمل بالإلهام
والبراق الخاطف لبصر من عمل بالهواتف
ورسالة الأنوار في آداب العبودية
وكشف الران عن أسئلة الجان
وفرائد القلائد في علم العقائد
والجواهر والدرر
والكبريب الأحمر في علوم الكشف الأكبر
والاقتباس في القياس
وفتاوي الخواص
والعهود ثلاثة
وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ...

وحسده طوائف فدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع وعقائد زائغة ومسائل تخالف الإجماع وأقاموا عليه القيامة وشنعوا وسبوا ورموه بكل عظيمة فخذلهم الله واظهره عليهم وكان مواظباً على السنة مبالغا في الورع مؤثرا لذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه متحمل للأذى موزع أوقاته على العبادة ما بين تصنيف وتسليك وإفادة، واجتمع بزاويته من العميان وغيرهم نحوه مائة فكان يقوم بهم نفقة وكسوة، وكان عظيم الهيبة وافر الجاه والحرمة تأتي إلى بابه الأمراء ، وكان يسمع لزاويته كدوي النحل ليلا ونهارا ، وكان يحي ليلة الجمعة بالصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم ،ولم يزل مقيماً على ذلك مُعظـَماً في صدور الصدور إلى أن نقله الله تعالى إلى دار كرامته .

انتهى من كتاب " شذرات الذهب " .

من أقواله رضي الله عنه :

1. إن الطاعة إذا لم تكن خالصة فأنها تورث صاحبها الجفاء وقساوة القلب .
2. لا يتجسس على العورات إلا فاسق ، فان القلب المطهر من السوء لا يظن في الناس إلاّ خيراً.
3. دوروا مع الشرع كيف كان .
4. إياك يا أخي إذا عرفت العلم أن تتخذه سلاحا تقاتل به كل من له عليك حق ، فان ذلك حق أُريد به باطل.
5. اعلم يا أخي إن كل ما حصل لك بواسطة مجالسته إثم فهو جليس سوء .
6. اعلم يا أخي انه كلما كثر علم العبد كثر حسابه، وكذلك القول في المال والعمر ، فيسأل العالم عن كل مسألة تعلمها هل عمل بها أم لا، وعن كل درهم اكتسبه هل فتش عليه من حيث الحل أم لا وهكذا .


ضريح سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس الله سره.
رضي الله عنه وأرضاه ونور ضريحه وأمدنا بأسراره وأنواره آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين.

هوامش/
تلمسان: مدينة تقع غرب الجزائر وبها ضريح سيدي أبي مدين الغوث قدس الله سره

تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي سليمان بن أبي سماحة.


ضريح سيدي سليمان بن ابي سماحة بني ونيف ولاية بشار الجزائر

مولده ونسبه الشريف:

هو الفقيه الأديب المحدث العلامة الإمام القطب المربي الصوفي الشهير، العارف بالله تعالى والدال عليه : سيدي الشيخ أبو داود سليمان بن أبي سماحة البكراوي نسبه إلى جده سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه إزداد حوالي سنة 865 ه 1461م يقال عن مكان ولادته، قرب أربا، أو أكثر غربا ، نحو الشلالة الظهرانية ( الجزائر ) تعلم في طفولته في المركز الذي أسسه والده سيدي أبو سماحة رئيس البوبكرية، وفجيج التي أشرف عليها المعلمون الأدارسة، في هذين الموضعين اللذين يؤويان أشهر مؤسسات الناحية تعلم أصول الدين الشرعية ( القرآن الكريم، العقيدة الأشعرية، النحو، الحديث، التفسير، الفقه المالكي ).

اسفاره ورحلاته:

غادر سيدي سليمان ناحية مسقط رأسه للدراسة في المغرب، وإسبانيا المسلمة، إثنى عشرة سنة دراسة ومن عدة جهات من شمال إفريقيا ثم الأندلس ليتابع في غرناطة دروس مشائخ أجلاء كالشيخ سيدي خليل، وإبن أردون والعلامة السبكي وغيرهم، وأنه لجأ إلى فاس حيث كلف بالتدريس في جامع القرويين الشهير، مهمة أداها مدة سبع سنوات أجاد وأفاد.

