من الأدعية المأثورة عن سيدي محمد بن عزوز البرجي رضي الله عنه:   اللهم ارحمني إذا وَاراني التُراب، ووادعنا الأحباب، وفَارقنا النَّعيم، وانقطع النَّسيم، اللهم ارحمني إذا نُسي اسمي وبُلي جسمي واندرس قبري وانقطع ذِكري ولم يَذكرني ذَاكر ولم يَزرني زَائر، اللهم ارحمني يوم تُبلى السرائر وتُبدى الضمائر وتُنصب الموازين وتُنشر الدواوين، اللهم ارحمني إذا انفرد الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، فاجعلني يا رب من أهل الجنة ولا تجعلني من أهل السعير، اللهم لا تجعل عيشي كدا ولا دُعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكا وندا، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا من كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شي قدير، أصبحنا وأصبح كل شيء والملك لله، والحمد لله، ولا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير

ترجمة الشيخ العلامة مولاي بن شريف


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

المحتويات:

1- مولده
2- أصوله
3- دراسته بمصر
4- عودته إلى أرض الوطن
5- الحركة الدينية
6- الحركة السياسية
7- وفاته

1- مولده:

ولد الشيخ مولاي بن شريف في عام 1883م بفرندة ولاية تيهرت "تيارت حاليا"، وهو ابن مولاي المكي بن مولاي أحمد ولد عبد القادر، تتلمذ على يد شيخه الحاج مولاي العربي في مدينة فاس المغربية.


مدينة فرندة التي ولد فيها الشيخ
2- أصولــــــه:

وكان يعرف ياسم بن شريف الدرقاوي، وقد تتلمذ على يد الحاج محي الدين (والد الأمير عبد القادر)، وهو أيضا من أتباع طريقة مولاي العربي الدرقاوي (صاحب الطريقة الدرقاوية)، وقد أخذ هذه الطريقة عن شيخه ووطّد روحه الدينية بإتباعه دروس الفقه والتوحيد، وعند خروجه من المغرب، قام بمحاولة إثارة أتباعه ضد نظام الأتراك الإداري الجائر، وبالخصوص النظام القائم في الهضاب العليا (في الجنوب الوهراني) وكان ذلك بين سنتي 1804-1805م. 

مولاي أحمد:

وهو رفيق سيدي لزرق، الذي جابه الغزو الفرنسي، فقام ضده في سنة 1839م وسنة 1840م، فقبض عليه وحُملَ إلى فرنسا وسجن هناك مدة 3سنوات، وبعد عودته بقليل، سقط في شباك إحدى الدسائس، نصبها له أحد أذنابها المرتزقة المدعو (شين النيف)، ولا يزال يذكره الشٍّعر الشعبي من خلال أبيات معبرة يعرفها أهالي منطقة سيدي علي، فقُتل مولاي أحمد، واغتنمت قوات الاحتلال هذه الفرصة لتُمَّثِّل برأسه أشنع تمثيل، إذ انتزعوه من جسده أخذوا يتجولون به إلى رباط الجنود الفرنسيين، وفي محيطهم مستهدفين نشر الرعب بين الأهالي وبين عناصر المقاومة في الجبال.

مولاي المكي:

الذي نظم وبطريقة سرية أفواجا معادية لجيش الإحتلال، وخاصة بناحية حجاج، غير أن القوات الفرنسية أوقفته وكبلته بالسلاسل، وأخذوه راجلا إلى سجن مدية معسكر، بينما كان رجال الدرك ممتطين خيولهم.

وبعد ثلاثة أشهر، أطلق سراحه ووضع تحت مراقبة شديدة وذلك في سنة 1873م.

ترعرع الشيخ مولاي بن شريف بين أحضان هذه العائلة الثائرة، وتغذّى بأفكارٍ ذات اتجاه معين من الروح الدينية والوطنية، وهما معا يرتبطان ارتباطا عضويا تلقاء الغزو الأجنبي كيفما كانت صفته، تلك هي البوتقة التي انصهر فيها شيخنا، وكيف يصوب هذه الحدة العارقة إن لم يستعن بثقافة عربية تمكنه من بلوغ مناه.

3- دراسته بمصر:
الشيخ بالزي الأزهري أثناء دراسته بالأزهر الشريف


بعد إتمامه لدروسه القرآنية تيارت، واجه الشيخ اهتمامين:

- الاستعمار الفرنسي الذي كان يكرهه بفضل تكوينه الوطني.

- ميوله إلى العلم والديانة الإسلامية التي كان يحبها.

بعد فشله في مواجهة الإستعمار، خاصة تمركز المعمرين داخل التراب الوطني، دفعه حُبُه للمعرفة إلى الهجرة لمصر، ولما بلغ مدينة وهران، صادف مواطنين له في مدينة تلمسان، قاصدين الإبحار نحو الشرق فارين من الحكم الاستعماري الجائر، ولكن لم يكن مع الشيخ مولاي ن شريف من الأموال التي تخول له الحق في اقتناء التذكرة، فطر له ببيع فرسه الذي يمتطيه، وامتطى قاربا من القوارب الملازمة لكل سفينة عادة عندما أرخى الليل سدوله، وعند إقلاع السفينة، كاد هذا المغامر أن يغرق في البحر وتبتلعه الأموج، لو م يساعد من طرف إخوانه لمهاجرين، فصاحبهم كيفما كان مغامرا ومتحديا للصعاب، وذلك في سنة 1908م، وصل إلى القاهرة في سنة 1908 وإلتحق بالجامع اأزهر، حي إلتقى بالشيخ العربي التبسي في سنة 1922م بعد قضاء 14 سنة.

4- عودتـــه إلى أرض الوطن:

بعد وصوله إلى وهران، وج مرارة الإستعمار الذي أغلق مكتبته التي كان تضم 2000 كتاب، وكذلك عدة وثائق، وهكذا يكون قد أضاع جزء كبيرا من هذه الوثائق، كذا شهادة إنهاء دروسه الفقهية.

وحاول طيلة عدة شهور على وثائقه، ولكن يدون جدوى، وكانت إدارة الجمارك تنظر إليه بعين الأذى والحقد، التي توسمت شراّ في هذا العربي الجزائري المتحلي ببذلة (أزهرية) مصرية غريبة عن ضابط الجمارك الفرنسي، وتوسم عليه أنه أجنبي فوق أرضه المسلمة، واحتجز هذا لضابط المجلدات باللغة العربية التي رأى فيها خطرا عليه، ولم يتمكن الشيخ من استرجاعها إلا القليل كعقاب له، وذلك بأن القانون المزعوم يفرض على كل جزائري أراد السفر للخارج لطلب العلم، عليه أن يتقدم بطلب رخصة مسبقا قبل الخروج من أرض الوطن، وهو قد تحدى الوضع الفرنسي القائم آنذاك وصار مراقبا من طرف رجال الإحتلال حيثما تنقل أو حطّ رحاله، وفي النهاية حصل على مكتسباته التي ضاق من أجلها مرارة الجوع وهو طالب.

لقد أقام بغيلزان ، حيث درس بها مدة عامين، ثم ذهب إلى المغرب ليزور مسجد مولاي العربي بفاس في سنة 1924، وخلال هذه الزيارة التي دامت شهرا كاملا، إلتقى فها بالقائد محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد حرب الريف. 

القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي التقى به الشيخ أثناء زيارته للمغرب


وبعد عودته إلى الجزائر، تمركز بسيدي علي، الذي احتضنه أهلها إلى آخر نفس له، وبنى فيها زاويته في نة 1927م بمساعدة سكان الناحية، الذي عَمِلَ على إقناع سكان سيدي علي بضرورة بناء هذه الزاوية، لتكو مأوى للطلبة، بالواجب، وبدأت التحريات والتنكيد للآلة الإستعمارية، فاستدعته الإدارة الفرنسية عن سبب زيارته لفاس وعن علاقته بالخطابي، ولم يبقى الشيخ مكتوف الأيدي، بل أحاط نفسه بجماعة من الأشخاص، وأعلمهم بتكوينه الديني ذي الطابع الإيديولوجي والسياسي، ونظرا لنقص وقلة المثقفين، اضطر إلى ضمان المسكن والحماية لتلاميذه، ومن بينهم:

- الشيخ بن سبيمان
- الشيخ بلكتروسي (أولاد معلة)
- الشيخ سي يوسف (بن عبد الملك رمضان)
- الإخوة بلقاضي (أواد خلوف)
- الشيخ سي أحمد الحبيب (أولاد معلة).

5- الحركة الدينية:

كان الشيخ مولاي بن شريف إماما، وأستاذا، يدرس علم الشريعة لإسلامية، فخضع سكان الناحية كلهم بهذه الشريعة، بعد سنوات شاقة عملت الإدارة الفرنسية على تشجيع الإقتتال بين السكان، فكان لا يمر يوم اقتتال بالبنادق والسكاكين من أجل أمور تافهة، كالإختلاف حول قطعة أرض، أو شتت يمس الشرف، فكان الحكم الذي يخضع له سكان هذه الناحية، فاشتهرت مناقبه، وشهدوا له بالإنصاف في محاربته لكل أنواع الخرقات والشعوذة.

المنبر الذي وقف عليه الشيخ مولاي بن شريف خلال خطبة الجمعة في زاويته التي بناها سنة 1927


6- الحركة السياسية:

انظم الشيخ إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان مستشارا في مجلسها الإداري، بمعية الشيوخ: عبد الحميد بن باديس – محمد البشير الابراهيمي – الطيب العقبي – محمد الأمين العودي – مبارك الميلي – ايرهيم بيوض – المولود الحافظي – مولاي بن شريف – الطيب المهاجي – السعيد الياجري – حسن الطرابلسي – عبد القادر القاسمي ومحمد الفضيل الورتلاني، وكان يسافر كثيرا إلى الجزائر العاصمة مما دفع الإدراة الفرنسية إلى غلق الطريق في وجهه، بعد تحريض من معاونيها وهدد بالنفي إلى مدينة بشار، وأصابه المرض، وابتعد عنه أصدقاءه، ورغم هذا، حافظ على علاقته المتينة مع سي نسيب من مستغانم.

وفــجـــر إنـــدلاع الـثـــورة التــحــريرية، التقى بالشهيد بن عــبـد المـــالــــك رمــضـــان (المدعو سي عبد الله)، وتعرف عليه، بل وجلس معه على مائدة واحدة للطعام عدة مرات ولمـــا اندلعت الثورة، لم ييأس، بل كان فخورا بتلاميذه الذين التحقوا بلجبال وكان في عمره 72 سنة، وخلال ذلك الوقت، كان المجاهدون يرونه مدافعا عن وطنه بقلمه، رأوه بعد أن أصيب بمرض عضال، ألزمه الفراش، وهجّرت الإدارة الإستعمارية ابنيه التوأمين (محمد والمكي) البالغين من العمر 17سنة، بحجة إطلاقهما النار على الحاكم الفرنسي في البلدية المختلطة Choiral. 
نجلاء الشيخ التوأمان في صف الجلوس (الأول في أقصى اليصار والثاني من اليمين) في صورة جماعية للقسم في مدرسة البرج سنة 1951م.


7- وفاتـــــــه:

توفي الشيخ في يوم 24 فيفري 1959م بسيدي علي، وبعد مرض عضال على إثر عملية جراحية، وقلبه ممزق، لأنه لم ير الراية الجزائرية وولديه الذين بحثت عنهم الإدارة الفرنسية في الخارج – رحمه الله.

هوامش/

فرندة:

فرندة هي حاليا دائرة من دوائر ولاية تيارت الجزائرية، تقع في الهضاب العليا الغربية للمدينة، يحدها من الشمال كل من دائرتي مدغوسة ومشرع الصفى، ومن الشرق دائرة السوقر، ومن الجنوب دائرة عين كرمس, ومن الغرب ولايتي سعيدة ومعسكر، تبعد عن الباهية وهران بـ: 220 كلم, وعن معسكربـ 110 كلم وعن تيارت بـحوالي50 كم.


 من بلدياتها فرندة وهي أيضا مقر الدائرة، عين الحديد، تخمارت... ومن أحيائها الشعبية شعبة عربية، حمدوش، بن يزدي، الباتوار، بني ساعد، الكاريان، الباب الكبير سيدي ناصر،...


وما يميزها عن باقي دوائر الولاية هو قربها من ذلك المعلم التاريخي "مغارة ابن خلدون" العلامة الشهير مؤسس علم الاجتماع الحديث الذي كتب بها رائعته في فلسفة التاريخ "المقدمة"،

المغارة التي كتب فيها ابن خلدون مقدمته الشهيرة - فرندة / ولاية تيارت

 أيضا  الجدار وهي عبارة عن هضاب وجبال في غاية الروعة و الجمال، يتصف سكان هذه المنطقة بالرحمة والكرم والسخاء وحسن الضيافة، تقام بها سنويا العديد من المهرجانات والحفلات للأولياء والصالحين الذين عمرو المنطقة منذ القدم و التي لا تزال معالمهم شاهدة إلى يومنا هذا  مثل وعدة سيدي عمر وسيدي علال وسيدي بختي والجبابرة وسيدي أحمد بن داود' وسيدي محمد بن خليفة شايع...

للترجمة مصادرها ومراجعها.
تكملة الموضوع

حمل كتاب الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما


- كتاب: الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها.
- المؤلف: يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سواده أبو القاسم الهُذَلي البسكري الجزائري، (المتوفى: 465هـ).
- المحقق: جمال بن السيد بن رفاعي الشايب.
- الناشر: مؤسسة سما للنشر والتوزيع.
- سنة النشر: 1428 – 2007.
- عدد المجلدات: 1.
- رقم الطبعة: 1.
- عدد الصفحات: 667.


ترجمة المصنف:

لقد سبق وأن أفردنا له ترجمة كاملة
على هذا الرابــــــط

تكملة الموضوع

حمل كتاب ديوان الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

كتاب: ديوان محمد العيد آل خليفة.
دار النشر: الهدى للطباعة والنشر والتوزيع – عين مليلة – الجزائر.
عدد الصفحات: 544.
سنة الطبع: 2010م.

رابط تحميل الكتاب

هنـــا

ترجمة صاحب الديوان:

هو الشاعر الجزائري الكبير سيدي محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من محاميد سوف المعروفين بالمناصير من أولاد سوف، ولد في مدينة عين البيضاء بتاريخ 28 أوت 1904م الموافق لـ 27 جمادي الأولى 1323هـ بعد تلقي القرآن والدروس الإبتدائية بمدرستها الحرة عن الشيخين محمد الكامل إبن عزوز واحمد بن ناجي، انتقل مع أسرته على بسكرة سنة 1918م وواصل دراسته بها على المشائخ علي بن إبراهيم العقبي الشريف والمختار بن عمر اليعلاوي والجنيدي أحمد مكي.




وفي سنة 1921م غادر الشاعر بسكرة على تونس حيث تتلمذ سنتين بجامع الزيتونة ثم رجع سنة 1923م على بسكرة وشارك في حركة الإنبعاث الفكري بالتعليم والنشر في الصحف والمجلات (صدى الصحراء) للشيخ أحمد بن العابد العقبي و(المنتقد) و(الشهاب) للشيخ عبد الحميد بن باديس و(الإصلاح) للشيخ الطيب العقبي.

 وفي سنة 1927م دعي إلى العاصمة للتعليم بمدرسة الشبيبة الإسلامية الحرة حيث بقي مدرسا بها ومديرا لها مدة اثني عشر عاما وفي هذه الفترة أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكان من أعضائها العاملين، ونشر الكثير من قصائده في صحف الجمعية (البصائر،السنة، الشريعة، الصراط) وكذا في صحيفتي (المرصاد والثبات) لمحمد عبابسة الأخضري.

وفي سنة 1940م بعد نشوب الحرب العالمية الثانية غادر العاصمة الجزائرية إلى بسكرة ومنها دعي إلى باتنة للإشراف على مدرسة التربية والتعليم إلى سنة 1947م ثم إلى عين مليلة لإدارة مدرسة العرفان إلى سنة 1954م وبعد إندلاع الثورة الكبرى أغلقت المدرسة وألقي القبض عليه وزج به في السجن وامتحنته السلطة الإستعمارية بعد إطلاق سراحه بمنحة غاشمة وفرضت عليه الإقامة الإجبارية ببسكرة فلبث بها معزولا عن المجتمع تحت رقابة مشددة إلى أن فرج الله عليه وعلى الشعب الجزائري بالتحرير والإستقلال.

مصدر الترجمة:

 من الكتاب ذاته الذي بين أيديكم اليوم (ديوان محمد العيد آل خليفة).


تكملة الموضوع

ترجمة الولي الصالح سيدي أبو زكريا الزواوي البجائي

                


أبو زكرياء يحيى بن أبي علي المشتهر بالزواوي

... - 611هـ  - ... 1214م

 فمنهم الشيخ الفقيه، الصالح العابد، الولي الزاهد على التحقيق، المتوجه إلى الله بكل وجهة طريق، أبو زكرياء يحيى بن أبي علي المشتهر بالزواوي وهو عندما يكتب اسمه يكتب الحسني "منسوب إلى بني حسن" من أقطار بجاية، والناس ينسبون فيه الحسناوي، ولد في "بني عيسى" من قبائل "زواوة" وقرأ رضي الله عنه أول أمره "بقلعة بني حماد" على الشيخ الصالح أبي عبد الله ابن الخراط وغيره ثم ارتحل إلى المشرق، ولقي الفضلاء والأخيار والمشائخ من الفقهاء والمتصوفة وأهل طريق الحق.

وكان، رحمه الله، منذ ظهر بانيا على ترك الدنيا والانقطاع إلى الدار الآخرة، استوطن بجاية رحمه الله بعد رجوعه من المشرق، وجلس بها لنشر العلم وبثه والدعاء إلى الله تعالى، فانتفع الخلق على يديه وظهرت عليهم بركته وفعلت فيهم سريرته الصالحة ونيته، ولم يكن أحد أجلد منه على القيام والصيام، وما كان عيشه، رضي الله عنه، إلا من المباح كالبقول المطروحة وما جرى مجراها وإذا اشتهى اللحم ينزل إلى البحر فيصيد السماك على الأحجار، وهي لحمه رضي الله عنه، وما من ناحية من النواحي إلا وله فيها مسجد معلم، وكلها معروف البركة، وكراماته رضي الله عنه أكثر من أن تحصى، ولو كتبت لكانت مجلدات وأحواله كلها كرامات.

وكان يجلس لعلوم الحديث ولعلوم الفقه ولعلوم التذكير، وكان الغالب عليه رضي الله عنه الخوف، ما يمر بمجلسه إلا ذكر النار والأغلال والسعير، وتكاد تفيض قلوب الحاضرين في مجلسه، هذا هو حاله دائما، وهذه الطريق هي أحسن الطريق في الدعاء إلى الله تعالى، إذ جبل الله الخلق على أنهم لا ينفعلون غالبا إلا بالخوف، ولأجل هذا كان أكثر الشريعة تخويفا.

وما زال رضي الله عنه مستمرا على هذا الحال إلى يوم وفاته، يبسط أمل الناس ورجاءهم في رحمة الله وفي سعة مغفرته، ومناهم بما عنده من كثرة الثواب، وإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، إلى غير ذلك مما اشتمل عليه مجلسه، وهذا طريق حسن، لأنه لم يبق عند لقاء الله إلا الطمع في رحمته والرغبة فيما عنده، لأن الخوف فائدته إنما هي الحض على العمل، وحين الموت انقطع العمل، ولم يبق إلا قوة الأمل لتلقى الله طيبة نفسه، فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه، حسبما اقتضاه الحديث.

ولقد رأيت فصلا فيه ذكر وفاته، بخط الشيخ المقرئ، أبي العباس ابن الخراط وأنا أذكره بنصه، قال رحمه الله: أن وفاته كانت بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، الرابع عشر من شهر رمضان المعظم من عام أحد عشر وستمائة، وتوفى في هذا اليوم فجأة من غير تقدم مرض، وكان قد رتب ميعادا بالقراءة لسماع تفسير القرآن العظيم، وميعادا بعد صلاة الظهر لسماع حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جري عادة السلف الصالح في شهر رمضان، فبينما أنا أقرأ بين يديه بالغداة وقد مرت آية فهم منها ما لم نفهم، وعلم من نحواها ما لم نعلم، إذ وثب قائما طيلسانه وطرح رداءه، وحسر رأسه وبسط يديه ومد ذراعيه، فأمسك عن القراءة، فتعوذ بصوت رفيع وبسمل، فافتتح بقول الله تعالى } (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) { ولم يزل يرددها ويكررها بتحذير وترنين، ثم أقبل على الناس بخضوع وخشوع، وأخذ يبين لهم ما أعد الله من سعة الرحمة وأضعاف الحسنات والتجاوز عن السيئات، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ثم قال: يا إخواني سألتكم بالله إلا ما ضممتم صبيانكم وأولادكم وأصاغركم ودعوتم لي، ولا تنسوني فإني جار لكم، ولست أنساكم، وأكثر من هذا القول في بكاء شديد حتى كأنه أشعر إنه راحل من الدنيا، وان ذلك وداع منه للناس، ثم دخل زاويته دون أن يختم مجلسه بالدعاء المعهودة منه، ولما حانت صلاة الجمعة وأخذ الناس في الرواح وجلس الإمام على المنبر، وأذن المؤذن، خرج على الناس من زاويته، وجلس منصتا لاستماع الخطبة، فلما قضيت الصلاة، نصبوا له كرسيه واستوى عليه، وازدحم الناس ينظرون إليه، فأخذت في قراءة كتاب المسند الصحيح، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصنيف الإمام الحافظ، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه، وهو ينظر إلي، فاعتراه شبه غشي أماله على جانبه الأيمن، فبادرت إليه مع بعض من قرب خشية السقوط، فحملناه وأدخلناه زاويته وأطبقنا الباب دونه، فبادر إليه من كان يخدمه من أهله وجلسنا ننتظر عاقبة أمره، إلى أن أذن مؤذن العصر وأخذ الناس في التنفل، ثم أقيمت الصلاة، فسمعنا في الزاوية حركة اغتسال نفهم منها تجديد طهارة، ثم سكنت تلك الحركة، وقد أدرك فضل صلاة الجماعة، ثم استلقى مستقبلا فقبض طاهرا صائما صامتا معتكفا في الجامع الأعظم، صحيحا سويا، دون مرض ولا ألم، قدس الله روحه، وبرد ضريحه، ونفع به وبصالح دعائه.

وفشا الخبر في الناس، فتسابقوا إليه، وحشروا من كل ناحية عليه، وارتفع صراخهم واشتبكت أصواتهم، ونما ذلك إلى من كان له الأمر ببجاية حينئذ، فوجهوا نقيبا لصيانة جثته الطاهرة الزكية من ابتذال من يلي بها ويقتحم للتبرك بما بين ثوبها. فلما جن الليل أمروا بحمله إلى روضته، وكلفوا أمناء بجهازه، ثم بادروا بأنفسهم وشهدوا الصلاة عليه على شفير قبره، ضحى يوم السبت، الخامس عشر المتقدم الذكر، ووقفوا حتى واروه عن الناس، وعزى الناس عن مصابهم بعضهم بعضا، رحمة الله عليه. انتهى كلامه رحمه الله.

ومن أشياخه، الفقيه أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف الزهري، روى عنه الموطأ، والقاضي أبو سعيد مخلوف ابن جاره روى عنه "المصابيح" وكتبا عدة إجازة وسماعا، والإمام أبو طالب أحمد بن رجا اللخمي، قرأ عليه وأخذ عنه الأصلين حفظا واتقانا، والحافظ أبو طاهر السلفي صحبيه وأخذ عنه إعجاز القرآن للخطابي، ومن شعر أبي طاهر:

ما لي لدى ربي جزيل وسيلة *** إلا اتباع نبـيه ويقـينـي
والدين حصن للفتى وعقيدتي *** أن القليل من اليقين يقيني

ومن شيوخه، رضي الله عنه أيضا، الإمام أبو عبد الله ابن بكرة الكركني قرأ عليه المذهب رواية ودراية، وأبو القاسم بن فيرة الشاطبي الضرير، والفقيهان الأخوان أبو عبد الله وأبو العباس الحضرميان عنهما الشهاب [أي شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والأدب من الأحاديث النبوية] للقاضي والفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن سلامة، والزاهد أبو عبد الله المغاور، والشيخ أبو عبد الله السلاوي، وغير هؤلاء، رضي الله عنهم ونفعنا بالجميع آمين.

مصدر الترجمة:

كتاب: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية - للشيخ العلامة أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله الغبريني منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان- أبريل (نيسان) 1979م.
تكملة الموضوع

.
مدونة برج بن عزوز © 2010 | تصميم و تطوير | صلاح |