بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- كتاب: المقامات العوالية في الأخبار العلاّلية على اللغة المغربية.
[وتليها رسالة الأبرار]
- تحقيق وتقديم: أ. أحمد أمين دلاّي.
- عدد الصفحات: 103.
- حجم الملف: 4 ميجا
- الناشر: المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية - وهران، الجزائر.
- تاريخ النشر: 2007- نسخة الكترونية موافقة للمطبوع.
- حالة النسخة: منسقة ومفهرسة.
صفحة التحميل
نشرت "المقامات العوالية" لأول مرة في المجلة الإستـشـراقية الشهيرة «Le Journal Asiatique» سنة 1913 وسنة 1914، أما نص "رسالة الأبرار" لقد نشر سنين قبله أي في سنة 1887، وبقيت هذه الأعمال للمؤلف محمد بن علي بن الطاهر الجبّاري البطّيوي قابعة تحت صفحات المجلات والمؤلفات المتخصصة و/أو النافذة، ولأن لم يتوصل إليها إلا المحضوضون من الباحثين في ميدان اللهجات المغاربية وأدبها الشعبي فإنها لم تحض بالاهتمام الجدير بها لدى جمهور متعطش لكل ما أثمرته اللغة الأم من قصص وشعر وغناء و مسرح.
فانطلاقا من هذا، بدا لنا من المنفعة العامة في إطار مشروعنا لنشر الإنتاج الأدبي باللغة الجزائرية، أن نجعل اليوم في متناول القراء هاتين المحاولتين المهمّتين - خاصة المقامات - لتأسيس نثر أدبي بلغتنا الوطنية المحلية، بالتأكيد تشكل المقامات العوالية محاولة فريدة من نوعها في تاريخ أدبنا الوطني باللغة الجزائرية الممثل حتى اليوم إلاّ بالشعر (الملحون).
فلنرجع إلى سيرة المؤلف لنضيف أنه ولد بمدينة بطّيوة، قرب أرزيو، بولاية وهران، في أوائل سنين الاحتلال الفرنسي، و أنه ينتمي إلى الجبارة، فخذ من قبيلة ذوي ثابت، القاطنة في نواحي مدينة سعيدة.
فبعد الدراسة انخرط في سلك رجال القضاء، حيث عُيّن على التوالي في سعيدة، ثم معسكر، ثم زهانة، قرب وهران، وأخيرا في القليعة، من مدن ولاية الجزائر العاصمة، وتوفي فيها قبل الحرب العالمية الأولى، فانتقاله من زاوية إلى زاوية لطلب العلم ومعاشرته "الطُّلْبَة" ومعرفته الواسعة بهم وبثقافتهم الخاصة، زيادة عن شغفه باللغة العربية عامة واللهجات العربية للغرب الجزائري بالخصوص، أهلّوه لكتابة مثل هذه الصفحات الجميلة المفعمة بالحيوية، ولكن بقدر ما تبدو "رسالة الأبرار" قريبة من الأدب الهزلي الخاص بطُلبة المغرب العربي الممثل في "الخطبة الساخرة لعيد الطلبة بالمغرب"، بقدر ما تشكل المقامات نصوص ناضجة الأسلوب مهيأة ليس فقط لتصوير ممارسة لهوية لهيئة عرفية معيّنة كالطلبة ولكن لتعبّر عن ما يسمّيه الجباري "الفصاحة في الأوطان الغربية" أي القريحة الأدبية للجزائريين و قدراتهم الإبداعية.
وهنا ننبه إلى مشكلة هامّة تتعلّق بغياب مثل هذه الأعمال في ساحة النشر، يجب أن نؤكد أن عدم وجودها في المكتبات لا يعني أنها لا وجود لها أصلا، ولعلّ أغلبها لا زال في شكل مخطوط مغمور في بعض الخزائن المجهولة، لقد صرّح "دلفان" المدير لمدرسة الجزائر آنذاك، وصديق المؤلف في مقدمته أن المقامات العوالية لم يفكر الجباري أبدا في نشرها، ولولا إلحاحه عليه وتشجيعه له لما واصل كتابة الاثنتا عشرة مقامة، ومع ذلك كتب لها أن تنشر، ولكن وللأسف بعد موته.
لا شك في أن تأثير دلفان على الجباري كان عاملا حاسما في رفع الحواجز النفسية الناجمة عن الرقابة الذاتية التي كادت أن تحول دون نشر هذه النصوص، أكيد أن دلفان، بكونه مختص في علم اللهجات كان مهتما بـ" توسيع دائرة معارفه المعجميّة"، كما ذكر، أكثر مما كان مهتما بإطلاع الناس عن محاولة أدبية لها وقعها الخاص على تصوّرنا لأدب وطني بكل معنى الكلمة.
إن محمد إدريس، هذا المثقف الذي لم يقطع يوما صلة الرحم التي تربطه بأصوله الجزائرية كان مشغوفا بثقافته الأم وكان له إلمام بكل أطرافها وكان مستيقن من قيمتها، وهكذا، كيف لا يتألم ولا يشكو من الإهمال الذي أصاب الشعر الملحون في عصره حيث يقول "ولا يخفى أنه في بلاد الغرب كثير من فصحاء الكلام، منهم المؤرّخون والمدّاحون والراويون، والشيوخ أرباب التلحين وال?وّالون، وأنهم الآن ليست لهم شهرة عند العامّة، ولا عند ناس الشرق ولا المجانبة، ويضيف أنه ألّف مؤلفه هذا ليتصدّى لهذا الإهمال ولكن بأسلوب خفيف لـ "الاستطراب والابساط" ولعل "قاريها بالنظريّة" "يجد في النهر ما لا يجده في البحر".
وربّما لا نجد في بحر الأدب العربي في الجزائر وبالخصوص في نوع المقامة ما نجده في نهر المقامات العوالية، من وصف وفيّ للجزائري في بيئته و بلسانه، وبدون أن نطيل الكلام عن تاريخ هذا النوع من الأدب العربي ابتداء من بديع الزمان الهمذاني، والحريري، وصولا إلى اليازجي والمويلهي، ومرورا بالمغاربة كابن محرز الوهراني، لا بد أن نلاحظ أن هذا النوع لم يعرف ازدهارا كبيرا في منطقتنا، فلا يذكر المؤرخ لتاريخ الجزائر الثقافي الأستاذ أبو القاسم سعد الله رحمه الله إلا عددا يسيرا من الأسماء ومن المقامات الجديرة بالذكر، وفي ضوء ما جاء به في كتابه، يبدو أن المقامات العوالية هي ظاهرة فريدة في أدبنا من حيث العدد المقبول من المقامات ومن حيث أسلوبها المتميّز...
... وأخيرا لا نختم هذا التقديم للمقامات العوالية إلاّ بعد أن نؤكد أن هدفنا الوحيد، من وراء حرصنا على إخراج هذه النصوص وتلك الأخرى " جزائرية اللغـة والمضمون" من الظلومات إلى النور، هو إثراء التفكير والنقاش في موضوع اللغة الجزائرية وتعبيراتها المكتوبة.
أحمد أمين دلاي - وهران 2007/02/09.
0 التعليقات :
إرسال تعليق