زواجه:

تزوج سيدي سليمان من السيدة عائشة الشريفة بنت سيدي عبد الجبار الفجيجي، وهي من عائلة علماء أدارسة معروفة جدا في فجيج، ومن هذا الزواج ولد سيدي أحمد المجدوب جد المجادبة حسب الرواية كان سيدي سليمان في هذه الحقبة قد تزوج من إمرأة إدريسية أخرى تسمى السيدة المالحة سليلة سيدي عبد الرحمان الودغيري شرفاء بني ونيف أم سيدي محمد، وحسب بعض الروايات فقد تزوج من إمرأة أخرى من أحلاف تيوت قد تكون أم للا صفية جدة أولاد أنهار وهناك روايات عديدة تضيف سيدي التومي، المدفون قرب المكان الذي دفن فيه سيدي إبراهيم في الأبيض سيدي الشيخ، وعبد الله المتوفي في سن مبكر والمدفون قرب أبيه في بني ونيف ( الجزائر ).

إتصاله بعلماء وأولياء عصره:

جذبته الحركة الصوفية فزار الزوايا النشيطة للجنوب المغربي حتى إلتقى بالشيخ القطب سيدي أحمد بن يوسف الملياني شيخ الطريقة الشاذلية في عصره ونال مراده في فترة وجيزة " إثر قصة المذابيح " حيث إستقر غير بعيد من قصر بني ونيف، المكان المسمى الصالحين، أسس هناك زاوية علم فيها طريقة سيدنا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه داعيا للإسلام يثقف الأهالي، كما أسلم على يديه عدد كبير من المسيحيين الإسبان، قابله جل المواطنين بالحفاوة والترحاب واستحق لقب " مذبوح سيدي أحمد بن يوسف " ونال مقدم في طريقته وجلب إليها " البوبكرية والقبائل الحليفة لهم، الرزاينة، أولاد زايد، العكرمة و حميان".

بعض ألقاب سيدي سليمان بن أبي سماحة :

سماحي، حمياني، بوداود، بودواية، أحمر اللحية، أحمر الشيب .
نعرف بأنه إشتغل كثيرا إماما وخطيبا صوفيا في فجيج، تعرض إلى مضايقات عديدة في القرية الصعبة المعاشرة أين يحتكر الأدارسة العلم منذ ما يقارب ستة قرون وأين كانت المجموعات الأثنية المتناثرة في صراع دائم، إلا أن أحسن مثال نجده لإعطاء فكرة عن الشهرة التي حظي بها، هو نقل الرأي النهائي لأهل فجيج في رواية سجلها " الهاشمي بن محمد " أنه " توفي سيدي سليمان في فجيج أين كان موقرا، قبل وفاته كانت قصور فجيج تتصارع على شرف إمتلاك جثته ... ".

أما " أ- مزيان " فإنه لا يتردد في الكتابة بكل بساطة في دراسته الشهيرة عن فجيج بأن " سيدي سليمان كان كبير الأولياء " . في الناحية .

وفاته :

توفي سيدي سليمان رحمه الله حوالي 945 هـ 1539 م عن عمر يناهز 80 سنة تحكي الروايات : أن سيدي سليمان أمر أن يوضع جسده بعد وفاته على بغلة يخلى سبيلها وفي المكان الذي تتوقف فيه يدفن، هكذا كان فدفن الولي الصالح في قرية بني ونيف ( الجزائر ) أعاد الله علينا من بركاته أمين.
تكملة الموضوع

ترجمة العلامة أبي العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني



من أعلام الفكر العربي في الجزائر أثناء عهدها العثماني (930- 1246هـ/ 1514- 1830م) شخصية متميزة فكرياً، توزّع هواها بين أقطار العروبة مشرقاً ومغرباً، ولد في الجزائر، وهام بالمغرب الأقصى كما كبر وجده بالحجاز، وأحب (دمشق) وأهلها، والقاهرة ورجال علمها، حيث لقي ربه، وفي نفسه حنين إلى وطنه الأول (الجزائر) وشوق الرحلة إلى (دمشق) التي حالت دونها المنية، بعدما ارتوى صدره من أريج الأرض الطاهرة في البقاع المقدسة.

-----------------

إنه العلامة الأديب اللامع: أحمد المقري (986- 1041هـ/ 1578- 1631م) صاحب عملين فكريين جادين، بدأ بأوّلهما حياته في التأليف، وهو كتاب "روضة الآس العاطرة الأنفاس، في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين: مراكش وفاس"(1) وكان الثاني خاتمة مؤلفاته، عشية وفاته، وهو كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"(2).

-----------------


و(المقرْي) من أسرة علم بالجزائر، عاشت في قرية (مقرة) شرق مدينة (المحمدية) أي (المسيلة) حالياً، بنحو ثلاثين كيلو متراً، وهي لا تزال تنطلق هكذا (مَقْرَة) حتى اليوم، بسكون القاف، فشيوع نسبته إليها اليوم بفتح على تشديد القاف (المقّري) خطأ، لا مبرر له، غير جهل بضبط النسبة إلى القرية المذكورة، حتى في كتابات باحثين جزائريين منذ أوائل هذا القرن، مثل (الحفناوي) الذي بقي متردّدا فقال: "المقرّي بفتح الميم وتشديد القاف…

-----------------


وقيل بفتح الميم وسكون القاف لغتان… قرية من قرى تلمسان"(3) أو (الزاب) فنقل مكان القرية من جنوب الجزائر الشرقي إلى غربها غير واثق.

انتقل جد (أحمد المقري) الأعلى من (مقرة) قرب (المسيلة) إلى (تلمسان) وبها برز علماء أجلاء، في الأسرة، من بينهم عم (أحمد) العلامة (سعيد المقري) وفيها ولد المؤلف (أحمد بن محمد المقري) المكنّى (أبا العباس) سنة (986هـ/ 1578م) ودرس على أمثال عمّه السالف الذكر، وفي وقت كانت (الرحلة) إلى (العلم) من مكملات التكوين العلمي، انتقل (المقري) إلى (فاس) سنة (1009هـ/1600م) للدراسة، حيث لفت أنظار رجال العلم والسياسة، ومنهم الشيخ (إبراهيم بن محمد الآيسي) الذي اصطحب (المقري) من (فاس) إلى (مراكش) حيث قدمه للسلطان (أحمد المنصور الذهبي) الذي أجلّه، كما أعجب (المقري) به، مثلما طرب للجوّ العلمي في (مراكش) ورجاله، ولم يكد يعود إلى (تلمسان) سنة (1011هـ/ 1601م) حتى شرع يبرّح به الشوق إلى (فاس) ومناخها العلمي الزاخر، فسافر إليها سنة (1013هـ/ 1604م) إماماً ومفتياً وخطيباً ذا مكانة مرموقة، غير أن هناءه وراحته نغصهما عليه الجو السياسي، في الصراع بين أبناء السلطان (أحمد المنصور) على السلطة، بعد وفاته (1012هـ/ 1603م) فقرر الرحيل تاركاً أسرته بمدينة (فاس) في رمضان (1027هـ/ 1618م) متجهاً نحو الحجاز، لأداء فريضة الحجّ، فمر بوطنه، وتونس براً، ثم إلى (مصر) بحراً، ومنها إلى الحجاز، فوصل (مكة) المكرمة في ذي القعدة (1028هـ / 1619م) فاعتمر، ثم حجّ، وفكر في الإقامة، التي حالت دونها عوائق أشار إليها ولم يحدّدها، فعاد إلى (مصر) في شهر المحرم (1029هـ/ 1630م) حيث أعاد الزواج من (مصرية) وشرع يدّرس في (الأزهر).

-----------------


ومن (مصر) شرع يكرر رحلاته إلى البقاع المقدسة، فقال سنة (1029هـ/ 1631م) عن زيارته (مكة) و(المدينة) و(بيت المقدس) إنه زار مكة "خمس مرات، وحصلت بالمجاورة فيها المرات، وأمليت فيها على قصد التبرك دروساً عديدة… ووفدت على طيبة المعظمة ميمّماً مناهجها السديدة سبع مرات، وأطفأت بالعود إليها الأكباد الحرار، واستضأت بتلك الأنوار… وأمليت الحديث النبوي بمرأى منه عليه الصلاة ومسمع… ثم أبت إلى مصر مفوّضاً لله جميع الأمور، ملازماً خدمة العلم الشريف بالأزهر المعمور…

فتحركت همتي… للعودة للبيت المقدس وتجديد العهد بالمحل الذي هو على التقوى مؤسس، فوصلت أواسط رجب وأقمت فيه نحو خمسة وعشرين يوماً بدا لي فيها بفضل الله وجه الرّشد وما احتجب، وألقيت عدة دروس بالأقصى والصخرة المنيفة، وزرت مقام الخليل ومن معه من الأنبياء ذوي المقامات الشريفة"(4). ومن هناك اتجه إلى (دمشق) حيث سرّ كثيراً بأرضها وإنسانها، فدرّس (البخاري) ولقي الإعجاب وحظي بتقدير عوّضه ما عاناه في (مصر) فقرّر الانتقال إليها من (مصر) بتشجيع من رجال (دمشق) أنفسهم، فعاد إلى(مصر) للانتهاء من تحرير (نفح الطيب) وتصفية شؤونه فيها على نية السفر إلى (دمشق) لكن الأجل أدركه في (مصر) سنة (1041هـ/ 1631م) وروحه في (دمشق) التي قال فيها أعذب المشاعر، كمشاعر الحنين إلى وطنه، وهو القائل فيها "الاعتراف بالحق فريضة ومحاسن الشام وأهله طويلة عريضة، ورياضه بالمفاخر والكلمات أريضة، وهو مقرّ الأولياء، والأنبياء، ولا يجهل فضله إلا الأغمار الأغبياء"(5).

-----------------


وخلال رحلة الحياة الذاتية والروحية والعلمية، وجد (المقري) في (المغرب الأقصى) أولاً وفي (المشرق العربي) ثانياً المناخ العلمي الصحي الذي فتّق مواهبه الأدبية وإمكاناته العقلية فأثر في الحياة الدينية، خصوصاً في (فاس) و(دمشق) وأنجز ما يقرب من ثلاثين كتابا، من بينها كتابان دلالتهما مهمة، تعبيراً عن ميوله، وصلاته الفكرية، أولهما كما سبقت الإشارة: "روضة الآس العاطرة الأنفاس" وثانيهما: "نفح الطيب…".

بالكتاب الأول افتتح (المقري) حياته الفكرية والأدبية، وقد جاء من وحي المحيط العلمي الصحي الذي عاشه في (فاس) و(مراكش) فاختلط بعلماء البلد وفقهائه، وسياسييه، وأعجب بهم، كما أعجبوا به، فشرع يكتب كتابه هذا في (فاس) بعد لقائه بالسلطان المغربي (أحمد المنصور) للتعريف بمن لقيهم من علماء المدينتين (فاس) و(مراكش) ليكون الكتاب هدية للسلطان في النهاية.

شرع يكتب عمله وهو في (فاس) وتابعه بعد عودته إلى (تلمسان) سنة (1011هـ) لكنه حين عاد بالعمل جاهزاً إلى (فاس) سنة (1013هـ/ 1904م) كان السلطان المغربي، قد لقي ربه قبل ذلك بسنة. فبقي الكتاب هدية للمكتبة العربية في أكثر من ثلاثمائة وخمسين صفحة، عن رجال الحاضرتين المغربيتين الذين بلغ عددهم أربعاً وثلاثين شخصية، وتكفّل بالسهر على طبعه وإخراجه إلى الناس، الأستاذ: (عبد الوهاب بن منصور) مشكوراً.

-----------------



أما كتابه (نفح الطيب) فقد ختم به حياته، وأنجزه في (مصر) سنة (1038هـ/ 1628م) فقامت عليه شهرته، بمادته وأسلوبه، أما المحرّض على تأليفه فهو المحيط العلمي (الدمشقي) حين كان(المقري) مقيماً فيها سنة (1037هـ/ 1627م)، فلمس لدى القوم شغفاً علمياً، ووداً صافياً طاهراً استحوذ على فؤاده، فيذكر أن حديثه لهم عن (الأندلس) و(لسان الدين بن الخطيب) جعل أحد علمائهم (ابن شاهين) يطلب منه تأليفاً في الموضوع "كنا في خلال الإقامة بدمشق المحوطة، وأثناء التأمّل في محاسن الجامع والمنازل والقصور والغوطة، كثيراً ما ننظم في سلك المذاكرة درر الأخبار الملقوطة، ونتفيأ من ظلال التبيان مع أولئك الأعيان في مجالس مغبوطة، نتجاذب فيها أهداب الآداب، ونشرب من سلسال الاسترسال ونتهادى لباب الألباب… ونستدعي أعلام الأعلام، فينجرّ بنا الكلام والحديث شجون، وبالتفنن يبلغ المستفيدون ما يرجون، إلى ذكر البلاد الأندلسية، ووصف رياضها السندسية… فصرت أورد من بدائع بلغائها ما يجري على لساني، من الفيض الرحماني، وأسرد من كلام وزيرها لسان الدين بن الخطيب السلماني… ما تثيره المناسبة وتقتضيه، وتميل إليه الطباع السّليمة وترتضيه من النظم الجزل في الجدّ والهزل… فلما تكرر ذلك غير مرة على أسماعهم لهجوا به دون غيره حتى صار كأنه كلمة إجماعهم، وعلق بقلوبهم، وأضحى منتهى مطلوبهم، ومنية آمالهم وأطماعهم… فطلب مني المولى أحمد الشاهيني إذ ذاك، وهو الماجد المذكور، ذو السعي المشكور أن أتصدى للتعريف بلسان الدين في مصنف يعرب عن بعض أحواله وأنبائه وبدائعه وصنائعه ووقائعه مع ملوك عصره وعلمائه وأدبائه…" فحاول (المقري) الاعتذار لكن صاحبه يلحّ، فلم يقو على ردّ ملحّ لعزيز، فأقدم على عمله، وكله عزم وحزم، فقدم للمكتبة العربية مرجعاً هاماً، وتحفة أسلوبية ذات تميّز عربي، ببيانها على لسان أحد أبناء الضاد في (الجزائر) خصوصاً، وفي المغرب العربي عموماً.

فكان (المجلد الأول): عن (الأندلس) تاريخاً ومدناً وإنتاجاً، وطوائف وفتحاً، وأعلاماً، في السياسة، والفكر والدين والشعر والأدب، (في 704 صفحة).

وكان (المجلد الثاني) عن بعض "من رحل من الأندلسيين إلى بلاد المشرق" فشمل نحو (307 شخصية) بينما ضم (المجلد الثالث) "بعض الوافدين على الأندلس من أهل المشرق". والحصيلة أكثر من (475 شخصية) ويتلاحق ذلك في معظم صفحات (المجلد الرابع)، أكثر من (700 شخصية) متبوعة بحديث عن "تغلّب العدوّ على الأندلس واستغاثة أهلها معاصريهم لإنقاذها" في أكثر من (مئتي صفحة).

ثم يستأثر (لسان الدين بن الخطيب) بثلاثة مجلدات: (الخامس) و(السادس) و(السابع) عن أسلافه، ونشأته، ومشائخه، وصلاته بالملوك والأكابر، مع جملة نماذج مطولة من إنتاجه، نثراً وشعراً، ثم أولاده، وبعض صلاته الأخرى المختلفة.

وقد أفرد المحقق والناشر (المجلد الثامن) للفهارس المختلفة ذات النفع الكبير بالنسبة للباحثين، عرباً وأجانبَ.

فالكتاب صورة أدبية فكرية سياسية للأندلس التي أنجبت رجالاً واستقطبت أعلاماً، فبنت لها مجداً أتلفه (ملوك الطوائف) فسحقوه تحت (حوافرهم) صراعاً على المواقع و(المغانم).

لقد أحبّ (المقري) الأندلس وأديبها (ابن الخطيب) كما أحبّ (دمشق) وأهلها، مثل هيامه الروحي بالبقاع المقدسة، مهبط الرسالة المحمدية، مثلما بقي الشوق مقيماً في نفسه إلى وطنه (الجزائر) التي تنفس هواءها، مثل (فاس) التي وضعت قدميه على طريق المجد عالماً فقيهاً مصنفاً أديباً.

فكان علماً عربياً، بحسّ قومي تغلغل في أعماقه، وأنجز أعمالاً خدمت أمته وعبرت عن إمكانياته وظروف عصره سياسياً، وأدبياً.

-----------------


فإن بقي أول عمل له (روضة الآس) إحدى الخطوات الأولى الناجحة له في معاجم الأعلام، فإن آخر عمل له (نفح الطيب) صورة متوهجة، حية لآخر الأنفاس في (الأدب المغاربي) عموماً، و(الأدب الجزائري) خصوصاً قبل أن يتدحرج نحو الهاوية، في عصر (الظلمات) كما هو صورة في الوقت ذاته للمستويات الشعرية في الأندلس بهذا الفيض من النماذج التي أشبع بها المؤلف صفحات (النفح) التي بلغت أربعة آلاف وثمانمئة وخمسين صفحة (4850 ص) وهو تراث مشترك بين جناحي الوطن العربي (مشرقه ومغربه) له كله على (المقري) فضل، كما لهذا على وطنه الأكبر جميعه دين في تقدير جهده، المقرون بالحب والإخلاص. للذين يعطون أوطانهم بسخاء، من دون منّ ولا أذى.

هوامش

(1)- مطبوعات القصر الملكي، تقديم الأستاذ: عبد الوهاب بن منصور المطبعة الملكية، الرباط، 1383هـ/ 1964م).

(2)- من أهم طبعاته الطبعة اللبنانية، في ثمانية مجلدات، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت (1388هـ/ 1968م).

(3)- أبو القاسم الحفناوي، تعريف الخلف برجال السلف، ص: 2، ص:58، المكتبة العتيقة، تونس (1405هـ/ 1985م).

(4)- أحمد المقري نفح الطيب، تحقيق: د. إحسان عباس، ج1، ص: 56- 57.

(5)- المرجع نفسه، ص:68.


تحميل كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" بكامل أجزاءه

تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |