من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة الإمام العالم الرباني أبو علي بن محمد المسيلي




الإمام أبو علي حسن بن علي بن محمد المسيلي (... نحو 580هـ - ... 1185م.).

- ومنهم الشيخ الفقيه الفاضل، العلم العامل العابد، المحقق المتقن المحصل المجتهد، الإمام أبو علي حسن بن علي بن محمد المسيلي كان يسمى أبا حامد الصغير، جمع بين العلم والعمل والورع، وبين علمي الظاهر والباطن، له المصنفات الحسنة والقصص العجيبة المستحسنة، له «التذكرة في أصول علم الدين» وهو كتاب حسن طالعته وكررت النظر فيه فرأيته من أجل الموضوعات في هذا الفن، وله «النبراس في الرد على منكر القياس» وهو كتاب مليح على ما أخبرت عنه، ولم أره، وأنا شديد الحرص عليه، ولقد اخبرني بعض الطلبة المتمسكين بالظاهر وهو من أنبلهم إنه رأى هذا الكتاب وإنه ما رأى في الكتب الموضوعة في هذا الشأن مثله، فأنشدته:

ومليحة شهدت لها أعـداؤهـا *** والحسن ما شهدت له الأعداء

فأعجبه ذلك. وله كتاب في علم التذكير سماه كتاب «التفكير فيما يشتمل عليه السور والآيات من المباد والغايات» وهو كتاب جليل سلك فيه مسلك أبي حامد في كتاب "الإحياء" وبه سمي أبا حامد الصغير، وكلامه فيه أحسن من كلام أبي حامد وأسلم، ودل كلامه فيه على إحاطته بعلم المعقول والمنقول وعلم الظاهر والباطن، ومن تأمل كلامه أدرك ذلك بالعلم اليقين، ولم يفتقر فيه إلى تبيين، وهو كثير الوجود بين أيدي الناس، وكثرة وجود الكتاب دليل على اعتناء الناس به وإيثارهم له. ولقد رأيت على نسخة من نسخه ما قصه "اعلم وفقك الله أن هذا الكتاب حسن في معناه، مخترع في الترتيب ومبناه، قل فيه ما ينتقد، وكثر ما يعتقد، وعليه يعتمد، سلك مؤلفه فيه مسالك المهتدين، وترك مهالك الضالين المعتدين، فهو فيه على صراط مستقيم، ومقصد قويم، طرزه بمعاني الكتاب العزيز، فجاء كالذهب الإبريز، وسلم فيه من غلو الغالين، وتحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، نفعه الله به آمين، وصلى الله على محمد وعلى جميع الملائكة والنبيين وسلم، والحمد لله رب العالمين" انتهى الكلام.



قلت وهذا الكلام واضح السبيل، بارع الغرر والتحجيل، واعتقادي فيه رضي الله عنه أكثر مما ذكر، وأظهر مما ظهر، وكان من النسك والدين حيث كانت الجن تقرأ عليه. أخبرنا شيخنا أبو محمد عبد الحق رحمه الله عمن أخبره، أن الشيخ أبا علي المسيلي كان يأتي إلى الجامع العظم في الثلث الأخير من الليل للتهجد وكان بعض من يتجسس عليه فسمع تجويد القرآن عليه، فقيل أنهم مؤمنو الجن، وهذا كثير الاشتهار عنه رحمه الله.

ولي قضاء بجاية ودخل عليه الموارقة وهو قاض والجئوه إلى بيعتهم واكرهوه وغيره عليها، وكانوا يتلثمون ولا يبدون وجوههم فامتنع من البيعة وقال: لا نبايع من لا نعرف هل هو رجل أو امرأة؛ فكشف له الميورقي عن وجهه. وهذا هو منتهى ما بلغ توقفه وهو أمر كبير عند مطالبته بالبيعة لولا علو منصب الفقيه أبي علي رضي الله عنه ما ساعده عليه.



وتأخر عن القضاء وولي بعده بنو الخطيب، فبقي على دراسة العلم والاشتغال بسلوك أولي النهى والفهم، وأحاج إليه الناس في أمور دينهم فمالوا إليه وعولوا عليه، وكان واليا بالبلد بعض سادات بني عبد المؤمن، فتحدث معه القاضي ابن الخطيب في أن يوجه إلى الفقيه أبي علي رحمه الله من يحدثه في أن يشتغل بشأنه ويقتصر على خاص أمره، فوصله رسوله وهو جالس بالجامع الأعظم بمحل تدريسه منه، فأخبره عن حديث السيد وكان من جملة القراء بين يديه حفيد له، فقال له: أقرأ عليه، ولم يأمره بما يقرأه، فاستفتح متعوذا فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم أن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) فانفصل الرسول وقد انتقع لونه وهو ترتعد فرائضه، ولما حصل في أثناء الطريق وصله رسول السيد يسترجعه ويقول له لا تحدث الشيخ عن شيء، وسبب ذلك أن ساعة انفصال الرسول عنه أصاب السيد وجع كاد أن يقضي عليه، ولما وصله الرسول اخبره بما شاهد من حال الفقيه، وبما كان من قوله وكيف انفصل عنه وهو لا يعرف كيف انفصل، فعرفه السيد بما أصابه بعد انفصاله عنه ورده إليه ليعتذر له ووجه معه بصلة، ولما وصل إليه الرسول وألقى إليه ما ألقى قبل عذره ورد الصلة واستمر على ما كان عليه رحمه الله، واستحسن نبل الحفيد المأمور بالقراءة حيث وافق من غير أن يشعر به، ولقد يعد هذا من كرامات الشيخ رضي الله عنه.

وقبره بباب امسيون بالمقبرة التي تقابل الخارج من الباب، والدعاء عنده مستجاب، وهو مجهول في قبور هنالك ثلاثة أو أربعة لا يعلم أيها هو من بينها، لكن المتبرك يتبرك بجميعها ليوافق المقصود منها.

وسمعت عنه رضي الله عنه إنه قال: أدركت ببجاية تسعين مفتيا ما منهم من يعرف الحسن بن علي المسيلي من يكون، كان يقول هذا حين يشار إليه بالتفرد في العلم، والتوحد في الفهم، وهذا من فضله رضي الله عنه.
وكان له رحمه الله وللفقيه أبي محمد عبد الحق الاشبيلي وللفقيه العالم أبي عبد الله محمد بن عمر القرشي المعروف بابن قريشة مجلس أظنه يجلسون فيه للحديث. وكثيرا ما كانوا يجلسون بالحانوت الذي هو بطرف حارة المقدسي وهو المقابل للطالع للحارة المذكورة، وكان الحانوت المذكور يسمى مدينة العلم لاجتماع هؤلاء الثلاثة فيه، الفقيه أبو علي المسيلي، والفقيه أبو محمد عبد الحق، والفقيه أبو عبد الله القرشي.

ولم يصلني من أخبار أبي عبد الله القرشي إلا خبر يسير، سمعت الفقيه أبا محمد عبد الحق رحمه الله يصفه بأنه كان من أهل العلم، وكان أكثر حاله النظر في المعقولات، وكان له نظر جليل في التعليم، ومن ولده هم الذين يسمون الآن بني قريشة، وسمعت أن الفقيه أبا زكرياء الزواوي رضي الله عنه كان في نفسه منه شيء، فدخل عليه داخل يوما فسأله من أين أتى، فقال جئت من عند أبي عبد الله القرشي. فقال له: ذلك الزنديق؟ فقال لا تفعل يا سيدي، والله ما دخلت عليه الآن وهو لا يشعر وهو يقرأ المصحف ويبكي، فلما أحس بي غطى المصحف بحيث لا أراه ومسح عينيه وخاض في الحديث معي، وكان ما عنده من المر الأول خبر. قال: فجعل الشيخ يضرب في رأسه وينتف شعره ويقول عن نفسه إنه هو المغتاب ووجه إلى أبي عبد الله القرشي يسأله في المغفرة. ولا اعرف من أخبار أبي عبد الله غير هذا وهو من جملة الفضلاء وأكابر العلماء رحمهم الله.



وذكر لي أن الفقيه أبا علي المسيلي رحمه الله عرض له في مدة ولايته مرض، اقتضى أن يستنيب من ينوب عنه في الأحكام الشرعية فاستناب حفيده، وكان له نبل، فتحاكمت عنده يوما امرأتان ادعت إحداهما على الأخرى إنها أعرتها حليا وإنها لم تعده إليها، وأجابتها الأخرى بالإنكار، فشدد على المنكرة وأوهمها حتى اعترفت وأعادت الحلي.

وكان من سيرته إنه إذا انفصل عن مجلس الحكم، يدخل لجده الفقيه أبي علي ويعرض عليه ما يليق عرضه من المسائل، فدخل عليه فرحا وعرض عليه هذه المسألة، فاشتد نكير الفقيه رحمه الله عليه وجعل يعتب على نفسه تقديمه وقال له: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولم يقل صلى الله عليه وسلم الإبهام والتخويف على من أنكر. واستدعى شاهدين وأشهد بتأخيره، وهذا من ورعه ووقوفه مع ظاهر الشرع رحمه الله. وعلى هذا يجب أن يكون العمل وهو مذهب مالك، وظاهر مذهب الشافعي تجويز مثل هذا، فإنه يرى أن القصد إنما هو الوصول إلى حقيقة الأمر، فبأي وجه وصل إليه حصل المقصود، ولأجل هذا يجوزون قضاء الحاكم بعلمه والحق خلافه لقوله صلى الله عليه وسلم فإنما أقضي له على نحو ما أسمع والله الموفق.



ويناسب هذا من وجه ما حكي أن واليا كان بالإسكندرية يسمى قراجة وكان بها إذ ذاك الفقيه أبو عبد الله ابن جارة وكان عالما رفيع القدر قد ألبسه العلم والإعراض عن أبناء الدنيا لباس الهيبة، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، واتفق أن عامل رجل يوما بياعا ودفع له درهما جعله البياع في قبضته ثم لم تتم بينهما المعاملة فقال له الرجل: اصرف علي درهمي، فقال البياع لا أعرفه في الدراهم ولكن هذا درهم مكانه فحلف الرجل بطلاق زوجته أن لا يأخذ إلا درهمه بعينه، وكثرت بينهما المراجعة في ذلك إلى أن تداعيا إلى الوالي هذا الرجل المسمى قراجة، فوصفا له القصة فأطرق ساعة ثم قال للبياع ادفع للرجل جميع ما في قبضتك من الدراهم ويدفع لك مكانها دراهم من عنده فيتحلل بذلك من يمينه؛ وكانت فتوى حسنة مرضية صحبها ذكاء، فنهى المجلس بحاله إلى الفقيه أبي عبد الله ابن جارة فاستحسن فتواه وصوبها، فنهي المجلس بحاله إلى الفقيه أبي عبد الله ابن جارة فاستحسن فتواه وصوبها، ثم خاف أن يحمله العجب على أن يفتي في غيرها من المسائل بغير علم ولا موافقة شرعية فوجه إلى الوالي حتى وصل إلى باب داره فقال له، أنت المفتي بين الرجلين في أمر كذا؟ فقال نعم، فقال له ومن أباح التسور على فتاوى المسلمين والدخول في أحكام الشرع وإنما أنت صاحب شرطة؟ فلا تتعرض لما لم تؤهل له. فقال له يا فقيه أنا تائب من ذلك، فقال له: أما إذا تبت فانصرف واشتغل بالجد فيما كلفت ولا تتعرض لما ليس من شأنك، أو كما قال.

وحكي أن رجلا من العباد أضاف الشيخ رحمه الله فبات عنده، فلما حان وقت الصلاة أخذ أناء مملوءا بالماء ليتوضأ به فانهرق ثم ملأه ثانية وثالثة فانهرق، فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قل ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون) فسمع هاتفا يقول ما أذن لنا ولا افترينا ولكنا قوم من الجن المؤمن ورد علينا قوم من الجن الكافر فلمسوا الإناء فخفنا أن يلحق بنجاسة فغسلناه خاصة.

وحكي أن الفقيه أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الوغليسي كان جالسا بإزاء قبر الشيخ أبي علي رحمه الله متبركا به، قال فإذا بفارس وهو يتفصد عرقا، فقال لي أين قبر الشيخ أبي علي؟ قلت هذا، فنزل عن دابته وتضرع وبكى ثم نظر إلي فقال: أنا من موحدي افريقية كان لي صاحب ببجاية وكان واليها توفي، فرأيته على حالة لا تسرني فعز علي ذلك، ثم رأيته بعد مدة طويلة على حالة حسنة فسرني ذلك وسألته عن السبب الموجب لذلك، فقال لي: توفي أبو علي المسيلي ببجاية ودفن بباب امسيون وكان الرجل دفن بجبل الخليفة، قال فغفر الله لما بين ضفتي المدينة فكبت في إحدى الضفتين فغفر لي.



ويتصل سندنا بالقاضي أبي علي المسيلي عن الشيخ الخطيب أبي عبد الله الكناني عن أبي محمد بن برطلة عن الشيخ أبي عبد الله ابن حماد عن القاضي أبي علي المسيلي قراءة عليه وألقاه إليه.

المرجع/

كتاب: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، لصاحبه العلامة المؤرخ الجزائري أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله الغبريني

إقرأ المزيد

هوامش/

المسيلي: نسبة إلى موطنه الأصلي المسيلة واحدة من أهم الحواضر التاريخية في المغرب الأوسط الجزائر وهي العاصمة الأولى للدولة الحمادية التي أسسها حماد بن بلكين الصنهاجي.



من اهم معالمها التاريخية قلعة بنى حماد بـ «المعاضيد» ، أيضا ذلك المعلم التاريخي ذا المشرب العرفاني الصوفي «زاوية الهامل» بمدينة بوسعادة العريقة، كما أنجبت هذه المدينة العديد من الأعلام كإبن رشيق المسيلي، أحمد بن الحسين المهدوي المسيلي (538هـ) شاعر وأديب وقاض من أهل المسيلة دخل الأندلس وولى القضاء بفاس بالمغرب الأقصى قال ابن دحية من أعيان شعراء المغرب، أحمد بن أبي القاسم بن أبي عمار أبو العباس المسيلي (789هـ) قاض محدث من كبار المالكية في وقته، أحمد بن محمد بن أحمد المسيلي (785هـ) فقيه مفسر من أهل المسيلة رحل على تونس فأخذ عن إبن عرفة، له تقييد في التفسير قيده عن ابن عرفة، حسين بن محمد بن سلمون(431هـ) فقيه مالكي من أهل المسيلة رحل إلى الأندلس فولاه سليمان بن حكم الشورى بقرطبة، عبد الله بن حمو المسيلي (403هـ) قاض له معرفة بالأصول والفروع ذكره إبن بشكوال وقال أصله من المسيلة أستوطن «ألمرية» بالأندلس، عبد الله بن محمد المسيلي (744هـ) ذكره إبن فرحون فقال( الإمام العلامة الأوحد البارع المتفنن صاحب المصنفات البديعة والعلوم الرفيعة كان حاله عجيبا وتصانيفه في غاية الجودة والإفادة انتفع به القاضي فخر الدين بن شكر المالكي) توفي «بالقاهرة» من آثاره «غاية الحصول» في أصول الفقه.

- و لعل أبرزهم أولا: ذلك الإمام الذي طار صيته في الآفاق شرقا ومغربا المصنف البارع الفقيه العلامة أحمد المقري صاحب المؤلف الشهير «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب».

- والعلم الثاني: صاحب بردة المديح القصيدة التي لا مِرْية في أن أكثر المسلمين يعرفونها، حفظا أو سماعا في الموالد والمناسبات الدينية، إذ لم تنل قصيدة من الشهرة والذيوع ما نالته هذه القصيدة المباركة وأما عدد من يعرفون أصل صاحبها - الإمام البوصيري رضي الله عنه- فهو قليل، وأقل من ذلك من يعلمون أنه أمازيغي من قبيلة صنهاجة، ومن قلعة بني حمّاد بنواحي مدنية المسيلة بالجزائر.

تكملة الموضوع

ترجمة العارف بالله أبي عبد الله سيدي محمد بن القاسم القندوسي



هو الشيخ الإمام العارف بالله، الكامل، المحقق الرباني، السيد الفاضل أبو عبد الله سيدي محمد بن قاسم القندوسي، نسبة إلى بلده الأصل القنادسة، التي أخذ من زاويتها علومه الأولية، وهي اليوم بلدة عامرة في الجنوب الغربي لصحراء الجزائر.


والظاهر أن الشيخ رضي الله عنه كان موجودا ببلدة القنادسة إلى حدود عام 1201هـ / 1790م، حيث يكون قد هاجر بعد هذا التاريخ ونزل مدينة فاس المغربية، التي فتح الله عليه فيها، فآثر المقام بها، والذي يترجح لدينا أنه دخل فاس قبل عام 1244هـ/ 1828هـ.

أحوله وأوصافه:

أما عن أحوله فقد ذكروا أنه رحمه الله تعالى كان رجلا متواضعا، حسن المعاشرة، لونه أسمر يميل إلى السواد، وكان يتعيّش من عمله في السوق، حيث كان له بسوق العشابين بمدينة فاس، يبيع فيه الأعشاب ويكتسب منها.

وكان رحمه الله طيلة حياته خامل الذكر، ومستور الحال لا يكاد يعرفه أحد بولاية ولا بخصوصية إلا الخواص من أصحابه ممن خالطوه وعرفوه عن قرب، أو ممن كشف لهم عن بعض أسراره.

وكان رحمه الله تعالى من أهل الجذب، فربما جاءه الحال فصدرت عنه أفعال وأقوال ظاهرها باطل وخراب، وباطنها حق وصواب، ولعلّه كان يستتر بذلك جنسه.



ولكن من رحمة الله أن كشف في آخر حياته بعض أسراره، وقد أظهرت التآليف التي ألفها أن له باعا ويداً طولى في علوم القوم، حتى لزمه بعض تلامذته واعتمد عليه ولم ينتسب في العلم لغيره.

وذكر أنه كان يشرح الرسالة ويقرأها في جامع الضريح الإدريسي بين صلاة المغرب والعشاء.

وقيل أن اللوحة المزخرفة التي تزين الجامع الإدريسي، والموجودة أعلى الكرسي الذي كان يجلس عليه لتدريس الرسالة هي من وضع المؤلف رحمه الله تعالى، ومن خطوطه الرائعة، إذ قد وهبه الله تعالى مهارة بالخط، وظفره في خدمة الفنّ الإسلامي.



كما أنه كتب به مصحفا ضخما في اثني عشر مجدا بخط كوفي إفريقي بديع، قال من رأى بعض أسفاره "قل أن يوجد له نظير في الدنيا" وكانت له أيضا إضافة إلى كل ذلك مشاركات في نصح حكام المسلمين وعامتهم، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويظهر ذلك جليا من خلال مخاطباته ومراسلاته التي كان يخاطب بها عامل فاس وواليها في أيامه.



مشايخه وتلاميذه:

لم نجد في المصادر التي بين أيدينا والتي أثبتنا فيها تراجم هذا الولي، من ذكر مشايخه في علوم الفقه ونحوه من علوم الظاهر إلاّ ما ذكره جعفر الكتاني في فهرسته من كونه قد اخذ الطريقة القادرية عن شيخه سيدي عبد القادر البغدادي.

وأخذ كذلك سند الطريقة الزيانية الناصرية عن شيخه شيخ الزاوية القندوسية سيدي محمد الملقب بابن عبد الله بن أبي مدين بن محمد الأعرج بن سيدي محمد بن أبي زيان القندوسي، مؤسس الزاوية القندوسية وإليه تنسب الطريقة الزيانية.

وكذلك الأمر بالنسبة لم تتلمذ عليه، لم نجد من نص عليه بالذكر ممّن ترجم له إلاّ ما ذكره صاحب سلوة الأنفاس أو صاحب المصادر العربية لتاريخ المغرب.

فأولهما: ذكر أن جماعة من الناس تتلمذوا عليه واخذوا عنه وسمي منهم: الشيخ البركة الصالح أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الله الواحد، المدعو الكبير الكتاني والمتوفى عام 1289هـ / 1872م، دفين سابط القرادين، وحومة القطانين من فاس، وكان يعظّم الشيخ ويجلّه ويثني عليه، وإليه ينتسب وعليه بعد الله تعالى يعتمد.

وثانيها: ذكر أن من تلامذته العلامة محمد بن احمد الصنهاجي الفاسي الوزير المتوفي عام 1309هـ/ 1891م، صاحب كتاب الفتح القدوسي فيما فاض به سيدي محمد القندوسي.




مؤلفاته ورسائله:

أشار أغلب من ترجم لمؤلفنا رحمه الله تعالى أن له تآليفاً وكتبا كثير يرجع إليها، وبعضهم ذكر بعضها، وبعضهم لم يذكر ذلك، ونحن الآن سنحاول في هذا الموضع استعراض كل ما ذكر وما لم يذكر منها، بحسب ما توصّل إليه بحثنا من ذلك، وسنجتهد قدر الإمكان في تحديد أماكن تواجد نسخها في الخزائن العلمية:

1- كتاب: التأسيس في مساوس الدنيا ومهاوي إبليس – أتم تأليفه عام 1245هـ / 1838م، توجد نسخة في مكتبة الرباط بالمملكة المغربية، تحت رقم ك: 2526.
2- كتاب: البوارق الأحمدية في الحركة والسكونية – توجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بالرباط رقم ك:2135.
3- كتاب: الصلاة الوافية من الأحوال الظلمانية – توجد نسخة منه بالمكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم ك 2127.
4- كتاب: التلوين والتمكين في مطلع الصلاة على صاحب الوحي المبين – أتم المؤلف تأليفه ضحى يوم الجمعة الأخيرة من ربيع الأول عام 1269هـ/1852م، توجد نسخة منه بالمكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم د: 1699، في مجموعة من الورقة 6 ب على 34 أ.
5- كتاب أهل الصفا في الصلاة على النبي المصطفى: أتم المؤلف تأليفه في أواخر عام 1254هـ/1838م، وتوجد نسخة بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، تحت رقم 428، وعدد صفحاته 14 صفحة.
6- مؤلف يتضمن: مختصر في أسماء الله الحسنى ومعه تقاييد في الاسم اللطيف وغيره – توجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم ك: 12، وعدد صفحاتها 237 صفحة، وقد نسخت في 8 شوال 1327هـ/1909م.
7- مجموع: به صلوات وأدعية، أتم تأليفه عام 1244هـ/1828م، وتوجد نسخة منه بالمكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم ك:399.
8- ومجموع المسمى: الفتح القدسي في ما أفاض به سيدي محمد القندوسي – جمعه تلميذه العلامة محمد بن احمد الصنهاجي الفاسي وأشار محمد المنوني أنه توجد نسخة منه في خزانة لبعض الخواص في مراكش المغربية، وانه في سفر واحد وخطه أنيق، ومشتمل على 191 ورقة، وقد فرغ من جمعه يوم الاثنين 21 صفر 1279هـ/1862م.
9- وله: شرح على همزية البصيري – ذكره صاحب شجرة النور الزكية، وكذا صاحب إتحاف المطالع، ولم نعثر عليه إلى الآن.
10- أمّا بخصوص الكتب التي نسخه المؤلف فنكتفي بذكر أهمها وأشرفها ألا وهو: المصحف العجيب الضخم، الذي نسخه في اثني عشر جزءاً، وبخط مغربي كوفي قندوسي، أتم كتابته بخطه عام 1266هـ/1849م، وهو الآن موجود بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 3595.



بعض آرائه واجتهاداته:

لقد شكل الحديث عن مقام سّد الوجود عليه الصلاة والسلام المحور الأساس الذي تدور عليه آراء المؤلف رحمه الله، وقد لفت الانتباه إلى معاني جديدة كثيرة. ونكتفي في هذه المقدمة بذكر نموذجين من اجتهاداته رحمه الله تعالى:

أولها: ما ذكر في كتاب : شراب أهل الصفا – وهو هذا – آراء جديدة كثيرة لا نعتقد انه سبق إليها، منها اعتقاده أن اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي بها أجاب، وهو حبيبه محمد صلى الله عليه وسلّم.

ثانيها: ما ذكر في كتاب التأسيس، بقوله، { العلماء يقولون: أبعد الخلق من الله تعالى، تارك الصلاة، وانا أقول: ابعد الخلق من الله تعالى ظلم العباد، وتارك الصلاة أقرب على الله من أرباب التعدي والظلم}.
ومن آرائه أيضا قوله في آخر كتاب التأسيس { قاعدة عند أهل التحقيق وهي: أن آل النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون فيهم إبن زنى، ولو قدر الله تعالى بزنائه، لا تنعقد منه نطفة أبدا لا من النسبي ولا من الحسي}.

كراماته وبركاته:

كان هذا الشيخ رحمه الله تعالى صاحب بركات وكرامات كبرى وكشوفات عظمى فمن كراماته أنه حصل له جمع بسيد الوجود عليه الصلاة والسلام.
وذكر رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال له: "أنت ولدي حقا، إن شئت فقل وإن شئت فاصمت"، وقال له أيضا بلسانه الشريف "إني أحبك واحب من يحبك" وقال له مرة "انا ضامنك، فلا تخف من شيء".

ومن كراماته كذلك: ما ذكره صاحب سلوة الأنفاس أثناء ترجمته لسيدي محمد بن عبد الواحد الكتاني المتوفي بفاس عام 1289هـ/1872م ما نصه:
{ منهم الولي الصالح ... أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الواحد المدعو الكبير بن أحمد الكتاني، أحد الشرفاء الكتانيين المعروفين الآن بفاس... أخذ عن جماعة من الأخيار والأولياء الكبار... كالشيخ الإمام العارف بالله أبي عبد الله سيدي محمد بن القاسم القندوسي، دفين خارج باب الفتوح، وهو عمدته وإله ينتسب، واخبرني بعض من سمع منه أنه جممعه بالمصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة باول ملاقاتهمعه، وذلك ليلا في مسجد القرويين...}.

وفاته وضريحه رضي الله عنه:



توفي رحمه الله تعالى، ضحى السبت ثاني عشر جمادي الأولى عام 1278هـ/1861م وقيل 1281هـ، وقد دفن خارج باب الفتوح، بروضة أولاد السراج القريبة من روضة العلماء بفاس، وقبره رحمه الله تعالى مزار معروف.

المرجع:

الترجمة قمت بنقلها من كتاب شراب أهل الصفا في الصلاة على النبي المصطفى لصاحبه العلامة أبي عبد الله سيدي محمد بن القاسم القندوسي- تحقيق كل من الأستاذ: عبد الله حمادي الإدريسي و الأستاذ خونا أحمد محمود الجكني - مطبعة دار الهدى- عين مليلة- الجزائر.

هوامش/

القنادسة: هي اليوم دائرة من دوائر ولاية بشار بالجنوب الغربي الجزائري الواقعة على مسافة 18كلم تقريبا غرب وسط هذه الولاية.



وتسميتها عربية من «قندس»: أي تاب بعد معصية.
وفي الأرض: ذهب على وجهه ضاربا فيها.

~*~*~*~*~*~

- كانت تعرف في القديم بـ «العوينة» وبهذه التسمية ذكرها العلامة الرحالة أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي صاحب الرحلة العياشية التي يسميها غيره «بماء الموائد»، ذكرها في رسالته إلى تلميذه لما علم أنه عازم على الحج أبي العباس أحمد بن سعيد المجيلدي و ذلك عام 1068هـ/1657م و التي يسميها غيره أي الرسالة تعداد المنازل الحجازية قال: فإذا عزمت على الخروج فاشتر من هنالك «أي من سجلماسة» علف دوابك ثمان ليال أو تسعا إحتياطا إلى فيجيج فليس بينك و بينها إلا قرية العوينة بعد خمس مراحل من سجلماسة و بالقرب منها قرى بشار.

- وفي معنى تسميتها بالقنادسة يقول العلامة محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي في «رحلته الحجية» لعام 1199هـ/1784م: " ثم بتنا بواد جير القريب ماؤه من الحاج فوجدناه قريب العهد بالسيلا، ثم منه بعد الفجر فوصلنا القنادسة ضحى يوم الخميس الأول من رجب، وتعرف في القديم بالعوينة.
تكملة الموضوع

صور جديدة لمقام وضريح سيدي محمد بن عزوز البرجي

بسم الله الرحمن الرحيم.
-اللهم صل وسلم وبارك على سيّدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، صلاة أهل السموات والأراضين عليه أجري يا رب لطفك الخفي في أموري والمسلمين.

- صور جديدة لم تنشر من قبل للمسجد العتيق ولمقام وضريح الولي الصالح سيدي محمد بن عزوز البرجي قدس سره وذلك بناءا لطلب بعض الإخوة الأفاضل.

























أكتفي بهذا القدر ولمشاهدة كافة الصور يمكن تحميلها على هيئة كتاب إلكتروني




على هذا الرابط

هنــا

رابط إضافي آخر على موقع أرشيف

هنـا

الحجم:12,9 Mo
تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي مصطفى بن محمد المغربي الجزائري المالكي.




الجزائري (.. – 1212هـ) (.. – 1797هـ).

- مصطفى بن محمد الجزائري: صوفي زاهد، رحماني الطريقة (1) قال البيطار في ترجمته ما نصه: الفاضل الإمام والكامل الهمام، كعبة الأفاضل ومعدن الفضائل، من رفع الله به قدر المواعظ والزواجر، وأترع به حياض النواهي والأوامر، وعمر بمتين كمالاته القلوب وغمرها، وجمع الخواطر بحين جمالاته وجبرها، وخشعت لمعالي عباراته الأسماع والأبصار، واطمأنت لعرفانه القلوب من الأغيار، وعم إرشاده الآفاق، وانتشر ذكره في الأقطار وفاق.

~*~*~*~*~*~

وفي سنة ست ومائتين وألف اختط قريته المعروفة «بالقيطنة» بوادي الحمّام، ونشر بها الطريقة القادرية بعد أن طوي بساط ذكرها، وأحياها بعد أن اندرست معالم قدرها، فأخذها الناس عنه، وتلقوها بكمال القبول منه.



ولم يزل على زهده وعبادته، وتقواه وطاعته إلى أن جاءه الأجل المحتوم، ونزل به القضاء المحتوم، فتوفي في «برقات» عند ماء يعرف هناك بعين غزالة، سنة اثني عشر ومائتين وألف، وقبره هناك ظاهر مشهور، عليه الجلالة والوقار ومناقبه معروفة مشهورة، كثيرة مذكورة. أهـ.(2).

- المراجع/

(1) معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض .ص: 114.
(2) كتاب حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر لعبد الرزاق البيطار- مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، الطبعة الثانية 1413 هـ - 1993 م الجزء 3 ص: 1556.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |